أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الطيب بن رجب - ترجمة دائرة المعارف الإسلامية بين الوهم والحقيقة















المزيد.....

ترجمة دائرة المعارف الإسلامية بين الوهم والحقيقة


الطيب بن رجب

الحوار المتمدن-العدد: 4726 - 2015 / 2 / 20 - 22:24
المحور: الادب والفن
    



الطيب بن رجب
أستاذ علوم الترجمة والمصطلح

لقد قرأت في جريدة "الصحافة" التونسية منذ مدة أن المركز الوطني للترجمة بتونس قد وطد النفس على مشروع علمي ضخم ألا وهو ترجمة "دائرة المعارف الإسلامية". ولقد جاء في الخبر: أن مؤسسة "بريل" الهولاندية صاحبة المشروع الأصلي ومالكة الحقوق قد صرحت بأنها لن تخص جهة بشرف ترجمة موسوعتها غير التوانسة لثقتها الكبيرة بهم. وواضح أن التوانسة هم دائما محل ثقة الجميع في أنحاء المعمورة قبل غيرهم من البشر. وإني أتمنى من كل قلبي أن يسند هذا المشروع للمركز الموقر بالرغم من أني متأكد أني لن أشرك فيه مثلما أن المركز تجاهلني في سائر مشاريعه وحتى في جرده للكتب التي ترجمها التوانسة وبالرغم من أن مديره قبل السابق يعرفني ويعرف أن اختصاصي ليس الفلسفة ولا العربية أو الفرنسية بل الترجمة نفسها ويعلم أن في جعبتي ترجمات بينات اعترف بها الأكاديميون من التوانسة وغير التوانسة وباتت محل دراسات وبحوث وآخرها أطروحة دكتورا أنجزت في جامعة ليون الثانية. وقد استعملت الباحثة ترجمة بلاشير للقرآن الكريم وترجمتي لرواية فولتير كنديد باعتبارهما مدونتين لبحثها عن الأفعال المعلقة للخبر في اللغة الفرنسية والعربية. وبالرغم كذلك من أن الكتاب الصادر بفعاليات إحدى ندوات بيت الحكمة بتونس قد أدرجت فيه دراسة عن ترجمتي لنفس الرواية سابقة الذكر. تلك التي قال عنها يوسف الصديق وكان مدير السلسلة التي أصدرتها في دار الجنوب: "سيكون لك هذا الكتاب جواز سفر ثانيا." وكان كذلك بالفعل. فتهاطلت علي منح الإقامات العلمية وكثير من التقدير من المؤسسات العلمية الفرنسية.
والآن ما الذي في المشروع من وهم وواقع أو من خيال وحقيقة؟
ولنقف على ذلك لا بد من الوقوف على الحقائق التالية:
أولا: هذا المشروع ليس هينا بالمرة. فهو عمل موسوعي ضخم أنجز بمقاييس صارمة جدا أكاد أزعم أن ليس ثمة من موسوعة هي بمثل صرامتها غير عدد قليل مثل بريتش بريطانيكا أو انسيكلوبيديس أونوفارساليس. وهي مشروع لم ينجز في عام أو عامين. فقد صدر من هذه الموسوعة مجلدها الأول في سنة 1913 واستمرت على الصدور حتى السنوات الأخيرة. فقد صدر المجلد الحادي عشر منها سنة 2005. وهو الأخير لأنه استكمل حروف المعجم اللاتيني. ولكن بعد ذلك صدر المجلد الثاني عشر وهو "التكملة". ولا أحسب أن التكملات ستنتهي إلى حين تعاد طبعة جديدة تدمج فيها التكملات في حروفها. فمشاريع هؤلاء الطين من الخلق لا تنتهي أبدا لأنهم لا يبيتون على فكرة ومنضبطون وصادقون وعاملون حابرون. وليس من الغريب أن يستمر هؤلاء القوم على مشروعهم قرنا من الزمن وقد رحلت الأجيال التي بادرت به. فالمجلة التي أصدرها فكتور هوقو: "مجلة العالمين" لا تزال تصدر حتى اليوم وتشرف على نشرها شركة خاصة. ولقد حظيت منها باشتراك مجاني كان لي شرفا كبيرا. ولله در هؤلاء الناس من در! ولله در صناع الحضارة الذين نابوا عنا في تأليف موسوعة تخصنا ولا تخصهم!
ثانيا: إن مشروع ترجمتها قديم جدا كذلك. فقد نهضت به ثلة من الأساتذة المصريين المناضلين في ميدان العلم منذ 1933. وتتكون تلكم النخبة الرائعة من الأستاذ إبراهيم زكي خورشيد والأستاذ أحمد الشنتناوي والدكتور عبد الحميد يونس والأستاذ محمد ثابت أفندي. ولقد ذهبوا فيه شوطا كبيرا ووصلوا فيه إلى حرف العين. ولكن جهدهم كان ذاتيا. فانقطع بهم. ومن الطريف أن هؤلاء المناضلين بحق خسروا تقدمهم المهني في الجامعة وقد ألفوا أنفسهم دون المطلوب في الرتب الجامعية. فهم بدل أن ينجزوا أطروحات ويحصلوا على ديبلومات تمكنهم من الترقي في رتب التعليم العالي – بدل ذلك بذلوا جهدهم في هذا العمل العلمي المضني. ولكن حصل أن كان ثمة عملاقان واقفان فوق الترتيب ألا وهما عباس محمود العقاد وطه حسين. فقد عملا على تسوية وضعياتهم المهنية. فقد كتب الأول للثاني رسالة من أروع ما قرأت في حياتي يتدخل فيها لدى الثاني الذي كان وقتها وزيرا للمعارف. فشرح له فيها الوضع الذي آل إليه هؤلاء الذين لم يفكروا في أنفسهم وخدموا العلم للعلم. وقال له في جملة ما قال: من "غيرك يقدم على تسوية وضعيتهم؟" ونحن نعلم مدى التنافس بين الرجل. ولكن هذا التنافس كان تماتنا على كل عمل جميل ونافع من علم وثقافة وأدب وفن. ولقد سوى فعلا طه حسين أمر رتبهم بشكل استثنائي. وقد حصل أن عاد هؤلاء الأساتذة أنفسهم إلى مشروعهم سنة 1969 وانضم إليهم مترجمون آخرون من الشباب الجديد. ولكن العمر عصف بالأغلبية منهم. وتوقف المشروع مرة أخرى. وقد تداركوا ترجمتهم السابقة انطلاقا من الطبعة الثانية للموسوعة. وأصدروا منها ستة عشر جزءا. ويبدو أن المشاريع العظيمة تظل منقوصة لتظل تبحث عن الكمال. وما أروع الكمال حين يكون نزوعا دائما لكمال لا يتحقق. فعظمة الإنسان في نقصه وفي سعيه لتدارك ذلكم النقص منذ أعلن أفلاطون أنه اختار أن يكون منقوصا أي فيلسوفا فحسب.
ثالثا: لقد صدرت في الثمانينيات طبعة جديدة للموسوعة. فعقّد صدورُها أمر ترجمتها أيما تعقيد. إذ لابد من العودة على المجلدات السابقة بالتنقيح والإصلاح والزيادة التي أحدثت على الأصل. ولا غرو فالمشروع ضخم جدا ويتطلب جهدا كبيرا بل تضافرا للجهود من الأفراد والمؤسسات العلمية. وقد بدأ التعبير عن الحاجة لاستكمال مشروع الترجمة كذلك واستكمال بقية الحروف الواقعة بين حرف العين وحرف الياء. وهكذا بمبادرة من صاحب سمو الشيخ سلطان بن حمد القاسمي حاكم الشارقة وبالتعاون مع الهيئة المصرية العامة للكتاب ودائرة الثقافة والإعلام بحكومة الشارقة وقعت العودة للمشروع. وفعلا نشر مركز الإبداع الفكري بالشارقة ترجمة للموسوعة المعنية سنة 1998 في ثلاثة وثلاثين مجلدا. وقد اختاروا أن يتخلوا عن بعض المواد القليلة وعلى كتابة تكملات للفصول التي لا بد من التوسع فيها حين يُتوجه بها للقارئ العربي.
رابعا: لا يبدو أن المشروع قابل للاستنفاذ. فقد صدرت أجزاء أخرى منه بعد هذا التاريخ. ولذلك لا بد من العودة عليه لاستكمال ترجمة الحادث منها. فقد ظهر المجلد العاشر في سنة 2002 والحادي عشر في سنة 2005 ومجلد التكملة وهو الثاني عشر في سنة 2007.
وبعد هذا التوضيح نستطيع أن نخلص إلى أن العمل ضخم ويلزمه جهد كبير وأشياء أخر.
أولها: التمويل. وهو كبير ويجب ان تنهض به مؤسسات تعيش بحبحة مالية علما أنه بدون رعاة من محبي العلم فحتى هذه لن يسعها الأمر كذلك. علما أنها ستدفع قطعا حقوقا لــمؤسسة "بريل" وللمترجمين والمراجعين وغيرهم. وأما ميزانية المركز الوطني للترجمة بتونس فصغيرة ولا تفي بمستلزماته. فما بالك بالمشروع. بل هي صغيرة إلى الحد الذي جعل المسؤولين عليه يستحوذون عليها لهم وللمقربين منهم وللأحباب والأصحاب كما يحصل عادة في بلادنا حيث الزُّمَر في كل مكان تستحوذ على كل شيء. وأما أثرياؤنا فهم أبعد من أن يرعوا علما ومعرفة لاسيما أنهم كوّنوا ثرواتهم من الدولة وهم يتخفون عليها حتى لا يطالبوا بشيء. وأما الدولة فقد باتت تعيش على المساعدات والقروض. وهذا ليس خافيا على أحد. ولو استطاع المركز أن يتحدى هذه المصاعب فسيلاقى بالجزاء والشكران. ومن جانبي سأنحني له كل صباح ومساء وأقبل التراب بين قدميه.
وثانيها: الحقوق. ولكن قبل دفع حقوق "بريل" والكتاب والمترجمين فمركز الإبداع الفكري بالشارقة باتت له حقوق. وهو من قام بمجمل العمل إلى حد الآن فترجم وصحح ونقح وطبع ونشر ودفع حقوقا كذلك للطبعات السابقة ولـ"بريل" واكتسب خبرة في العمل عليها. فباتت له حقوق مكتسبة على المركز الوطني للترجمة بتونس إن عقد العزم على هذا المشروع أن يدفع ذلك مجموعا لمركز الإبداع في الشارقة ولبريل في هولاندا. كما إني لا أحسب أن مركز الإبداع سيتخلى عن المشروع ولا بريل ستسحب حقوقها منه. فالمسألة ليست لعبة.
وثالثها: لغة الانطلاق في الترجمة. إذ إن ترجمتها لا تتم في الغالب من الفرنسية ولا من الألمانية بل من الإنجليزية. ونحن لسنا معروفين بالترجمة من هذه اللغة. ومن الأفضل أن نسهم فيها بترجمة الفصول التي كتبت بدءا بالفرنسية. ولكن لم أقل إن المترجمين من الإنجليزية معدومين في تونس ولا المترجمين من الفرنسية معدومين في المشرق. وإنما يجب أن تتظافر جهود المترجمين العرب جميعا سواء ترجموا من الإنجليزية أو الفرنسية أو الألمانية أي من اللغات التي صدرت بها في الوقت نفسه دائرة المعارف المعنية. أما أن تخص "بريل" التوانسة بها فلا يصدق ذلك عقل عاقل البتة. ثم ما الداعي لو فعلت؟ هل كانت الترجمات السابقة غير موفقة؟ أبدا. فقد تماتن عليها أساتذة كبار وأبلوا البلاء الحسن في الترجمة والتحقيق والاستكمال. وأما هذا الادعاء ولا أدري ممن حصل في المركز الوطني للترجمة بتونس فإنما نرجسية لا تنبئ بخير. وليس هو سوى دليل على التقوقع والانغلاق. ولا بد من الإقلاع عن ذلك. وإن لم يقع الإقلاع عنه فإنما تلك معضلة من المعضلات المهلكات. وما أروع التواضع والعمل بصمت دون استثناء لأحد مع ترك المجال للطاقات الحقيقية والكف عن الاستحواذ والاستبعاد.
ولهذه الدواعي جميعها لن يكون هذا المشروع إلا أقرب إلى الوهم منه إلى الواقع. والحقيقة هي أنه لابد أن نتخير المسؤولين الأكفاء بحق بدون ولاء حتى ننهض بمؤسساتنا ودولنا. ولكن العقلية الضيقة وروح المصلحة الصغيرة والتقوقع في زمر تجتمع على التآمر والكيد للآخرين وانعدام التطلع إلى بناء دول وحضارة – مطاعن جميعها تقف وراء هذا التصرف العام غير الخاص بالمركز المعني. وإني أنتظر ردا من المركز المذكور أو توضيحا من مركز الإبداع بالشارقة.



#الطيب_بن_رجب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التجارة والاختلاف والتسامح لدى فولتير
- هل انتصرت غزة؟
- لا أعراب ولا أمازيغ


المزيد.....




- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الطيب بن رجب - ترجمة دائرة المعارف الإسلامية بين الوهم والحقيقة