أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فالح حسون الدراجي - سمفونية الصباح














المزيد.....

سمفونية الصباح


فالح حسون الدراجي

الحوار المتمدن-العدد: 4712 - 2015 / 2 / 6 - 00:14
المحور: الادب والفن
    



في كل صباح، سواء في العراق كنت ام في أمريكا..! او أوربا او البرازيل، او الهند، او في قارة إفريقيا، أو قارة (عفج)، لا أبدأ يومي إلاَّ بسماع آيات من القرآن الكريم، وتحديداً بصوت القارئ عبد الباسط عبدالصمد. فهذا الصوت الشجي، والأداء القرآني الساحر مرتبط عندي بذاكرة طقسية صباحية عطرة. ذاكرة أسرية وبيئية لا يمكن لها ان تنسى المناخ النقي، والبيت العائلي العفيف، بيت والدي الحاج (حسون أبو خيون) الطيب المفعم بالحب، والإيمان الجوهري السليم، ولا أقصد الإيمان بالدين، والخالق العظيم، والأئمة الأطهار فقط، إنما أقصد أيضاً الأيمان المتكامل، الذي يمثل منظومة متراصة من القيم والتقاليد التي تبدأ من الأخلاق والمحبة والتعاون والسلام والتواصل، وتنتهي عند نقطة الحفاظ على حياة وممتلكات وسمعة وشرف الآخر.. لذلك فإني أهتز بطربية أخاذة، ونشوة عذبة حين يقرأ عبد الباسط صباحاً آيات من (سورة الحشر). ولما يصل الى: (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل).. أكون قد وصلت الى اللحظة السريالية التي أقف فيها خارج قوانين المنطق، ومدار المعقول، فأتحرر تاريخياً من أدران الحاضر، ومخاوف المستقبل معاً.. وأعود الى الماضي حراً من كل قيود الزمان والمكان والأكوان. متحرراً من نفسي، وذاتي، وهواجسي، بل وكلي، وأعود في تلك اللحظة الخرافية الى تلك الغرفتين (الملبوختين)، ولذلك الحوش (المصبوب) الواسع، والسطح الترابي المرشوش، والشمس التي كانت تشاركنا (الخبز والشاي) في فطور تلك الصباحات الشريفة. أعود فتى الى أحضان أمي الرسولة، والى طيبة أبي التي باتت مثالاً يضرب بين الناس. والى حيث يقف أخي أبو سلام بقامته المديدة ووسامته الجنوبية، وكرمه الفريد، وشجاعته الباسلة التي أتت به الى حبل المشنقة مناضلاً وطنياً. ولعطفه الكبير عليَّ، وعلى كل فرد في بيتنا الجميل.

سمفونية الصباح: عبدالباسط.. وفيروز
سورة الحشر / عبد الباسط عبد الصمد
https://www.youtube.com/watch?v=DGEUIu0e4qY

سأعود على جناحي صوت عبدالباسط الى ذلك الزمن النبيل، لأعيد لأخوتي طفولتهم، بعد أن شابت رؤوسهم قبل الأوان بكثير.. نعم هكذا أكون عندما أسمع عبدالباسط بصوته الساحر وهو يقول: (لو أنزلنا هذا القرآن) فأصابُ بالدهشة السحرية، وتتعطل عندي لغة الكلام، وكل اللغات الأخرى.. ولا أستطيع بعدها التعبير عما أريد بكامل إرادتي، وقدرتي الطبيعية، وسأكتفي بإطلاق صوتي الصارخ بلا وعي، مردداً لحظتها:

- الله.. الله.. الله.. أي جمال هذا، وأية روعة هذه يا ألهي!
ثم أصرخ مرة اخرى، وأترنم مرات ومرات، ولا انتهي إلاَّ عندما ينتهي عبدالباسط من تلاوته المباركة.. فأشعر بسعادة خاصة، ومزاج فريد.. وأسأل نفسي : ياترى، هل ثمة صوت، او كلام، او جمال آخر، يمكن أن ينافس هذا الكلام العظيم، وهذا الصوت الفريد، فيصنع لي مثل هذا الجمال مرة اخرى، ويشيع في صباحي مثل هذا المزاج الباذخ؟
وقبل ان أغلق كل المنافذ التلفزيونية، والإذاعية، (والأنترنتية) كي لا أسمع أصواتاً أخرى قد تفسد مزاجي الذي صنعه كلام الله، وصوت عبد الباسط في هذا الصباح الباهر.. وقبل ان أبادر لتنفيذ ذلك، يتحرك البحر فجأة، وتهتز الجبال (فترقص الأضواء كالأقمار في نهر)، وأشعر كأن ستائر نوافذ بيتي تعزف على أنغام الموسيقى المنبعثة من حديقة البيت، أو كأن البلابل القريبة من غرفة النوم ترسل رسائل خاصة تنبئنا فيها عن مطر ملائكي يهطل الساعة، وإن عطراً مستحيلاً قد بث قبل قليل من قنينة عطر خرافية فسال منها أريج الجمال المذهل على ثياب الزمن، وتعطرت مساماته بهذا الأريج الباهر.. لذلك كان من الواجب عليَّ ان أتوقف عن غلق أي منفذ صوتي، ففعلت، وتوقفت عن الغلق.. إذ كيف أغلق منفذاً، يأتي منه صوت فيروز؟
فهمس الصباح بأذني مغنياً: (سألوني الناس عنك ياحبيبي)! فقلت له: (كتبوا المكاتيب.. وأخذها الهوى)!
وأستمر الجمال يهطل كالمطر، ويسري كالعطر في كل كياني.. وكان من الطبيعي أن أتوقف عن الحركة، والفعل،.. فتوقفت كالمسحور في مكاني، ورفعت من درجة الصوت، لا من أجلي فقط، إنما من أجل الله أيضاً.. لقد أردت أن يسمع الذي خلق فيروز، جمال ما صنع! نعم فقد أردت أن يرى الله فيروزته كيف ترسم الدهشة، وتصوغ الحياة كقلادة ربانية لا مثيل لها.. اليست فيروز من صناعة الله؟
وكلما (تجود) فيروز بصوتها النعمة وهو ينطلق من المذياع، أرفع من درجة الصوت ليصل الى آخر بني آدم في الكون. نعم لقد أردت أن يسمع الكون كله صوت فيروز، فأنا أحب الله كثيراً، وأحب الناس كثيراً، وأريدهم أن يستمتعوا معي بهذا الجمال.. ولأني لست أنانياً، ولا لئيماً، فقد فتحت الصوت عن آخره، وفتحت نوافذ البيت كلها.. عسى أن يسمع البحر، وتسمع السماء صوت فيروز وهي تغني الآن: شايف البحر شو كبير.. كبر البحر بحبك.. شايف السما شو بعيدة.. بعد السما بحبك.. كبر البحر.. وبعد السما بحبك.. يحبيبي يحبيبي بحبك.. إنها سمفونية الصباح التي يعزفها الجمال كل يوم..







الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القرضاوي، ونظرية قدوري الشيعية!!
- مقال بمناسبة يوم الشهيد الشيوعي / رسالة الى الشهيد الحلو ( ا ...
- عيد الشيوعيين، عيد لكل الوطنيين
- فازوا في ساحة الطيران, وفزنا في الدوحة!
- القطريون يفخخون مباريات الفريق العراقي
- العراقيون يهزمون الطائفية أربعة - صفر
- لكل عصر ( أبو درعه ) !!
- أيها العماريون : مات محمد عمارة !!
- العلم عند الله ، وعبد الله وزاير بوش !!
- الصابئة برحي العراق ، فأحموا برحيكم
- ليلى فائق في ذمة الخلود
- أحقاً أنا طائفي ياسيد قلَّو ؟
- وأحنه أشما نقصنه أنزود !!
- في الذكرى الحادية والسبعين لميلاد الحزب الشيوعي العراقي
- أي عراق هذا ، بلا مسيحيين ؟!!


المزيد.....




- دميترييف: عصر الروايات الكاذبة انتهى
- عن قلوب الشعوب وأرواحها.. حديث في الثقافة واللغة وارتباطهما ...
- للجمهور المتعطش للخوف.. أفضل أفلام الرعب في النصف الأول من 2 ...
- ملتقى إعلامى بالجامعة العربية يبحث دور الاعلام في ترسيخ ثقاف ...
- تردد قناة زي ألوان على الأقمار الصناعية 2025 وكيفية ضبط لمتا ...
- مصر.. أسرة أم كلثوم تحذر بعد انتشار فيديو بالذكاء الاصطناعي ...
- تراث متجذر وهوية لا تغيب.. معرض الدوحة للكتاب يحتفي بفلسطين ...
- -سيارتك غرزت-..كاريكاتير سفارة أميركا في اليمن يثير التكهنات ...
- -السياسة والحكم في النُّظم التسلطية- لسفوليك.. مقاربة لفهم آ ...
- كيف تحوّلت الممثلة المصرية ياسمين صبري إلى أيقونة موضة في أق ...


المزيد.....

- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فالح حسون الدراجي - سمفونية الصباح