أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد ابداح - للحرّ خيارات















المزيد.....

للحرّ خيارات


محمد ابداح

الحوار المتمدن-العدد: 4753 - 2015 / 3 / 19 - 16:31
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


للحرّ خيارات !

اعتادت الامبراطورية الرومانية وضع تمثال اله الحرب ( كانيوس Janus)، عند مشارف مدينة روما وكان ذلك التمثال ذو وجهين متعاكسين، الاول يتجه لخارج حدود روما حيث يتربص بها العدو الخارجي ، بينما يتوجه الاخر نحو روما حيث يتربص بها العدو الداخلي(1)، فقد كان الرومان يؤمنون ايماناً راسخاً بأنهم لن يستطيعوا الصمود امام العدو الاجنبي مادام العدو الداخلي يكيد لهم الفتن .
ولطالما أثار السهم الذي يُطلق من المأمن، قلق الانسان منذ القدم خاصة وان الحياة الانسانية على البسيطة ابتدأت بجريمة غدرعندما قام قابيل بقتل اخيه هابيل ، وبفعله هذا الذي ندم عليه فيما بعد ندماً شديداً ، وبات مثالاً للصراع الازلي بين الخير والشر .
لقد نظمت القوانين القديمة قواعد الجريمة والعقاب، كقانون حمورابي في القرن العشرين قبل الميلاد ، وقوانين اليونان (قانون دراكون ـ 620 ق.م) و(قانون الالواح الاثني عشر 450 ق.م) ، كما نظمت بعض الاديان السماوية وغير السماوية قواعد الثواب والعقاب بالنسبة لاعمال المكلفين( وَنَفْس وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا )(2)، أي أن الله تعالى قد خلق النفس البشرية وأوجد فيه نزعة الخير والشر، لكنه منح الإنسان القدرة على التمييز بينهما، كما خلق الشيطان لكي يحرك دوافع الشر لدى الإنسان، وذلك اختباراً لقوة إيمانه وفق الأديان السماوية.
ولهذا فان الظاهرة الاجرامية ظاهرة فطرية أصلاً ، وحقيقة انسانية دائمة ،لا يخلو منها مجتمع من المجتمعات في كل العصور ولا يمكن انهائها مطلقاً الا انه يمكن الحد منها ، وتثير الجريمة اهتمام وانتباه كل الناس ، بل ان الأعمال التي تتناول الجرائم هي الاكثر انتشاراً وتوزيعاً في العالم ، سواء أكانت أعمالاً أدبية أم سينمائية أو إعلامية .
وعودة على ذي بدء، فإن صورالجرائم وطرق ارتكابها ودرجات خطورتها على الفرد والمجتمع بشكل عام كثيرة ومتشعبة،غير أن أصعب أنواع الجرائم هي التي تأتي من الداخل، أي بطريقة الغدر ، لذا نرى بأن العقوبات المتعلقة بجرائم الغدر والخيانة تاريخياً هي عقوبات مشددة ، لما لها من أثر كارثي مُضاعف على استقرار الدول والمجتمعات الإنسانية ، وبصرف النظر عن الأهداف المعلنة أو المخفية ، والتي يسوقها صاحب فعل الغدر ، فإن فعله يبقى جريمة بحق وطنه وبحق كافه القيم السائدة في مجتمعه ثقافياً ودينياً واجتماعياً وغيرها من القيم الإنسانية والأخلاقية .
إن جرائم الغدرالتاريخية والتي تمت من قبل أشخاص معنيين بأمن مجتماعتهم وشعوبهم واوطانهم ، قد تكون لأهداف شخصية بحتة ، كما في حالة أبو رغال العربي وهو دليل جيوش أبرهة الأشرم ، في ممرات وسهول الجزيرة العربية الأكثر أمناً ، لتجنب مقاتلي القبائل العربية ، والتي نفرت للدفاع عن الكعبة وحمايتها من الهدم ، حيث قام أبو رغال بإرشاد جيوش أبرهة القادمة من أفريقيا، إلى سلوك أفضل الطرق السرية للوصول إلى مكة وتدمير الكعبة ، وذلك مقابل الذهب والمال الذي أغدقه أبرهة الأشرم عليه ، أوكما يوجد في قصص الجواسيس المعاصرين والعملاء المزدوجين.
وقد تكون الخيانة لأسباب مذهبية ، كما في قصة خيانة يهوذا، في العهد الجديد، بوصفه تواطئ يهوذا الإسخريوطي أحد تلاميذ المسيح الاثني عشر مع أعضاء المجلس الأعلى لليهود ، بهدف تسليم السيد المسيح لليهود وصلبه، مقابل ثلاثين قطعة من الفضة، وكذلك خيانة ابن العلقمي ، وزير الخلافة العباسية في القرن السابع الهجري ، حيث اتخذه الخليفة العباسي (المستعصم) وزيراً له ، فعمد ابن العلقمي متأثراً بفكر المذهب الشيعي الطائفي ، إلى إضعاف الدولة العباسية، فأقنع الخليفة بتقليل عدد وعدة الجيش ، وإيهام الخليفة العباسي بحسن نية الجيش التتاري، وإخفاء الأطماع والأهداف الحقيقية لجيش التتار بغزو العاصمة بغداد بل وتدميرها عن بكرة أبيها ، وفي المقابل قام ابن العقمي بتسهيل مهمة التتار في غزو بغداد، ومهد الطريق لذلك عسكرياً واقتصادياً وجغرافياً ، فتسبب ابن العلقمي لأهل بغداد سنة (656ه) بمجزرة لم يعرف التاريخ مثلها، فقتل التتار الخليفة العباسي وقادة الجيوش الإسلامية، وقتلوا العلماء وأحرقوا المكاتب ودور العبادة ، بتشجيع وحث من ابن العلقمي ، يقوده الحقد الطائفي المقيت، ونتج عن تلك المجزر مقتل مئات الآلاف من المدنيين الأبرياء من سكان بغداد، غير أن الطريف في الأمر بأن التتار قد أهانوا ابن العلقمي لاحقاً، ولم يجعلوه حاكماً فعلياً على بغداد كما أراد ، بل كان حاكمة صورياً بلا هيبة، ودمية بيد التتار ، لأنهم لم يأمنو غدره ، فقد غدر بوطنه وشعب العراق ، فحتماً بأنه سيخونهم أيضاً، حتى أنه في أحد الأيام كان ابن العقمي يقود دابته في أحد شوارع بغداد برفقة جنود التتار، فقام أحد الجنود بركل بغلته، حثاً له للإسراع في المسير ، وهذا بالطبع وضع مهين جدًّا لحاكم بغداد الجديد!، فقالت له إحدى نساء بغداد : أهكذا كان بنو العباس يعاملونك؟، حيث كان الوزير ابن العقمي وقبل خيانته، معظمًّا في حكومة بني العباس، وكان مقدماً على غيره، وله مكانته الرفيعة، حتى عند الخليفة نفسه، فوقعت كلمات المرأة في نفس ابن العلقمي، فانطلق إلى بيته مهمومًا واعتكف فيه، ومات بعد بعد شهور من دخول التتار بغدادعام 656 هـ ، ولم يستمتع بحُكمٍ زائف ولا مُلْكٍ زائل .
هكذا الأمر كان دوماً ، وهكذا سيكون ، لطالما وجدت الخيانة في أي زمان ومكان ، ورغم أن الخيانة تبقى ذات نتائج أشد قسوة وأعمق أثراً ، إلا أن باب الأمانة والنزاهة أكثر اتساعاً ووضوحاً من باب الغدر، ورغم أن الخيانة قد تبدو للبعض خياراًً وحيداً للوصول إلى أهدافهم ، كما فعل بعض الشيعة على الدوام في العراق، وما زالوا يفعلون حتى اليوم ، إلا أن الحر لديه خيارات عديدة للوصول إلى أهدافه وحتماً فإن الخيانة ليست منها .
المحامي محمد ابداح
الهوامش
_______________
1-الاله الروماني كانيوس Janus، وهو اله الشمس، وكان يمثل حارس ابواب السماء ، واله الحرب والسلم ، ونسبة اليه سُمي شهر January - يناير .
2- سورة الشمس / الآية 8



#محمد_ابداح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أسرع من نكاح أم خارجة
- تغذية الشر
- الخضوع الفكري
- أدركتُ النجوم
- موسوعة القيم الإنسانية ج1
- ياليت قومي يعلمون
- فؤادي
- أحزاني الجميلة
- عينيكِ
- حاضرة إذا غبتِ
- وعد بلفور
- الحوار القاتل
- ابتسمي كما شئت !
- مواساة القلوب
- عيد ميلادك
- أدوار البطولة
- انا وأنت أيام جميلة
- 27 يوماً في بغداد - ج8
- 27 يوماً في بغداد - ج7
- كم أنت إنسان رائع !


المزيد.....




- الأرجنتين تطالب الإنتربول بتوقيف وزير إيراني بتهمة ضلوعه بتف ...
- الأرجنتين تطلب توقيف وزير الداخلية الإيراني بتهمة ضلوعه بتفج ...
- هل أصبحت أميركا أكثر علمانية؟
- اتفرج الآن على حزورة مع الأمورة…استقبل تردد قناة طيور الجنة ...
- خلال اتصال مع نائبة بايدن.. الرئيس الإسرائيلي يشدد على معارض ...
- تونس.. وزير الشؤون الدينية يقرر إطلاق اسم -غزة- على جامع بكل ...
- “toyor al janah” استقبل الآن التردد الجديد لقناة طيور الجنة ...
- فريق سيف الإسلام القذافي السياسي: نستغرب صمت السفارات الغربي ...
- المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف مواقع العدو وتحقق إصابات ...
- “العيال الفرحة مش سايعاهم” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد بج ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد ابداح - للحرّ خيارات