أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - غياث منهل - عن التنمية البشرية














المزيد.....

عن التنمية البشرية


غياث منهل

الحوار المتمدن-العدد: 4734 - 2015 / 2 / 28 - 11:55
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


في مرحلة ما كنت ومجموعة من اصدقائي مولعون بقراءة نماذج من الهراء الذي يسمى بالتنمية البشرية، عندما اتذكر ذلك الان اتذكر ثقافة البورصة وذئابها في الحديث عن الاستثمار والتنمية.(افكر الان في فلم البورصة الهوليودي السخيف "ذئب وولستريت"). البورصة عالم وهمي كالقمار، اقتصاد غير حقيقي يبيعونك فيه ارقام ويغرقونك بوهم الحصول على المزيد لكي لا تترجم هذه الارقام الى عالم الواقع فلو بحثت عن تحويل الارقام الى نقود حقيقية تنكشف فضائحهم وينهار الهرم الورقي وتخسر حياتك في عالم ارقام . قراءة المزيد من اوهام التنمية البشرية تشعرني بان كتابها يسعون فقط وقبل كل شيء الى بيع بضاعتهم. في البدء كنت اريد من التنمية البشرية ان تجعلني اشعر بانني افضل وانني سائر نحو تحقيق نجاحاتي الواحد تلو الاخر الى ان وجدت انها تجعلني بصورة دائمة اشعر انني مقصر. فانا لم اخطط بما فيه الكفاية، لم انظم وقتي بما فيه الكفاية لم استمر على تمريني الرياضي، او حميتي او غيرها. هي تجعلني دائما افكر بما ليس لدي وبما لا افعله لا العكس.
التنمية البشرية واحدة من الاساطير التي تروج لها الرأسمالية لتسويق مبادئها واخلاقيتها. فمهما حصل من تعديلات وتجميلات لفكرة التنمية البشرية يبقى هدفها تنمية الفرد للوصول الى غاية براقة، محددة و واضحة : النجاح. النجاح الذي تروج له التنمية البشرية هو نجاح فردي، مالي بالدرجة الاساس و الانانية الفردية جزء اساسي لا يتجزأ من الراسمالية فالفرد جوهرها و غايتها وجهازها الدعائي. التنمية البشرية دائما تخلق نماذج يقتدى بها من رجال اعمال ورأسماليين كبار لكي يقتدى بهم الشباب الطامح الى نموذج وقدوة . الناجحون هؤلاء ليسوا اذكياء جدا ولا خارقون جدا هم فقط اكثر تصميما واوضح اهدافا. هم فقط يعرفون مالذي يريدونه: ان ينجحوا، صبورون جدا، يتحملون الصعاب ويديرون وقتهم باحترافية عالية ويعرفون التعامل مع الناس ويعبرون عن مشاعر التفهم والاستيعاب لالام مرؤوسيهم ومعاناتهم.. الخ. يغفل هذا الخطاب طبعا الخواء الداخلي في العديد من تلك النماذج. ابطال النجاح هؤلاء معظمهم ينتهون الى فراغ كبير و شعور باللاجدوى ينهي حياتهم بالانتحار او المخدرات. مشكلة مثل هؤلاء "الناجحين" انهم لم يلتزموا بوصفات التنمية البشرية كما يسوق لها كتابها. النماذج التي يقدمها خطاب التنمية البشرية نماذج خاوية غالبا، خالية من الروح ومن المشاعر- ربما يمكن تفسير كلامي هذا بميل شرقي للتحليل العاطفي الذاتي الخالي من الموضوعية، وهذا صحيح بقدر كبير- ولكن اذا كان الهدف النهائي هو المزيد من النجاح والكسب المالي فما الذي يتم تنميته، هي اذا تنمية مالية هدفها تضخيم ثروات ورؤوس اموال اكثر منها تنمية بشرية. ما الجديد الذي يقدمه خطاب التنمية البشرية عدا عن كونه يستثمر في تعليم الانسان كيف يدير وينمي ثروته، سوى المزيد من الاليات والطرق لتحصيل المزيد من المال، الهدف الذي سعى اليه الانسان منذ فجر التاريخ عندما طور مفهوم التبادل التجاري، حتى الاليات الايجابية مثل العادات الصحية والتغذية السليمة ..الخ، تقدم في هذا الخطاب على انها وسائل من اجل "النجاح"، الذي هو بالنهاية المرادف لتحصيل المزيد من المال. "الطريق الى النجاح"، "مفاتيح النجاح"، "ادارة الوقت"، "التفكير الايجابي" كلها مصطلحات جميلة وبراقة ولكنها في مجتمعات واقتصادات غير تنافسية لا تصل بك الا الى المزيد من اللاجدوى واليأس من الواقع وما تلبث نزعة الطموح الشخصي التي يغذيها هذا الخطاب ان تصل بك الى نتيجة حتمية: الهجرة. وهو ما يصب في مصلحة الاقتصادات التنافسية الغربية على اعتبار انها ارض الفرص والنجاح والاحلام وغير ذلك من الاوهام المعلبة. هذا الخطاب يؤدي الى افراغ مجتمعات الهامش من طاقتها الشابة ويجعل منها دائما مجتمعات راكدة، طاردة لطاقاتها البشرية ومستوردة للسلع والبضائع، مجتمعات غير قابلة للنمو والمنافسة ما يصب في مصلحة المركز الغربي.
اذا مشكلة هذا الخطاب هو انه ليس فقط مستورد، وغربي التوجه ولكنه ايضا يؤدي الى تغيير اهداف واولويات الفرد ويؤدي للمزيد من الفردية والانانية. فمن اجل النجاح وتحقيق مستحيلات التنمية الذاتية لن يكون لديك المزيد من الوقت والطاقة ( ولا حتى الرغبة) في التواصل مع الاهل او الاصدقاء. تغرقك اوهام النجاح في ذاتك وتتحول الى كائن اناني يفكر في ذاته واوهام نجاحاته الشخصية قبل كل شيء. الطاقة المتفجرة لدى الشباب الطامح الى النجاح هي الطاقة المحركة لماكينة الراسمالية التي تسحق في طريقها ليس ضحاياها فقط بل حتى ادواتها. تفرغهم من انسانيتهم وعلاقاتهم الانسانية الحقيقية. هذا لا يعني بالضرورة ان هذا الخطاب يخلو من ايجابيات و لا يعني انني ارفض الخطاب برمته بل الغاية النهائية والهدف والنموذج الذي يؤدي اليه.
المهم بالموضوع اننا قد نستفيد من ايجابية التفكير في هذا الخطاب ولكننا لا نحتاج بالضرورة الى التنمية البشرية و"علومها" لكي ننجح. النجاح بطريقتنا نحن، لا كمنتج هوليودي معلب.ربما يكون النجاح الحقيقي اولا في معرفة ما الذي نريد ان نحققه لانفسنا اجتماعيا واقتصاديا ومعرفيا ومن ثم الشروع في تحقيق مانريده. انا لا احتاج الى نماذج هوليودية لتعلمني مالذي اريده وكيف اكون "ناجحا" ، فانا افكر بإيجابية واخبر نفسي باستمرار انني اعيش نجاحي. هذا لا يعني انني اسعد او افضل انسان بالعالم وانما ببساطة يعني انني افضل انسان يمكن ان اكونه.



#غياث_منهل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من اوراق ميت


المزيد.....




- هل كان بحوزة الرجل الذي دخل إلى قنصلية إيران في فرنسا متفجرا ...
- إسرائيل تعلن دخول 276 شاحنة مساعدات إلى غزة الجمعة
- شاهد اللحظات الأولى بعد دخول رجل يحمل قنبلة الى قنصلية إيران ...
- قراصنة -أنونيموس- يعلنون اختراقهم قاعدة بيانات للجيش الإسرائ ...
- كيف أدّت حادثة طعن أسقف في كنيسة أشورية في سيدني إلى تصاعد ا ...
- هل يزعم الغرب أن الصين تنتج فائضا عن حاجتها بينما يشكو عماله ...
- الأزمة الإيرانية لا يجب أن تنسينا كارثة غزة – الغارديان
- مقتل 8 أشخاص وإصابة آخرين إثر هجوم صاروخي على منطقة دنيبرو ب ...
- مشاهد رائعة لثوران بركان في إيسلندا على خلفية ظاهرة الشفق ال ...
- روسيا تتوعد بالرد في حال مصادرة الغرب لأصولها المجمدة


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - غياث منهل - عن التنمية البشرية