أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - خليل صارم - وجهة نظر في مفهوم .الديمقراطية.الليبرالية.العلمانية















المزيد.....



وجهة نظر في مفهوم .الديمقراطية.الليبرالية.العلمانية


خليل صارم

الحوار المتمدن-العدد: 1330 - 2005 / 9 / 27 - 09:33
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


وجهة نظر في مفهوم
{ الديمقراطية والليبرالية والعلمانية }
انتشرت مؤخرا ً على ساحة منطقتنا مقولات الحرية والديمقراطية والعلمانية انتشار النار في الهشيم وفي بعض الأحيان بدت كأنها موضة أو زي يزداد الإقبال عليه ثم ظهرت أحزاب جديدة بهذا التصميم , لكن التفصيل أو مصمم الأزياء في بعضها لم يتقن عمله فبدا أحيانا ًضيقاً جداً حشر الحزب داخله حشراً ولم ينجح وأحياناً أخرى جاء واسعاً للغاية فبدا كالنملة تحت خيمة .
- من استعراضنا لما نشرته هذه ال( نيو أحزاب ) اكتشفنا كل ذلك ولكننا لاننكر أن هناك من عبر عن فهم دقيق وملائم لها ونظرة واقعية وتمكن من تكييفها بما يلائم المجتمع تماما ًانطلاقاً من نظرة واقعية وإيمان صحيح بهذه المقولات ( كالحزب الديمقراطي السوري ) وهذا مافرض علينا احتراماً لم نتمكن من مناقشته لدى عدد آخر.
- بعيدا ً عن أي فهم آخر قد يكون ناجما ً عن ترف فكري أو تنظير خيالي واستنادا ً الى استيعاب دقيق لحركة المجتمع ولتطورات العصر , وعلى الرغم من أنه قد يكون متأخراً قياساً لحركة التطور الفكرية الحضارية الإنسانية , مع ذلك فإنه يتوجب علينا تمثل هذه التطورات وإعادة طرحها ضمن سياق حركة منظمة واعية بعيداً عن العشوائية والتنظير الطوباوي الذي يؤدي الى اختلاط المفاهيم كما نراه سائداً في هذه الأيام كذلك فان هذا الطرح يتعارض تماما ًمع المفاهيم الأيديولوجية المتشددة والفكر الظلامي المتخلف الذي يتستر بالأديان مستنداً الى خلفيات عنصرية الطابع أو عقد نفسية مرضية مختلطة بمفاهيم شاذة للدين غايتها الحقيقية عرقلة حركة التطور المجتمعي . من هنا نتساءل كيف يجب أن تفهم الديمقراطية :
- الديمقراطية: قبل أن تكون الديمقراطية مجرد مصطلح تأتي تحته مجموعة عناوين ,من المفروض أن يكون مفهوماً بأنها ثقافة تراكمية تمارس على كافة المستويات بحيث تصبح عادة وغريزة لدى المجتمع ويشارك في تكوين هذه الثقافة موروث يتسم بممارسة عملية في المشاركة بإدارة شؤون هذا المجتمع من قبل أبنائه كافة وتحميها مجموعة من القوانين تمنع انتقاص هذه المشاركة وتدفع بهذا المجتمع الى العمل الدائم على تغيير واقعه بشكل قانوني بعيدا ً عن أي مطهر من مظاهر العنف والقسر والإلزام .
- لما كنا نفتقر الى هذا النوع من الثقافة في موروثنا الذي هو بمجمله موروث قمعي تخويني تكفيري لايعترف بالآخر , ولم تحظى مجتمعاتنا بفرصة ممارسة الديمقراطية بالأشكال المعروفة في العالم تطبيقاً وان تعرفنا على مفاهيمها وقواعدها كمتلقين ومطلعين , فان حالة المطالبة بالتطبيق الديمقراطي في مجتمعنا السوري تبدأ بحملة مكثفة لتوعية المجتمع بايجابيات االديمقراطية وضرورتها الشديدة والماسة لتحقيق النقلة الحضارية لمجتمعنا وإرساء أسسها عمليا ً ونظريا ً من خلال التأكيد عل ايجابياتها بما فيها من خير وتطور للمجتمع وان الفارق الحضاري بيننا وبين الشعوب المتقدمة يعود للديمقراطية التي لاتنفصل عن الحرية من حيث ضمان حقوق الفرد والمجتمع في المساهمة بإدارة شؤونه بفاعلية وحقه في اختيار مايناسبه . بمعنى أن الديمقراطية هي حاجة ماسة وضرورية للغاية لتجاوز حالة التخلف الى التطور والرقي لننطلق في رحاب الحضارة الايجابية . وعليه فان الواقع يبين أن تطبيقات الديمقراطية تتجلى في :
- المساواة التامة أمام القانون بين جميع المواطنين دون الأخذ بعين الاعتبار لموقع اجتماعي أو سياسي أو وظيفي ودون أي تمييز كان في الانتماء واللون والعرق والجنس .
- ان معنى حكم الشعب من الشعب وبالشعب ( وهو المفهوم السائد عن الديمقراطية ) هو حسب مايعني أن الشعب هو المنتج للتشريع عملاً بالعقد الاجتماعي ,لذا فانه من الضروري الوقوف موقفاً نقدياً من كافة أشكال التمثيل الأخرى المفروضة أو أية صلاحية للسلطة يمكن أن تنتقص من المشاركة الشعبية في القرار من خلال ممثليه ولجانه ومنظماته المدنية ولكي يكون الشعب حاضراً دائما فان ممثليه المنتخبين يجب أن يكونوا
في أية لحظة معرضين لرفع الحصانة عنهم واستبدالهم بواسطة صناديق
الانتخاب النزيهة لحظة الخطأ ويجب أن تنص القوانين على ذلك.
- أن تتحول النقابات والجمعيات الى منظمات مجتمع مدني يتم الاتفاق على اختيارها وانتخابها دون أي تدخل من السلطة إلا في حالة محاولة استثمارها من قبل قوى دينية أو عنصرية . والتدخل هنا يكون لمصلحة اعتدال الموازين لاأكثر ولا أقل .
ومن الواضح أن المساواة الديمقراطية تترجم بصيانة حق الفرد في مراقبة السلطة ونقدها لتصحيح الخطأ , وحقه في أن يقاضيها أمام القانون واتخاذ كافة الإجراءات القانونية التي تضمن حقوقه تجاهها كونها أصلاً تمثل الطرف الأقوى بمواجهة المواطن الفرد لذلك يجب أن تتوازن وتتساوى القوتان أمام القانون لنتمكن من توفير مناخ العدالة والمساواة .
وعليه فان الديمقراطية هي وجه العدالة الحقيقي , وهي متلازمة تلازماً تاماً مع الحرية لاينفصل فغياب أحدهما يعني موت الأخرى .
اضافة لذلك فان الواقع يشير الى أنه من غير الصحيح أن تكون الديمقراطية تعني في مضمونها خضوع الأقلية لرأي الأغلبية حتى ولو تمت عبر صناديق الانتخابات وهذا التعريف يخفي شكلاً من أشكال قمع الأكثرية وديكتاتوريتها أي أنه تشويه للديمقراطية وتضييقاً على الحرية اذا لم يتم توضيحه , لذا فان الديمقراطية بمعناها الحقيقي الصحيح والسليم تكمن في احترام ومشاركة كافة الآراء ضمن المجتمع الواحد وضرورة تمثل هذه الآراء في كافة مواقع القرار مهما كان حجم الأقلية ضئيلاً ولايجوز بأي حال من الأحوال أن تفرض الأكثرية رأيها على بقية أطياف المجتمع السياسية والدينية والأثنية ..الخ وبالطبع في ظل قانون متطور ومتوازن يراعي أدق التفاصيل .
إن هذا يقود الى توضيح معنى الأكثرية والأقلية المعنية هنا .
فالأكثرية التي يرفض سيطرتها هي الأكثرية المنبثقة من خلفية دينية أو عرقية أو قومية حتى ولو فازت عن طريق الانتخاب لأن القوانين يجب أن تحظر ذلك أما الأكثرية المتمثلة بكتل سياسية تضم مختلف الشرائح والانتماءات فهي غير مقصودة بهذا التعريف لأنها تمثل أساساً كافة الشرائح والانتماءات داخل المجتمع الواحد المتمثل بالهوية الوطنية , من هنا أشرنا الى حق الأقليات في التمثيل والمشاركة بالقرار ورفض خضوع الأقلية للأكثرية اذا كانت القوى الفائزة تتكيء على خلفية عرقية أو قومية أو دينية ( كون الطرفين الأكثرية والأقلية في هذه الحالة تضم كافة ألوان الطيف الاجتماعي ( لذا اقتضى التنويه )
- مع ذلك يتعين علينا أن نتساءل, هل يمكن تطبيق الديمقراطية بصيغتها المعروفة عالمياً في مجتمعاتنا .؟ هذا السؤال يتوجب الإجابة عليه بكثير من الدقة والحذر وبشكل مدروس انطلاقاً من واقع المجتمع . لأن الديمقراطية كمفهوم سياسي اجتماعي ( اقتصادي ) تحتاج الى واقع ملائم أو ( بيئة ) مؤهلة توفر آليات التطبيق , ونؤكد هنا على عبارة ( آليات ) التي نقصد فيها مجموعة العوامل الأساسية انتهاء بأدق التفاصيل التي تنقل هذه الآلية الى حيز الحركة والتفعيل ( التطبيق ) وتتسم بما يلي :
1- تجانس في الوعي ( التكامل ) بين كافة شرائح المجتمع( أو النسبة العظمى) من داخل هذه الشرائح كافة على اختلاف انتماءاتها وطبقاتها لتصب في حالة واحدة هي ( المواطنة ) .
2- توفر أو خلق حالة من التناغم والتكامل ( الاقتصادي ومستوى المعيشة) بين كافة أشكال التجمعات ضمن نطاق( الوطن ) عبر قاسم مشترك واحد هو السلطة ( الدولة ) ففي دولة كسوريا ضمن حدودها الحالية يمكن تقسيم التجمعات السكانية الى قسمين رئيسيين( ريف ) و ( مدينة ) والريف ينقسم الى قسمين من التجمعات السكانية( بدوي رعوي ) و ( ريفي زراعي ) وكل قسم منهما له سماته وعاداته الموروثة فالرعوي البدوي مايزال يعيش عاداته وموروثه القبلي بالرغم من انحساره وصغر حجمه واستقراره إلا أن أبنائه مايزالون يتوارثون عاداته وتشدده القبلي ويتناقض في حالات كثيرة مع التجمع ( الريفي الزراعي ) المستقر والأكثر حجماً وعدداً وتوزعاً , لكنه أيضاً مازال يحافظ الى حد ما.؟ على عاداته الموروثة وعلى رأسها العلاقات العائلية المتشددة بسبب العلاقة الاقتصادية بالملكية الزراعية ( الأرض) وتوارثها ومع العائلية تتسع حلقة الانتماء لتشمل العشيرة فالطائفة.
في القسم الثاني ( مجتمع المدينة ) نلاحظ أنه مجتمع مختلط من كافة التجمعات إضافة لأبناء المدينة الأصليين وهؤلاء يتحكمون بوسائل الإنتاج الأساسية والحرف والمهن وانضم إليهم شرائح كبيرة بسبب الهجرات الى المدن من الأرياف والبادية واستقرار أبنائها هناك بسبب التعلم والتهالك على الوظائف الحكومية والبحث عن مصادر دخل يومية بحكم أن التجمعات الريفية والبدوية تتسم بأن حركة الزمن وإيقاعاته لديهم بطيئة قاتلة فالاقتصاد يعتمد على الإنتاج الحيواني السنوي والزراعي الموسمي , في حين أن الزمن في المدينة يتمتع بقيمة أكبر شهري , أسبوعي , يومي, كما أن مدننا لم تتعرف بعد على سمات وملامح المجتمع الصناعي , الذي أصبح عريقاً في الممارسة والتطبيق الديمقراطي متجاوزاً كل هذه السمات التي أشرنا اليها في مجتمعاتنا , لأن الموروث السائد في مجتمعاتنا من حيث العلاقات القبلية , العائلية , العشائرية , الطائفية .قد تجاوزتها المجتمعات الصناعية بحكم علاقات الإنتاج المعقدة والقيمة الكبيرة للزمن الذي أصبح يتعامل مع الدقائق والثواني وحتى أجزاء الثانية وكل مدة لها قيمة في الناتج القومي واقتصاد الفرد والمجتمع بحيث لاتوجد مساحة للموروثات البالية التي تشتت المجتمعات . ومع ذلك فان المجتمعات الصناعية المتقدمة تعمد الآن لإعطاء مساحة وهامش أكبر من الوقت لاسترداد العلاقات الإنسانية المليئة بالمشاعر( الجانب الروحي ) بعد أن طحنتها عجلة التطور الصناعي المذهل وحولت الفرد الى قطعة في آلة ضخمة .
المهم في الأمر أنه يجب الإقرار بأننا كمجتمع يتسم بتناقضات تحتاج الى قاسم مشترك( الدولة بشكلها وصيغتها القانونية المدنية ) التي تقف حائلاً دون ترجمة هذه التناقضات الى حالة من الصدام والعدائية . انطلاقاً من ذلك يجب التركيز على آليات العلاقة بين مختلف شرائح وأطياف المجتمع بحيث يكون التطبيق متجانساً مع أوليات الحالة الديمقراطية .
لذلك فان الحالة الديمقراطية عندنا لايمكن أن تترجم ألا بأحد أوجهها وهو الأساسي والأهم ونقصد :
المساواة أمام القانون الذي يجب أن يكون متطوراً يعتني بأدق التفاصيل ويراعي الواقع الاجتماعي الاقتصادي , كون الانسجام المجتمعي الثقافي الاقتصادي غير متوفر , لذا فان الوعي لم يصل تماماً إلى مستوى التجانس المطلوب .
من هنا فان الحرية ( المحمية بقانون ) في كافة أوجهها هي الشرط الأساس الذي يمكن أن يوفر الانتقال الى الحالة الديمقراطية بشكل سليم ومتوازن كون الحرية تطلق إبداعات المجتمع وتسرع حركته باتجاه التطور وتؤسس للثقافة الديمقراطية بوجه متطور وربما أرقى من الأشكال الموجودة لتطبيقاتها في بعض دول العالم لأن الواقع العالمي وحالة تطور المجتمعات في العالم الحضاري المتقدم تفرض علينا عملية تسريع في خطوات الانتقال من حالة الى أعلى ( وليس حرق مراحل ) لأن هامش الزمن لم يعد من الممكن الاستفادة منه لمصلحة مجتمعاتنا كما في السابق مع ذلك فقد كان هامش الزمن يجير لمصلحة الأنظمة على حساب تطور مجتمعاتنا التي لم تكن تقبض على أكثر من وعود وخطط تنموية لم ينفذ منها شيء يغني ويسمن من جوع وإصلاح وهمي يجيره الفاسدون لزيادة فسادهم وإفسادهم .
وعليه فان الحالة الديمقراطية المطلوبة هي ديمقراطية صحيحة وحقيقية وقابلة للتطبيق بعيدا ً عن أية حالة فوضى لأنها يجب أن تكتمل تحت مظلة القانون الذي يترافق تطورا ً مع تطبيقاتها بحيث يكون حارسا ً وحاميا ً لها . وهذا مايتعارض تماما ً والأكاذيب التي تسوقها القوى العالمية الطامعة ( النظام الأمريكي ) عن ديمقراطية وحرية ثبت بكافة المعايير أنها كاذبة ولاتمت الى الديمقراطية والحرية بصلة وقد اتضح أنها شريعة غاب بكل مافي هذه الكلمة من معنى وهم لم يخجلوا من ذلك عندما أطلقوا عليها اسم ( الفوضى الخلاقة ) فأي خلق وإبداع يترافق مع الفوضى ؟؟!! .
لقد اتضح تماما ً أنها فوضى تدميرية أيقظت كل أشكال التخلف والقمع وإبادة الجنس والنوع كما في العراق الذين يعاني الأمرين من الديمقراطية والحرية التي جلبها النظام الأمريكي مع دباباته وصواريخه ونشاطات كل قوى الشر في العالم بدءاً من المخابرات الأمريكية والإسرائيلية وعملياتها القذرة وانتهاء بعمليات القاعدة والزرقاوي ( التي لم تتكشف حقيقتها بعد) ؟؟ الحليفة لها والمعادية لكل القيم الأخلاقية الانسانية وبتنسيق تام , وقد لاحظ الجميع وتأكدوا أنه وفي كل مرة يحشر النظام الأمريكي سياسيا ً وأخلاقيا ً على الصعيد العالمي نفاجأ بعملية قذرة تتبناها القاعدة وجماعة الزرقاوي ؟؟؟ ليتلهى العالم بها بدلا ً من استمرار الضغط على النظام الأمريكي.
اذا ً هذه هي الحرية والديمقراطية الأمريكية , مع ذلك نجد من يتبناها من القوى التافهة والفارغة سياسيا ً وأخلاقيا ً التي تتحدث باسم المنطقة والمقيمة خارجها والتي لم تكن يوما ً ما ؟ تؤمن بالديمقراطية, وهي قوى ساقطة حتما ً لأن شارعنا بات قادرا ً على إعادة تقييم مايطرح أمامه معتمدا ً في ذلك على النسبة الغالبة من مثقفيه وأبنائه الواعين والشرفاء وعلى ضرورة التقائهم تحت سقف المواطنة والعمل بالتنسيق مع الوجه الحضاري في السلطة للانتقال نحو حالة الديمقراطية والحرية الحقيقية التي ننادي بها وصياغة المستقبل بكل أمانة وإخلاص .
وهنا نلتقي مع التعريف التالي للديمقراطية والذي يقول : ان الديمقراطية هي الإطار الدستوري والقانوني للحرية وللتناوب الحر على السلطة والحكم من أجل تغيير الواقع والانسان سلميا ً استجابة لحاجاته المادية والمعنوية وتحقيقا ً لها
الليبرالية
ان مفهوم الليبرالية بشكله الصحيح يعني تماماً إطلاق حرية الأفراد والجماعات
( المجتمع بكافة شرائحه وانتماءاته الفكرية والاقتصادية ) وكافة أوجه الحرية الأخرى سياسة أدب فكر اقتصاد التنقل والإقامة ونوعية العمل الذي يبرع فيه الأفراد والجماعات بقصد إطلاق الإبداعات دون أي قيد مهما كان وبعيداً عن كافة أشكال القسر والإلزام والإكراه ,( وذلك ضمن اطار دستوري وقانوني ) يحمي هذه الحرية من كافة أشكال التجاوز والتعدي ويحولها الى مجرى منظم بحيث لاتنقلب الى فوضى انطلاقا ً من قاعدة أن الحرية لايمكن حمايتها الا بمزيد من الحرية والواقع الحالي يؤكد أن الاقتصاد يجب أن يتحرر من وصاية الدولة المباشرة عليه استكمالاً لحرية الفرد والمجتمع على أن يتفق على برامج اقتصادية تهدف الى استكمال عملية الإنتاج الملائمة لسد الثغرات في العملية الاقتصادية بين كافة المناطق وأن تراعي هذه البرامج عمليات التنمية وتطوير قدرات الفرد والمجتمع بما يحقق الاكتفاء والرفاهية للجميع .
إن لبرلة الاقتصاد لاتعني بأي شكل ترك الإنتاج دون حماية على أن يكون هذا الإنتاج قادراً على المنافسة بحيث تكون عملية تطويره دائمة ومستمرة من خلال الدعم المستمر لقدرات الأفراد والمؤسسات الإنتاجية والصناعية ورعايتها وحمايتها ويشمل ذلك الإنتاج الزراعي والحيواني أو الثروة الحيوانية الى جانب الصناعات القائمة والصناعات التي نحن بحاجة لها حسب الأهمية وأولويات الضرورة على أن يتم ذلك وفقاً لدراسات يضعها متخصصون في كافة المجالات مبنية على تجارب ناجحة في بيئة ومستوى متشابه وعلى مسؤولية واضعيها .
- ان لبرلة الاقتصاد لاتعني إطلاقا الانتقال الفوري والمفاجئ من الاقتصاد المبرمج الى الاقتصاد الحر أو اقتصاد السوق بالشكل الذي حدث في دول الاتحاد السوفيتي السابق وبقية دول الكتلة الشرقية التي عانت من فوضى أدت الى انهيار التركيبة الاجتماعية وبروز مافيات سيطرت بشكل وحشي ومدمر على مقدرات تلك الدول والشعوب سياسياً واقتصادياً واجتماعياً . على أن تكون هذه اللبرلة للاقتصاد قادرة على تحقيق مستوى أعلى للدخل وامتصاص اليد العاملة العاطلة ( القضاء على البطالة ) بحيث تهيء للانتقال الى الرفاهية لأن مجتمع لاتتوفر لديه مستويات دخل محترمة غير قادر على تلبية حاجاته وبالتالي تصبح الدورة الاقتصادية عديمة الجدوى وسيعاني الإنتاج من الكساد الذي يستتبعه انتشار البطالة ووقف عجلة التطور
إن المطالبة بتحرير الاقتصاد من وصاية الدولة وفق عملية هادئة وهادفة ومستمرة بعيدة عن الإرباكات تبدأ من :
1- خصخصة المؤسسات الفاشلة والخاسرة في القطاع العام لكن ذلك لايعني طرد آلاف العمال من ذوي الخبرة ويمكن اعتبارهم شركاء مساهمين على قدر خدمة كل منهم وليس من الضروري أن تبقى المؤسسة ملزمة بهم بعد تخصيصها ولكن يمكن أن يتقاضوا بدل أرباح أسهمهم أو بيع هذه الأسهم في البورصة ..الخ أو توسيع القاعدة الصناعية أفقيا ً بحيث تستوعبهم وفق الشروط والأنظمة الجديدة التي يجب أن تكون أفضل من السابقة ( الحالية ) .
2- رفع سوية المؤسسات الناجحة كي تكون قادرة على مجاراة العصر والتطور الإنتاجي الصناعي الحاصل في العالم . فالنجاح لايعني أن تكون هذه المؤسسات رابحة فقط ولكن النجاح يكمن في القدرة على التطوير الدائم والمستمر والمنافسة الداخلية والخارجية ,وإلا فإنها تعامل معاملة المؤسسات الخاسرة .
3- يتوجب أن يرافق ذلك بشكل حتمي تطور واضح في القوانين وفي آلية عمل الأجهزة الادارية للدولة لمنعها من إحلال التعليمات المزاجية والملغومة محل القوانين لتتمكن من القفز فوق الحالة البيروقراطية المقيتة التي كانت وما تزال سبباً رئيسياً في كبح جماح التطور وخنق الإبداع وتقزيم وحرف القوانين وبالتالي نشر وتعميم الفساد الذي تجاوز كل الخطوط الحمراء ليصب في خانة الخيانة مباشرة .
4- كما أنه من الضروري جدا ً عودة الطبقة الوسطى لكي تأخذ دورها كاملا ً في العملية الاقتصادية الاجتماعية الى جانب طبقات المجتمع الأخرى لأنها وعبر التاريخ كانت وماتزال هي عامل التوازن بين طبقات المجتمع
و ضمن كافة المجتمعات في العالم وان القضاء عليها يسبب ظلما ً فادحا ً وطغياناً شديداً من طبقة على أخرى .من جانب آخر فإنه لامانع بل من الضروري الأخذ بالجوانب الايجابية من أية تطبيقات ناجحة للاقتصاد الحر في العالم تكون مستندة على خلفية ديموغرافية مشابهة لنا دون أن نلتزم بنظرية محددة بعينها قد تكون ناجحة في جوانب وفاشلة في أخرى فمجتمعنا لم يعد قادراً على تحمل التجارب الغير مضمونة أو النظريات الخيالية والطوباوية . والاقتصاد يجب أن يستند على دراسات دقيقة للتوزع الديمغرافي مراعياً التفاوت في التطور بين منطقة وأخرى داخل الدولة ويدخل في ذلك البيئة والمناخ والمصادر الطبيعية للمياه والطاقة والثروات الباطنية المختلفة وانطلاقاً من ذلك يمكن للدولة أن تأخذ دور المراقب النزيه القادر على التدخل عند اختلال الموازين بحيث تعمل على تقليص الفوارق في التنمية بين منطقة وأخرى .

في مفهوم العلمانية:

- لم يتم الاتفاق بين مختلف قطاعات المثقفين على مفهوم محدد للعلمانية , ولكن يمكن توصيفها بأنها رؤية واقعية مجردة للمجتمع والمحيط والكون تنطلق من الاحترام لقواعد العلم والمنطق العقلاني والرؤية السليمة وهي تستمد معيارها من منظومة القوانين المدنية التي تقف على مسافة واحدة من كافة شرائح وأطياف المجتمع وتهدف لحماية وتطوير الفرد ( الانسان ) وخدمته تحت ظل المواطنة والوطن.
- وعملاً بالقاعدة المنطقية التي تؤكد بأن ( لكل نتيجة سبباً ) يجب البحث فيه وإدراكه على حقيقته , لذا فانه في حالة تردي المجتمعات وتخلفها يجب أن يكون السبب أو الأسباب عائدة الى تركيبة النظام الاجتماعي والأسس التي بني عليها خاطئة وغير سليمة بالمطلق من حيث النمطية وعلاقة شرائحه ببعضها البعض أو أن الخطأ يكمن في منهجية تفكير القوى المسيطرة على هذا المجتمع والموجهة له والتي تتحكم بعلاقة هذا المجتمع مع واقعه الحقيقي وهنا نصل الى مجموعة القوانين والأعراف والعادات التي تنظم هذه التركيبة , وكذلك المنظومة الأخلاقية التي يتلقاها وتلقن له فقد تكون سهلة الاختراق لجهة المفاهيم التي تبرر هذه الخروقات , أما في المجتمعات المتطورة فتكون كل هذه الأمور مجتمعة أقرب الى الواقعية والعقلانية لجهة التطبيق والسلوك اعتماداً على العلم والمنطق والقانون المتطور الذي يعتني بأدق التفاصيل بشكل يحصنه من الاختراق .
من الواضح أن من أهم أسباب تردي المجتمعات وتخلفها ( سيادة منطق القسر والإلزام وسيطرة الأقوى ) هذا المنطق المنحرف يصل بالنتيجة الى تهميش المجتمع وارغامه على البقاء تحت سيطرة الأقوى ووصايته , هذا الأقوى الذي يتولى تنظيم شؤونه وفق رؤيته الخاصة دون الأخذ بعين الاعتبار مايراه المجتمع مصلحة له وكأنه قاصر . عندها يبتعد المجتمع عن السعي لتطوير نفسه والبحث في أدوات هذا التطوير ليهرب باتجاه الغيبيات بحثاً عن وهم الاطمئنان والأمل بمساعدة غيبية لتبديل هذا الواقع . وعلينا أن نملك الجرأة للاعتراف بأن غالبية مجتمعنا بكافة أطيافه وانتماءاته يحتاج بسبب موروثه القمعي الذي أبعده عن مجاراة تطورات العصر الى فترة زمنية قد تطول أو تقصر وذلك عائد لديناميكية القيادات والأحزاب كي يحسن التعامل مع آليات التطور الحقيقية فالنظرة الى الواقع تختلط لديه بالكثير من الغيبيات والخرافة ونحن مانزال في غالبيتنا ننتظر الحلول لأعقد مشاكلنا من باطن الغيب , ونرفع أيدينا بالدعاء طالبين من الإله أن ينزل غضبه على أعدائنا دون أن ندرس عقليتهم ونضع الاحتمالات لما يخططون له وإنزال الغيث والنهر بجانبنا وإكثار الرزق والأرض بحاجة لمن يعتني بها أو أننا نحجم عن ابتداع أساليب جديدة لتحسين مستوى الدخل أو ندرس بشكل علمي وجدي أسباب البطالة وسبل محاربتها الحقيقية وليس التهريجية وأسباب الكساد وسوء توزيع الثروة وسوء قوانين جباية الضرائب والشفاء من المرض ولانثق بالطبيب بل ان الثقة تمنح لأحد المشعوذين , ونذهب الى الدجالين للاتصال بالجن للبحث عن المسروقات أو عمن صنع لنا حجاباً للطلاق أو لإيقاعنا بالمشاكل ثم نتهم أحد الجيران أو الأصدقاء ونرفض أدلة برائته ثم ندعوا أن يعيدنا من السفر سالمين مع أن الرعونة في قيادة السيارة وعدم الاهتمام بصيانتها جيداً وعدم الالتزام بقوانين السير كل ذلك يؤدي الى الحوادث والإصابات حتماً ومع كل ذلك فانه إذا حدث ماهو متوقع وأكيد في هذه الحالات نتهم الإله والقدر المقدور بما يحدث ونمنن بالصبر عليه ان هذا مايعيدنا الى رؤيتنا للعلمانية على أنها وكما أشرنا رؤية واقعية عقلانية أو نقل العلم من حالة الفرضيات الى أرض الواقع والتطبيق سواء كان بالاستفادة من تجارب الغير في ظل ظروف ومعطيات متشابهة أو بالاعتماد على المقدرة الذاتية انطلاقاً من رؤية سليمة ودقيقة للواقع تكون قابلة للتجسيد بالأدوات المتوفرة .
- إن هذه الرؤية تهدف الى استبعاد الخرافة عن مفاهيم المجتمع والتي اختلطت بالمفاهيم الدينية نتيجة عهود طويلة من التخلف والجهل والتجهيل والاستعاضة بالخرافة والمفاهيم المتخلفة المنحرفة عن قواعد العلم في مفهومها للمجتمع ونظامه والعلمانية في واقعيتها هذه ليست في موقع سلبي من المعتقدات والأديان ولكنها على العكس من ذلك فإنها ترى في التثقيف الروحي المستند الى أسس المنظومة الأخلاقية والتي تشكل العمود الفقري لكافة الرسالات السماوية ( الوصايا العشر في التوراة والإنجيل والحكمة في القرآن الكريم ) مكملة لها وأداة مساعدة في تطوير المجتمعات , كون المنظومة الأخلاقية توفر الدافع اليقيني للمجتمع في تقصي أسباب وقواعد تطوره ونهضته , فهذه المنظومة المرتكزة على سمو روحي تشكل القاسم المشترك بين الديانات ( كما أسلفنا ) وبهذه الحالة فان الاختلافات والتعددية تصبح عامل إغناء ايجابي تنافسي يضج بالحركة المحرضة للتطور في مناخ العلمانية .
- ان العلمانية في مجتمع متعدد الأطياف والمذاهب والأثنيات كالمجتمع السوري , هي الدواء الأنجع الذي يقضي على أسباب التخلف والجمود ويرفع الحالة الوطنية الى سقفها الأعلى , فهي توفر حالة انصهار كاملة في بوتقة الوطنية والوطن مع الحفاظ على المعتقد الديني بوجهه النقي وعموده الفقري ( منظومته الأخلاقية ) والمقصود بالطبع حالة ( السمو الأخلاقي والروحي ) لتشكل عامل تقارب مهم ولحمة أكبر بين لكافة أطياف المجتمع بما توفره العلمانية من احترام شديد لحرية المعتقد ( إضافة لأوجه الحرية الأخرى ) لايكون فيها أي شكل من أشكال القسر والإلزام المادي والمعنوي . لذا فإن العلمانية تعني الانفتاح الرحب على الآخر ضمن كافة أطياف المجتمع واحترام شديد متبادل للمعتقدات والآراء ومشاركة إنسانية متساوية , وترفض رفضاً قاطعاً أن تكون النظرة الأحادية ذات الخلفية الدينية أو المذهبية أو العرقية أو القومية أو من حيث الجنس هي المنطلق والدافع في الحكم على الآخر وتدينها بشدة .
هذه الأحكام المسبقة التي عانينا منها الأمرين وبشكل تبادلي على مر العصور والقرون تخللتها تصورات مريضة منحرفة ( ساهم فيها الجميع
بلا استثناء ) وذهب ضحيتها النخب المتنورة القادرة على تطوير المجتمع وقيادته باتجاه الحضارة .والواقع أن هذه التصورات لاتمت الى ثقافتنا ومعتقداتنا الصحيحة بصلة لكنها حشرت في كل ذلك بحكم واقع التخلف الذي فرض علينا في عهود سابقة أنتجت الجهل واختلاق الافتراءات المتبادلة والتصورات المرضية والروح العدائية بسبب سيطرة عقليات منحرفة كانت تعمل على تكريس كل ذلك بقصد الحفاظ على مصالحها وسيطرتها المطلقة على المجتمع .
- ان العلمانية عندما ترفض أي سلطة لرجال الدين أو مشاركة سياسية معنى ذلك أنه لايجوز أن يحكم المجتمع بسلطة مستمدة من خلفية دينية مهما كانت لأنها ستكون منحازة حتما ً وبالتالي قمعية فالسلطة يجب أن تكون على مسافة واحدة من الجميع لتكون حامية للحرية وحارسة للديمقراطية وهي بنفس الوقت الحامية لحرية المعتقد على اعتبار أنها من صلب الديمقراطية لذلك فان دور رجال الدين ينحصر في مجال التوعية والتبشير والالتزام بالمنظومة الأخلاقية ومنع التحريض والزعم باحتكار الحقيقة , وليس معنى ذلك أن العلمانية تقف ضد الدين وليست الحاداً كما يشنع عليها ( كذبا ً وافتراءً المتخلفون والمتشددون أو بعض أصحاب المصالح الخاصة من رجال الدين وحتى بعض الأحزاب الدينية المتعصبة التي تحلم بحكم المجتمع وفق تصوراتها المتخلفة والمنحرفة عن سنة الحياة ) ولكنها تبرز الوجه الصحيح والسليم للأديان كافة, ولنلاحظ معاً أن نسبة لابأس بها من المثقفين العلمانيين في مجتمعاتنا وحتى في المجتمعات الأوربية هم من الملتزمين بالواجبات الدينية وهم لايرون أي تناقض بين علمانيتهم وبين الالتزام بالواجب الديني والمريح في الأمر أنهم الأكثر ميلاً للالتزام بالمنظومة الأخلاقية من خلال فهمهم العلماني لها وهم واضحين جداً في علاقاتهم بالآخر وبالتالي فهم يرون في العلمانية دافعاً أساسياً لنهضة المجتمع وتطوره . وهنا نتساءل : هل كان من الممكن رؤية المساجد ودور العبادة المختلفة في أوربا لولا أنظمتها وقوانينها النابعة من العلمانية ؟!! ونستغرب أن نسمع من البعض من يتهم العلمانية بالإلحاد والكفر ؟؟ وكأن العلماني المتدين يذهب الى دور العبادة خوفاً منهم أو أن أوربا مجرد مستعمرات خاضعة لهم يفعلون فيها مايشاؤون .
مع ذلك فإننا قد نختلف مع الكثير من المثقفين الغربيين في فهمنا للعلمانية فالكثير من المثقفين الغربيين أو رواد التحديث الغربي الذي يقوم على نفي قدرة الإنسان على تجاوز قوانين وحتميات المادة ويرون أن العالم مكتفياً بذاته ويحرك ذاته وعلى ذلك فسروا مفهومهم للإنسان بحيث نظروا اليه نظرة شيئية , ويرون أن حاجاته الأساسية وحواسه هي التي تحدد سلوكه في حين أننا نرى أن الحتمية المادية أو القاعدة العلمية البحته لايمكن أن تنطبق على الإنسان بشكل تام فالإنسان يتمتع بالميزة الأخلاقية النابعة من حالة السمو الروحي التي يتبناها والسلوك القادر على التكيف وفق المستجدات في حين أن المادة لايمكن لها أن تتجاوز حيزها المادي أو قاعدتها العلمية .فمفهومنا للعلمانية اذا ً يجب أن يرتقي بالإنسان الذي هو أهم من كل شيء ونراه يشكل جانبين:
- الأول الجانب المادي بجسمه كما هو وقدرته على الفعل والتأثير في المحيط .
- والثاني هو الجانب الروحي المختلط بالمشاعر والأحاسيس الوجدانية التي لايمكن قياسها بأي شكل من الأشكال بالمادة والتي تشكل محرضاً ودافعاً أكبر له فيضيف على الفعل اللمسة الإنسانية ويكتسي إنتاجه بنوع من الحميمية ليرتقي بشكل دائم. بمعنى أنه لايجوز أن يكون الإنسان مجرد أداة ضمن آلة كبيرة تديرها الشركات المتعددة الجنسيات والاحتكارات العالمية التي تعمل لتجعل كل شيء تحت سيطرتها .
إذاً فنحن وفقا ً لذلك نمتلك رؤية تحديثية أعلى يكون الإنسان فيها هو القيمة العليا أولا ً وأخيرا ً وان كل ماهو متوفر في الطبيعة وجد أساساً لخدمته ولرفاهيته متحرراً في الوقت عينه من قيود المادة التي أحاطت بها العلوم الطبيعية التي لايمكنها أن تحيط بالإنسان من الجانب الروحي والأخلاقي هذا الجانب الذي لايمكن استيعابه ضمن المعايير العقلانية التكنولوجية .
- ولما كانت العلمانية كما بينا وحسب مفهومنا هي رؤية ومفهوم واقعي للمجتمع والمحيط وليست أيديولوجيا فان معنى ذلك أنها رؤية خلاقة دائمة التطور والارتقاء لتجاري مستجدات العصر بشكل دائم الحركة بل أنها القاعدة الأساس في عملية التطور لابل أنها تضع التصورات المسبقة لحركة التطور المستقبلية المبنية على تحليل دقيق لحركة التاريخ أما الايدولوجيا فإنها تحشر نفسها في النص ضمن حدود نظريتها ولايمكن لها بالتالي تجاوزها لتصل الى مرحلة من الجمود تعود فيها لتجتر أفكارها دون القدرة على الرؤية السليمة لحركة التطور المجتمعي في كافة جوانبها وخاصة المستقبلية .
- إن العلمانية كما نفهمها وكما هي بالواقع تعني الفصل بين ماهو مقدس وبين ماهو دنيوي ذلك أن هناك الكثير من جوانب الحياة الطارئة بحكم إيقاعات العصر المتسارعة والتطور العلمي المذهل لاتخضع لأية مقاييس دينية فقهية وفق الموروث بحيث أنها لايمكن أن تتطابق مع الاجتهاد السابق , مع ذلك فمن الممكن أن يطالب قسم من المجتمع بفقه ما , لذا يجب أن يكون هناك فقه متطور يتعامل به ويخرجه رجال دين متطورين فكرياً وثقافياً ( بعيداً عن ثقافة الخرافة والجمود والتحجر والمرويات المختلقة في ظروف سابقة لمصلحة القوى التي كانت تتحكم بالمجتمع ) قادرين على التوفيق مابين النص الحقيقي والعلم والواقع وبشكل لايتعارض إطلاقا مع حركة تطور المجتمع ( وهذا مايحدده المجتمع وفق رغباته بمعزل عن النظام ولكن بشكل لايتعارض مع القانون ).
من هنا نرى أن من يتصدى للتعاطي بالشأن الديني يجب أن يكون ممسكاً بأطراف مختلفة من العلوم والفلسفة بحيث يصبح قادراً على فهم السياق التاريخي لحركة المجتمع بشكل يؤهله للدفع باتجاه فرز الفعل الإنساني المجرد عبر التاريخ عما هو مقدس وفق الموروث وبالتالي تعرية هذا الكم الهائل من الموروث المشتبه .
بناء على ماسبق فإننا نرى أن (القيم الروحيه الأخلاقية) لايجوز أن تنفصل عن الواقع والواقعية ( العلمانية ) . والواقع أنه لايمكن لأية نظرية أو آيديولوجية أو رؤية أن تلاقي قبولا ً مالم تكن مستندة الى قاعدة أخلاقية أو (مجموعة مفاهيم أخلاقية ) لذا فإننا نختزل كل ذلك في الرموز التالية
( الحق – الحقيقة – الحقائق العلمية )
فالحق : هو قيمة أخلاقية تكون أساس في الأحكام بصوابية السلوك الإنساني والإلتزام الأخلاقي وفق جدول المقاييس الأخلاقية أو( المنظومة) الذي ينعكس على العلاقات الإنسانية ايجابياً , وهو بالتالي الإقرار بصوابية السلوك الأخلاقي الايجابي والالتزام به .
أما الحقيقة : فهي الواقع المجرد الملموس والمشاهد عيانياً والإقرار به كما هو دون الانحياز الى المشاعر الشخصية والأهواء والعواطف بمعنى أن هذا الإقرار يجب أن يكون محايداً مطابقاً خالياً من أية شائبة .
الحقائق العلمية : هي مجموعة القوانين والقواعد التي تحكم حركة الطبيعة والكون والمجتمعات والاقتصاد والنتائج التي نجمت عنها جراء العمل بهذه الحقائق أو مخالفتها ويشمل ذلك الفهم التاريخي للواقع الحالي كنتيجة منطقية كما هي حاصلة وتحصل بمعنى أن الواقع هو نتيجة لمقدمات تاريخية مهدت لهذا الواقع , أي أنها لاتخضع للتخمينات والاحتمالات فالحقائق الحاصلة على الأرض هي نتاج أو إجابات لقواعد علمية خولفت أو طبقت عبر التاريخ الخاص بكل مجتمع ولمسناها كنتائج لذلك . من هنا يمكننا أن نبني توقعاتنا المستقبلية بأقرب مايكون الى الدقة إذا راعينا التطورات التي تحصل بالنسبة للمجتمعات وازدياد الكم المعرفي للإنسان حيث أخذ في الاقتراب من الدقة في فهم الحقائق الكونية والمحيط , مع الانتباه الى أنه في حال ظهور مايخالف هذه الحقائق التي اقتربت من المسلمات فان ذلك يعود لسببين رئيسيين :
الأول : أن الفهم السابق قد يكون منقوصاً أو خاطئاً أو أدخلت عليه مفاهيم مغلوطة بشكل مقصود وهنا تكون القاعدة قد خرجت عن كونها حقيقة مجردة لذا يتوجب إعادة فهمها أو صياغتها بالشكل السليم ولو جاء ذلك متأخراً .
الثاني : أن القاعدة التي ارتبط بها الحدث أو الواقع ( النتيجة ) قد تكون كما عرفت صحيحة تماماً , إلا أن هناك حالة أو حالات من الشذوذ قد رافقت التطبيق ( الفعل ) أو طرأت عليه ( فانحراف نجم أو نيزك عن مساره لايعني قطعاً أن قوانين الجاذبية خاطئة ) لكنه قد يكون قد تعرض لفعل طارئ أو مؤثر خارجي حرفه عن مساره.
لــــــــذلك يمكن أن تكون العلمانية هي كل ذلك ولاترتبط في الوعي أو المفهوم بجانب دون الآخر بمعنى أنها كل متكامل , أما النظرة المنقوصة أو الفهم المنقوص لها يكون أحادي الجانب يناقضها تماماً كوحدة مفهوم شاملة وهذا الفهم المنقوص يكون مقصوداً غايته الافتراء على العلمانية وتشويهها في وعي المجتمع الذي يتسم القسم الأكبر منه بالتدين ولأن العلمانية تتناقض مع المفاهيم الدينية المغلوطة وتنسجم مع جوانبه الصحيحة (المنطقية العقلانية) فإن هذا يؤدي الى نسف مرتكزات أصحاب النظرة الضيقة المتشددة وتزعزع مصالحهم التي يراهنون على استمرارها باستمرار تخلف وعي المجتمع والحفاظ على هذا التخلف لأطول مدة ممكنة .فمفاهيمها هذه مناقضة تماماً للحرية التي قدستها الرسالات السماوية وبالتالي فان فعل هؤلاء بالنتيجة مخالف تماماً لأصول الدين الذي يزعمون الدفاع عنه وهم في الواقع يقصدون تماماً تشويهه والحفاظ على المفهوم المنحرف للأخلاق والسمو الروحي .
نخلص الى نتيجة هي : إن نعت العلمانية بالإلحاد هو الحاداً بحد ذاته لأن الإلحاد والكفر لغة ً يعني دفن الحقيقة والتورية عليها وإظهار مايخالفها , فإذا كانت العلمانية كما بينا تشتمل على قيم وقواعد الحق , والحقيقة , والحقائق العلمية والإقرار بكل ذلك فان مجرد اتهامها بالكفر والإلحاد أو حتى استبدال تسميتها يصبح المقصود منه التنكر لهذه القيم والقواعد , فما هو البديل الذي يعرضه هؤلاء المكفرون ؟؟؟ الجواب واضح وضوح الشمس , فهل بعد ذلك كله يمكن لمن يدفن هذه القيم والقواعد ويتجاوز على الحرية أن يتهم الآخر ( العلماني ) الذي يفهم الدين بوجهه الحقيقي السليم والصحيح بالكفر إذا اتفقنا على معنى الكفر ؟؟!! فهل يعقل أن يقوم الكافر بتكفير الغير .؟؟!!!!
فإذا أجاب بأنه لم يكن يعلم بهذه الحقائق ؟ يكون قد أضاف حكماً آخر على نفسه كونه حكم على( الحق والحقيقة والحقائق العلمية) من موقع الجاهل وردد ببغاوية ودون إعمال العقل مايريده الآخرون المشبوهون ( هذا واقع نراه سائداً في مجتمعاتنا بكل أسف ) ويتوجب علينا تكثيف الجهود لتغييره وبإلحاح شديد , وإلا فإننا سنبقى على هامش التاريخ وعلى هامش المساهمة في الفعل الحضاري الإنساني .
بالنتيجة يمكننا تلخيص شروط العلمانية وفقاً للحقيقة ولقناعاتنا كالتالي :
1- فصل الدين عن السلطة ( العمل السياسي) : ضماناً لحرية المجتمع , وأن تكون حرية المعتقد أمر خاص بالفرد يمارسه وفق مشيئته وبشكل لايتعارض مع مصالح المجتمع وحرية بقية المعتقدات , بعيداً عن أي شكل من أشكال القسر والإكراه والضغط والإلزام المادي أو المعنوي , ذلك أن هذه الحرية يجب أن تكون مقدسة ومصانة وفقاً لنصوص قانونية عصرية متطورة تراعي أدق التفاصيل , علماً بأن هذه الحرية مصانة ومقدسة وفقاً للرسالات السماوية والكتب المقدسة وعلى رأسها القرآن الكريم الذي شدد على هذه الحرية وأضفى عليها طابع القداسة ولم يفوض أحداً حتى الأنبياء بإكراه أو إلزام الآخر بالإيمان والقبول وترك الحرية لهذا الآخر (الإنسان) كي يؤمن أو يكفر لأنه (لاتزر وازرة وزر أخرى ) ومن لم يقتنع عليه مراجعة القرآن الكريم وأقوال وأمثلة السيد المسيح كما وردت في الإنجيل.
2- حرية المعتقد والانتماء : وعدم المساس بها كما أوضحنا صيانة لحقوق الأقليات وباقي أطياف المجتمع الأخرى دينية , مذهبية , أثنية , عرقية , لون أو جنس ( نوع ) وضماناً لعدم تجاوز شريحة على أخرى سواء من حيث العدد أو القوة المادية أو المعنوية فالجميع يستقوون بالوطن وتحت سقف المواطنة والوطنية يلتقي كافة أبناء الوطن الواحد
3- حرية المرأة وضمان حقوقها الكاملة : بالرغم من أننا أوضحنا ذلك في البند السابق مع ذلك يجب أن يصان حقها في المشاركة التامة في كافة مجالات الحياة التي تعبر عن مقدرتها في خوضها ( اجتماعياً – اقتصادياً – سياسياً ) على قدم المساواة والندية مع الرجل بدءاً من ضمان حقوقها القانونية العادلة ضمن مؤسسة الزواج أسوة بالرجل خاصة وأن القانون لدينا غير عادل على الاطلاق مع المرأة ( لأنه يراعي نظرة الرجل الى المرأة في حالة الخطأ على أنها دفاع عن الشرف ولا يراعي بالمقابل نفس النظرة بالنسبة للمرأة ) يضاف الى ذلك أن معايير الشرف في مجتمعاتنا تنحصر في نقطة واحدة ووحيدة وتشطب كافة معاييره الحقيقية من صدق وأمانة وإخلاص ونزاهة والشعور بالواجب ,يضاف الى ذلك حفظ حقها في العمل والترشيح والانتخاب وفق ماتؤهلها عليه ثقافتها وتحصيلها العلمي والخبرة المكتسبة والمقدرة على تحمل أعباء المسؤولية وفق قرارها وليس وفق تقديرات الآخر .
4- ان إحساس الفرد بالحرية وممارسته لها وشعوره بأن حقوقه تصله كاملة ولا يستطيع كائنا ما من أن يعرقلها يجعل الالتزام بالواجب لديه ذاتياً يصل الى حدوده العليا لذا فإننا نرى أن هذا الفرد أكثر شراسة في الدفاع عن وطنه ومجتمعه من ذلك الذي تحركه مشاعر عاطفية بحتة تتلاشى تماماً عند اصطدامها بالواقع لذا فان دورنا هنا يتجلى في إعادة صياغة المواطن الحر الواعي الذي ينعم بحقوقه كاملة وتحمي إنسانيته قوانين متكاملة تعاقب بشدة كل من يعتدي على حقوقه أو ينتقص من إنسانيته لنصل الى المواطن الملتزم ذاتياً .
يتبع .






#خليل_صارم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أيها السادة لاتقولوا أمريكا .قولوا النظام الأمريكي .
- عرب هذا الزمان
- سور التخلف
- الجزء 8 مداخلة في أسئلة الليبرالية
- لوحات عربية
- واقع القوى السياسية على الساحة السورية وخطاب الشارع 5
- واقع القوى السياسية على الساحة السورية وخطاب الشارع - ملحق ا ...
- واقع القوى السياسية على الساحة السورية وخطاب الشارع 4
- واقع القوى السياسية على الساحة السورية وخطاب الشارع 3
- واقع القوى السياسية على الساحة السورية وخطاب الشارع 2
- واقع القوى السياسية على الساحة السورية وخطاب الشارع
- النظام السياسي العربي - الجزء الثالث
- النظام الساسي العربي (الموروث و المرتكزات ) الجزء الثاني
- النظام الساسي العربي (الموروث و المرتكزات ) الجزء الأول


المزيد.....




- -بأول خطاب متلفز منذ 6 أسابيع-.. هذا ما قاله -أبو عبيدة- عن ...
- قرار تنظيم دخول وإقامة الأجانب في ليبيا يقلق مخالفي قوانين ا ...
- سوناك يعلن عزم بريطانيا نشر مقاتلاتها في بولندا عام 2025
- بعد حديثه عن -لقاءات بين الحين والآخر- مع الولايات المتحدة.. ...
- قمة تونس والجزائر وليبيا.. تعاون جديد يواجه الهجرة غير الشر ...
- مواجهة حزب البديل قانونيا.. مهام وصلاحيات مكتب حماية الدستور ...
- ستولتنبرغ: ليس لدى -الناتو- أي خطط لنشر أسلحة نووية إضافية ف ...
- رويترز: أمريكا تعد حزمة مساعدات عسكرية بقيمة مليار دولار لأو ...
- سوناك: لا يمكننا أن نغفل عن الوضع في أوكرانيا بسبب ما يجري ف ...
- -بلومبرغ-: الاتحاد الأوروبي يعتزم فرض عقوبات على 10 شركات تت ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - خليل صارم - وجهة نظر في مفهوم .الديمقراطية.الليبرالية.العلمانية