محمد السعدنى
الحوار المتمدن-العدد: 4730 - 2015 / 2 / 24 - 23:57
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
"إنَّ البلد الذي قام على فضيلة الحرية، يصعب عليه أن يقع في خطيئة الإمبراطورية"، هكذا تحدث الرئيس الأمريكى السادس والعشرون "1901-1909" تيودور روزفلت فى بدايات القرن العشرين. ترى هل كان صادقاً فيما أدعى؟ حين ساوى مابين النزعة الإمبراطورية التى هى استعمارية بالأساس، وما بين الخطيئة التى هى وصمة فى عالم الضمير والأخلاق؟ وللإجابة، علينا الإبحار عبر الزمن والسفر فى التاريخ، تاريخ السياسات الأمريكية، وتاريخ العالم لنرى مدى الصدق من عدمه، ولنحكم هل كانت هناك ضرورة حاكمة استدعت الخروج على ذلك المبدأ؟ أم أنها كلمات قصد بها إدعاء البيوريتانية "التطهر والنقاء" وهى أفكار سادت هذا العصر الذى كان فيه الدين حاضراً فى بنية العقل والسياسات الأمريكية؟
لقد جاءت الممارسات الأمريكية على مدار السنوات اللاحقة لتجعل مقولته متأرجحة مابين الرفض والتصديق، إذ جمعت هذه الممارسات دائماً بين متناقضين شاغلا الفكر الأمريكى، وهما مفهومى الهيمنة والرسالية، أو الطموح الامبراطورى الاستعمارى من ناحية الواقع العملى، والخطاب القيمى لرسالة الحرية من باب استكمال الشكل الأخلاقى لما له من أثر حاسم فى لعبة القوى الكبرى فى محاولتها تصنيع التاريخ، لبلد افتقد فضيلة التاريخ وإن حفل بخطاياه وتجاوزاته فى حق الحضارة التى استعمر أرضها وقتل وعذب شعوبها، بداية من الهنود الحمر، وصولاً لهاييتى وأمريكا الجنوبية وفيتنام وكوبا والصومال وفلسطين، وأفغانستان والعراق، وغيرها.
نعم ثمة ثقوب واضحة فى البنية المؤسسية للفكر السياسى الأمريكى، كان لها أبلغ الأثر فيما آلت إليه أحوال العالم والولايات المتحدة الأمريكية ذاتها، وكأن العمارة الأيديولوجية التى قامت عليها الأفكار المؤسسة للولايات المتحدة الأمريكية، قامت على التلفيق والتوليف والجمع مابين مايمكن جمعه ومايصعب وضعه فى معادلة واحدة مع نقيضه، حتى جرى تشبيه ذلك، بأن ثمة مناطق نائمة فى العقل الأمريكى، لاتصحو أو تفيق إلا لمشاغلة التاريخ ومخاتلة العالم والتلاعب بمقدرات الشعوب تحت شعارات براقة عن الحرية وحقوق الإنسان والعالم الذى صار قرية واحدة بحكم العولمة ووحدة المصير الإنسانى، وهى مقولات لايقصد بها إلا تحقيق المصالح الأمريكية على حساب الجميع، الحلفاء والفرقاء معاً سواء.
كان هذا هو حال أميريكا عبر كل العصور، لكن فارقاً كبيراً بدا ملحوظاً فى الآونة الأخيرة، إنكشفت معه كل الأقنعة التى غطت توجهات السياسات الأمريكية وعرت أهدافها، بفعل عدم كفاءة القائمين عليها والمروجيبن لها. تبدى ذلك منذ حكم حكم ليندون جونسون فى ستينيات القرن العشرين، بعد اغتيال الرئيس جون كينيدى. فلاتأسى على أحوالنا حين ترى فى مواقع المسئولية من هم أدنى كفاءة، فالولايات المتحدة الأمريكية ذاتها تعيش نفس المأساة مع فارق واحد أن لدينا رئيس كف ومؤهل وقادر، ولديهم رئيس غير كفء وضعيف ومكشوف ومتآمر. فإذا كانت السياسات الأمريكية بنيت ومنذ الحرب العالمية وقبلها على التناقض، إلا أنها استمرت طويلاً قادرة على التأثير والخداع وكسب أرضية عالمية مؤثرة وناجحة بفضل كفاءات تاريخية ورجال دولة من طراز فريد حتى لو اختلفنا معهم فى توجهاتهم وسياساتهم. الاستراتيجية الأمريكية واحدة ومنذ البداية، الإمبراطورية والرسالية، لكن المتغير هو الرجال والمسئولون. فأين رجال باراك أوباما ورجال جورج دبليو بوش من المحافظين الجدد NEWCONS، وبرنارد لويس، وليو شتراوس وأيرفين كريستيل، توماس فريدمان، ويليام سفاير، جورج ويل، تشارلز كراوثامر، رامسفيلد، ولفوويتز، و ديك تشيني، حتى بيل كريستل مؤسس مشروع القرن الأمريكي الجديد Paxa- Americana، ومعهم مارجريت أولبرايت وكونداليزا رايس، أين هؤلاء الذين أسسوا لنظرية الفوضى الخلاقة CONSTRUCTIVE CHAOS والشرق الأوسط الجديد من عراقة المخضرمين أمثال جورج كينان مؤسس سياسات الاحتواء والحرب الباردة، والتر كرونكايت، وزبجينيو بريجنسكى، هنرى كيسنجر الذى قام باحتواء الصين وتفكيك الاتحاد السوفيتى، ولن أذهب بك فى التاريخ بعيداً إلى حيث جيمس مونرو 1823 ومبدأ مونرو فى عدم التدخل أو التدخل الحذر فى السياسات الدولية، أو مبدأ هارى ترومان 1947 من محاصرة النفوذ السوفيتى فى المناطق ذات الثقل الاستراتيجى والاقتصادى للأمن الأوروبى، والدفاع عن اليونان وتركيا من الدخول فى الأيديولوجيات السوفيتية، أو مشروع مارشال الأمريكى لإعادة تعمير أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية والذى أسس للنفوذ الأمريكى المتناهى فى الاتحاد الأوروبى، ناهيك عن مبادئ ويدرو ويلسون الأربعة عشر عن السلام وحق تقرير المصير وجمعية عامة لعصبة الأمم ومنع التدخل فى شئون الدول (إحياء لمبدأ مونرو) وإعلان حقوق الإنسان والمساواة.
كان نجاحاً أمريكياً لعصر كان يمكن فيه إخفاء الحقائق والتلاعب بوعى الشعوب، أما مع عصر السماوات المفتوحة وشبكات التواصل الاجتماعى فقد انكشفت عدم الكفاءة الأمريكية وإزدواجية المعايير، والمناورات الصبيانية للصديق الأمريكى الذى يلاعب منطقتنا بالتخريب والترهيب والإرهاب تحت عناوين مضللة ماعادت تنطلى على أحد، وماعدنا نصدق أنه جاد فى محاربة الإرهاب الذى كان هو وراء صناعته وتأسيس روابطه وخالق فوضاه، فبدا الصديق كما العدو، وبدا إصطلاح الأعدقاء الأمريكان، أكثر قدرة على توصيف الأصدقاء الأمريكان الذين يتصرفون معنا كما الأعداء.
ولعلك تابعت مساء الإثنين الماضى جلسة مجلس الأمن بشأن الأحداث فى ليبيا، التى رفع فيها وزير خارجية روسيا إصبع الاتهام فى وجه الولايات المتحدة الأمريكية التى اتهمها بالتاسيس للفوضى فى العالم وتهديد استقرار الأمن والسلم العالميين لتحقيق مصالحهم على حساب مشروعية المنظمات الدولية وأولها مجلس الأمن الذى تحول لمجرد مطبخ يعد فيه الشيف الأمريكى وجبات غير ناضجة ولا مستساغة، وعلى الاتحاد الأوروبى والنظم الإقليمية إبتلاعها دون تألم أو تململ. ولقد كتبت لكم الأسبوع الماضى عن بدايات يقظة أوروبية حيال السياسات الأمريكية التى تهدد مصالح القارة الأوروبية ودولها ومؤسساتها. خلاصة القول أن الأعدقاء الأمريكان ماعادوا يقنعوننا بأفكارهم ومناوراتهم، وحسن فعلت الإدارة المصرية بالتحرر من ربقة الإملاءات الأمريكية التى تتصف بالرعونة والطفولية والكذب.
ورحمة الله على الكاتب الفلسطينى إميل حبيبى الذى صك مصطلع "المتشاءل" فى روايته الساخرة
الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل، الذى هو من عرب فلسطين الذى لايعرف إن كان عليه التفاؤل أو التشاؤم، إذ أنه بين الحالين تحت الاحتلال وممارساته البغيضة كان يعيش، ولعل حبيبى فى سخريته السوداء على غرار فرانس كافكا، أعطانا تركيبة لغوية تستطيع دلالتها تجاوز رتوش الماكياج على وجوه الأصدقاء الأمريكان الذين يتصرفون كما الأعداء، فصاروا بالنسبة لنا الأعدقاء الأمريكان، بلا كفاءة ولامصداقية.
#محمد_السعدنى (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟