|
بين تاريخ العلم وفلسفة العلم
ابراهيم طلبه سلكها
الحوار المتمدن-العدد: 4657 - 2014 / 12 / 9 - 10:29
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لم تكن علاقة العلم بتاريخه مماثلة لعلاقة الكيانات الحضارية الأخري بتاريخها ، فقد تعتبره بمنزلة سجلها المدون الذي يحمل معالم تشكل هويتها ، فلا تنفصل عن تاريخها إلا إذا كان للشخص أن ينفصل عن بطاقة هويته . ولعل المنطلق الفلسفي يطرح علاقة الفلسفة – قبل اى شيء أخر – بتاريخها، ولما كان تاريخ الفلسفة هو ذاته الفلسفة ، فإن هذا يبرز كيف تنفرج الهوة بين العلم وتاريخه . فتاريخ العلم هو تاريخ العقل الإنساني والتفاعل بينه وبين الخبرات التجريبية أو معطيات الحواس ، هو تاريخ المناهج وأساليب الاستدلال وطرق حل المشكلات التي تتميز بانها واقعية عملية ونظرية علي السواء . إنه تاريخ تنامي البينة المعرفية وحدودها ومسلماتها وآفاتها ، تاريخ تطور موقف الانسان بإمكاناته العقلية من الطبيعة والعالم الذي يحيا فيه ، تاريخ تقدم المدنية والأشكال الحضارية والأساليب الفنية التي يصطنعها الانسان للتعامل مع بيئته (1) .
وعلي أى حال ، إذا كان العلم لا يفكر في ذاته ، فإن فلسفة العلم هي التي تتكفل بذلك العبء وتضطلع بالتفكير في ذات العلم – في منهجه ومنطقه وخصائص المعرفة العلمية وشروطها وطبائع تقدمها وكيفياته وعوامله .. علي الاجمال التفكير فى الأبستمولوجيا – اى نظرية المعرفة العلمية – ثم العلاقة بينها وبين المتغيرات المعرفية الأخري والعوامل الحضارية المختلفة. وإذا كان العلم لا يلتفت كثيرا إلي ماضيه ، فإن فلسفة العلم أصبحت لا تنفصل عن الأبعاد التاريخية لظاهرة العلم فغدت شديدة العناية بتاريخ العلم ، بحيث ان المتابع لتطورات فلسفة العلم في القرن العشرين يلاحظ ان أبرز ما أسفرت عنه هذه التطورات هو حلول الوعي التاريخي فى صلبها . فتستقبل فلسفة العلم القرن الحادي والعشرين وقد انتقلت من وضع مبتسر إستمر طويلا يولي ظهره لتاريخ العلم ولدوره في تمكيننا من فهم ظاهرة العلم فهما أعمق ، فضلا عن رفع معدلات التقدم العلمي ، ويكتفي بالنسق العلمي المنجز الراهن ، ويفلسفة بما هو كذلك علي أساس النظرة إليه من الداخل ، او النظرة إلي النسق العلمي في حد ذاته .. انتقلت فلسفة العلم من هذا إلي وضع مستجد يرتكز علي الوعي بتاريخ العلم ، فيفلسف العلم في ضوء تطوره التاريخي وعبر تفاعله مع البنيات الحضارية والاجتماعية ، مما يعني تطورا ذا اعتبار في منطلقات وحيثيات وعوامل النظرة الفلسفية إلي العلم (2) .
ولقد ظل المبحثان – فلسفة العلم وتاريخ العلم – مختلفين متمايزين ومستقلين إلي حد ما ، يجتمعان فقط علي عنايتهما بالموضوع نفسه ، أى ظاهرة العلم . قد يكون هذا في حد ذاته علاقة لكنها صورية شكلية تنظيمية واهية ، حتى بدت هذه العلاقة علي مستوي الأبحاث والأطروحات وكأنها مشكلة غير قابلة للحل . لكن مع تنامي الاهتمام الأكاديمي بتاريخ العلم ، وتدفق البحوث العلمية والمجلات المتخصصة والندوات والمؤتمرات الدولية بدا واضحا أن كلا الفريقين – تاريخ العلم وفلسفة العلم – في حاجة إلي التفاعل العميق مع الأخرين (3)
وكان التحول الحاسة في اتجاه الوعي التاريخي مع توماس كون T . Kunn ، الذي أقدم علي رحاب فلسفة العلم كمؤرخ علم ينطلق إلي رحاب الفليسوف وفليسوف علم يستند إلي ركائز المؤرخ .ورافق كون وأعقبه رعيل من المهتمين بمنطق الكشف والتقدم العلمي ، تأكيدا وتوطيدا لتيار الوعي التاريخي ، وفي طليعتهم وأشدهم تجريد وتجسيدا للوعي التاريخي في فلسفة العلم الفليسوف المجري امري لاكاتوس Imre lakatos (1922- 1974 ) صاحب القول النافذ والشهير :" فلسفة العلم من دون تاريخه خواء ، وتاريخ العلم من دون فلسفته عماء ". وقد صاغه عن طريق تعديل قول إيمانويل كانط المتواتر :" إن المدركات الحسية من دون تصورات عقلية عماء ، والتصورات العقلية من دون مدركات حسية خواء" ، وكأن وقائع تاريخ العلم محض مدركات عمياء ، ونظريات فلسفة العلم محض تصورات عقلية فارغة فلا معني ولا جدوي ولا قيمة لأحدهما من دون الأخر (4) .
وتولمن ينضم إلي هذا الاتجاه الذي يأخذ الوعي التاريخي مأخذا جاداً ، وقد ركز في تحليلاته لوضع العلم بين فلسفته وتاريخه علي شرح عبارة عن لاكاتوس المأثورة .. وهو يتساءل في البداية :" هل يستطيع الفليسوف أن يستفيد من الوقائع التاريخية Historical Facts من دون الوقوع في المغالطة الجينية genetic fallacy ؟ فإذا استطاع ذلك ، فهل سيتم تحسين تحليلاته؟" (5) .
ويري تولمن أن الفشل في الاجابة عن هذا السؤال سيطر علي العديد من المناقشات المتعلقة بدور الوقائع التاريخية في فلسفة العلم ، وكذلك دور التحليل المنطقي في تاريخ العلم . فقد وضع بعض الفلاسفة أبصارهم علي الفلسفة الكونية Weltphilosophy ،ملاحظين أن لكل مؤرخ فلسفته . وهي تتحكم بشكل واضح أو ضمني في اختياره للموضوعات البارزة ، وتنظيمه للبيانات " المعطيات " وتصوره للأهداف الكلية للمشروع العلمي ، وتقييماته للأبطال أو الأنذال أو الأوغاد في تاريخ العلم . وحيث إن تفسير المؤرخ في يتكون بواسطة الالتزامات الكونية فإنه يتضح في أعمال إدينجتون Eddington ، وبرنال Bernul ، وكذلك في أعمال هيوويل Whewell ومرسون Meyerson ، وبوانكاريه Poincare . علاوة علي ذلك ، فإن الفلاسفة الكونية غير المنطوقة وغير الواضح تزودنا بالشبكة الفكرية التي يمكن من خلالها أن نري حتي مؤرخي العلم الأكثر إحتراما ، وموضوعية أمثال تانري Tannery ، ودوهيم Duhem ، وسارتون Sarton وكواريه Koyre. كما أقترح بواسطة البروفسير كوهين R . cohen في المؤتمر العالمي لتاريخ العلم الذي انعقد في القرن التاسع عشر ضرورة تحديد الجانب الانساني بشكل كامل حتي تلائم فيه عناصر وجهة نظر الفرد وفقا لنماذج فلسفية غير بارزة ، فإن هذا لا يعد صحيحا بالنسبة لمؤرخى العلم البارزين بشكل أقل لما هو لبقيتنا (6) . فهؤلاء هم الذين يركزون علي العملية الصامتة للفلسفة الكونية في دراسات مؤرخي العلم ثم يقترحون أنه بدون الوعي الفلسفي والدقة فإن القارئ يجب أن يظل تحت رحمة الاقتراحات غير المنطوقة للمؤرخ ." إن القدرات السائدة "الفيزيائي " ، المذاهب المنتشرة حوله ، طريقة أسلافه ، العادات التي اكتسبها او التعليم الذي تلقاه ، سوف تساعده في شكل إرشادات ، وسيتم إعادة اكتشاف كل هذه التأثيرات في الشكل المستخدم بواسطة النظرية التي يعرفها ". ومن المحتمل أن يتطلب ذلك من عالم المنطق أن يفهم ما هو هام في الأشكال التفسيرية العظيمة لتطور العلم الحديث . والنتيجة هي أن " تاريخ العلم من دون فلسفة العلم عماء " science is blind without of History of science .(7) إن الاحتياج الأكثر حداثة لاستخدام فلسفة العلم خلال تاريخ العلم لم يكن الاهتمام"بالأيزم" Ism من اى (نظام أو نظرية او مذهب ممير ) ، المدونة بحروف كبيرة ، والتي توجه عمل المؤرخ ، بل كان بالأحرى ،بالتفاصيل المفاهيمية التي تشكل هذا العمل ، وليس التشييد الفلسفي ، ولكن الحجارة والدعامات المفاهيمية هي التي تشكل بنية تواريخ معينة للعلم . فقد واجهنا جميعا أشكال بسيطة من الكشف العلمي مع استخداماتها الأولية لمصطلحات مثل : القانون ، العلة ، التفسير ، التنبؤ ، الملاحظة ، التحقق ، التنفيذ ، الاستنباط ، وحتي المفاهيم مثل ، العلم والكشف هي نفسها قد صادفت نفس المعالجة غير المرضية . فالفرد يقرأ غالبا قصص تاريخية عن العلم من أجل الاستنارة Illumination بخصوص أصل مثل تلك المصطلحات الفلسفية المتقلبة . إن الضوء لا يستطيع الاستمرار عندما تأتي هذه المصطلحات علي ألسنة جديدة غير مدربة ، مرتبطة بالفعل في شكل عقد بواسطة الثقة الواقعية المفرطة. والمرء يتخيل أن بعض المؤرخين يحجبون إرتباكاتهم المفاهيمية في سحب من غمام مجموعات البيانات : التواريخ ، الطبقات ، المعارف والأنساب . ولكن الأمر ليس هكذا في أفضل القصص التاريخية .فهناك صور عظيمة من البصيرة الفلسفية المؤدية إلي الوضوح المفاهيمي والتي تشكل تاريخا عظيما للعلم ومنها : تحليلات ماخ لقوانين نيوتن ، ودراسات دوهيم عن القوة والنظرية ،وبحث كواريه عن قانون جاليلو للأجسام المتساقطة بحرية ، واختبار روزن Rosen للعلاقات المتبادلة بين دوران الكواكب ومداراتها في عمل كوبرينكوسCopernicus . ولكن البعض سوف يعتبر هؤلاء إستثناءات بارزة.. وهكذا فإن الاقتراح الذي لا يقبل الجدل الذي يعمق الاهتمام بالبنية المنطقية والاستنتاجات الاستنباطية "للمفاهيم الفلسفية" المفتاح الرئيسية خلال تاريخ العلم سوف يساعد أغلب المؤرخين بشكل لا حصر له. ومعني ذلك أن الاستنبصار الفلسفي philosophical insight هو ما يحتاج مؤرخي العلم إلي المزيد منه (8) .
ويشير تولمن إلي وجود نوع ثالث من الترابط بين تاريخ العلم وفلسفة العلم ، ظهر في المؤتمر العالمي الذي انعقد في القرن التاسع عشر . فهذا الذي يمكن القيام بالقليل منه مع الفلسفة الكونية للمؤرخين ، مازال قليلا مع طيف المفهوم المستخدم في تفسيراتهم ، والكثير للقيام به مع فهم جحجهم. فلقد كان الفهم المبدئ لجميع العلماء أن يعمل المؤرخين من أجل الاستنارة. وكان اقتراح تولمن أنه يجب إستبعاد أضوائنا ، البحثية عن التكوين الهندسي ، وبعيدا عن الأحجار والدعامات. وأننا يجب أن نركزها بشكل أكبر علي البنيات ، والعلاقات المتبادلة ، وفي الحقيقة ، الروابط الهندسية ، التي جعلت العلم مجالا للاهتمام في عصرنا (9) .
وفي محاولته قول المزيد من جدل الحوار من خلال محاولات كل من مؤرخي العلم وفلاسفة العلم ، رأي تولمن أن علماء المنطق يهتمون بالبراهين النظرية ،وفلاسفة العلم يهتمون بالبراهين العلمية . ودراساتهم تفترض مقدما إجابات للقلق بخصوص "المادة الخام" الماهيمية للبراهين : فإذا لم تكن تعرف ما تم البرهنة عليه فإنك لا تستطيع أن تحدد صلاحية البراهين.واذا لم تفهم قوة المفاهيم التاريخية من علم القرن السابع عشر ، ماذا كانت تعني القوة والجاذبية Gravitation والكتلة Mass بالنسبة لكبلر Kepler ، وجاليليو ، وهوجنز Huygens ونويتن ، فإنك لا تستطيع أن تحدد صلاحية أو ملائمة تلك البراهين الكلاسيكية المحددة التي برزت فيها مثل هذه المفاهيم بشكل واضح (10) .
ولذلك فإن " المشاكل الكبري " المتضمنة في فهم الفلسفة الكونية للمؤرخين تفترض معرفة تفصيلية للبراهين الفعلية التي مثلت تطورا علميا بالنسبة للمؤرخ .لكن القليل جدا قد أكدوا اعتماد اهتماماتهم الأكثر اتساعا في العلم علي التقييم التحليلي للبراهين العلمية . ولمحاكاة الطرق المختلفة بصورة سافرة : ركز تولمن وغيره من فلاسفة العلم أمثال Buchdahl وهيس Hesse علي فهم تطور المفاهيم العلمية باعتبارها تشكل نقطة التقاء بين فلسفة العلم وتاريخ العلم . وإن كان فلاسفة أخرون مثل Mandelbaum ومرسون Meyerson يضعون أبصارهم علي الاتجاه المطلق لمؤرخي العلم وأهدافهم . ولا شك . ان كلا النوعين من الاهتمام يلعبان دورا مهما في اى فهم نقدي لأدب Literature تاريخ العلم . لكن الواضح أنه في التحليل التفصيلي للبراهين التفصيلية للعلماء والمؤرخين يمكن للفلسفة أن تساعد بشكل أكبر وتستفيد هي أيضا (11).
ويوضح كينيز Keynes الطريق حيث يري أنه لا توجد عبارة علمية تكون " محتملة" في اتها ، لكنها تكون "محتملة " فقط ، بناء علي افتراض دليل معطي . فالقول عن قضية ما أنها " محتملة " فى ذاتها، لكنها تكون " محتملة" فقط بناء على افتراض دليل معطى. او " احتمالية" بالنسبة لكينيز ، مثل القول أنها "مساوية ل " أو " أكبر من " او " قابلة للقسمة علي " .ومثل هذه الخصائص الارتباطية ليس لها فائدة بأي شكل عندما يتم تصميم رابطة واحدة فقط . لا ، إن كينيز يعرف أن العلاقة الاحتمالية هي علاقة استدلالية بين الفروض العلمية أو الظروف المبدئية ، والاستنباطات الملاحظة ، وهي علاقة تقيمية يجب أن تكون دائما استدلالية في صورتها فتحليل البراهين بهذه الطرق يعد مشروعا يجب علي مناطقة العلم ان يتلقوا من أجله تدريبا صارما . فبافتراض وجود تماثل منظور مع موضوع علمي ، حينئذ ، فإن مناطقة العلم يجب ان يكونوا قادرين علي تقييم القدرة الاقناعية الصورية للبراهين الخاصة ، مثلا "بالحالة المستقرة " للكوزمولوجين ضد أصحاب نظرية " الانفجار الكبير " :انهم يجب ان يكونوا قادرين (أساسا ) علي استنتاجات من المحتمل بشكل كبير أن تكون مؤسسة علي الدليل المعطي ، وأى افتراضات تكون عرضة بشكل أو بأخر للانتقادات . إنهم يجب أن يكونوا قادرين علي أن يعيدوا بهدوء دراسة الدليل التجريبي المتاح لعلماء الفيزياء المجهرية في عام 1931 ، ويحددون من ذلك صاحب أفضل براهين لهؤلاء الذين اختاروا بسرعة وجود جزيئات مضادة (مثل البوسيترون ) أو هؤلاء الذين سعوا لإعادة تفسير مسارات غرفة السحب الصادمة ل " أندرسون " Anderson ،وبلوكيت Bluckett و Occhialini ، ومعادلات " الطاقة السلبية " المحيرة " ل " ديراك " --dir--ac من خلال أفكار مألوفة بشكل أكبر ومشهورة في العشرينات. فيجيب علي فليسوف العلم أن يضع في المعادلة المنطقية تفسيرات Asaph Hall في عام 1896 ، وأينشتين عام 1916 – تفسيرات التطور العلماني المزعج للحضيض الشمسي لـ Mercury - لكي يري اى باحث ، في الدليل الذي أمامه ،أنه قد فسر بشكل أكثر مرونة استنتاجية . إن هذا لا يعني دائما أن الشروط الصارمة والدقيقة لاحتمالية البراهين العلمية الماضية تكون من خلال الفهم السهل للمؤرخ المتدرب منطقيا . سيكون هناك دائما حالات " غسق " صعبة : معظم الحالات المهمة فعلا قد تكمن في هذا المجال . لكن منتصف الليل مازال مختلف جدا عن الظهيرة . إن الاحتمال الشديد وعدم الاحتمال يمكن دائما فصلهما بناءا علي الأسس المنطقية ، مع وجود مجموعة مكونة بحرص عن الظروف المبدئية التي تبني عليها استنتاجات الفرد (12).
ولذلك يقول كينيز:" عندما نقول إن داروين يعطي أسس صحيحة لقبول نظريته عن الانتخاب الطبيعي National selection ، فإننا لا نعني ببساطة أننا ميالين نفسيا لموافقته ، ومن المؤكد اننا ننوي أيضا توصيل اعتقادنا بأننا نعمل بشكل عقلاني باعتبار نظريته محتملة" . إننا نعتقد ان هناك علاقة موضوعية بين دليل داروين واستنتاجاته ، التي تعتبر مستقلة عن الحقيقة المجردة لاعتقادنا ، والتي تعتبر حقيقة وموضوعية فقط ، علي الرغم من انها بدرجة مختلفة ، مثل تلك التي ستوجد إذا كان البرهان توضيحيا بقدر كونه قياس منطقي. في الحقيقة ، نحن ننادي بادراك ، بشكل صحيح ، وجود علاقة منطقية بين مجموعة من القضايا التي نسميها دليلنا والتي نظن أننا أنفسنا نعرفها ، ومجموعة أخري نسميها استنتاجاتنا ، والتي نعطيها المزيد أو القليل من القيمة وفقا للأسس التي تم الامداد بها بواسطة الأولي (13 ) .
ويواصل كينيز قائلا : " إنه سيبدو من السخيف إنكار أن فكرة ما كانت محتملة ، عندما ظهرت اعتراضات معينة في مرحلة سابقة لتكذيبها" (14). بطريقة أخري ، فإنه بالنسبة لكينيز العلاقة الاحتمالية التي حصل عليها بين استنتاج وفوضه "موضوعية " جدا حيث يمكن للمرء أن يميزها بطريقة مستقلة عن الوقت في اى مرحلة مستقبلية . ويمكن للمرء ان يقرر الحصول عي " الاحتمالية " بين بعض الاستنتاجات المقدمة بواسطة داروين الشاب والدليل او البيانات "المعطيات "التي تم الحصول علي الاستنتاجات من خلالها. بغض النظر عن اى نتائج ناضجة يمكن ان تكون قد تمت بواسطة داروين فيما بعد في بحثه ، حيث ان التقييم الأصلي " لاحتمالية " الاستنتاجات الأصلية علي أساس الدليل الأصلي، ما يزال ثابتا طيلة الوقت" (15).
ويتوصل تولمن مما سبق إلي نقطتين مهمتين وهما : 1- ان التقييمات المنطقية للبراهين المهمة تاريخيا ليست "موضوعية " : إنها لا تعتمد علي تحيزات المناطقة والمؤرخين او اختيارهم للأبطال ، ليس أكثر مما يجب لتقييم الرياض لصلاحية الدليل المزعوم لنظرية ما . وحتي بالنسبة لمجموعة مفترضة ، فإن النتيجة المفترضة إما تتبعها أولا تتبعها . وإذا لم يكن الأمر كذلك ، فان التقرير الخاص بها لن يكون ملائما . وبالمثل ، بالنسبة لمجموعة من المقدمات الفيزيائية والظروف المبدئية ، فإن النتيجة الفيزيائية سوف يكون لها إما احتمال (أ) بناءا علي هذه المقدمات بالضرورة أو تقرير بان إحتماليتها (أ) سوف تكون مناقضة ذاتيا للبرهان , وبوضع طريقة لذلك في شكل مسار للفلاسفة من خلال غابات تاريخ العلم ، يمكن أن نوضح موضوع معارض لذلك الخاص بالبروفيسير كوهين : " في حين ان فلاسفة العلم يفكرون بخصوص النظريات المصاغة بشكل استنباطي ، فإنه من الأفضل لهم ان يقومون بذلك بشكل استقرائي ". أو علي الأقل ، فإن التبرير بالنسبة للتحليل الفلسفي لم يشتمل أبدا علي أى انجذاب كبير للوقائع (16). 2- إن تقييماتنا التي من خلالها كان البرهان في الزمن T أفضل من البرهان (مع وجود معطيات متاحة ) لن تمنح دائما مكافأة للبرهان الصحيح علي نحو تام . وهذه النقطة ذات أهمية كبري لآي مؤرخ أو فليسوف علم : ذلك أن التقدم العلمي والمنطق الصارم لا يسيران دائما يدا في يد بشكل اعلانى مثير ، لكن يجب التعبير عنه دائما بتفاصيل منطقية ، ليست مرسومة بطريقة شعرية في كلمات ( كما يرغب دارس التاريخ أحيانا في عمل ذلك ). راجع في ذلك الرأي (الصحيح ) لجاليليو بأن السرعة اللحظية لجسم متساقط مرتبطة عمليا بفترة سقوطه أكثر من المسافة التي يقطعها في السقوط : ودليل دوهيم الخاص بان ذلك كان مبنيا عيل برهان خادع صوريا ويعد انتصارا للدراسة التحليلية . وبالمثل ، فانه بالنظر إلي المعرفة الادراكية الكونية الخاصة بما قدمه أرشميدس Archimedes خلافا لكوبرنيكوس وبراهين أبولونيوس Apollonius وهيبارخوس Hipparchus يتضح لنا نمط من الداومة المفاهيمية التي تجعل تاريخ العلم في صورة من الحماس الفكري ولاجراء اختبار لمثل هذه الدوامات ،فيجيب الاعتراف بان التحليل المنطقي للبراهين عبر تاريخ العلم ليس أقل فائدة من أصول المفاهيم (كما أوضح تولمن ) او إدراك الفليسوف الكوني (كما أشار كوهين ) . والحقيقة انه لفهم التموجات المضطربة في تدفق العلم الغربي ، مثلما عندما نواجه جولد Gold ضد جامو Gamow ، وأندرسون ضد رذرفورد Rutherford و هالى Hall ضد أينشتين ، وأدامز Adams ضد Airy ، ويونج Young وفرينل Fresnel ضد الأراء النيوتنية الأخيرة ولافوازييه Laveoisier ضد بريستلي Priestely ، وكبلر ضد براهه Brath ، وكوبرينقوس ضد مولر Muller ، يجب توجيه الاهتمام نحو قدرة الاقناع المنطقية للبراهين وذلك لأهميتها الدراسية القصوي . حتى عندما يفوت الدارس القرارات النهائية أو يتملص منها ، فإن مثل هذه المواجهة للبراهين المهمة تاريخيا يمكن ان تجرد تاريخ العلم لتصل إلي عظامه ( أسسه ) المنطقية. وفي مثل هذه اللحظات ، فإن التحليل المنطقي للبراهين ذات المغزي التاريخي يمكن تمييزه مع تاريخ العلم علي أفضل الأحوال . وكان من عمالقة هذه المجموعة التحليلية : تانري Tannery ودوهيم وكواريه (17) .
وحينئذ نتوصل إلي صندوق الربط " الساخن " الذي يربط الرواج أو الانتشار المفاهيمي في تاريخ العلم مع ذلك الخاص فلسفة العلم . ومهنيا ، فإن المنطقي والمؤرخ سيهتمان غالبا بالعلاقة المنطقية داخل هذا الصندوق وحده – البرهان العلمي في حد ذاته – وليس فقط بالهندسة الفكرية Intellectual geometry المعقدة المؤدية إليها وبعيدا عنها ، ولامع الأضواء التي يمكن أن تنتشر في عالم العلم ، والاستنارة المقدمة بواسطة مؤرخي العلم ، كنتيجة لذلك الانتشار وذلك الصندوق الرابط اللذين تم تصميمهما بهذا الشكل الذي هو عليه فمؤرخ . فمؤرخ العلم وفليسوف العلم كلاهما مهتم ب " بنية " الأفكار العلمية. وهذه الاهتمامات تندمج في شكل واحد عندما تركز الأضواء علي البراهين العلمية للماضي (18).
وهكذا يوضح لنا تولمن ثلاث صور للعلاقة بين تاريخ العلم وفلسفة العلم وهي: 1- وجود جانب فلسفي صامت " غير منطوق " في تحليلات مؤرخي العلم ، ويمكن للفليسوف اكتشافه بالتعرف علي المذاهب المختلفة المنتشرة حول العالم ، ومناهج أسلافه ، وماتلقاه من تعليم ، والاسترشاد بالأنماط التفسيرية التي يقدمها . 2- أصول المفاهيم التي تشكل بنية "العلم " ويمكن تحديدها وتعميق دورها لدي المؤرخ بالاستبصار الفلسفي. 3- البراهين المختلفة عبر تاريخ العلم ، والتي يمكن من خلال التحليل المنطقي لها أن ننشئ "صندوق الربط الساخن " وهو عبارة عن مجموعة من صورة الارتباط المختلفة القائمة بين مفاهيم مؤرخ العلم وفليسوفه ، ذلك أن كل من مؤرخ العلم وفليسوف العلم يهتم بدراسة " بنية " الأفكار العلمية .
وكل هذا يضعه تولمن في صياغته المأثورة السابقة: " تاريخ العلم من دون فلسفة العلم عماء " ويتجه بعد ذلك إلي توضيح ( جانب أخر مكمل لها ) ان " فلسفة العلم من دون تاريخ العلم خواء " Philosophy of science without history of science is empty . (19)
وهنا يجب التعرف أولا علي علاقة الفلسفة بالعلم ن تلك العلاقة التي أكد تولمن علي عمقها في قوله : " إن العلم والفلسفة يتلاقيان عن نقاط لا تعد ، ويترابطان بطرق لاتحصى ولذلك ، فإن فلسفة العلم تدرس العديد من الموضوعات" (20) .
وقد بين كثير من المفكرين البارزين أو ما يسميهم تولمن " سفراء الفكر في المناصب العليا " عن أسفهم الشديد لمحاولات إقامة " انفصال تام " أو " طلاق بائن" بين العلم الطبيعي Natural science والفلسفة وينظرون إلي هذا الطلاق علي أنه ليس مجرد فجوة فكرية - وهو من نوع الشيء الذي يرغب الفرد دائما في أن يراه ممتلئا – ولكنه يشبه الثقوب والفراغات التي قد نجدها في الألغاز والأساطير . كما يبدو هذا "الطلاق " كعلامة أو " أمارة " علي وجود الشرور الكبرى والأحزان الشديدة ، بل ربما يكون هو السبب المباشر لها . وما يجب أن يهدف إليه العلماء والفلاسفة هو تجميع أنظمتهم المعرفية. " فالتركيب " synthesis مطلوب من أجل نتائج العلوم الجزئية ، وهو يزودنا " برؤية عن العالم " أكثر شمولا مما يمكن الحصول عليه من اى علم بمفرده من العلوم المتخصصة (21 ).
وهذه الرؤية العامة تتحقق علي أفضل وجه في ضوء طرق البحث السابقة التي قدمها فلاسفة العلم لمؤرخي العلم من أجل إنجاز وظائفهم بالشكل اللائق . فالتفاعل بين مؤرخي العم وفلاسفته يجب أن يملآ بقليل من الاقتحامات عبر المياه الهائجة التي تفصل تاريخ العلم عن فلسفة العلم (22 ) .
إن الدوامات في هذه المياه مضللة .. فعندما يبحر علماء النفس التجريبيين ، والأنثروبولوجيين الاجتماعيين ، و" نسور الحضارة " ( مثل ليفي بريل ، وجون ديوي ، وتالكون بارسونز Talcot Parsons وجورج ميد George Mead ) عفويا في المناقشات المنطقية المتعلقة تماما بالمحتوى السيمانطقي " الدلالي " للمفاهيم الفنية والبنية المنطقية للبراهين الصورية ، فإنهم يطرحون الاجابات الجريئة . فلقد فقدت الاستنارة وتبددت في تاريخ الفلسفة عبر سحب التفاصيل التاريخية غير الملائمة مفاهيميا . وعندما توجه أسئلة فى مجال الفلسفة ، ففى الغالب يعبأ الفضاء بافتباسات من أفلاطون وأرسطو وسبينوزا Spinoza وجاسندي Gassendi . والحقيقة ان إضاعة الوقت "بين الفلاسفة المحترفين تكون في خدمة مجموعة من الوقائع عندما يكون المطلوب حقا هو المشرط الحاد للتحليل.(23)
ويري تولمن أن بعض الأساتذة العظام من فلاسفة العلم : شليك Schlick ، وكارناب Carnap ، و ريشنباخ Reichenbach وبوبر Popper ، يشعرون بحساسية بالغة للطرق التي يفسد بها الدارسين أحيانا مشارط الفلسفة بواسطة دفنها في الحصي التاريخي . فالوضوح المفاهيمي يعد مبدئيا نتيجة للتحليل المنطقي الحر : الإشارات إلي الوقائع الفعلية في تاريخ العلم كانت علي الأغلب توضيحات ( بالنسبة لشليك ، وكارناب ، وريشنباخ ، وبوبر ) للبراهين التي العقلانية فقط . فماذا يهم في ان فون ينومان Von Neumann او جيفرييز Jefferys ، أو كلارك ماكسويل Clark Maxwell قد أثاروا الحساب التحليلي الاحتمالي بهذه الطريقة او تلك ؟ لقد اهتموا بالتفسير والتنبؤ بخصوص الأعمال ذات الطبيعة الفيزيائية : وكان نادرا ما تواجههم البنية المنطقية للبراهين الاحتمالية ذاتها. وماذا يهم في أن ماخ و نيوتن ،وبعض الدارسين قد اعتبروا قوانين الطبيعة مجرد ملخصات إحصائية للبيانات المكثفة ، وبهذا تكون مشتقة ( او مستنتجة ) من الوقائع ، ومرة أخري ، فإن هؤلاء الرجال كانوا فلاسفة طبيعيين Natural philosophyers أو تجريبيين وليسوا فلاسفة علم (24). إن ( × ) الذي تم القيام به عموما لا يجعل (×) في حد ذاته (×) هو الشئ الصحيح عموما للقيام به . ذلك أن كل علماء الماضي والحاضر يفعلون (× ) أو يقولون أن (×) - أو يقال عنهم بواسطة المؤرخين أنهم فعلوا أو قالوا أن (×) - لا يجعل في حد ذاته (×) الشئ الصحيح لقوله أو القيام به. ففلسفة العلم ، مثل كل الفلسفات ، ليست ببساطة ممارسة وقراءة لما تم القيام به وقوله . إنها أيضا تحليل وتقييم للتبرير المنطقي والعقلانى لأقوال العلماء وأفعالهم . تماما مثل طفل لم يدافع عن سؤ سلوكه بقوله " جون يفعل ذلك أيضا " أو " جون فعل ذلك أيضا " ان العمل الحقيق لفلسفة العلم لم يتم تدعيمه أو إبرازه بأى طريقة بواسطة عبارات مثل " هيزنبرج Heisenberg يقول ذلك أيضا " أو " نيوتن فعل ذلك أيضا " (25).
إن هذا يبدو يقدر كبير تماما أنه فصل لتاريخ العلم عن فلسفة العلم ، ولا يجعل أى إنسان يربط ما يكشفه التعقل على أنه مستقل أو منفصل وسوف يشكل هذا نتيجة مهمة تقود العلاقة المنطقية لتاريخ العلم إلى فلسفة العلم . وهذا التاريخ قد يبدو خاليا من أى علاقة منطقية على الإطلاق ، وأى إنسان يحاول الحصول علي صحة برهان بسرد وقائع خارج تاريخ العلم ،فإنه يستحق التوبيخ الذي حتما سيناله . مع ذلك ، فعندما يتم التأكيد علي أن تاريخ العلم وفلسفة العلم لهما إهتمام عام ببنية البراهين العلمية ووظيفتها ، فيكون فى ذلك بعض التعديل لهذا التحريم أو الابعاد المنطقي الصارم . فلا تجعل اى إنسان يفصل تماما الأنظمة الفكرية المرتبطة أساسا من خلال إهتمامها المشترك بأفكار العلماء، ومفاهيمهم ،وتفسيراتهم ، ومناقشتهم (26).
فكما قيل لنا ، فإن الفلسفة ليس لها موضوع محدد . لكن فلسفة العلم بها ، وهو تحديدا ، العلم . فمن الأفضل لفليسوف العلم أن يقول " إذا كان هناك نظام معرفي يتم فيه إتباع مبادئ البقاء P1 ، P2 ويتم خلاله الالتزام بالقوانين L1 ، و L2 ثم من الشروط تنتج المبدئية L1 ، L2 ، فإن النتائج C1 ، و C2 سوف تنتج (بشكل استنباطي ). فإذا كان ما يقوله فليسوف العلم في هذا السياق صحيح علي الإطلاق ، فإنه بالضرورة يكون صحيحا . إذا لم يكن صحيحا ، عندئذ ، فإنه يكون كاذبا منطقيا . وليس هناك اى وقائع بخصوص التكوين النظري للأحداث العلمية الراهنة أو الماضية يمكن أن يكون لها اى اعتماد منطقي علي التقييم المناسب لتحليل الفليسوف . لكن لا يزال القول بأن فليسوف العلم يمكن ألا يناقش أى حالة أصلية علي الإطلاق ! إن هذا هو رد فعل معظم الفيزيائيين الممارسين بشكل أكبر عندما يقرأون " الأسس الفلسفية لميكانيكا الكم " لريشبناخ ، وهذه تعد استجابة عادية لمؤرخي العلم عندما يواجهون أعمال في فلسفة العلم خاصة من خلال التقليد الذي تم بناؤه علي أثر جورج سارتون . فالمؤرخين يرون في أعمال فلاسفة العلم الصوريين " أمثال " كارناب " " مغالطة التجريد الذي تم وضعه في غير موضعه ". فبدون بعض المعالجة الحاسمة للتطوير الواقعي والوضع الحالي للعلم الحديث ، فإن فلسفة العلم تصدم بالعديد من الأشياء التي تجعلها غير استنارية . لكن فلاسفة العلم هؤلاء الذين يبتعدون عن "النزعة التاريخية " Historicism يجدون الوقائع من خلال تاريخ العلم غير استنارية بالمثل . فبالنسبة للمؤرخ فإن تلك الفلسفة الخاصة بالعلم تعد غالبا غير استنارية لأنها لا تقوم بتوعية الناس عن أى شيء : لم يتم معالجة أى شيء في كتب السجل العلمي في مثل هذه الدراسات الرمزية Symboile studies . وبالنسبة للفليسوف فإن تواريخ العلم تعد غالبا غير استنارية ، لأنه كنتيجة لانتشارها الفوضوي فإنها لا تعكس أبدا الألوان الأحادية : طيف واحد فقط لنتيجة المفاهيم والبراهين . وبالنسبةللمؤرخ فإن التحليلات الصورية غالبا ماتكون خواء وبالنسية للفيلسوف فان الملخص الفعلي للمؤرخ عماء . وهذا يوضح لنا نوع من التماثل analogy . فتحليلات فليسوف العلم لا تحتوي اى شيء حاسم أو متعقل ولا تفقده أو بالتأكيد فإن براهين الفلاسفة يمكن أن تفيد فقط عندما توجه نحو الاضطرابات المفاهيمية والصعوبات الادراكية المعروف فعليا أنها تحدث عند حدود العلم (27).
ويري تولمن إمكانية وجود دراسات منطقية وفلسفية "خالصة "في الأدب ودراسات تتعلق بالخيار بين الافتراضات الاحصائية ، وتكوين النماذج ، وطبيعة المصطلحات النظرية ،وتحقق النظريات وتكذيبها ، وإعادة الصياغة البديهية للميكانيكا الكلاسيكية . إلخ . وتزداد قيمة هذه الممارسات بشكل جوهري زمانيا عندما يجعل المؤلف ، من بعض الارتباك في اللحم والعظم الذي نجده لدي الفيزيائيين ، او بعض التعقيد الذي نلاقيه في النظرية الكيميائية ، أو بعض الغموض المزعج كثيرا عند البيولوجين ، مناسبة لتحليله الحاسم . وبالطبع، فإن مشاكله المبدئية هي مشاكل فعلية ، فليس هناك ضمان بأن تحليل الفليسوف سوف يكون مقنعا ن ومفيدا ، وصحيحا . ويجب أن يحصن الفليسوف من اى "مغالطة جينية " عن تقييمه . ومع ذلك ، فإنه إذا كان التقييم النقدي لتحليل الفليسوف مبرر ، فإنه سوف يظل قابلا للتبرير سواء اختار الفيسوف البدء بمشكلة علمية واقعية أو لا أكثر من البدء ببعض الفروض المختلفة بخصوص العلوم الافتراضية التي يمكن ضمان الحصول علي استنتاجات حاسمة فيها (28) .
فهناك طريقتين علي الأقل للخداع في دراسة العلم الغربي : الطريقة الأولي : هي البدء بالمعطيات والمشكلات التي أحرزتها أو تحرزها بشكل فعلي ، ولكن حينئذ ، فإنه بسبب الصعوبات في عمل تحليلات مثل تلك البدايات المعقدة والصعبة تغطي النتائج أو تحجب بواسطة سحب الوقائع .فإذا سألت عن التجانس ، والصحة، أو الإسهاب ، أو تصميم الفروض ، فإن إجاباتك سوف ترجع محملة باقتباسات وتواريخ . الطريقة الثانية: هي توفير تحليل صارم وبرهان بأى تكلفة ، حتى لدرجة تعديل نقطة البداية وبذلك فإنها لا تتوافق مع اى مشكلة علمية فعلية . والطريقة "الصعبة " -وهي الطريقة الوحيدة – هي البدء بوصف وتخطيط دقيقين لبعض الاضطرابات التجريبية او النظرية ، وهي واحدة مما لا يمكن لأي مؤرخ للعلم أن يختلف معها . وما يتم الحصول عليه هنا من تحليل فلسفي صارم سيحظي باحترام المناطقة . وقد يصعب تحقيق ذلك بشكل مبدئي ، لكنه يمتلك أقصي قيمة توجيهية . وعن طريق عرض الموضوع بهذا الشكل ، فإننا يمكن ان نحدد في النهاية العلاقة بين تاريخ العلم وفلسفة العلم (29).
إن الملائمة المنطقية لتاريخ العلم بفلسفته منعدمة . فالنظر إلي الوقائع الجديدة لا يجعل البراهين القديمة غير صحيحة أبدا ، البراهين الجديدة صحيحة (أو العكس بالعكس ) . فلقد أثبت فرينل ، وفوكوه Foucaut أن الضوء كان متوهجا ،برغم الاكتشافات الحبيبة لهيرتز Hertz وأينشتين (التأثير الكهروضوئي ) وكومبتون Compton ، ورامان Raman . إن هؤلاء الدارسين قد أعلنوا فقط أن الضوء أكثر تعقيدا مما تخيلوا . وبالمثل فان تحليل أرسطو Aristotle لعلم الفلك وانتقادات بوريدان Buridun ، وأوريسم Oreseme التي هدمت نظرية الحركة لأرسطو ، وملاحظات جاسندي عن مقدمة اوساندر Osiander ودراسة باركلي للأشياء المتناهية الصغر وفكرة المكان المطلق ، وتحليل بيرس لاكتشاف قانون كبلر ، ودراسة دوهيم لبعض توضيحات جاليليو ، وتحطيم ماخ المفهوم الكلاسيكي للكتلة ، وشليك ، فيجل Feigl عن النسبية ، ورايشنباخ ، وفييرأبند Feyerabend عن المكيروفيزياء .. الصحة الداخلية لمثل تلك الدراسات الفلسفية للعلوم تعتمد فقط علي مسائل المنطق والتحليل المفاهيمي . والمعطيات التاريخية لا يمكن ان تعمل فقط بشكل شرعي في تقييمات إمكانية القبول الفلسفي والمنطقي لهذه الأعمال (30).
فعمل الفلاسفة في فلسفة العلم يجب أن يبرز علي الأقل من الأساس أو القاعدة . ويحدث ذلك فقط عن طريق مسار الوقائع المتعلقة بتاريخ العلم ووضعه الراهن الذين يهتم بهما الباحث . ومثل هذه الوقائع ليست وثيقة الصلة بالتقييم المحترف المعقد للطيران الفكري والمناورات المنطقية التي يجب توضيحها . لكن فيلسوف العلم الذي لا يعرف تماما تاريخ المشكلة العلمية التي يمر بها لن يحلق حتي في الجو . فمهارته التحليلية قد تكون مرغوبة ، لكنها لا تؤدي بنا لأي مكان (31). وهكذا ، فإن الزعم بأن تاريخ العلم وفلسفة العلم ليسوا مترابطين منطقيا : هو زعم إما لتقليل " المغالطة الجينية " أو أساءه فهمها . لكن مخاطرة استنتاخ أنه ليس هناك رابط على الاطلاق بين الاثنين هي المخاطرة ، وهى قرار بأن فلاسفة العلم بلا معرفة واعية ،وهذا لا يمكن قبوله بصمت. (32) وبهذا أخذ تولمن الوعي التاريخي مأخذ الجد ، فقد رأى أن تاريخ تطور معالجات المشكلة المطروحة للبحث ، أهم بالنسبة للعالم الباحث من الانشغال بقضايا المحتوى المعرفي وإشكالية الصدق . وضرورة النظرة التاريخية للعلم والاهتمام بتغير المفاهيم الذي هو التقدم الحقيقي للعلم . ويرفض تولمن تماما النظرة إلى العلم من الداخل ، إذا كانت مقتصرة على علاقاته المنطقية وأسسه المنهجية، بحيث إن الجديد ينحصر جدته داخل الحدود والمصطلحات المطروحة . وفي مقابل هذا ينبغي على العلماء أن يدركوا أفق تاريخ العلم ، ولا يتجاهلون أن نظرياتهم أتت في سياق نظريات أخرى سابقة هى محاولات ناضجة ، تمثل معالم بارزة في تاريخ العقل وتاريخ الحضارة وتاريخ الثقافة . إن العلم – كما ينتهى تولمن – هو أولا وأخيرا كيان تاريخي ونشاط اجتماعي . (33) .
الهوامش 1-د . يمني طريف الخولي : فلسفة العلم في القرن العشرين ، الأصول – الحصاد – الأفاق المستقبلية، سلسلة عالم المعرفة،المجلس الوطنى للثقافة والفنون والأداب ، الكويت ، رمضان ،142هـ - ديسمبر / كانون الأول 2000 م ، ص ص 11-12 2-الموضع نفسه 3-الموضع نفسه 4-المرجع نفسه ص ص 112-121 5-Toulmin , Stephen and Harry wook : What I Donot believe , and other essays , D . Reidel publishing Company / Dordrecht – Holland , 1971, P -274 . 6-Loc – cit . 7-Ibid , pp -174-175 8-Ioc – cit . 9-Ioc –cit . 10-Ibid,pp-276-277 . 11-Ioc- cit . 12-Ioc – cit . 13-Ibid , pp – 277 -278 . 14-Ioc – cit . 15-Ioc – cit . 16-Ioc – cit . 17-Ibid , pp – 278-279 . 18-Ioc – cit . 19-Ioc – cit . 20-Toulmin , Stephen , The philosophy of science : An Introduction , p –Vii 21-Toulmin , Stephen and others : Metuihiscal beliefs : three essays , scm press Ltd , London , 1970 , p – 56 . 22-Toulmin ,Stephen , What T do not believe , and others essays , p – 280 . 23-Ioc , cit . 24-Ibid , pp – 280-281 25-Ioc – cit . 26-Ioc – cit . 27-Ibid , PP – 281 – 284 . 28-Ioc – cit . 29-Ibid , pp 284 -285 . 30-Ioc – cit . 31-Ibid , p – 286 . 32-Loc – cit . 33-د . يمني طريف الخولي : فلسفة العلم في القرن العشرين ، ص 443 .
#ابراهيم_طلبه_سلكها (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مفهوم التنوير
-
أزمة العالم المعاصر (1)
-
عجز الدولة الحديثة عند هوكنج
-
نظرية الطريق الثالث عند أطونى جيدنز
-
نظرية الفعل عند حنه ارندت
المزيد.....
-
تحليل لـCNN: مخاوف في الصين بشأن عدم القدرة على التنبؤ بسياس
...
-
شيخة قطرية تعلق على فوز ترامب: الله يكفينا شرهم
-
النصر والهزيمة.. صور من أجواء خطابي ترامب وهاريس
-
الهجرة إلى أميركا في عهد ترامب.. ما الذي سيتغير؟
-
ترامب يبدأ اختيار أعضاء إدارته قريبا.. وبعض الأسماء حاضرة
-
تحليل لـCNN: عدم اليقين بشأن سياسة ترامب تجاه حرب أوكرانيا ي
...
-
كامالا هاريس تعترف بالخسارة في الانتخابات الرئاسية الأمريكية
...
-
الرئيس لا يحاكم.. جهود لإغلاق قضيتين ضد ترامب قبل تنصيبه
-
إجلاء مرضى من غزة للعلاج في الإمارات ورومانيا
-
سبعة أشياء -سيفعلها- ترامب كرئيس
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|