|
ميكافيلية الهوى
أحمد حمدي أبوزيد
الحوار المتمدن-العدد: 4704 - 2015 / 1 / 29 - 16:44
المحور:
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
ميكافيلية الهوى
كثيرا ما يقابلنا الشعور بالندم تجاه تصرف أو سلوك معين قد فعلناه ، و ربما ! يكون هذا الشعور مصحوب ببعض عبارات اللوم و العتاب و أحيانا التعنيف لأنفسنا ، و تتوالي الأسئلة ، فلماذا لم أفعل كذا و كذا ، و لماذا لم أقول هكذا . و قد يصل المطاف بالبعض بأن يتخذوا من هذه الموقف درسا ينفعهم في المستقبل القريب ، و البعض الآخر لا يستخلص العبرة أو الحكمة المرجوة من التجربة ، و ربما يقع في نفس الاشكالية أكثر من مرة بنفس سوء النتائج السابقة بل و ربما أكثر سوء .
و قد قابلت إحدي صفحات مواقع التواصل الإجتماعي و الخاصة بشؤون المرأة و تفنيد قضاياها علي الجمهور ، من باب الدردشة أحيانا ، و أحيانا أخري من باب عرض المشكلة و استطلاع الآراء المطروحة في شكل حلول مستخلصة من جمهور القراء . و علي تلك الصفحة قرأت مشكلة طرحتها مديرة الصفحة و هي عبارة عن رسالة بدون اسم من سيدة تبلغ من العمر ٣-;-٠-;- عاما ، مطلقة ، و طبيبة بإحدي مستشفيات التأمين الصحي . و علي "حد وصفها " فهي تقول ؛ أنها مميزة من ناحية الشكل الإجتماعي و الوظيفي و الجمالي أيضا ، و برغم أنها مطلقة إلا أنها تشعر بإستقرار نوعي في حياتها . و تبدأ في عرض مشكلتها ، فتقول : أنها تعاني أحيانا من بعض التناقضات ، فهي دائما ما تجلد ذاتها بعد تصرفات معينة تقوم بفعلها ، تجاه بعض زملاء العمل مثلا ! ممن يحاولون في استمالة ( رغباتها المكتومة ) و سرعان ما تبدأ بتوبيخ نفسها ، إذ أن موقفها كان يجب ان يخلو من الابتسامة فقد ربما يعتقد بعض من يطربها بعبارات الإطراء انها تميل ناحيته ، ثم تعود بذاكرتها إلي الوراء ، فتقول كنت أثناء دراستي بكلية الطب ، أحفز نفسي بمكافاة ، ( أعشقها ) إذا استطعت ان أنهي جدول مذاكرتي علي أكمل وجه ، و قد كانت تلك المكافاة ثمة ترك المجال قليلا لإستمتاع جسدها ، بممارسة العادة السرية ، و الغريب في الأمر أنها تعترف بإدمانها لتلك العادة حتي أثناء فترة زواجها ، و تستطرد بأنها تكون في قمة سعادتها ! و هي تمارس الفعل نفسه . لكنها تحتقر نفسها بمجرد وصولها لمرادها ، و من ثم تستنكر في كل مرة " فعلتها " من أيام الجامعة الي يومها هذا الذي تكتب فيه رسالتها ، ثم تتوجه بتلك الأسئلة لنفسها و لجمهور القراء . هل انا مريضة ؟ و لو كنت كذلك . فما هو تصنيف مرضي في جدول الأمراض ؟ و كيف أتعافي وأنا أضعف في كل مرة أفعل فيها تلك الفعلة ؟ و لماذا أستمر في فعلتي برغم أنني أوبخ نفسي و احقر منها ؟! و تنهي رسالتها بعبارة صارخة فتقول ؛ ( أعرف ) أنني سوف أواجه تعليقات في منتهي السخافة من ضمنها ، ألا " تخجلي من نفسك " ! ، و "بالتأكيد أنت ناقصة التربية و فاقدة الدين " . لكني علي يقين أن أغلب من سوف يقومون بالنقد اللاذع هم أنفسهم من يعانون من نفس مشاكلي و اضطراباتي ، و ربما اكثر . و أعلم ان هناك من ستقرأ ثم تخرج في صمت . لأنني ضغطت بإصبعي فوق معاناة طويلة ظلت ترافقها في حياتها . أعلم أنني لست وحدي ، لكن جلد الذات أدماني ، فكفاني ملام و كفاكم مثالية .!
الحقيقة أن تلك الرسالة أعتبرتها " نموذج حي " في " جلد الذات " و " نقدها " و " تحفيزها " أحيانا من أجل الوصول إلي الغاية المنشودة و إسقاط الإشكالية الأخلاقية علي الآخرين من باب " لست وحدي " ، للتخلص من عذاب الضمير و خصوصا أنها علي يقين أن صمت الآخرون سيكون برهان يقيني لها بأن هناك من يفعل دون إعتراف ، فتلك القضايا الملتهبة في مجتمعاتنا ، تزداد تقرحا نتيجة لدفنها أسفل أعماقنا .
" نموذج واقعي " لمجموعة من التضادات ، و التناقضات ، أفضت بإزدواجية كاتبهاو قارئها في نفس الوقت . ! فهي تبدأ رسالتها بملف تعريفي يبهر القاريء ! من فرط الانتظام الإجتماعي و ربما يحقد البعض ! علي مكانتها الوظيفية و الاجتماعية بحسب وصفها . ثم يقفز اشمئزازها و جزعها من نفسها بعرض المشكلة التي ترافقها طيلة حياتها ، ثم تلجم القاريء بالترهيب اللفظي ، فإن كان التعليق فيه توبيخ ، فليتحسس صاحبه رأسه ثم يتحسس نظرات الاخرين . ثم تعري بعضهم ممن يعانون من نفس الإضطرابات ، لكنهم لا يملكون الشجاعة الكافية لمواجهة المجتمع ، بل لا يملكون الشجاعة لمواجهة أنفسهم ، ثم عبرت عن إمتعاضها من أي عبارات لائمة بالتسويف لما قد يحدث ، و أن تلك العبارات التي تتوقعها لا تنفي عن صاحبتها الفعل ، بل ربما تلصقه بها . ثم تتبع المنهج الميكافيلي ( باحتراف ) في أن غايتها تبرر وسيلتها ، لكنها لم تبريء وسيلتها فحسب ، بل قتلت كل من سوف يتعرض لوسايلتها . التي هي في الاساس تراها صلب معاناتها .
" مقرر منهجي " في كيفية مواجهة النفس بإضطراباتها و كيفية إيجاد طرق فعلية واقعية حقيقية للتخلص من أمراض ترافقنا ، بعيدا عن تلك النصائح الصماء التي يكررها الأطباء و الاخصائيين النفسيين علي مسامع مرضاهم في شكل روشتات كادت أن تقتل الملل بمللها . و ربما قد شاركت تلك السيدة بعرض معاناتها النفسية التي طفحت منها لكي تنشرها علي الملئ فتسقط عن نفسها كاهل الذنب لتلصقه بجوانب الآخرين .
و لكني أربأ بالآخرين أن يعتلوا أبراج المثالية و يلقون بنظراتهم الدونية لمن يعترف بامراضه و إضطراباته النفسية ، و ليس شرطا أن يكون الإضطراب المتعلق بالناحية الجنسية او الغرائزية فقط ، لكني أقصد الإضطرابات النفسية في العموم _ ففي رأيي الشخصي _ أن هذا الذي يعترف بمرضه ! ، بالفعل قد وضع أقدامه علي أول طريق العلاج ، بل و ربما إعترافه في حد ذاته يجعله انتصف طريق العلاج ، ويبقي النصف الآخر معلق علي إيمانه بالشيء ، إيمانه بالهدف الذي يريد الوصول إليه ، و من ثم إرضاخ الذات و هزيمتها . فكما قال " الشافعي " ( إن معركة الانسان في ذاته ، فمن استطاع منكم أن ينتصر على ذاته ، فهو قادر علي أن يخوض اي معركة بنجاح ) !
و في تفنيدي لتلك الحالة ( المنعجمة المشاعر ) أجدها قد افتقدت الإيمان بما تريد أن تفعل لانها لا تريد أن تتوقف عن ما تفعل . نتيجة شعورها المزمن بأنها ضحية و جاني في نفس الوقت . و تحضرني عبارة قالها " رالف والدو إمرسون " ( إفعل ما تخاف ) ، لكنها بالتأكيد فشلت في أن تفعل ما تخاف في الإبتعاد عن تلك العادات . و هذا أمر طبيعي لأنها حجمت نفسها و إختزلت سعادتها في منتصف دائرة محيطها كان من ( الرغبة ، الحاجة ، المتعة ،الاحتقار ، الجلد ) . فغالبا ما تكون اعتادت احتقار نفسها ، وجلدها كهذا الاعتياد الذي أدمنته في ممارسة فعلتها .
ولا أكاد ان أخفي هذا الشعور الذي راودني في أن تلك المشكلة المعروضة لم يكن الهدف منها البحث عن حلول واقعية للتخلص من معاناة حياتية ، لكن القصد الحقيقي منها هو إرساء بعض المفاهيم التي أرادت أن ترسلها للآخرين في شكل قصة حياتية تهدف منها أن تقول : أن لا نصم عورات الاخرين بالتهكمات و الانتقاص من شأنهم ، فبعضنا موصوم بعورات أوقح . و التبعيض هنا حتي لا نغلق الدائرة الشريرة بقتامة السوداوية ، فربما بيننا من استطاع أن يتصالح مع نفسه أمام الملأ كما فعلت هي ، لكن دون وصمات أخلاقية . مع كامل اعتقادي بأننا كلنا مرضي و كلنا نعاني ! " و من يعتقد في نفسه أنه سليم معافى مائة بالمائة فهو مريض مبتلي مائتان بالمائة " . و أن تلك الشخصيات " الأفلاطونية السليمة نفسيا " غير موجودة سوي في احلامنا . او في محاولة بحثنا عن إقتناص الأفضل لأنفسنا ، أو في احتكار النبل و ( إقصائه ) علي ذواتنا . لذا فإنه من الفضيلة أن لا نعلن فضيلتنا . و أنه من الآدمية أن نعترف بأمراضنا ، و ان نواجه أخطائنا و أن نتخلي عن ادوار البطولة في تقديم الأخلاق التي ربما نفتقدها . فكما قال ؛ " موليير " ( أن أكثر الناس تصديرا للفضيلة هم أكثرهم احتياجا لها ).
#أحمد_حمدي_أبوزيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سموتريتش يهاجم نتنياهو ويصف المقترح المصري لهدنة في غزة بـ-ا
...
-
اكتشاف آثار جانبية خطيرة لعلاجات يعتمدها مرضى الخرف
-
الصين تدعو للتعاون النشط مع روسيا في قضية الهجوم الإرهابي عل
...
-
البنتاغون يرفض التعليق على سحب دبابات -أبرامز- من ميدان القت
...
-
الإفراج عن أشهر -قاتلة- في بريطانيا
-
-وعدته بممارسة الجنس-.. معلمة تعترف بقتل عشيقها -الخائن- ودف
...
-
مسؤول: الولايات المتحدة خسرت 3 طائرات مسيرة بالقرب من اليمن
...
-
السعودية.. مقطع فيديو يوثق لحظة انفجار -قدر ضغط- في منزل وتس
...
-
الحوثيون يعلنون استهداف سفينة نفط بريطانية وإسقاط مسيرة أمير
...
-
4 شهداء و30 مصابا في غارة إسرائيلية على منزل بمخيم النصيرات
...
المزيد.....
-
الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2)
/ عبد الرحمان النوضة
-
الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2)
/ عبد الرحمان النوضة
-
دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج
/ توفيق أبو شومر
-
كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
كأس من عصير الأيام الجزء الثاني
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية
/ سعيد العليمى
-
الشجرة الارجوانيّة
/ بتول الفارس
المزيد.....
|