أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد حمدي أبوزيد - الحيادية بين الوسطية و الموضوعية















المزيد.....

الحيادية بين الوسطية و الموضوعية


أحمد حمدي أبوزيد

الحوار المتمدن-العدد: 4705 - 2015 / 1 / 30 - 08:02
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


حدثنا مسلم بن أبي بكرة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنها ستكون فتنة، المضطجع فيها خير من الجالس، والجالس خير من القائم، والقائم خير من الماشي، والماشي خير من الساعي، فقال رجل: يا رسول الله، ما تأمرنا؟ قال: من كانت له إبل فليلحق بإبله، ومن كانت له غنم فليلحق بغنمه، ومن كانت له أرض فليلحق بأرضه، ومن لم يكن له شيء من ذلك فليعمد إلى سيفه فليضرب بحده على صخرة ثم لينج إن استطاع النجاة.

ونستخلص من هذا الحديث النبوي الشريف، أنه في أوقات الفتن يجب على المرء أن يلتزم “الحياد” وأن يسعى في سبيل عمله أو رزقه دون أن يلتفت لمركز الصراعات، وإن طالته الفتنة من قريب، فالنجاة بنفسه هي السبيل!

ويحضرني موقف أحد الصحابة، كما جاء في كتاب البداية والنهاية لابن كثير، عندما تناول بالطرح أزمة ما بعد مقتل سيدنا عثمان، حيث اندلاع الحرب الضروس بين سيدنا علي وسيدنا معاوية. ريثما يقف التاريخ شاهدًا على موقف الصحابي الجليل عبد الله بن عمر بن الخطاب الذي آثر (الوسطية) من أمر الأطراف المتنازعة، فلا آزر هذا ولا اتبع ذاك، لدرجة أن الإمام الذهبي وصفه بـ (إمام القدوة)، لتتعلم الأجيال كيف يكون موقف المسلم في أوقات الفتن.

وفي تفنيدي أعلاه بتفسير الحديث الشريف، ثم ذكر موقف الصحابي الجليل، استخدمت مصطلح (الحيادية) مرةً في تفسير الحديث، واستخدمت مصطلح (الوسطية) مرةً في ذكر موقف الصحابي عبد الله بن عمر، في إشارة مني إلى محاولة توضيح الفرق بين المصطلحين، وميولي ناحية وصف موقف سيدنا عبد الله بن عمر بالوسطية وليس الحيادية!

وربما ينزعج البعض من وصفي لإمام القدوة بأنه لم يكن حياديًا، ولكن البعض الآخر سوف يسلك مسلك البحث والتفكير، في إيجاد الالتباس أو التطابق بين المفهومين (الوسطية والحيادية)، وحتي نزيل الالتباس المعرفي بين المصطلحين فعلينا بالتعمق داخل كل مصطلح على حدة.

الحيادية تعني: عدم اتخاذ موقف تقييمي من الموضوع محل الإشكالية، برغم التحيز.

الوسطية تعني: محاولة البقاء على مسافة واحدة من الأطراف المتنازعة، بدون أي تحيز.

ويبقى التحيز هو الفيصل الذي يفض هذا الاشتباك الترادفي بين المصطلحين، فالحيادية بلا شك لا تعني عدم التحيز، فرسول الله صلى الله عليه وسلم عندما ذكر عصور الفتنة، كان يقصد بتلك الفتنة التي يتخفى فيها الظلم داخل عباءة الحق، فيضيع الناس بين الفئات المتناحرة، ويقفون في لحظات حيرة من أمرهم، فأي تلك الطوائف على حق كي يتبعوه! وهو ما يفضي إلى أن الحيادية تحوي بين طياتها التحيز مُعلنًا وصريحًا، فالقاضي الذي يفصل بين الناس، هو حيادي، وفي نفس الوقت متحيز للحق، فيتخذ صف المظلوم ضد الظالم متكئًا على الشرع أو القانون، وهذا التحيز هو الحياد الإيجابي الذي يؤصل منهج العدل الذي طالما نطمح في تحقيقه. وموقف الصحابي الجليل خلي من الحيادية، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حسم قضية هذا الصراع من قبل أن تبدأ عن حديثه في (مقتل عمار بن ياسر)!.

وكذا يقول مارتن لوثر مقولته الشهيرة “إن أسوأ مكان في الجحيم محجوز لأولئك الذين يقفون على الحياد في أوقات المعارك الأخلاقية الحاسمة”، وهو يرمي هنا إلى مفهوم الحيادية السلبية التي لا تشمل التحيز للحق ـ مع أن الحق معلن وصريح الهوية ـ وتتجسد تلك الحيادية السلبية بشكل واضح في المعارك السياسية، والتي يظهر فيها بعض المحسوبين على تيارات سياسية معينة بحسب مصالحهم وأيديولجياتهم الفكرية، فيطمسون معالم الحق ويتبعون أهواءهم الفكرية تبعًا لثقافة الاستقطاب، التي شملتهم، لتحقيق منافع معينة يطمحون في الوصول إليها، وهو الأجدر باتباع القطيع المنتمين إليه، وإخماد صوت الضمير الذي يلح في تتبع الحق غالبا، وسواء تم تقسيم الحيادية إلى سلبية أو إيجابية فكلتيهما لا يتفق مع مفهوم الوسطية، فالحيادية الإيجابية تتحيز للحق، والسلبية تتحيز للأهواء الفكرية الأيديولوجية، وهذا يتخالف مع مبدأ الوسطية التي تحافظ على نفس المسافة بين الأطراف المتنازعة كما ذكرت من قبل.

أما الوسطية لا تشمل بداخلها التحيز، فهي اللا مبالاة من الأمر، ولا نستطيع أن نعتبر أن الوسطية معيارًا للحيادية، ولنا في الفصل بين المستبد والمستضعف مثالا حيًا يوضح الفرق بقوة بين الحيادية والوسطية، فهذا المستبد دائما ما ينتهك قوى المستضعفين ويسخِّرهم، رغما عن إرادتهم، لاستنزافهم وطمس حرياتهم من أجل مصالحه الشخصية. ودائما ما يبرر موقفه بأن الشدة والحزم مطلوبان نظرا لأن الميوعة في التعامل سوف تقضي حتما بتمرد المستضعف، وفقدان السيطرة والقبضة على مجريات الأمور، وعلي العكس تماما، فيرى الطرف الآخر “المستضعف” أنه يحتاج إلى مساحة أكبر للحركة التعبيرية، عن احتياجاته ومطالبه وحقوقه، ومن هنا وبإدراج طرف آخر لحل النزاع، بين المستبد والمستضعف، سوف يتضح الفارق بقوة.

فلو تدخل شخص وسطي بينهم، فسيظل على نفس المسافة بين الطرفين، وبالتالي سوف تكون مبادئه الوسطية ماكينة طاحنة لحقوق المستضعف، فهو يتبع الدبلوماسية المفرطة في معالجة الأمور، ولا يضع تقييماته للمواقف، ومن ثم يحقق للمستبد هدفه وغرضه، في استمرار قمعه للمستضعف، ومن هنا تنعجم المتضادات في المجتمع الواحد، فيختلط الظالم مع المظلوم، والقامع مع الثوري، والخير مع الشر، لتتصدر الضبابية المشهد، فيعجز الناس عن تحديد موقع الحق الخرائطي. ويظل الفرد المجتمعي يبحث عن ثالوث القيم بين تلك الصراعات علّه يجد (الخير، الحق، العدل) وما إن فشل في بحثه، استقل مقعد الوسطية الموضوعية من منطلق (راحة الضمير) وقد أضفت هنا مصطلح الموضوعية، باعتباره الأقرب ترادفا من الوسطية، لكنه بالتأكيد لا يعني التطابق الكامل، وبنفس الوقت لا يعني قطبيته مع الوسطية، فالموضوعية تعني: استقلال المنطقة الصفرية من الأحداث، لكن بوجود تقييمات معلنة لمواقف الأطراف المتنازعة تبعًا لمجموعة من المباديء الحياتية التي نص عليها قانون الموضوع، محل الخلاف، وتصبح الموضوعية في نظر البعض ممن تناولوا تلك المصطلحات بالتفسير الفلسفي “منهج حياتي معتدل” أو هي السلوك الأصوب إن صح التعبير، وتظل تلك الاصطلاحات ألغامًا فكرية لا يجب تناولها دون معرفة حقيقية، فالتلاعب بتلك المصطلحات عن جهل قد تؤدي إلى بئر الرذيلة المعرفية، ولا أقصد بعبارة بئر الرذيلة المعرفية الجهل المعرفي، بل أقصد الجهل المتعمد، فهناك من يرتكب الفاحشة وهو على دراية كاملة بحكم الشرع الواقع على مرتكبيها، وهناك من يرتكبها دون العلم بأبعاد جريمته الأخلاقية، لكنه على يقين من أن السلوك يندرج تحت الأعمال الذميمة أو المشينة!



#أحمد_حمدي_أبوزيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ميكافيلية الهوى


المزيد.....




- وزير الدفاع الأميركي يجري مباحثات مع نظيره الإسرائيلي
- مدير الـ -سي آي إيه-: -داعش- الجهة الوحيدة المسؤولة عن هجوم ...
- البابا تواضروس الثاني يحذر من مخاطر زواج الأقارب ويتحدث عن إ ...
- كوليبا: لا توجد لدينا خطة بديلة في حال غياب المساعدات الأمري ...
- بعد الفيتو الأمريكي.. الجزائر تعلن أنها ستعود بقوة لطرح العض ...
- السلاح النووي الإيراني.. غموض ومخاوف تعود للواجهة بعد الهجوم ...
- وزير الدفاع الأميركي يحري مباحثات مع نظيره الإسرائيلي
- مدير الاستخبارات الأمريكية يحذر: أوكرانيا قد تضطر إلى الاستس ...
- -حماس-: الولايات المتحدة تؤكد باستخدام -الفيتو- وقوفها ضد شع ...
- دراسة ضخمة: جينات القوة قد تحمي من الأمراض والموت المبكر


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد حمدي أبوزيد - الحيادية بين الوسطية و الموضوعية