أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - جوزيف بشارة - قصتي مع الشهداء الأقباط المذبوحين في ليبيا














المزيد.....

قصتي مع الشهداء الأقباط المذبوحين في ليبيا


جوزيف بشارة

الحوار المتمدن-العدد: 4723 - 2015 / 2 / 17 - 23:34
المحور: القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
    


تلقيت نبأ استشهاد الواحد والعشرين مسيحياً مصرياً مع أسرتي. كنت عندها محاطاً بزوجتي وطفليّ الصغيرين اللذين لا يعيان من الدنيا إلا البهجة والحب المتبادل والدفء الأسري. أسرعت بمتابعة سريعة للأخبار، وفوجئت بالمقطع المصور القاسي الذي نشره الإرهابيون على الإنترنت. شاهدت جزءاً من المقطع بعدما وضعت الصوت في أدنى درجاته حتى لا يدرك الصغيران ما كنت أشاهد. انتابتني حالة من الحزن لم أستطع إخفاؤها. لم أقدر على شرح الموقف للطفلين، فقلت أن البرد الذي كنت أعاني منه ساءت أعراضه. لم أشأ تحويل جلستي معهما إلى حالة حزن، فسعيت قدر طاقتي لمقاومة مشاعري وأحاسيسي.

كان هناك سببان لمشاعر الحزن الشديد التي أحسست بها عندها. السبب الأول هو طريقة القتل البشعة التي استخدمها الإرهابيون مع اخوتنا في المسيح والوطن. حاولت وضع نفسي في نفس الظرف، ولم أستطع إدراك حجم الألم والرهبة اللتين تعرض لهما الشهداء. السبب الثاني هو حالة أسر وعائلات الشهداء. حاولت استيعاب كيف يتلقى الأب أو الأم نبأ ذبح الإبن الغالي، وكيف تتلقى الزوجة خبر رحيل عائل أسرتها، وكيف يستوعب الأطفال أمر الغياب الأبدي المبّكر للأب الحبيب، وكيف يتعاطى الأشقاء والأصدقاء مع رحيل الأقرباء إلى النفوس والأرواح. كان السببان كافيان لإغراقي في حالة مزرية من الألم والهّم والإحباط.

بعدما رحل طلفيّ عن جانبيّ دفعني الحس الصحفي لمشاهدة المقطع المصوّر بالكامل للاستماع لكلمة زعيم الإرهابيين المجرمين ولتفحص وجوه الشهداء ومعرفة ردود أفعالهم. هذه المرة أدرت مفتاح الصوت حتى أتمكن من الاستماع. لم يفاجئني شيء مما قاله المجرم الذي يبدو من لغته ولكنته أنه عاش وتربى إما في الولايات المتحدة أو كندا. كان كل شيء متوقعاً أن يكون القتل بدافع ديني بحت وليس وطنياً أو عرقياً أو غيره. لكن أصواتا أخرى صدرت قرب انتهاء المقطع هزتني من داخلي بعنف. كانت هذه الأصوات تردد "يسوع...يسوع... يا ربي يسوع المسيح" أدركت عندها أن هذه كانت أصوات الشهداء ينادون أو يستنجدون أو يقرعون باب المخلص الذي يذبحون من أجله. عندها تغير الأمر تماماً بالنسبة لي.

تساءلت كيف امتلك الشهداء الجرأة لمناجاة الرب الذي يمقته من يذبحونهم؟ ألم يدرك الشهداء عندها ان مجرد ترديد اسم يسوع كفيل بإثارة غضب وحنق الإرهابيين ما يمكن أن يضاعف من وحشيتهم؟ كيف استمر الشهداء في التمسك بالمخلص في أقصى ساعات الضيق والشدة؟ كيف قاوم الشهداء البسطاء كل الرغبات الدنيوية والشهوات العالمية وساروا بشجاعة في طريق الذبح الذي كانوا يدركون أنه ينتظرهم؟ كيف لم يتنكر الشهداء للمسيح حتى ينجون من الوحوش الشيطانية الرابضة فوق ظهورهم؟ من أين أتتهم كل هذه الشجاعة؟ كيف لم يوجد بينهم واحداً كيهوذا الخائن؟

تأملت عندها في حياتي الشخصية وحياة الكثيرين التي نسمع ونقرأ عنها. مر أمام عينيّ شريط طويل من الضعفات التي خذلنا ولا نزال نخذل من خلالها اسم يسوع المسيح حتى نحقق مكاسب دنيوية تافهة. رأيت كم من مرات اخترنا ونختار الطريق السهل، وكم من مرات أردت ونريد فيها من يسوع أن يختبئ قليلاً حتى ننجح في تحقيق هذا النجاح أو ذاك، وكم من مرات خجلنا ونخجل فيها من الالتزام بمبادئ يسوع حتى نصل إلى أهدافنا، وكم من مرات وضعنا ونضع فيها أنفسنا في المقدمة ويسوع في المؤخرة، وكم من مرات سلكنا ونسلك فيها كبطرس وأنكرنا وننكر يسوع حتى نعبر مواقف بعينها بسلام، وكم مرة استسلمنا ونستسلم فيها للضغوط الرهيبة التي تمارس علينا في مجتمعات ترفض المسيح ولا تقبل بتعاليمه.

حاولت مرة أخرى أن أضع نفسي في نفس الظروف التي تعرّض لها الشهداء، وتوقعت، عن بعد، مدى جسامة الموقف علىّ بصورة شخصية. أدركت أنه إذا كنت خذلت يسوع في مواقف صغيرة جداً لا تضحية فيها ولا بذل، فماذا كان سيحدث لي لو كنت أحدهم أو بينهم؟ أيقنت عندها مدى هزالة إيماني. عرفت أنه إذا كنت أحدهم فربما اخترت إدارة ظهري ليسوع حتى أنجو بحياتي. تضاعفت آلامي، وتمنيت أن أكون أمينا مع مخلصي كالجبابرة من شهداء ليبيا الأحباء.

كان يمكن للإرهابيين من صانعي مقطع الذبح إزالة صوت الشهداء، ولكنهم في ما يبدو استخدموا مناجاتهم لربهم كدليل إدانة عليهم. غير أن دليل الإدانة هذا كان إكليلاً من مجد للشهداء الأحد والعشرين في ملكوت السموات، وكان أيضاً سبب تعضيد وتعزية رائعين لكل مسيحي. بالنسبة لي شخصياً كان قيام الشهداء بالصراخ "يسوع... يسوع..." سبباً في تبكيتي على أمور كثيرة.

لم يلتق الملايين من منا، ومنهم كاتب هذه السطور، بالشهداء البسطاء الواحد والعشرين، ولم يتعرّف عليهم بصفة شخصية أحد ربما باستثناء أهاليهم وأصدقائهم وجيرانهم وزملائهم في العمل، لكن الأثر الذي تركوه في قلوب الملايين، وفي قلبي شخصياً، يجعلنا نشعر بأنهم جزء لا يتجزأ من كل عائلة وكل أسرة وبكل فرد منا، ويجعلنا نشعر بأننا نعرفهم بصفة شخصية ومباشرة وحميمية، ونمتلك ما يمكن أن نقوله عنهم.

طوباكم يا شهداء المسيح. طوباكم. أنتم فخرنا. منكم نتعلم وبإيمانكم الصلب سنتمثل.



#جوزيف_بشارة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثلاثة تحديات تواجه السيسي (1)
- الإرهاب الأعمى والحكم العبثي بإعدام 528 إسلاميا في مصر
- باسم يوسف يسقط أمام السيسي بالضربة القاضية الفنية
- حجارة حمدين صبّاحي وبيته الزجاجي
- دور سياسي لفيروس -سي- في مصر!
- حمدين صباحي والبلالية وانتخابات الرئاسة المصرية
- المثقفون والسيسي بين الرفض المنطقي والأيديولوجيات الجوفاء
- ترشيح السيسي: يوم حداد على المجتمع المدني في مصر
- لماذا لا يجب أن نعبأ بغياب الشباب عن الاستفتاء في مصر؟
- مرسي -يتابع- مجازر الأقباط
- عمر البشير وموعد مهم مع العدالة
- محاكمة اليوم الواحد تخذل مباديء ثورة الياسمين
- رفيق حيبيب وتجميل وجه حزب الإخوان
- وهم دولة الإسلاميين المدنية
- أزمة إمبابة بين عجز وفشل المجلس العسكري وإرهاب وكذب السلفيين
- صول-أطفيح وشرع الله ومصر المأسوف عليها
- القوات المسلحة وشرعية الميدان وهيبة الدولة المصرية
- لماذا استبعدت جورجيت قليني من التعديل الوزاري؟
- العمرانية... الشرارة الأولى لثورة شباب مصر
- مذبحة كنيسة القديسين طائفية جذورها داخلية


المزيد.....




- هل تصريح نتنياهو ضد الاحتجاجات في الجامعات يعتبر -تدخلا-؟.. ...
- شاهد: نازحون يعيشون في أروقة المستشفيات في خان يونس
- الصين تطلق رحلة فضائية مأهولة ترافقها أسماك الزرد
- -مساع- جديدة لهدنة في غزة واستعداد إسرائيلي لانتشار محتمل في ...
- البنتاغون: بدأنا بالفعل بنقل الأسلحة إلى أوكرانيا من حزمة ال ...
- جامعات أميركية جديدة تنضم للمظاهرات المؤيدة لغزة
- القوات الإيرانية تستهدف -عنصرين إرهابيين- على متن سيارة بطائ ...
- الكرملين: دعم واشنطن لن يؤثر على عمليتنا
- فريق RT بغزة يرصد وضع مشفى شهداء الأقصى
- إسرائيل مصدومة.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين بجامعات أمريكية ...


المزيد.....

- الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية / نجم الدين فارس
- ايزيدية شنكال-سنجار / ممتاز حسين سليمان خلو
- في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية / عبد الحسين شعبان
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية / سعيد العليمى
- كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق / كاظم حبيب
- التطبيع يسري في دمك / د. عادل سمارة
- كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟ / تاج السر عثمان
- كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان / تاج السر عثمان
- تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و ... / المنصور جعفر
- محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي ... / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - جوزيف بشارة - قصتي مع الشهداء الأقباط المذبوحين في ليبيا