أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - رياض ابو رغيف - رجل حررني من عبوديتي















المزيد.....

رجل حررني من عبوديتي


رياض ابو رغيف

الحوار المتمدن-العدد: 4724 - 2015 / 2 / 18 - 00:10
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


رجل حررني من عبوديتي
كنا بعد الضربة العنيفة التي وجهتها اجهزة البعث القمعية للجامعة النجفية بعد احداث اﻻ-;-نتفاضة الشعبانية اوائل تسعينات القرن الماضي نشعر شعورا مرا بان عيون النظام ومخبريه واقلامه وجواسيسه (الشماشمة ) تقيد كل شيء في كيان الحوزة النجفية وطلبتها واستسلم اغلبنا لتلك العبودية والقيود مطأطأ راسه وخافضا عيونه من ان تلتقي بعيون زبانية النظام المنتشرين في كل مكان وشارع ومسجد وحلقة دراسية وصرنا نخشى من اﻻ-;-ب واﻻ-;-بن واﻻ-;-خ والزميل والصديق والزوجة والمدرس وامام المسجد وباعة الخضروات وخباز الحي وغيرهم ممن تضطرنا الحياة الى رفقتهم والتعامل معهم فكان شعوري وربما شعور غيري ايضا ان كل هولاء ماهم اﻻ-;- سلاسل وقيود تمسك باقلامنا وعقولنا والسنتنا وتقيد ايادينا فصار الخوف هاجسا والعبودية قدرنا المحتوم .
وكنت كما هي عادة طلبة العلوم الدينية ازور مكاتب مراجع الدين اما لطرح موضوع علمي استصعب علي فهمه او للاستماع الى فوائدهم العلمية واﻻ-;-خلاقية التي تطرح في مجالسهم قبل صلاة الظهر بما يقل او يزيد عن ساعة وكانت تلك المكاتب ونتيجة للظرف اﻻ-;-مني العصيب والمراقبات الشديدة الواضحة والمكشوفة من قبل اجهزة اﻻ-;-من يقتصر زوارها على طلبة الحوزة واساتذتها ومن النادر ان تجد في اروقتها ومجالسها من هو خارج هذه المسميات او التصنيفات وكان من ضمن مكاتب المرجعية مكتب السيد محمد صادق الصدر وهو مكتب فتح ابوابه بعد عام من احداث اﻻ-;-نتفاضة الشعبانية ومكتبه (البراني) لايختلف كثيرا عن مكاتب مراحع الدين اﻻ-;-خرى اﻻ-;- بشيء واحد اثار فضولي ومتابعتي وهو ان السيد محمد الصدر (ق س) وبخلاف جميع المراجع اﻻ-;-خرين كان يلقي الدروس اﻻ-;-خلاقية والاجتماعية بل وحتى السياسية (وان كان بعضه تلميحا ) باسهاب وتحليل وجرأة نادرا ما كنت اجدها عند المراجع اﻻ-;-خرين .
جذبتني وغيري الكثير من الطلبة الشباب طريقة طرحه للامور ونظرته الحركية المتجددة ودعوته ان يكون الدين باعثا للحياة وانطلاقا للحرية والتغيير وبالرغم من قيود عبوديتي التي كنت انوء بها خوفا من تبعات الحرية التي احلم بها من ان تؤدي بي الى غياهب مجهول السلطة اﻻ-;- ان نفسي الباحثة عن اﻻ-;-مل وجذوة توقد افكاري المطمورة تحت رماد نار اﻻ-;-نتقام التي خلفتها سياسات البعث الصدامي في نفسي كان ذلك كله يدفعني الى حضور تلك المجالس دونما تدخل او نقاش او راي اطرحه .
كنت وعلى مدى اشهر من مواظبتي على حضور مجلسه اليومي احس بان قيود عبوديتي التي تلفني من اخمص قدمي حتى قمة راسي تنفلت وتتكسر ببطء وبدأت مرارة العبودية تنقشع عن ذوقي الفكري ببطء اشد لكنه احساس كان يغادرني بمغادرتي مكتبه او رؤيتي لعيون السلطات التي تترصد الداخلين لدائرة مرجعيته .
لم يكن يهمني ما اسمعه من تشكيك البعض بشخصيته او الطعن بمرجعيته لاني بصراحة كنت ارى فيه بعدين قد تجاهلها المشككون....
اﻻ-;-ول البعد التاريخي والجهادي لرجاﻻ-;-ت ال الصدر في الجامعة الدينية واثرهما العميق في حركتها العلمية والفكرية والتجديدية خلال العقود الماضية
والثاني الدور الواضح الذي اختطه الرجل لنفسه للنهوض بواقعنا الجامد وحاجتنا الى مطرقته الفكرية التي بدأت تفتت قيود الانطواء والتقوقع من خلال دعوته طلبة العلوم الدينية الى التاثير اﻻ-;-يجابي في المجتمع العراقي المنحدر نحو التسافل الفكري واﻻ-;-خلاقي .
بدأت علاقتي بمرجعية السيد محمد الصدر تتوطد ليس لاني اعد نفسي من فضلاء الحوزة ومميزيها فامكاناتي العلمية لم ترتق الى هذا المصاف العالي بل بنظرتي اليه كمنقذ وامل ومحرر لعبوديتي التي كنت اخشى مغادرتها واخاف تركها .
وكان هو بذاته يقرأ بثقابة نظرته وعلو معرفته تلك العبودية وذلك الخوف والوجل في عيوني ومداخلاتي التي اطرحها احيانا امامه بتردد فيشجعني ويدعوني بصوته الجهوري المؤثر ان ارفع صوتي مجاهرا بما اعتقد من افكار واراء وكانت عبارته التي طالما قالها لي (ارفع صوتك ... ارفع صوتك .. دعنا نسمعك ) شديدة التاثير في نفسي واحسها كمطرقة قوية تكسر اقفال لساني وقيود تفكيري واصفاد عبوديتي .
وفي احد اﻻ-;-يام وكانت الدعوة الى اقامة صلاة الجمعة التي اطلقها السيد الصدر (ق س) في بداياتها زارني وفد من اﻻ-;-خوة المكلفين بامامة صلاة الجمعة في المحافظة التي اسكنها وطرحوا علي امرا كلفهم به السيد الصدر بنفسه فقد كان متوقعا اعتقال امام احد المساجد اثناء اقامته لصلاة الجمعة من قبل قوات اﻻ-;-من ...وعرضوا علي رغبة السيد الصدر بان انوب عنه في حالة قيام البعثيين باعتقاله واقامة الصلاة نيابة عنه ولم يخفوا توقعهم ان يتم اعتقالي انا ايضا حيث انني المفروض بعد ان يعتقل الامام ان استبدل مكانه وان اندد باﻻ-;-عتقال وبالعمل الشائن للبعثيين .
نزل ذلك اﻻ-;-مر على نفسي نزول الصاعقة.... صحيح انني اتمنى التخلص من الخوف والعبودية والتردد لكن ان يكون اﻻ-;-مر بهذه الجرأة والقوة فهو غاية التحدي للبعثيين ومن المؤكد انه سيعرضني وعائلتي ومن يلوذ بي للانتقام والتعذيب وربما اﻻ-;-عدام .
لم ارفض طلبهم ربما خجلا من رجولتي وكبريائي ومن اﻻ-;-خوة المكلفين بتبليغي الرسالة وربما استحياءا من رفض الثقة واﻻ-;-مانة التي وضعها السيد على عاتقي .
حضرت الصلاة مترددا ومتهيئا للقادم المتوقع وكان من حسن حظي عدم تعرض الشخص المعني للاعتقال وحمدت الله لان اﻻ-;-مر مر مرور الكرام.
لكن هذه الحادثة في الحقيقة كسرت في داخلي قيودا واصفادا واقفاﻻ-;- وخوفا طالما تمنيت ان اتخلص من ثقلها ومن نيرها وان كنت احس ان حبل العبودية اﻻ-;-خير لازال معلقا في رقبتي .
بعد اشهر من الصراع المحتدم بين البعثيين ومرجعية السيد محمد الصدر تم استهدافه رضوان الله تعالى عليه لينتقل وولديه الى عليين مع الشهداء والصالحين لكن التغيير الذي قاد طريقه الشهيد الصدر فجر تحديا جديدا للسلطة البعثية فاحتدمت المواقف واستعرت النار بين الجموع المليونية التي غضبت لاغتيال قائدها وبين سلطة البعث التي تريد استعباد الاحرار الذين حررهم منهج القائد الشهيد .
وبالفعل استدعتنا السلطات اﻻ-;-منية الى مديرياتها وكنت من الذين طلب مدير امن المحافظة حضوري وبعد ان هدد الرجل وازبد صارخا في وجوهنا مخاطبا للبعض ممن يظن فيهم الجرأة والقوة والقدرة على الوقوف بوجه الدولة يحذرهم ويتوعدهم باﻻ-;-نتقام والموت ان اقدموا على مايعكر صفو نظام صدام ... ثم التفت الي وقال ...
احنا نعرفك زين انته مو كدهه حتى تسوي شي بس احذرك اخاف يقشمروك الجماعة والله افعل كذا وكذا ... باهلك وعرضك
نزل كلامه على رجولتي وكبريائي كالصاعقة وغاضني انه استهان بقدرتي وشجاعتي ورجولتي وخرجت من مكتبه يملؤني اﻻ-;-صرار على اثبات ما يناقض فكرته عني ...
في ليلة اﻻ-;-ربعاء 17 اذار1999 استطاع الاحرار الاشداء من ابطال العراق ان يثأروا لمقتل السيد الصدر وولديه وهاجمت مجاميع بطلة من الشباب مقرات البعث ودوائره اﻻ-;-منية لتنتقم لدماء الشهداء الزكية ...
وحز في نفسي اني لم اكن مبلغا بالعملية ولم استطع الخروج من داري ليلتها كونها طوقت بمجاميع من رجاﻻ-;-ت اﻻ-;-من والبعثيين لكنني وفي صباح يوم الجمعة الذي تلى عملية الثأر البطولية وكانت المدينة تعج برجاﻻ-;-ت الامن والشرطة والحرس الجمهوري والبعثيين خرجت من داري متوجها الى حيث تقام صلاة الجمعة التي اعتقل امامها ليلة العملية فوجدت المسجد مطوقا وتمنع عصابات السلطة الوصول اليه وكان مدير اﻻ-;-من يقف على راس القوة المكلفة بالمنع فتوجهت اليه مباشرة وقلت له
انت تدري هاي صلاة جمعة وهي واجب شرعي والي طلعوا ضد الدولة ماموجودين هنا واحنا انريد نؤدي الواجب ونمشي خليني افتح الجامع واصلي بالناس وكلمن يرجع البيته وانتو تعرفوني زين اني مو كدهه !!
اقتنع مدير اﻻ-;-من ووافق بعد تردد وسمح لي بفتح مسجد الجمعة واداء الصلاة بشرط ان لا اتكلم باي موضوع سياسي
وفعلا توجهت الى المسجد وبدأنا باقامة مقدمات الصلاة والتهيؤ لها .
اقبل عدد لاباس به من الناس لاداء الصلاة واندس عددا ليس بالقليل من ازلام السلطة بين الصفوف ... وبعد ان انهى المؤذن اداء اﻻ-;-ذان توجهت الى منبر الخطبة
وحين بدأت ارتقيه كنت احس في كل خطوة ان حبال خوفي وعبوديتي تتقطع وسلاسل خوفي تتكسر فتزداد شجاعتي وتكبر جرأتي في كل خطوة اتقدمها وبدأت كلمات السيد الصدر الخالدة يتردد صداها عاليا في داخلي " انا حررتكم فلا يستعبدنكم احد من بعدي "
وابتدأت بحمد الله والصلاة على نبيه الكريم واله اﻻ-;-طهار ثم قلت
ان الله تعالى خلق الخلق احرارا فصيرهم الظلم والجاهلية عبيدا فبعث لهم محمدا ص فحررهم من عبودية الظلم والشرك واﻻ-;-صنام ... وانا وانتم خلقنا الله احرارا فصيرنا هولاء عبيدا ثم جاء محمد الصدر ليحررنا فقال "انا حررتكم فلا يستعبدنكم احد من بعدي "فالعنوا من استعبدنا ومن قتل الصدر بالصلاة على محمد وال محمد .
حررني محمد الصدر رض من عبوديتي وبالرغم من سنوات السجن الطويلة التي قضيتها بعد ان انزلت من منبر الحرية والكرامة باعقاب البنادق وضربات وصفعات وركلات رجاﻻ-;-ت
اﻻ-;-من وبالرغم من اﻻ-;-يام العصيبة التي قضيتها في محاجر وزنازين البعث وعذاباتها النفسية والجسدية اﻻ-;- انني كنت اتلذذ بتلك الحرية التي فجرها في داخلي ذلك الرجل الشجاع... حرية انتزعتها انتزاعا من اشد قبضة ظلم واقوى سلاسل وقيود اﻻ-;-ستعباد والتي لم ولن اغادرها بعد ذلك اليوم ابدا .

رياض ابو رغيف
بمناسبة ذكرى استشهاد السيد محمد صادق الصدر يوم 19/2/1999



#رياض_ابو_رغيف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين صلح الحسن واجتثاث البعث
- الخير أت ... من دبش
- ارهاب يقبل به العلمانيون !
- انا والملحد والبعثي والحسين ع
- حينما قررت ان لا اضرب زوجتي


المزيد.....




- غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب
- الرفيق حنا غريب الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني في حوار ...
- يونس سراج ضيف برنامج “شباب في الواجهة” – حلقة 16 أبريل 2024 ...
- مسيرة وطنية للمتصرفين، صباح السبت 20 أبريل 2024 انطلاقا من ب ...
- فاتح ماي 2024 تحت شعار: “تحصين المكتسبات والحقوق والتصدي للم ...
- بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع إثر اجتماع ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 18 أبريل 2024
- الحوار الاجتماعي آلية برجوازية لتدبير المسألة العمالية
- الهجمة الإسرائيلية القادمة على إيران
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - رياض ابو رغيف - رجل حررني من عبوديتي