ابراهيم طلبه سلكها
الحوار المتمدن-العدد: 4681 - 2015 / 1 / 3 - 01:04
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الفيلسوف الأسبانى أونامونو
ولد أونامونو فى بلباو فى إقليم الباسك عام 1864م ، وتوفى فى سالامنكا عام 1936. (1) وقد درس أونامونو الفلسفة والفكر الكلاسيكى فى جامعة مدريد ، وانتقل إلى سالامنكا عام 1891م وعمل بجامعتها أستاذا للغة اليونانية . وظل فى تلك الجامعة فترة طويلة من حياته ثم عين رئيسا لها عام 1901م . وكان أول عمل نشر له ( on purism عام 1895) تاريخيا وسياسيا حيث درس فيه موقع أسبانيا فى العالم الحديث . وكانت أولى رواياته (السلام والحرب عام 1897) - تعرف أحيانا بأنها أول رواية وجودية له – تستند على ذكرياته عن الحصار فى بلباو عام 1873 . وفى رواية (الحب وأصول التربية " عام 1902) حاول أونامونو أن يظهر إخفاق العلم أو فشله فى التعامل مع الإنسان ومشاكله . أما رواية ( حياة دون كيشوت وسانتشو عام 1905) فتدور حول العديد من أعمال أونامونو الفنية وتقدم طريقه للنجاة من الألم المبرح والهوى المتعلق بخبرة رجل اللحم والدم أو المادة والروح . وأما كتاب (الإحساس المأسوى بالحياة عام 1913) فيعبر فيه عن رغبته المفرطة فى الحياة الأبدية وبحثه المستميت عن بعض العزاء فى استكشاف التوتر والصراع الموجود بين الإيمان والعقل . ونشرت رواية (الضباب عام 1914) ، وظهر الإصدار الحديث لأونامونو (مشاكل كين عام 1917) . وفى عام 1924 نفى أونامونو إلى فويرتى فينتورا فى جزر الكنارى بسبب هجومه العنيف على دكتاتورية رئيس الوزراء العام بريمودى ريفيرا . وعاد إلى أسبانيا – بعد أن سقطت هذه الدكتاتورية – عام 1930 وعين مديرا مدى الحياة لجامعة سالامنكا .(2)
وخدم أونامونو فى المجلس التأسيسى لجمهورية أسبانيا كنائب جمهورى مستقل فى الفترة ما بين 1931 و 1933 . أما عن آخر وأعظم رواية ظهرت له فى عام 1933 هى (القديس إيمانويل الشهير العظيم ) وهى تصف عذاب قسيس وجد أنه من المستحيل أن يؤمن . واستقلالية أونامونو ووطنيته قاداه إلى أن يطرد من رئاسة الجامعة عام 1936 . وفى بداية مشواره السياسى فضل " القوميون " فى الحرب الأهلية الأسبانية ، ولكنه بعد ذلك شعر أن هذا الجانب لا يعمل على تحقيق أفضل المصالح لكل من أسبانيا والإنسانية جمعاء . وقد حبس أونامونو فى منزله فى سالامنكا خلال السنة الأخيرة من حياته (3) .
والجدير بالذكر أن أونامونو عرف فى حياته
إحدى عشرة لغة هى : القشتالية ، الباسكية ، اليونانية ، السنسكريتية ، اللاتينية ، العبرية ، العربية ، الألمانية ، الفرنسية ، الإيطالية ، والإنجليزية(4) . وكان أونامونو فيلسوفا وشاعرا وروائيا ومعلما وكاتبا وسياسيا (5) . بل يمكن القول إن أونامونو هو أعظم شخصية أدبية معاصرة فى أسبانيا كما أن " باروخا" Baroja أعظم شخصية فى تنوع الخبرة الخارجية ، و "أثورين " Azorin أعظم شخصية فى الفن الرقيق ، وأورتيجا إيجاست Ortega Ygasset فى البراعة الفلسفية ، و" إيالا " Ayala فى أناقة التفكير ، و" فالى انكلان " Valle Inclan فى الجمال الإيقاعى – الخ . ولكن أونامونو الرأس والأكتاف فوق كل هؤلاء من حيث سمو أهدافه ورقتها ، وإخلاصه الذى يتشابه فيه مع "دون كيشوت " وما قدمه من خدمات خلال حياته . كما أنه يعد الأول فى كتابة المقالات الأسبانية(6) .
فقد استطاع أونامونو بطريقته أن يجسد روح أسبانيا الحديثة. فالصراع الدائم عنده بين الإيمان والعقل ، وبين الحياة والتفكير ، وبين الروح والعقل ، وبين الفردوس أو النعيم والحضارة هو صراع أسبانيا نفسها . فأسبانيا مثل روسيا تختلط دماؤها بالمياه الروحانية الخاصة بالشرق والغرب وتقع بين فلسفتين للحياة ، ولا تستطيع أن تحيا فى استقرار وراحة . وقد ظهر هذا الصراع فى روسيا فى مجال الأدب خلال القرن التاسع عشر عندما أيد كل من دوستوفيسكى Dostoievsky ، وتولستوى Tolstoy الشرق بينما أيد تورجنيف Turgeniev الغرب . وأسبانيا تتكون من عناصر شرقية وعناصر غربية تمتزج مع بعضها البعض . وإذا كان أورتيجا إيجاست يمثل اليوم فى أسبانيا تورجنيف فإن أونامونو هو دوستوفيسكى مع فهمه للجانب الآخر وكثرة إدراكه لأبعاده . وهناك دولة أخرى فى أوربا توجد بها عناصر شرقية هى إنجلترا . ولعل هذا هو السبب فى شعور أونامونو القوى بانجذابه نحو اللغة الإنجليزية وآدابها ، واتباعه لحركة التفكير الإنجليزية (7) .
ومهما يكن من أمر فإن أونامونو يعد بصفاته الأدبية ممثلاً حقيقيا للعبقرية الأسبانية ، وقد أصبح فى حياته الروحية الرمز الحقيقى المعاش لبلاده وعصره ، وتكمن عظمته فى تجسيده الروحى الشامل لواقع بلاده(8) . فلقد عاش أونامونو فى صلة قوية مع الناس ولم يكن فى عزلة مطلقا ، كما أثرى اللغة الأدبية الأسبانية بالعديد من المصطلحات التى أصبحت شائعة فى عصره بين الأسبانيين . وأسلوبه فى الكتابة زاخر بالعديد من المفردات اللغوية ، وكتاباته مقتبسة من البسطاء ، وتعبيراته تحدث بطريقة تلقائية وتحمل أفكاره ومشاعره ، ولكنه فى الوقت نفسه يتحكم فيها بعقله الناقد .. فلقد كان على إدراك قوى للقيمة الرمزية والسيكولوجية للترابط فى الكلمات وذلك وفقا للحاجة الحقيقية لانتشار اللغة واتساعها والتى يجب على جميع المفكرين أن يمارسوها وذلك بملكة الخيال المرهف التى نجدها بالذات عند عالم فقه اللغة ، وعند أونامونو الذى يتمتع بملكة بسط الكلمات فى ضوء المعنى المألوف لها عن طريق معرفة تراكيبها وتناقضاتها وتحولاتها . وقد عرف هذه الطريقة عبر اكتشافاته العقلية واستخدامه لعقله الواعى ومنهجه الدقيق وعرضه لأفكاره المضيئة(9) .
وهذا لأن ما استفز أونامونو لكتابة أعماله ليس هؤلاء الذين يقطنون التاريخ من ملوك وجنرالات وإنما من يسميهم " أناس لا تاريخ لهم " أو " أناس خارج نطاق التاريخ " ، وهم هؤلاء الناس العاديون الذين يعيشون حياة هادئة غير مدونة ، فهم يولدون ويعملون وينسلون ويموتون دون أن يتركوا أثرا ولو ضئيلاً لوجودهم . إنهم أشبه بالدخان أو فقاعات المياه مع أن لهم جسدًا مكونًا من لحم وعظم . وإنهم قد يعانون من الحروب ويموتون فيها من أجل خدمة أهداف لا يفهمونها ، وأفكار لا تمس جوهر وجودهم الشخصى .(10)
الهوامش
1- Marias , Julian : History of philosophy , Dover publications . inc . New york, 1967, p. 390 .
2- Edwards (paul) , The Encyclopedia of philosophy , Macmillan publishing co, London, pp. 182-183 .
3- Loc – Cit .
4- Unamuno , Migel De : The private world, selections from The Diario Intimo and selected letters 1890 – 1936 , Trans , by Anthony Kerrigan , Allen lacy and Martin Nozick , Bollingen serirs LXXXV . 2, princeton, university press , p. XII .
5- Angel Del Rio : Miguel de Unamuno , Three Exemplary Novels , translated by Angel Flores , Grove press , inc , New York 1956, p. 16 .
6- unamuno, Miguel De : Tragic sense of life , Translated by, J.E crawford flitch, Dover publications , inc. New York , 1954, pp. XXX – XXXI .
7- Loc – Cit .
8- Ibid , p. XXXII .
9- Ibid , pp – XVIII – XIX .
10-unamuno, Migel De : peace in war, Anvoel, Translated by Allen lacy and Martin Nozick, Anthony Kerrigan, Bollingen series LXXX v.l, princeton, university press, p-XV s
#ابراهيم_طلبه_سلكها (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟