أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - محمد أوالطاهر - في قضية شارلي إيبدو: بين حقيقة تخدم السلطة وسلطة تصنع الحقيقة















المزيد.....

في قضية شارلي إيبدو: بين حقيقة تخدم السلطة وسلطة تصنع الحقيقة


محمد أوالطاهر

الحوار المتمدن-العدد: 4764 - 2015 / 3 / 31 - 02:17
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


لعل ردود الفعل التي تلت حادثة شارلي إيبدو في 7يناير 2015 تذكرنا بمناسبتين اثنتين: أولا، نشر الرسوم الكاريكاتورية الدنماركية في 30 سبتمبر 2005؛ ثانيا، إعادة نشر فيلم أو مقاطع من فيلم "براءة المسلمين" في 11 سبتمبر 2012. قد تختلف سياقات هذه الأحداث وحيثياتها، إلا أن ردود الفعل كانت تخضع لنفس المنطق السيكولوجي مثير- استجابة.
سنحاول من خلال هذا المقال استشكال العلاقة الضمنية التي قد تجمع بين الحقيقة والسلطة، وذلك استنادا إلى بعض إفرازات واقعة شارلي إيبدو على المستوى السياسي والإعلامي والإجتماعي والإيديولوجي، حيث أصبحت هذه الأخيرة المادة الخام التي على أساسها قامت سياسات وظهرت تحالفات ونمت اقتصادات وتغيرت استراتيجيات وتم استهداف فئات اجتماعية واستقطاب فئات أخرى.
قد تسعفنا فرضية "الحقيقة في خدمة السلطة" في تجاوز- ولو بشكل نسبي- فرضية "السلطة التي تصنع الحقيقة" أو ما يسمى بنظرية المؤامرة، وذلك من خلال اعتبار ما حدث في فرنسا حقيقة بمعناها المادي (هجوم أدى إلى قتل) بغض النظر عن الفاعل الذي كان ورائها؛ ومن تم يمكن الوقوف على أشكال استثمار هذه الحقيقة كي تخدم أجندة معنية فرضت راهنيتها خلال تلك الفترة (إعلان فرنسا المشاركة في الحرب ضد ما يسمى بداعش، دخول اليمن وليبيا على الخط، التصريح بضرورة مغادرة يهود فرنسا إلى إسرائيل، تبني القاعدة للهجوم، خطاب البابا ضد الإساءة للديانات، انتشار واسع للإسلاموفوبيا في فرنسا، ...).
لقد كشفت لنا واقعة شارلي إيبدو عن حقيقة اللبس الحاصل بين البعد السياسي الذي أدلج القضية والبعد الإعلامي الذي أعطاها طابعا شعبيا ثم البعد السيكولوجي للطرفين (مع أو ضد شارلي) الذي ما يزال رهانا لاستمرار حضور البعدين السياسي والإعلامي.
لعل السبب إذن وراء اتساع الهوة أكثر فأكثر بين حرية التعبير واحترام سيكولوجية الآخر هو توسط الإعلام وتدخل السياسة وطغيان الإيديولوجية، الشيء الذي يؤدي حتما إلى سوء تفاهم دائم على أساسه يتم بناء سياسات واستراتيجيات جديدة وفقا لمستجدات الساحة الدولية سواء على المستوى السياسي أو الإقتصادي أو الإيديولوجي؛ وقد اتضح ذلك مثلا في إعادة نشر الصور الكاريكاتورية من جهة وردود الفعل العنيفة إزاء ذلك في بعض الدول الإسلامية من جهة أخرى، حيث تجاوز الأمر مسألة حرية التعبير أو مسألة احترام المقدسات ليأخذ أشكالا أخرى ذات أبعاد اقتصادية وايديولوجية وجيوستراتيجية.
في هذا الإطار، كشفت الأرباح التي عرفها العدد الجديد لجريدة "شارلي إيبدو" الذي تلا أحداث السابع من يناير 2015 - من خلال ارتفاع المبيعات إلى خمس ملايين نسخة في اليوم الواحد واعتبار اقتناءها واجبا وطنيا- عن عدة أبعاد: استثمار اقتصادي للقضية، تأكيد الدفاع عن حرية التعبير رغم كل التهديدات، توسيع إمكانية السخرية بلا حدود من جميع المقدسات والديانات.
في نفس السياق، يمكن الدخول في نقاش واسع حول الجودة الجمالية والإحترافية للرسوم الكاريكاتورية التي تم عرضها، أو حول التركيز الذي تم في هذا العدد على الديانتين المسيحية والإسلامية دون تخصيص ولو صورة ساخرة واحدة للديانة اليهودية أو الديانات الأخرى.
إن اختيار صورة لرسول الإسلام في هذا العدد الجديد بلافتة "أنا شارلي، الكل يُغفر له" من جهة، وردود الفعل العنيفة أحيانا والسلمية أحيانا أخرى في البلاد الإسلامية من جهة أخرى، دليل على سوء فهم مزدوج: أولا، سوء فهم من طرف الجهة الأولى للبناء السيكولوجي للمسلمين بخصوص مسألة تصوير نبي الإسلام ولو كان الهدف وراء ذلك توصيل رسالة إيجابية؛ ثانيا، سوء فهم من طرف الجهة الثانية لمسألة رسم الأنبياء تاريخيا وأسباب الرفض الفقهي وكذا تعدد التأويلات في كيفية التعامل مع المسيء للدين عموما.
لقد كان هذا الحوار المفتوح بين ضمان حرية التعبير وضرورة احترام المقدسات الدينية، فرصة أكد من خلالها بابا الفاتيكان عن رفضه القاطع للإساءة للرموز الدينية، حيث اعتبر ذلك تحريضا ومسا بمقدسات الشعوب؛ وقد كان خروجه دليلا على الوضع السيكولوجي الذي يعيشه عدد من المسيحيون من خلال الإساءات المتتالية التي تتعرض لها الديانة المسيحية في وسائل الإعلام، ورغبتهم في ضرورة احترام مشاعر المتدينين ورفضهم لكل أشكال الإساءة إلى الدين؛ هذا على الرغم من الصمت الإعلامي حيال تلك الإحتجاجات في صفوف المسيحيين، حيث لم تعد المسيحية رهانا سياسيا أو اجتماعيا بحكم التراكمات التاريخية التي وسمت العلاقة بين المسيحية (الكنيسة) والدولة وخاصة في فرنسا على عكس الإسلام.
لعل من تجليات البعد الإيديولوجي لقضية شارلي إيبدو، ثنائية أنا شارلي/أنا لست شارلي، حيث ثمة استعادة بطريقة أو بأخرى ثنائية جورج بوش ما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001: أنت معنا أو مع الإرهاب؛ إلا أنه ثمة في الواقع ثلاث أصناف من الناس بخصوص هذه الحالة: من يعتبر نفسه شارلي ويُدين عملية القتل، من لا يعتبر نفسه شارلي إلا أنه يُدين عملية القتل ومن لا يعتبر نفسه شارلي ولا يُدين عملية القتل؛ ومن الخطير جمع الصنفين الأخيرين في صنف واحد وإعادة خلق ثنائية معنا أو ضدنا، إلا أن سلطة الإعلام غالبا ما تعيد إنتاج الثنائيات الضدية التي تساير الصورة التي يجب أن تكون بدل الصور ة الحقيقية للواقع.
إن عدم تركيز وسائل الإعلام اهتمامها بعد أحداث شارلي إيبدو على الهجمات التي تعرضت لها أماكن عدة للعبادة خاصة بالمسلمين (طلقات نارية، قذف قنابل يدوية الصنع على مسجد، استهداف قاعة صلاة ببندقية صيد، وضع جثة خنزير في قاعات الصلاة في عدة مناطق، استهداف مطعم أكلات خفيفة ملاصق لمسجد...) كاشف عن الإحتواء الإيديولوجي للقضية، كما لو كان لهذه الهجمات مبررٌ أساسه حرية التعبير أولا وما بعده الطوفان ، وكما لو أن حق الحياة يعتبر أولية لفئة معينة ثم يأتي في المقام الثاني بالنسبة لفئة أخرى على أساس ديني لا غير؛ حيث يتم إعادة إنتاج الخطاب المتمركز حول الذات في أشكال جديدة.
ثمة طبقات من المعنى تكسو فرضية "الحقيقة في خدمة السلطة"، وخير مثال نورده في هذا الصدد مسألة إعلان تنظيم القاعدة وقوفه رسميا وراء هجوم شارلي إيبدو، حيث تم التصريح بأن قيادة التنظيم هي التي اختارت الهدف ورسمت الخطة وموّلت العملية؛ وبغض النظر عن "حقيقة الأمر" إلا أن تنظيم القاعدة وجد في حقيقة القضية (قضية شارلي) مصلحة تخدم أجندته؛ ومن جهة موازية، وجدت فرنسا في حقيقة خبر تبني القاعدة للهجوم مصلحة يتم بموجبها تصدير ما هو محلي- داخلي ليأخذ بعدا عالميا-خارجيا، ليتم بذلك تبرئة النظام الإقتصادي والإجتماعي والتعليمي الفرنسي مما حدث، في حين يشكل المتورطين في حادث الهجوم إفرازا من إفرازات المجتمع الفرنسي، حيث الفقر والتهميش والبطالة أسباب كانت وراء إنتاج أشخاص من طينة أميدي كوليبالي.
لابد من الإشارة في هذا الصدد إلى أن البعد السيكولوجي للفرد يلعب دورا كبيرا في تحديد ردّات فعله بغض النظر عن تدينه من عدمه، حيث يعتبر البعد المعيشي والإقتصادي والبيوغرافي للفرد - والذي على أساسه تكوّن بُعده السيكولوجي- هو البنية التي يجب إعادة النظر في تشكلها السيكو- سوسيو- اقتصادي بدل البنية الدينية والفكرية للفرد التي ليست سوى إفرازا لهذه الأخيرة.
ختاما نقول، قد تسعفنا أحداث شارلي إيبدو في إعادة قراءة المقولة الماركسية "الدين أفيون الشعوب"، ليس بالمعنى الذي على أساسه تقوم الطبقة "المهيمنة" بابتداع الدين للسيطرة على الشعوب، بل بمعنى أن كل ما تقوم به الطبقة "المهيمنة" هو استغلال وتسييس لمقدسات الشعوب (أديان، أشخاص، مبادئ، رموز...) بغض النظر عن صحتها من عدمه.



#محمد_أوالطاهر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شهر رمضان: فرصة لاكتشاف المسكوت عنه في الثقافة والمجتمع
- العلاقات الجندرية في الثقافة الأمازيغية: بين روح العصر ولا م ...
- العلمانيون والإسلاميون وإمكانية الحوار؟


المزيد.....




- صحيفة: غموض بشأن استمرار الدعم الأمريكي لأوكرانيا رغم زيارة ...
- إسرائيل تدرس -نفي- السنوار وكبار قادة -حماس- طوعيا إلى بلد ع ...
- تونس عشية الانتخابات الرئاسية.. شباب محبط غير مهتم بالتصويت! ...
- هل تستهدف إسرائيل منشآت إيران النووية؟
- موسكو تطلب من محكمة التحكيم الدولية رفض دعوى أوكرانيا بشأن م ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن عن تحديث تعليمات قيادة الجبهة الداخلية ...
- مسيرات في لندن تنديدا بالحرب بغزة ولبنان
- تظاهرات في باريس تنديدا بجرائم إسرائيل
- غارات إسرائيلية تستهدف الضاحية الجنوبية لبيروت
- RT تلتقي وحدات الدبابات في أوغليدار


المزيد.....

- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي
- عالم داعش خفايا واسرار / ياسر جاسم قاسم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - محمد أوالطاهر - في قضية شارلي إيبدو: بين حقيقة تخدم السلطة وسلطة تصنع الحقيقة