أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - نزار جاف - هل هي حقا نهاية الانسان؟















المزيد.....

هل هي حقا نهاية الانسان؟


نزار جاف

الحوار المتمدن-العدد: 1311 - 2005 / 9 / 8 - 07:14
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    



حينما سقطت فرنسا بيد الجيوش النازية، وقف هتلر على قبر نابليون وقال منبهرا: کان الاحرى بالفرنسيين أن يبنوا لنابليون قبرا في السماء! ورغم إن الکثير حاولوا تأويل کلام الزعيم النازي وتحميله على عدة محامل، لکنها في حقيقة أمرها لم تدل سوى على مضمون رئيسي واحد والذي لايزيد عن إعجاب و إنبهار الفوهرر بشخصية ذلک القائد الفرنسي الطموح الذي لم تکفي حدود فرنسا لإرضاء مطامحه وإنما وجد في قارة أوربا حلما قابلا للإنجاز. وکان من الطبيعي جدا لرجل مثل هتلر أن يؤخذ بشخصية نابليون، ذلک إن کليهما حاولا تحقيق طموحات شخصية من خلال مجموعة شعارات و مبادئ براقة تثير من همم عامة الناس وتدفعهم للتراکض في سوح الوغى في سبيل بناء ما يعتقدونه مجدا لبلادهم لکنه في الواقع لايعدو عن مجد شخصي لمستبد سنحت له الظروف في غفلة من الزمان بجعل أهواءه و ما يمليه عليه مزاجه الخاص برنامج عمل سياسي ـ إقتصادي ـ إجتماعي لبلاده. أما اليوم، فإن أوربا لم تعد أراضيها تطيق وقع أقدام نماذج تبني أمجادها الخاصة بدماء و جهود عامة الشعب وصارت مثل تلک النماذج لاتجد من أماکن لها سوى في المخيلات المريضة بجنون العظمة. وإذا کان الاوربيون و الغرب بصورة عامة قد دفعوا ثمنا باهضا لطي ماضيهم المشرئب بالحقد و الکراهية و الحروب الطاحنة، فإنهم اليوم يدفعون ثمنا ليس بالامکان الاستهانة به إطلاقا، ثمنا لايکمن في أزيز الرصاص و لافي هدير الطائرات ووقع قصف المدافع وإنتظار نهاية حروب تطول بعضها لمايقارب القرن، إنما ثمنا ينتزع من إنسانيتهم و من قيمهم الاجتماعية الآيلة للإنزواء في رکن محاصر بحضارة تمضي قدما للأمام من دون الإکتراث لعدم مواکبة التقدم العلمي و التقني لنظيره على الصعيد الاجتماعي ـ الاخلاقي. إن التقارير الخبرية و ما ترافقها من تحليلات و بحوث مکثفة حول آفاق المستقبل الانساني مع هذا التقدم العلمي و التقني الذي يضرب بأطنابه کل الارکان و الزوايا المتعلقة بالوجود الانساني على الکوکب الارضي، تنظر بتشاؤم و قلق الى هذا السعي الانساني الذي بات في العديد من مفاصله يکاد يفقد سمته الانسانية و يغدو شيئا من دون تلک الاحاسيس و العواطف التي طالما تعامل وعاش المجتمع الانساني في ظلالها. إن إکتشاف أسرار الغالبة للهندسة الجينية للإنسان و الخوض في غمار مسألة إستنساخ الانسان و التدخل لا في ترکيبته البايولوجية و إنما حتى العقلية و النفسية، تؤکد أن الانسان قد وصل الى حد قد خلف وراءه تلک المحاذير و الخطوط التي کان رجال الدين و علماء الاجتماع يحذرون من تجاوزها. وقبل عدة أعوام حين تحدث العالم الامريکي المشهور"هاوکينک"الذي يعاني من مرض جعله في حالة شلل تام، قد قال عبارات وإن کانت مبعث لقلق المحافظين لکنها لم تکن تحظى بتلک المصداقية القوية التي تدفع الى الاخذ بکل ماجاء فيها، هاوکينک الذي کان يتحدث في مؤتمر صحفي قلما يجود به وقته الثمين وکان"محدد الزمان و المکان"، قال"إن النظرية النسبية قد صارت الى المتحف وإن الذي کان يتحدث به آينشتاين قد تجاوزه العلماء حاليا" وحين سأله الصحفيون عن آفاق المستقبل أردف العالم الامريکي"سوف لن تمضي فترة لاتزيد على الخمسين عاما حتى و يکون الانسان خلالها قد علم کل أسرار الکون ولن يحتاج بعدها للدعاء و التضرع کي يعلم مايخبئه الزمان له من أسرار!" وحين ألح عليه الصحفيون بالاسئلة ليثيروا من حفيظته و يدفعوه للبوح بالذي يتحفظ من الإجهار به قال هاوکينک"سوف نکون في عقل الله!" وهذه الإشارة القوية جدا و ذات المعاني و الابعاد المتباينة، تجعل من الممکن قراءة کلمات هذا العالم بصورة أکثر جدية من قراءة کلمات فيلسوف أو مفکر معين بخصوص توقعات أو تنبؤات محددة. إن العالم کله يدرک بوضوح أن العلم ماض في دروبه و لايوقفه شئ وإن الذي حل بغاليلو غاليلي صفحة قد إنطوت والى الابد وأن هناک اليوم صيحات و إستغاثات من قبل رجال الدين و علماء الاجتماع المحافظون يحثون فيها الساسة"وخصوصا الرئيس بوش"، على وضع قيود و ضوابط أخلاقية لبحوث و تجارب العلماء. غير أن الوضع الإستثنائي للتنافس الإقتصادي الشديد الذي نجم عن نظام العولمة، يجعل من الصعوبة إذا لم نقل المستحيل في دفع الساسة الليبراليون الى تحجيم العلم و تحرک العلماء في أطر و سياقات محددة ناهيک عن الطبيعة الانسانية ذاتها الميالة لمعرفة کنه الاشياء و کشف طلاسم و ألغاز الانسان و العالم الذي يحيط به. وقد يکون کتاب"مستقبلنا ما بعد البشري"للمفکر الامريکي"فرانسيس فوکوياما"صاحب نظرية نهاية التأريخ، أشهر و أوضح قلق إنساني من مستقبل الحضارة الانسانية مع الإظطراد في التقدم العلمي. فوکوياما الذي طمأن المجتمع البشري بتراجعه عن نظريته حول نهاية التأريخ، يعود اليوم ليثير نظرية قد تبدو أشد قتامة و قساوة من"نهاية التأريخ"، نظرية مفادها إن الانسان الذي بنى حضارة إمتدت من فجر الوجود البشري على الکوکب الارضي الى بدايات الالفية الثالثة مابعد الميلاد، يواجه واقعا مقلقا للغاية إذ يبدو أن هذا الکائن الذي ألفناه من شخصيتي ادم و حواء والى يومنا هذا، بات مهددا بالفناء و الإندثار في معمعة بحوثه العلمية. فوکوياما يعبر عن قلقه من آخر التطورات التي توصلت إليها العلوم البايولوجية و بخاصة علم الاعصاب و الدماغ، حيث ذکر أن الصورة البايولوجية ـ التکنلوجية الحالية قد تطبق على الانسان و تؤدي الى تغيير طبيعته مما سيکون له بالنتيجة إنعکاسات بالغة الخطورة على النظام السياسي نفسه. ويستطرد المفکر الامريکي المثير للجدل في جانب آخر من کتابه المؤلف من ثلاث أجزاء فيشدد على وتر التشائمية المفرطة عندما يقول: "الانسان کما نعرفه حاليا سوف يختفي من الوجود بعد عشرين أو ثلاثين سنة، إذا إستمرت الامور على حالها. فعلم الوراثة أصبح يتدخل في طبيعة أو ترکيبته الداخلية. وبدلا منه سوف يظهر إنسان جديد أکثر سعادة بفضل العقاقير الطبية التي يبتلعها يوميا و التي تزيد من ثقته بنفسه أو من قدرته على الترکيز، وسوف يکون أکثر ذکاء و أقل مرضا وسوف يعيش عمرا أطول، لکن"يستدرک فوکوياما بحذر شديد"المشکلة هي إنه سيکون إنسانا آخرا سوف يکون إصطناعيا لا طبيعيا.". هذا الکلام الذي بناه فوکوياما على خلاصة آخر الإستکشافات و النظريات العلمية، سوف يکون له صداه المؤثرة في مختلف الاوساط لکن الذي لاشک فيه هو أنه ليس في وسع أحد مهما أوتي من وقف المسار العلمي عند ناصية محددة وکل ما يمکن إنجازه على صعيد وضع حد للإستکشافات العلمية هو مجموعة بيانات أدبية ـ أخلاقية لاتملک أي رصيد على أرضية التطبيق"حالها حال قرارات مؤتمرات القمة العربية". ولکن هل إن الإنسان الذي کان بمثابة طلسم و لغز الوجود قد بات مکشوفا من کل النواحي؟ وهل أن ذلک الانسان الذي تحدث عنه ألکسيس کاريل في کتابه الشيق"الانسان ذلک المجهول" لم يعد مجهولا بحق؟ وإن کل تلک الجوانب الخفية التي تحدث عنها کاريل في کتابه المذکور قد أميط عنها اللثام تماما؟ أو هل أن الانسان الذي تحدث عنه الدکتور"جوزيف مورفي" في کتابه"سطوة الفکر"، قد بات عاجزا لاحول له ولاقوة أمام الواقع الموضوعي الذي بات يتهيأ لإبتلاعه بکل مايملک من مقومات و تأريخ و حضارة؟! مورفي الذي وقف طويلا أمام القدرات الخفية للإنسان و أکد أن الترکيز و التلقين قادران بحد ذاتهما على بسط سيطرة الانسان على واقعه، ترى ماذا سيقول أمام إدعاءات هاوکينک و فوکوياما؟ إنها أسئلة سوف تدور بقوة في دائرة الذهن الانساني بحثا عن إجابات تقف بالمرصاد لهذه التصورات المخيفة لمستقبل الانسان، وإلا فلا مناص من أن يغدو البشر جميعهم متشائمين مثل شوبنهاور!




#نزار_جاف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المرأة و الحب..الزهرة و الشذى
- المرأة و الازدواجية
- خطاب يقود الى الهاوية
- قراءة کوردية لمظفر النواب
- عبدالله بشيو..شاعر الحلم الکوردستاني
- الانثى...ملکة العدم المحاصرة
- الاتحاد الاوربي و أمريکا لايحبون الحصاد في الربيع
- ثقافة الحرية و حرية الثقافة
- حرية اوجلان..التنافس الاوربي الامريکي الضمني
- من رفع القران الى ترشيح جمال مبارک: کلمة حق يراد بها باطل
- المرأة و الجنس..حکاية الورقة و التوت
- ترکيا و إعادة محاکمة اوجلان: خيارين لا ثالث لهما
- الاسلام السياسي و الارهاب:الدوافع و المبررات
- الرفسنجاني مجددا..فشل البدائل أم اللاخيار؟
- ولاية الفقيه..وجه آخر للإستبداد
- الکورد و الاستفتاء في الصحراء الغربية
- المرأة و الدين ...الخطيئة و الکمال
- الکورد و التيار الصدري..نقيضان وإن إجتمعا
- قسم البشير بين التنفيذ و إعادة التأويل
- أشبعناه سبا و فاز بالابل


المزيد.....




- عداء قتل أسدًا جبليًا حاول افتراسه أثناء ركضه وحيدًا.. شاهد ...
- بلينكن لـCNN: أمريكا لاحظت أدلة على محاولة الصين -التأثير وا ...
- مراسلنا: طائرة مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة في البقاع الغربي ...
- بدء الجولة الثانية من الانتخابات الهندية وتوقعات بفوز حزب به ...
- السفن التجارية تبدأ بالعبور عبر قناة مؤقتة بعد انهيار جسر با ...
- تركيا - السجن المؤبد لسيدة سورية أدينت بالضلوع في تفجير بإسط ...
- اشتباك بين قوات أميركية وزورق وطائرة مسيرة في منطقة يسيطر عل ...
- الرئيس الصيني يأمل في إزالة الخصومة مع الولايات المتحدة
- عاجل | هيئة البث الإسرائيلية: إصابة إسرائيلية في عملية طعن ب ...
- بوركينا فاسو: تعليق البث الإذاعي لبي.بي.سي بعد تناولها تقرير ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - نزار جاف - هل هي حقا نهاية الانسان؟