|
الربيع العربي بين الثائرين و الثوريين
أحمد حمدي أبوزيد
الحوار المتمدن-العدد: 4720 - 2015 / 2 / 14 - 21:39
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في الآونة الأخيرة ، بعد أعاصير الربيع العربي ، أصبحت الثورية جدائل مخصلة يحلم بإقتنائها بعض الشباب فتبدلت الأحوال و اختلفت الأوضاع و تغير الذوق العام في الاهتمامات ، فانصرف الغالبية عن الاهتمام بالرومانسيات المسفة و صيحات التكنولوجيا المرهقة و أصبح ملاذهم في متابعة آخر المستجدات السياسية علي الساحة ، ولاسيما المشاركة في فعالياتها . و حتي المعارضين للربيع العربي ، شغلت بعضهم القضايا السياسية و متابعة تطوراتها ، من باب الدفاع عن معتقداتهم و أيدلوجاتيهم الفكرية و تارة أخري من باب الدفاع عن مصالحهم العالقة في أذناب الأنظمة المخلوعة . و لا شك أن بين البعضين تاهت عقول ، و تحيرت أطياف ، فإلي أي الفريقين ينطوي الحق ؟ لكن البعض المؤيد للثورات انشقوا فيما بينهم ، و كذا خلف هذا الإنشقاق حيرة بين صفوف مؤيدين الربيع العربي .. و أعتبر بشكل شخصي أن هذا الإنشقاق الحادث في صفوف المؤيدين يتمثل في المساحة اللغوية بين كلمتي " ثائر و ثوري " . و أعتقد أن كل الثورات التي فشلت في العموم كانت بسبب إلتباس في المصطلحين . و علي سبيل المثال لا الحصر الثورة المصرية .. و أتحدث هنا عن ثورة يناير باعتبارها ثورة مكتملة الجوانب و الأركان و لا خلاف عليها ؛ لكن الخلاف الحقيقي هو علي نجاحها او فشلها ، فيعتقد البعض ممن شارك في فاعلياتها ، أنها نجحت بالتعاون مع أحداث الثلاثين من يونيو و يعتقد البعض الآخر أنها فشلت بدليل نفس تلك الأحداث التي مكنت للعسكريين الانقضاض علي السلطة بعد كسر شوكة الاسلاميين . المعركة في " ظاهرها " معركة ثورات ، لكن في باطنها هي صراع علي السلطة . و من هنا يتضح الفرق واضحا متجليا ، بين " الثائر و الثوري " .
الثائر : هو صاحب الموقف الثوري الأحادي ، الذي يثور من أجل ( مصلحته ) الشخصية و تعديل أوضاعه الفردية ، و لا مانع أن ينضم لجماعة ثائرة تطالب بنفس مطالبه ، بشرط أن يعمل كل منهم لمصلحته الخاصة ،و ما إن قرر المسؤول التفاوض مع أحدهم ، ليساومه بتنفيذ مطالبه ، بشرط أن ينشق عن الجماعة ، حينها سيقبل الثائر العرض المقدم له ، ليس لشيء سوي أنه لا يحمل مباديء الثورية علي عاتقه . أما الثوري : فقد تشبع بمباديء الثورية علي مدار التاريخ . بدأ في الجماعة الثورية و لن ينتهي إلا مع نفس الجماعة . الثوري يثور من أجل حقوق جماعية مطلوب انتزاعها من جوف الظلم . الثوري لا يثور من اجل مطالب فئوية تخص محيطه الشخصي ، بل يثور من أجل مطالب عامة، تخص جموع الشعب الغفيرة . الثوري الحقيقي هو ذلك الغارق في الترف و الحالم بترف الطبقات الكادحة فيناضل من أجل الغير ، لا من أجل نفسه . و ليس شرطا ان يثور الثوري علي الانظمة الحاكمة فحسب ، فتجده يثور أحيانا على نفسه ، على أسرته ، على مجتمعه ، على مبادءه . يثور لأجل ترسيخ العدل و وأد الظلم ، دونما يكون هو طرف في المعادلة المظلومة ، و دونما البحث عن الكاميرات التي تجلب الشهرة له . إن تلك المساحة الشاسعة بين الثائر و الثوري ، هي التي أغرقت الثورة قسريا ، و تسببت في توهان الفئات الباحثة عن الحق . و هي التي جعلت للعبيد صوتا بين الأحرار ، ليدافعوا عن عبوديتهم ، كما يدافع الأحرار عن حريتهم .
افلاطون : " لو أمطرت السماء حرية .. لرأيت بعض العبيد يحملون المظلات" .
حقا إن الإدمان مزمن و مميت ! فكما يدمن بعضنا الحرية ، يدمن آخرون العبودية ، و سيظل التاريخ واقفا متجهشا لهؤلاء الذين ساقوا العبودية نحرا لأفواه الاحرار غصبا . و للعبيد صور مختلفة علي مدار التاريخ ، لكنهم بلا شك يتفقون في مبدأ الولاء و الطاعة لأسيادهم .
" نحن الذين سنموت من أجلك حالاً نحيّيك " . كانت هذه تحيّة العبيد الشهيرة أمام القيصر " كومودوس " قبل أن يتوافدوا علي ساحات القتال ، ليفتك بعضهم بالبعض الآخر ، على سبيل الترفيه عن القيصر وطبقات النبلاء .
أنقذونا من الحرية و لم يختلف عبيد القيصر كثيرا عن هؤلاء العبيد الذين ظهروا في موريتانيا لمناهضة الحركة الثورية من أجل إلغاء قانون الرق في القرن الماضي ، ليقف التاريخ حائرا ، بين هؤلاء المطالبين بإلغاء العبودية و بين من يتظاهر أمام قصر سيده ، لينقذه من بطش الحرية القادم !
أيهما تفضل المستعمر " الألماني " أم المستعمر " الإنجلبزي " ؟! سؤال طالما حلق علي الألسنة في مصر ، أثناء الحرب العالمية الثانية ، حينما علم الانجليز بمزاعم هتلر في التعدي علي مستعمراتهم في افريقيا . و شعور السائل لا يقل وقاحة عن شعور المجيب إن " أجاب " ، فمحاولة الاختيار بين مستعمر و آخر لا تقل وطأة عن اختيارك لأن تموت محروقا أو مذبوحا .!
و لم نبتعد كثيرا لو تحدثنا عن مجريات الأمور في مصر بعد أحداث " يونيو " و دولة " يوليو العسكرية " ، لتجد بعض العبيد يسعون لتأليه النظام ، و تمجيد تاريخه الملوث بالدماء ، و إلصاق التهم و توزيع المؤامرات لمن يفكر في أن يعترض علي نصب الأحداث .
وسواء كانت العبودية مذهب فكري يعتنقه البعض أو مجرد حالة من حالات الإستمناء الإدماني لدي البعض الآخر ، فاعتقادي أن مصطلح الثورجي يليق بكليهما .. إن هذا الثورجي هو الذي ينفرد بالطبول وحده ؛ فيهلل لمن ينتصر أخيرا و يمنحه حريته مقابل لاشيء ، نتيجة لفيروس يسري في شرايينه مفاده ( العبودية ) . وتعتمد هذه الطائفة علي بث الرعب في نفوس الآخرين ، فالنعيم سيتأتي من مؤخرات أسيادهم ، و الجيحم ينتظر من يعارض او يشجب .!
و لنا في قصة صديق جحا عبرة . إذ قال الصديق لجحا . إن البغاء انتشر في بلدتنا و الأوضاع قد اضمحلت ، فقال جحا : لكن حيينا لم يشوبه عار ، فقال صديقه ، بل ان حيكم بالذات ، قد أصبح مرتعا للغواني ، فقال جحا لكن بيتي هو عنوان للشرف ، فضحك صديقه و قال ؛ بل ان بيتك بالتحديد هو نواة الرذيلة و البغاء ، فقال جحا عبارته الشهيرة .. أوليس أفضل من أن أكون مثل سوريا و العراق و ليبيا ؟!
المياه كلها بلون الغرق " ايميل سيوران " و العبودية كلها برائحة العفن . بتصريف واقعي من المقولة أعلاه ..
#أحمد_حمدي_أبوزيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قرحة الوهم
-
الحيادية بين الوسطية و الموضوعية
-
ميكافيلية الهوى
المزيد.....
-
السيسي يتجه إلى السعودية لأداء مناسك الحج.. والرئاسة المصرية
...
-
حزب الله يواصل هجماته على شمال إسرائيل والجولان المحتل ويُطل
...
-
في خطوة مفاجئة.. ترزيتش يستقيل من تدريب بوروسيا دورتموند
-
-العمالة برقبتك-.. حديث وزير الداخلية الكويتي إلى مالك عقار
...
-
محكمة أوروبية تغرم هنغاريا 200 مليون يورو لعدم التزامها بقوا
...
-
إعلام أمريكي تعليقا على تواجد سفن حربية روسية في كوبا: البنت
...
-
زاخاروفا تتهم واشنطن ولندن بتحريض أوكرانيا لتنفيذ أعمال تخري
...
-
صحة غزة: ارتفاع حصيلة قتلى القصف الإسرائيلي على القطاع إلى 3
...
-
سموتريتش يؤكد تحويل 130 مليون شيكل من أموال السلطة الفلسطيني
...
-
-مصائب بوينغ-.. مسافرون عالقون بطائرة بحرارة تزيد عن 52 درجة
...
المزيد.....
-
الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت
...
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
هواجس ثقافية 188
/ آرام كربيت
-
قبو الثلاثين
/ السماح عبد الله
-
والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور
/ وليد الخشاب
-
ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول
/ بشير الحامدي
-
ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول
/ بشير الحامدي
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
المزيد.....
|