أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسن خضر - فاروق وسركيس، وقائع موت مُعلن..!!














المزيد.....

فاروق وسركيس، وقائع موت مُعلن..!!


حسن خضر
كاتب وباحث

(Hassan Khader)


الحوار المتمدن-العدد: 4757 - 2015 / 3 / 24 - 12:51
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


نشرت منابر إعلامية مختلفة صورة وصل وقعه شخص باسم فاروق، استلم قيمة الجزية من أرمني يدعى سركيس في مدينة الرقة، وقالت إنها الأولى لوصل داعشي باستلام الجزية من مسيحي. وفي هذا الخبر ما يعيدنا إلى ما تناولناه في مقالة الأسبوع الماضي عن المُتخيّل الثقافي.
وأوّل ما يتبادر إلى الذهن: هل الجزية مُتخيّل ثقافي؟ وإذا كانت كذلك هل تنتمي إلى المُتخيّل الثقافي الشعبي، أم العالِم (مُتخيّل الثقافة الرفيعة، الكلاسيكية، الفصحى)؟، وإذا افترضنا أن المُتخيّل الثقافي يحتاج إلى مُحفّز من نوع ما ليطفو على السطح، فما ومن الذي استدعى الجزية، وأسقط عاثر الحظ سركيس في براثن فاروق الخارج من كهف عميقة في التاريخ؟ أو تلافيف العقل الباطن الجمعي؟
بداية، ينبغي التعامل مع مفاهيم من نوع مُتخيّل الثقافة الشعبية بقدر كبير من التحفّظ. والسبب: أن عصر الطباعة، ومركزية التعليم، في زمن الدولة القومية الحديثة قضى على كل احتمال لاستقلاليتها، وفي أفضل الأحوال وحّدها إلى حد كبير، وجعل العالِمة مصدراً رئيساً من مصادرها. وإلى هذا نُضيف، في العقود الأخيرة، الفضائيات، والإنترنت، والهاتف المحمول، وكلها غير مسبوقة في التاريخ الإنساني، وتمثل مصادر إضافية للثقافة الشعبية، وما يُحتمل من مُتخيلاتها. الخلاصة: أن الشعبي ليس شعبياً تماماً، ومُتخيّلاته ليست شعبية تماماً.
والأهم، وهذا ما حاول التدليل عليه إيريك هوبسباوم، أن طبقة الفلاّحين، الطبقة الاجتماعية التي أنجبت الثقافة الشعبية، وتوارثت تقاليدها، على مدار عشرة آلاف سنة خلت، دخلت في القرن العشرين طور الانقراض. هذه الظاهرة جلية في الغرب، وبقدر أقل في مناطق أخرى من العالم، ولكن نتيجتها، في نهاية المطاف، واحدة.
المقصود، أيضاً، أن الشعبي لم يعد شعبياً تماماً. وليس من قبيل المصادفة أنه يُستعاد بطريقة فلكلورية، ويُوظّف في صناعة الترفيه والسياحة، أو في خطابات النوستالجيا القومية، السياسية والثقافية على حد سواء.
وإذا افترضنا أن الديني في صلب المُتخيّل الثقافي (وهذا صحيح)، فينبغي الانتباه بشكل دائم إلى حقائق من نوع مصادر المُتخيّل، وهي مُتحركة ومُتبدلة. وبقدر ما يتعلّق الأمر بالديني في المُتخيّل الثقافي الشعبي، فإن تجلياته وآليات عمله، ومُحفزاته، وطريقة استدعائه، وتداعياته، مختلفة نتيجة بعده عن المصدر الكلاسيكي الأصلي (الأمية، وصعوبة الانتقال من مكان إلى آخر، والصلة الواهية بالمدينة) أولاً، ونتيجة المفاوضات اليومية بين الديني والدنيوي، والتي يمتاز فيها الديني بالمرونة والقدرة على التأقلم، نتيجة التفاعل والعمل والإنتاج والسوق ثانياً، ونتيجة تعددية مصادرة، وإعادة توليفها، على مر القرون ثالثاً. (مريم بملامح زنجية في أفريقيا، وبقايا الديانات الكنعانية والمصرية القديمة في "عادات وتقاليد" بلاد الشام، مثلاً، وهي حيّة حتى يوم الناس هذا).
لذلك كان الديني في مُتخيّل الثقافة الشعبية معرّضاً لنقد دائم من جانب حملة وحرّاس الثقافة الكلاسيكية العالِمة، ومركز هؤلاء التقليدي المدينة، أو المركز الحضري (سواء في أوروبا القرون الوسطى، أو وهابية الجزيرة العربية على مدار القرنين الماضيين، أو جماعة الإخوان وألوان طيفها في القرن العشرين). وفي هذا نعثر على سر تحفظات الفقهاء على العوام، والعامّة، ووضعهم في درجة أدنى من الخاصة بالمعنى الأخلاقي، والإنساني، والديني، والاجتماعي بطبيعة الحال. ولم يندر في حالات كثيرة العمل على "تطهيرهم" من الضلال بالعنف، كما حدث من قبل، وكما يحدث الآن.
وعلى الرغم من حقيقة أن الفلاّحين كانوا وقوداً وجنوداً لحركات خلاصية، وألفية، في التجربة التاريخية للغرب (الحروب الصليبية، والحروب الدينية) إلا أن وجودهم في حركات مشابهة في التجربة التاريخية للعالم العربي يكتنفه الشك والغموض، فالانشقاقات والحروب الدينية، في التجربة التاريخية للعالم العربي ـ الإسلامي، كانت قبلية في الغالب، ولم تنجح في اختراق وتجييش التجمعات الزراعية الكبرى في وادي النيل، وبلاد الشام.
وبقدر ما أرى الأمر، يصعب التدليل على جدية وجود مُتخيّلات الثقافة العربية العالِمة (خارج حدود الحلال والحرام بالمعنى النفعي والضيّق للكلمة، وهي الحدود التي تولى حراستها فقهاء وقضاة محليون، كانوا يخدمون أكثر من قرية أو ناحية في وقت واحد، بينما تكفلت "العادات والتقاليد" السائدة بتسوية النزاعات، وآداب السلوك) في متخيّلات الثقافة الشعبية، قبل حلول الطباعة، ومركزية التعليم، والإعلام وتقنية تداول المعلومات، في النصف الثاني من القرن العشرين.
وإذا شئنا الاختزال، فلنقل إن فاروق الداعشي لم يكن جزءاً من المُتخيّل الثقافي الشعبي، بل يدل حضوره فيه على مدى نجاح مًتخيّل الثقافة العالِمة (الكلاسيكية) في انتهاك واختراق مُتخيّل الثقافة الشعبية، واحتلال مكان ومكانة المتن فيه.
وهذا، في الواقع، تحوير طفيف لفرضية إيرنست غيلنر، الذي فسّر صعود ظاهرة الإسلام السياسي بنجاح الفقهاء في تعميم معارفهم التقليدية في أوساط مختلف الطبقات الاجتماعية، في ظل الدولة القومية الحديثة، وظهور الطباعة، ومركزية التعليم.
لم يكن ليخطر على بال أحد في الرقة السورية، أو أسيوط المصرية، أو المواصل العراقية، أن ثمة ما يستدعي عدم إلقاء السلام على الجار المسيحي، أو مشاركته أتراحه، وأفراحه. ليس المقصود رسم صورة رومانسية للماضي، ولا للثقافة الشعبية، ومُتخيّلاتها، بل المقصود أن فاروق كان جزءاً من مُتخيّل الثقافة الكلاسيكية العالِمة، التي كشّرت عن أنيابها. فلنتذكر أن موضوع السلام، والأفراح، والأتراح، تردد على شاشات التلفزيون، ومنابر إعلامية كثيرة، على مدار العقود القليلة الماضية، وأن فاروق كان في الانتظار، في يمناه الوصل، وفي يسراه السكين، وأن في ما أوصل سركيس إلى دفع الجزية ما يشبه وقائع موت مُعلن.



#حسن_خضر (هاشتاغ)       Hassan_Khader#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المُتخيّل الثقافي، فلننس البادية..!!
- افكر في متحف باردو
- النيندرتال الداعشي الجديد
- محمود شقير ومديح النساء..!!
- الجنون الألفي والأزمنة الحديثة..!!
- القفز من مركب الإخوان..!!
- لن يتجاهله المصريون ولن يتسامحوا معه..!!
- إسلاموفوبيا..!!
- الدين كهوية قومية..!!
- كيف ولدت البربرية..!!
- عن داعش والمسلسلات الرمضانية التاريخية..!!
- القديم والجديد في الاعتداء على الجد والحفيد..!!
- تونس: كل ما ينبغي أن يُقال..!!
- هذه لعبة مُقرفة، العب غيرها..!!
- جماعة الإخوان، كيف صعدت ولماذا سقطت..!!
- ولماذا يقتلك التركي!!
- الانتفاضة الثالثة إذا وقعت، وعندما تقع..!!
- فتنة الدواعش..!!
- مُراد الدنماركي..!!
- شارة رابعة في الزاوية اليمنى لصورة النعيمي..!!


المزيد.....




- -إسرائيل تنتهك قوانينا.. وإدارة بايدن لديها حسابات-.. مسؤولة ...
- الجيش الإسرائيلي يواصل عملياته في محيط مستشفى الشفاء بغزة لل ...
- موسكو تدمر عددا من الدبابات الأوكرانية وكييف تؤكد صدّ عشرات ...
- مفتي روسيا يمنح وسام الاستحقاق لفتى أنقذ 100 شخص أثناء هجوم ...
- مصر.. السفيرة الأمريكية تثير حفيظة مصريين في الصعيد
- بايدن يسمي دولا عربية -مستعدة للاعتراف بإسرائيل-
- مسؤول تركي يكشف موعد لقاء أردوغان وبايدن
- الجيش الاسرائيلي ينشر فيديو استهدافه -قائد وحدة الصواريخ- في ...
- مشاهد خراب ودمار بمسجد سعد بن أبي وقاص بمخيم جباليا جراء قصف ...
- قتيل بغارة إسرائيلية على جنوب لبنان والمقاومة تقصف شبعا


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسن خضر - فاروق وسركيس، وقائع موت مُعلن..!!