أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سميح مسعود - الأوزون وظِلال الحُروب الموحِشة















المزيد.....

الأوزون وظِلال الحُروب الموحِشة


سميح مسعود

الحوار المتمدن-العدد: 4693 - 2015 / 1 / 16 - 08:39
المحور: الادب والفن
    


حين ُفتِحَ باب الطائرة ، شاهدَ مدينة إدمنتون تمتد أمامهُ على مقربة من الروكي ماونتز ، كانت أول مرة يزورها، جاءها بناء على دعوة تلقاها من إحدى الجمعيات الناشطة في مجال البيئة، للحديث عن مُلوثات حرق آبار النفط في حرب الخليج الأولى.

كانت الساعة العاشرة صباحا حين وصل الفندق، سجلَ اسمه في مكتب الاستقبال، أخذ المصعد إلى الطابق الخامس، دخل غرفته وألقى نظرة من شرفتها، راقه امتداد أشجار خضراء حول الفندق لمسافات طويلة.

وبينما كان يجولُ ببصره بأطراف المدينة ، سمعَ رنين الهاتف يرنُ في أرجاء الغرفة، رفع السماعة، فسمع صوت مسؤول من الجمعية، يُرحب به ويُعيدُ على مسمعه عنوان الجمعية وتفاصيل برنامج إلقاء المحاضرة، وغيرها من المعلومات الأخرى التي

وصلته في رسالة من قبل.

بقيَ في غرفته حتى الساعة السادسة مساء، قرّر عندئذ الخروج للتعرف على المدينة، تَمَشى متعثر الخطى في شوارعها على غير هدى، تناول العشاء في أحد المطاعم، ثم عاد للفندق... استلقى متمددا على السرير.. استحوذ عليه إحساس بضرورة تذكر ما

سيقوله بالمحاضرة التي دُعيَ لتقديمها.

وكالمُعتاد، أرادَ أنْ يُنهي يومه بسماع آخر الأخبار، فتحَ جهاز التلفاز، تنقل بين المحطات... شاهدَ في إحداها لقطات عن الأوضاع الأمنية المتردية في العراق، وسمع المُعلق يتحدث عن أثرها في تدمير المقومات البيئية.

غَرقَ في صمتٍ عميق... وفجأةً شعرَ بضرورة إضافة تداعيات هذه الأحداث إلى موضوع محاضرته، لم يَرُق له الحديث فقط عن ظلال أدخنةِ أبارٍ نفطية حُرقت في زمن مضى قبل سنوات عديدة.

قررَ أنْ يتحدث عن شظايا الحرب التي دارت في العراق قبل سنوات قليلة، عن اّثارها الوحشية على المكان والإنسان... عن نحيبِ سعف النخيل ملفعةً بأبخرةِ الموت... عن أدخنةٍ بأبعادٍ ثُلاثية تموجُ في مرايا المُدن المقفرة … عن عروقِ أوراق النبات

غارقة في الرماد... عن زعانف الأسماك تائهة في مياه النهر الصديئة... عن الطيور متحجرة أجنحتها من سموم الرياح.

استيقظَ مبكراً مُصَدع الرأس من أثر أخبار الليلة السابقة، وفي دقائق معدودة جهز نفسه، وسرعان ما خرج من الفندق، متوجهاً إلى المكان المخصص لإلقاء المحاضرة.

وجد نفسهُ وجها لوجه مع عدد كبير من الحضور... ثمة شخص من منظمي الندوة قدَمه لهم ببضع كلمات، بعد ذلك جاء دوره للحديث، قدم شكره لمنظمي الندوة على دعوته، ثم تحدثَ عن حرائق النفط في حرب الخليج الأولى وتداعياتها على الأوضاع البيئية.

توقف لبرهةٍ بعد انتهاء قراءة أوراقه المكتوبة، وأضاف قائلاً :

"إنّ الوعي البيئي يعني الدفاع عن الحياة بكل مكوناتها ودعم التنمية المُستدامة، و من المخجلِ الحديث عن صفحات مطوية في التاريخ، في وقت يترنحُ به العراق تحت وطأة كوارث بيئية مأساوية... تلاحقُ آثارها المريرة الإنسان والماء والهواء والأرض".

انتابه شعور بالزهو لطرحهِ هذا الموضوع في اجتماع كبير للمدافعين عن البيئة... عبَّرَ عن استنكارهِ للحروب في كل مكان، وأكدَ بصوتٍ أضاف به جرعة علو زائدة :

" إن الدفاعَ عن البيئة لا يعني التوقف في نشاطكم عند ثقب الأوزون، والتحدث عن الاحتباس الحراري، وذوبان الجبال المتجمدة، وعن مسارات محنٍ بيئيةٍ آتية ."

أراحَهُ تأثير كلماتِه على وجوه الحضور، تشجع على الغوص بتوسع زائد في آثار الأوضاع الأمنية المتردية في العراق على البيئة... لاحظ اهتمامهم بكل ما يقول... وفي لحظة سمعَ سيدة جالسة في الصف الأوّل، تقول بنبرة هادئة :

" هل صَعدت "عشتار" ثانية إلى السماء، ماذا حَل بها من لطمات حياة الحرب الموحشة؟ "

التقط كلماتها، وأجاب :

"نعم سيدتي، صعدت عند "أنو" من جديد.."

تَحدث للحضور عن "عشتار" إلهة الخصب والحب والجنس لدى سكان وادي الرافدين القدماء، التي ظهرت أول مرة في بلاد سومر في جنوب العراق، قبل أكثر من ستة آلاف عام، إما بشخصها المرسوم على الأختام والمنحوتات، وإمّا بالرمز الذي يدل

عليها وهو كوكب الزهرة، وتحدث عن عشقها لجلجامش، وابتعاده عنها ومهاجمتها، ومنازلته للثور السماوي الذي خلقه والدها الإله أنو من أجلها، وتسديد طعنة سيف قاتلة له بين السنام والقرنين.

نظرَ للسيدة التي تحدثت عن عشتار... قدم لها الشكر لأنها ذكَّرَت الحضور بمنبع الحضارة الإنسانية في بلاد ما بين النهرين...في وقت تشتدُ به ضراوة الخراب والدمار في تلك البلاد، كما توصدُ فيه أبواب الحياة، ويزداد الإنسان معاناة وقهراً.

أومأت السيدة برأسها موافقة على قوله، والتفتت صوب الجمهور قائلة :

"إن علينا لزاماً مُناهضة كل الحروب".

توقفَ عن الحديث، وطُرحت أسئلة كثيرة في أعقاب حديثه، هاله تجاوب الحضور لكل ما قال، وشعر بغبطةٍ حين توسع النقاش، وتم به ذكر إسرائيل وما تسببه من كوارث بيئية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أدت إلى تجفيف نهر الأردن، وجرف

الأراضي واقتلاع مئات الآلاف من الأشجار، وهتك مقومات حياة الطيور والأوراق والثمار... كما ذكِرت بإجلال للناشطة الأمريكية راكيل كوري، التي فقدت حياتها وهي تتصدى بصلابة لأنياب جرافة إسرائيلية وحشية في لحظة اقتلاعها الأشجار وهدم

البيوت في إحدى القرى الفلسطينية.

انتهى النقاش، وشعر بالسعادة لتجاوب الحضور مع أفكاره... وفي وقت الظهيرة اصطحبه أحد أعضاء الجمعية للمطار... صعدَ الطائرة المتجهة إلى مونتريال... تصفحَ جريدة الجازيت، وقرأ خبراً عن احتفال العالم بالذكرى العشرين لبروتوكول مونتريال

لحماية طبقة الأوزون لما حققه من نتائج مذهلة فاقت كل التوقعات، أدت إلى تماثل ثقب الأوزون للشفاء... شعر بالسرور لأنَّ هذه الاحتفالات ستتوج في مونتريال بعد يوم بعقد مؤتمر دولي يشارك فيه ممثلون عن 191 دولة*.

هبَطت الطائرة في مطار ترودو، وبينما كان ينتظر حقيبته، رأى ممثلي وفود كثيرة، يسيرون الواحد تلو الآخر، ويعلقون على صدورهم إشارة المؤتمر العالمي للبيئة الذي قرأ عنه في جريدة الجازيت قبل قليل... أوقف سيارة أجرة خارج المطار، انطلق بها

بعد أن أعطى السائق عنوان بيته.... أخذ يحدق في الطريق الممتدة حوله، ويتذكر النتائج المذهلة لمعافاة طبقة الأزون.

في صباح اليوم التالي، استيقظ على رنين جرس الهاتف، من الطرف الآخر كان الصوت قلقا، حدثه مسؤول في مركز لحقوق الإنسان في رام الله عن تفاصيل جديدة عن تدهور الأوضاع البيئية والمعيشية في مناطق السلطة الفلسطينية، وطالبهُ بتقديم مذكرة

عن هذه الأوضاع المريرة إلى المؤتمر البيئي العالمي الذي بدأ أعماله في مونتريال في نفس اليوم.

شعر بالضيق من المعلومات التي سمعها... كتب المذكرة المطلوبة بكل دقة، وسلمها لسكرتارية المؤتمر... مرت الأيام ولم يتسلم رداً عليها.




#سميح_مسعود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقتل فنان في بغداد
- مَقاطعٌ لها
- أمة إقرأ لا تقرأ
- عن مصر وأقباطها
- المرأة الحديدية
- أشهر فضيحة ثقافية في القرن العشرين
- عيد الميلاد
- نقولا زيادة الحاضر الغائب
- لماذا يسرقون أرضنا ؟
- العشق في مصادر التراث
- جبرا إبراهيم جبرا: متى يُكرم؟
- طفولة شاعر
- ألوانُكِ
- بطاقات شعرية صغيرة
- في البدء كانت الكلمة
- مدينة النجوم
- لمن تدق ُ الأجراس
- دين الحب
- بمصابيح عكا يلمع القمر ُ
- حيفا تحلق في رحاب الذاكرة


المزيد.....




- -بث حي-.. لوحات فنية تجسد أهوال الحرب في قطاع غزة
- فيلم سعودي يحصد جائزة -هرمس- الدولية البلاتينية
- “مين بيقول الطبخ للجميع” أحدث تردد قناة بطوط الجديد للأطفال ...
- اللبنانية نادين لبكي والفرنسي عمر سي ضمن لجنة تحكيم مهرجان ك ...
- أفلام كرتون طول اليوم مش هتقدر تغمض عنيك..  تردد قناة توم وج ...
- بدور القاسمي توقع اتفاقية لدعم المرأة في قطاع النشر وريادة ا ...
- الممثل الفرنسي دوبارديو رهن التحقيق في مقر الشرطة القضائية ب ...
- تابع مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 22 .. الحلقة الثانية وا ...
- بمشاركة 515 دار نشر.. انطلاق معرض الدوحة الدولي للكتاب في 9 ...
- دموع -بقيع مصر- ومدينة الموتى التاريخية.. ماذا بقى من قرافة ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سميح مسعود - الأوزون وظِلال الحُروب الموحِشة