أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سامي فريدي - المنفى.. Exile















المزيد.....

المنفى.. Exile


سامي فريدي

الحوار المتمدن-العدد: 4719 - 2015 / 2 / 13 - 20:28
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


عمانوئيل (15)
(منفى).. كلمة تتكون من مقطعين [من- في] تشير للانتقال من مكان لآخر [خروج- من][إقامة- في]. فالمنفي لا يخرج من مكان إلى آخر كما يحدث في التنقلات العادية والتي يعود الشخص بعدها لمكانه الأول [من البيت إلى المدرسة والعمل مثلا، ثم العودة إلى البيت]. المنفي حركة مصحوبة بقرار حكم اجرائي لا مجال فيه للرجوع والمراجعة والتراجع. خروج بلا عودة. (درب الصدّ ما ردّ!). الخروج من بابل. الخروج من مصر. المنفى الأبدي. اللاجئ الأبدي. مفهوم التيه والتائه المقترن بالخروج في السيرة العبرانية.
أما الكلمة الغربية [exile] المشتقة من الأغريقية القديمة، فهي الأخرى تتكون من مقطعين [ex- ile]. المقطع الأول [ex] يشير للخارج/ المابعد/ الماوراء/ المابعد/ الأجنبي/ الدخيل/ الطارئ، ويدخل في كثير من الكلمات مغيرا معناها باتجاه معاكس أو مقلوب، كما في : ex-clude, ex-cuse, ex-cel,ex- act, ex- am, ex-change, ex- it, ex- ist, ex-pell
والمقطع المعاكس لها بالانكليزية [in-] كما في : in-clude, in- put, in-act
أما المقطع الثاني [ile] فهو الأرض المجهولة أو المحجوبة بالماء [iland]. وفي الألمانية [AL] البرية أو الأرض التي لم يصلها البشر. ويقال أيضا [URAL] لتأكيد صفة القدم، حيث يفيد المقطع [UR] دالة القدمية السحيقة.
والمنفى اصطلاحا يختلف عن مصطلح (لجوء/ refugee) المتعارف دوليا في ميثاق حقوق الانسان. فالمنفى أقرب للطرد والرفض والنبذ القطعي الصادر من قبل المكان الأول/ الطبيعي/ الأصلي للشخص أو الشيء. ولذلك لا يمكن حدوثه مرتين، لأنه قطعي ولأن لكلّ شخص أو شيء أصلا- مكانا أصليا واحدا يرتبط به بالنشوء والولادة الأولى.
وليس للمنفى [exile] ملامح أو افتراضات معروفة، فهو مثل قفزة في (مجهول)، لا تتيسر عنه أية معلومات قبل التلامس معه، ولا يعرف ما يترتب عليه من بعد. والمنفى ثمة وضع قهري اضطراري، يضطر عليه الشخص المنفي والمطرود من أرضه وبيئته وأهله وثقافته.
أما اللجوء أو بلد اللجوء، فهو مكان ضيافة معروف الخصائص يوافق صاحبه على إستقبال اللاجئ؛ وقد لا يوافق!. وكما أن المنفي المطرود غير معترف بحقوقه الأساسية والانسانية، فاقد لها بفعل الطرد/ النفي, فأن شخص اللاجئ ليست له حقوق مسبقة أو سلطة على مانح اللجوء في الأصل. يختلف الأمر في واقع الحال نسبيا بفعل منطوق الميثاق الدولي لحقوق الانسان واللاجئين المقرّ من قبل الأمم المتحدة (1949) والمفروض على الدول الأعضاء، سيما الموقعة على الميثاق. وفي مواجهة تزايد موجات اللجوء وانتشار الحروب والنزاعات غير المحسومة بين البلدان، وما تشكله من عبء اقتصادي واجتماعي على البلدان الغربية، كان من المقترحات المعروضة على طاولة النقاش تخصيص اقليم معين في مكان ما من العالم يكون (وطنا بديلا) لللاجئين المهجرين من بلدانهم الأصلية، وكان وسط أفريقيا أحد خيارات (المنفى العالمي)، الذي كان كان سيمثل في حالة تحقق صورة تعويضية للفردوس، قوامها شعب متعدد الأعراق والألوان واللغات والثقافات، ينتج شعبا جديدا ذي هوية جديدة تختلف عن كل من سواه.
لكنّ المنفى ليس مكانا بالضرورة، وأن بدا المكان عنصرا أو دالة رئيسة له.
فالمنفى قد يكون معنويا بفعل الظروف النفسية والاجتماعية، مثل حالة الشخص المنبوذ أو الفئات الحقيرة في قاع المجتمع أو هامشه كالغجر، أو السكان الأصليين في استراليا وأميركا، وكذلك المحجر/ (المنفى) الصحي للمريض بسبب مرضه المعدي أو الخطير. وقد يكون المنفى زمانا، يشعر معه المرء أنه خارج عصره، والمجتمع لا يتقبل وجوده أو طريقته في السلوك أو التفكير أو المشاعر. المنفى إذن حالة نقضية للحالة السائدة في مكان وزمان ما. وربما كان هذا قريبا من حالة الاغتراب الوجودي اليوم، لكن الاغتراب كتشخيص معاصر لحالة فكرية أو اجتماعية ما زال غير معترف به في اللوائح الاجتماعية والصحية، الرسمية والشعبية.
بعبارة أخرى أن المنفى الوجودي، النفسي، الاجتماعي، الثقافي حالة أكثر شقاء وألما مما يتعارف عموما في مفهوم المنفى. بل ان التطورات الاجتماعية السريعة وهيمنة التكنولوجيا والثقافة الالكترونية، زادت تعقيد المنفى مفهوما ومساحة، بشكل يكاد يحيل البشرية عامة إلى منفيين - داخل أنفسهم- خلال عقود قليلة جدا، إذا لم يحدث تغيير للأفضل.
فهذه الأرض هي حسك المنفى وبرية العبودية وصحراء التيه، ليست وطنا ولا مستقرا وانما هي مرحلة انتقالية ومحطة وسطية (لكم فيها متاع إلى حين!). في الصحراء لا يذهب النظر بعيدا، لأنه ينتهي بالسراب، والأشياء تختزل جميعا في لون البياض الشبحي. والطرق مهما افترقت تبقى متقاربة، وجميعها لا تقود إلى نتيجة. فالطريق الوحيد الحقيقي هو ذلك الذي يتجه نحو الداخل، القلب، الذات، الضمير. من هناك تبتدئ كلّ الأشياء، وهناك تنتهي. وطوبى لمن عرف طريقه.
وبحسب قصة الخليقة التوراتية (تك3: 23)، فأن كل كائن بشري هو منفي – من مكانه ووطنه الأصلي في الفردوس-. ويشكل المنفى سمة أساسية في السيرة اليهودية على مجرى التاريخ، حيث يعيش معظم اليهود خارج وطنهم الافتراضي -(أرض الموعد). وإذا كانت (أرض الموعد) هي الفردوس، فأن السيرة اليهودية هي نص أوليغاركي عن محنة البشر جميعا بالمفهوم الميثولوجي.
ومن عمق الشعور بحالة النفي والمنفى وضع اسحق لوريا [1534- 1572م] نظرية في تصور نشأة الكون، ترى أنّ الكائن الأعلى عندما أراد خلق الكون مستخدما شعاع النور، احتاج إلى مكان يموضعه فيه. ولأن المطلق هو الملء كلّه ولا يوجد مكان خارجه، قرر أن يخلي مساحة في داخله يخصصها مكانا للخلق. اقتضت عملية الخلق تحوّل (الروحي) إلى (مادي). هذا التحوّل الجوهري (Alchemist) يدعوه لوريا (المنفى) حيث يفقد الروحي خصائصه ويكتسب المادي خصائص جديدة. وهو أمر وصفه أرسطو في إطار تعريفه لفكرة (التغير) التي جراءها تختفي خصائص وطبيعة لتظهر خصائص وطبيعة وصورة جديدة.
[النفي= حالة فقدان طبيعة أصلية + حالة اكتساب طبيعة جديدة]
الطريف.. والمغزى العميق في نظرية اسحق لوريا أن هذا المنفى ليس في الخارج تماما، وليس مجهولا بالمطلق، وانما هو في داخل الكائن المطلق. المطلق يحيط بهذا المنفى من كل جوانبه، ويحمله في داخله. ورغم أن الطاقة المتحوّلة إلى مادة اكتسبت خصائص وطبيعة مختلفة عن الأصل السابق، فأنّ المحرّك الرئيس للمادة وفعالياتها ما يزال بيد المطلق (المحرك الأول- في اصطلاح فلاسفة الأغريق).
وقد انتشرت أصداء نظرية لوريا من (صفد - الجليل) شمالى فلسطين بين الجاليات اليهودية عبر العالم، موفرة عزاء روحيا ونفسيا للسفارديم في الأرض.
فـ(الإله)، بغض النظر عن المكان والحالة التي نحن فيها، فهو ما يزال يشرف على كلّ شيء، وبيده مقاليد كلّ الأمور، ويتدخل بقوة في اللحظة المناسبة.
لست وحيدا أيها الانسان المتغرب ولست بلا أحد في العالم. ان الله معك. بل هو فيك (ملكوت الله في داخلكم). بل أنت فيه، هو يحتوي الكون بكلّ ما فيه، ولست أنت استثناء في ذلك.
الواقع أنه لم يكن وقت لم يكن فيه منفى ومنفيون. وفي كلّ وقت كان أفراد أو جماعات تتعرض للنفي وتعاني آلامه وملابساته وتدفع ضرائبه غير المحدودة. وإذا كنت أنت لا تشعر بالنفي، فتوقع أنك سليل أحد المنفيين عبر التاريخ. وإذا كنت محظوظا جدا ولم تخرج من أرضك وأرض أجدادك، فهذه الأرض ليست مصيرك الأبدي– كما تعتقد-؛ وان آدم الأول – جدّنا جميعا- هو المنفي الأول.. أورثنا سلالة النفي!.
*



#سامي_فريدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من سرق الفردوس؟..
- ثلاثة في واحد
- المذكر والمؤنث
- التفرد والتعدد/ الروحي أو الجسدي
- ماهية اللغة..!
- واحد + واحد= ثلاثة
- أنا أشكّ، إذاً أنا انسان!..
- بلا عقل.. أفضل!..
- قطيعي أو مقطوعي..!
- القناعة صدأ النفوس!..
- فردوس أم جحيم..
- الغاية المستحيلة..
- رياضيات هندسية Geometric Mathamatic
- الانسان كائن إشكالي!..
- عزت مات عزيزا..
- سايكلوجيا الحرف (25)
- سايكلوجيا الحرف (24)
- ساسكولوجيا الحرف (23)
- ساسكولوجيا الحرف (22)
- ساسكولوجيا الحرف (21)


المزيد.....




- ترامب يتطلع إلى التوصل لاتفاق بشأن غزة في هذا الموعد
- هل نقترب من انفراجة بشأن وقف إطلاق النار في غزة؟ إليكم ما نع ...
- الصين والولايات المتحدة: هل تحوّل التلميذ إلى أستاذ؟ - في ني ...
- رئيس الوزراء العراقي لبي بي سي : العراق لن يسمح بأن تكون سما ...
- -حريق حول العين- لهيام يارد: قصائد بالفرنسية تأخذنا إلى بيرو ...
- لماذا تستعد نيويورك لنشر منظومة اعتراض الطائرات المُسيرة؟
- أكثر من 14 مليون شخص ثلثهم من الأطفال مهددون بالموت جراء قرا ...
- نتنياهو يعتزم لقاء ترامب في واشنطن الأسبوع المقبل
- اتهام بريطانيا بالتواطؤ في إبادة غزة بعد حكم -العليا- بشأن س ...
- الشفافية تعريفها وتطورها التاريخي وأهدافها


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سامي فريدي - المنفى.. Exile