أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - الديمقراطية الجديدة( النشرة الشهرية) - حول الانتخابات في تونس















المزيد.....



حول الانتخابات في تونس


الديمقراطية الجديدة( النشرة الشهرية)

الحوار المتمدن-العدد: 4673 - 2014 / 12 / 26 - 23:08
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    







ملف حول الانتخابات في تونس-
( شباب الانتفاضة الذي قاطع الانتخابات سيواجه الاستقطاب الثنائي وكل الانتهازيين الذين طبلوا للسبسي)



حكومة "الحوار الوطني" أم حكومة صندوق النقد الدولي ؟

بعد حكومة الغنيمة المنصبة من قبل المجلس التأسيسي تأتي حكومة السمسرة المنبثقة عن الحوار "الوطني" والتي طبل لها الجميع من النهضة إلى الجبهة الشعبية وبقية الأطراف المشاركة في الحوار وانطلقت وسائل الإعلام الرسمية في حملة التنويه بحكومة "الكفاءات المحايدة" جدا ودعت الجميع إلى دعمها و "تركها تعمل" في امن وسلام .
ومنذ الأيام الأولى شرع الوزير الأول في برمجة زيارات مكوكية لهثا وراء القروض من أمريكا إلى فرنسا مرورا بالخليج والجزائر ورهن البلاد لدى صندوق النقد الدولي والبنك العالمي والبنك الأوروبي للاستثمار ولم يكتف بكل هذه القروض فأعلن عن ضرورة اكتتاب داخلي يذكرنا بصندوق 26-26 وصندوق 21-21 سيّئي الذكر .
الوعود الزائفة

وعد الوزير الأول بتطبيق كل ما جاء في خارطة الطريق التي جيء به من أجلها لكن الحكومة ما تزال تواصل سياسة التسويف وربح الوقت فظلت الإدارة على حالها وظل الولاة والمعتمدون والعمد في مكانهم بما انه لم يقع مراجعة التعيينات النهضوية وفق الاتفاقات الحاصلة في الحوار "الوطني" كما لم يقع كشف من يقف وراء الاغتيالات السياسية وحقيقة ما يحصل في الشعانبي ولم يتم "تحييد" المساجد وفضلا عن كل ذلك ورغم الندوات الصحفية المتكررة فان الحكومة التي وصفت "بالواقعية والصراحة" تتكتم على المتسببين في الأزمة وترفض فتح الملفات الحارقة مثل موارد الدولة وقضية الجباية والصفقات في مجال النفط والغاز وتهرب السماسرة من دفع الأداءات بل تورطهم في تلوث البيئة والمحيط وملف الفساد المالي والسوق الموازية وتهريب الأسلحة...انها حكومة تغالط الشعب جاءت لتصريف الأعمال وتحضير الانتخابات لكنها تحولت إلى حكومة سماسرة تعقد الصفقات مع الشركات الأجنبية على حساب المؤسسات العامة وقد اتضح ذلك في تركيبة الوفود المصاحبة للوزير الأول في سفراته والتي كان على رأسها ممثلة الأعراف و لسان حال الكمبرادور الهادي الجيلاني صهر المخلوع بن علي .
برنامج الحكومة الحقيقي

تجند الإعلام الرسمي والمعارض للإشادة بالحكومة وقدم مهدي جمعة كرجل المرحلة "شخص الأزمة واعترف بدقة الوضع" ثم شنت الحكومة حملة تخويف الشعب وتهديده بل وتجرأت بعض وسائل الإعلام على تجريم الإضرابات والاحتجاجات وتحميل الشعب المسؤولية عن الأزمة واتخذت هذه الحملات الدعائية شكل تهديد الشغالين بعدم خلاص أجورهم خلال شهر افريل ثم ماي وصرح الوزراء بانه سيقع "اتخاذ قرارات موجعة ومؤلمة" وليس هناك من حل سوى تقبل هذه القرارات وتحمل وزر الأزمة...
اعتمدت الحكومة هذه الخطة للتستر على المتسببين في إفلاس الدولة ولجس نبض الشارع وأطراف الحوار "الوطني" تمهيدا للإعلان عن نواياها الحقيقية التي كشفتها الجلسات التمهيدية للحوار الاقتصادي بحيث أجبرت الحكومة-التي أصرت على سرية الجلسات- أجبرت على كشف المستور وصرح بعض الوزراء عن الزيادات المرتقبة في إطار ما سمي بالإصلاح الهيكلي المقترح من قبل صندوق النقد الدولي واتضح أن الحوار الاقتصادي لم يكن سوى غطاء لتمرير الزيادات في أسعار المواد الأساسية كالخبز والعجين الغذائي والسكر والزيت النباتي وفي المحروقات والنقل والكهرباء والغاز والاسمنت...
كما تتضمن هذه القرارات التقليص في الانتدابات في الوظيفة العمومية والحد من الترفيع في الأجور وتقليص النفقات العمومية ذات الطابع الاجتماعي كالصحة والتعليم والرفع في نسق التفويت في المؤسسات العمومية والمصادرة وإعادة هيكلة بعضها.انها قرارات جاهزة منذ حلول هذه الحكومة وهي شروط البنوك لإسناد القروض اللازمة لحكومة تتمعش من الفتات وتسمسر بخيرات البلاد وعرق الشغالين.
وستمضي الحكومة في تطبيق هذه الإجراءات اللاشعبية بصفة تدريجية حسب ردود الفعل الشعبية . وفي هذا الإطار صرحت وزيرة التجارة بكلّ تحدّ و ازدراء : بأن "الشعب لن يحتج إذا لم تحركه الأحزاب" لكنها تناست ان الشعب تحرك في انتفاضة الخبز دون أي إيعاز من الأحزاب المتمعشة من العمل السياسي كما ان انتفاضة الحوض المنجمي لم تساندها الأحزاب في البداية بل وقفت ضدها بما في ذلك البيروقراطية النقابية وللتاريخ كانت هذه الأحزاب غائبة في انتفاضة 11 ديسمبر وحاولت عبثا الالتفاف عليها . وتبين ان جل الأحزاب بما في ذلك أحزاب الجبهة الشعبية التي شاركت في الحوار الوطني وزكت الدستور وحكومة "الكفاءات" لا علاقة لها بقضية تحرير الشعب بل أن كل ما كانت تفعله لا يخرج عن مجال ترميم النظام بجيشه وبوليسه وقضائه وإعلامه ومجلسه التأسيسي الذي تحول الى مسرح للحملات الانتخابية قبل أوانها وسوق يتجول النواب فيها من حزب إلى آخر حسب الإغراءات السياسية و كمية الأموال المرصودة .
لننبذ أوهام "الانتقال الديمقراطي"

اعتمد وكلاء الاستعمار الجديد خطة الانتقال الديمقراطي التي تقاطعت مع الفوضى الخلاقة بهدف وضع الشعب أمام خيارين : إما ترميم النظام أو الحرب الأهلية وانخرطت الانتهازية بفعل خطها وتاريخها الأسود في مسرحية "الانتقال الديمقراطي" التي شاركت فيها من البداية إلى النهاية وإن قاطعت الجبهة "الشعبية" الحوار الاقتصادي بعد أن حضرت جلساته التمهيدية فانها دافعت عن الحوار السياسي وتبنت خارطة الطريق وزكت الحكومة و لا يمكن اعتبار السياسة مفصولة عن الاقتصاد بل ان السياسي هو الذي يحدد الاقتصادي لذلك فان مقاطعتها شكلية وأتت متأخرة جدا وقد لجأت الجبهة إليها لحفظ ماء الوجه بعد ان تورطت مع جبهة الإنقاذ وساهمت في تلميع وجه الدساترة وتحديدا نداء تونس .وقد سبق لبعض أطراف الجبهة ان اعتمدوا نفس الخطة في معارضة بن علي عبر التحالف مع النهضة.
لقد استعملت الرجعية أحزاب الجبهة لتخريب الحركة الثورية وتشويه وعي الجماهير ومغالطتها في كل المراحل على امتداد 3 سنوات وبذلك ساهمت الجبهة الشعبية في بث الأوهام حول المجلس التأسيسي وحول الحوار الوطني وحكومة الكفاءات والجيش الوطني والأمن الجمهوري وباسم "العدالة الانتقالية"وقع إعادة الدساترة إلى الساحة وعوض المحاسبة حصلت المصالحة وباسم "استقلالية القضاء" وقع الإفراج عن وزراء بن علي وكل المورطين في قتل أبناء الشعب وفي المقابل يقع محاكمة شباب الانتفاضة بتعلة حرق مراكز شرطة أو المساهمة في الاحتجاجات الشعبية ومن سخرية الدهر طالت هذه المحاكمات عناصر من الجبهة ونعتقد ان القواعد النزيهة ستستخلص الدرس وتدرك ان التحالف أو الالتقاء مع أعداء الشعب لن يعود إلا بالوبال على أبناء الشعب ويحول الجبهة الى مجرد معارضة كرتونية تلهث وراء الفتات.
ونظرا لما آلت إليه الأوضاع الشعبية من تدهور مقابل سيطرة الاستقطاب الثنائي – دساترة/خوانجية - وفرضه لسياسة لاوطنية مع احتمال تربعه على السلطة خلال الانتخابات القادمة الذي وقع صياغة قانونها على القياس يظل الشعب يحتج بصفة عفوية او في إطار "منظمات المجتمع المدني" وتظل القوى الثورية مشتتة في ربوع البلاد دون تنسيق جدي ودون برنامج موحد فاقدة لتكتيكات ميدانية تنقذها من الارتجالية والتجريبية والإقتصادوية التي طبعت تحركات البعض.فمتى ستعي هذه الحلقات والمجموعات بأنه لا وجود لثورة دون تنظيم ثوري ودون هيأة أركان متسلحة ببرنامج وطني بديل لكل الأطراف المشاركة في الحوار "الوطني".

ماي 2014



الانتخابات "التوافقية": ماذا تعني المشاركة و ماذا تعني المقاطعة ؟
الانتخابات "التوافقية": ماذا تعني المشاركة و ماذا تعني المقاطعة ؟

ستجرى الانتخابات التشريعية في تونس يوم 26 أكتوبر على أن يتم التصريح بالنتائج الأولية يوم 30 أكتوبر وبلغ عدد القائمات المترشّحة حوالي 1400 قائمة وهو عدد غير نهائي في انتظار التثبت ثم الطعون وتمثل القائمات الحزبية 60 بالمائة و"المستقلة" 28 بالمائة و11بالمائة بالنسبة للقائمات الائتلافية وتتصدر قفصة في ترتيب الدوائر(27 في الجملة) المرتبة الأولى ب81 قائمة والمرتبة الأخيرة لتطاوين ب27 قائمة.(مع العلم أن حزب الأصالة السلفي تقدم ب4 قوائم متواجدة في القيروان وقابس ومدنين وتطاوين )
وتجدر الإشارة إلى أن معظم الأحزاب المتواجدة في التأسيسي جددت ثقتها في أغلب نوابها وهو ما قد يؤدي إلى عودة عدد كبير من الأسماء التي أثثت التأسيسي(النهضة حافظت على كل الأسماء البارزة- آفاق تونس قرر التجديد لكل نوابه- التحالف الديمقراطي والتكتل كذلك...) أما النواب الذين تخلّت عنهم أحزابهم فقد قرروا تشكيل قائمات "مستقلة" وبذلك سيتمتع رؤساء قائمات الأحزاب الكبرى بحظوظ وافرة نظرا لارتباطهم الوثيق "باللوبي المالي" من جهة ووجهاء القبائل والعشائر من جهة أخرى وفي هذا الإطار صرّح رئيس قائمة التحالف الديمقراطي في القصرين -احمد بوعزي ، استاذ جامعي-:" اعتمدنا التناصف القبلي والعشائري في ترتيب الأسماء: الأولى توزعت بين الفراشيش وماجر وأولاد سيدي تليل وهي المكونات الرئيسية للمجتمع القصريني"(الشروق 17 اوت 2014 ص 8) (هكذا يتحدث استاذ جامعي؟؟؟) أما الأحزاب الأخرى فستفوز بأكبر البقايا وستتمتع كل قائمة بدعم من المال العام يتراوح بين 6 و9 آلاف دينارا .
أما الانتخابات الرئاسية فستكون في 23 نوفمبر على أن يتم التصريح بالنتائج النهائية في 21 ديسمبر 2014 وضبط آخر أجل للدورة الثانية يوم 28 ديسمبر والملفت للانتباه هو ارتفاع عدد المترشحين المحتملين والذي بلغ عددهم ال40 رغم وجود شروط التزكية :10 نواب من التأسيسي أو 10 آلاف تزكية أو 40 من رؤساء مجالس الجماعات المحلية المنتخبة ورصد 10آلاف دينار في الخزينة العامة وسينتفع كل مترشح بمبلغ مالي قدره 79 ألف دينارا لخوض حملته الانتخابية .(الى حد الان23 مترشح رسميا)
فما هي حقيقة هذه الانتخابات التي عجزت على تنظيمها الحكومات الأربعة المتعاقبة والتي لم تر النور إلا بعد خارطة الطريق المنبثقة عن "الحوار الوطني "؟ وهل أن أوضاع الجماهير ستعرف تحسنا اثر دفن "المؤقت" الذي دام أكثر من 3 سنوات؟ وما هو الموقف من اليسار المشارك واليسار المقاطع (مع التأكيد على إن المقاطعة من منطلقات وطنية ديمقراطية لاعلاقة لها بالمقاطعة الرجعية أمثال حزب التحرير وأنصار الشريعة...)سنحاول الإجابة انطلاقا من حركة الطبقات وواقع الصراع الطبقي وتناحر الرجعيين على الكرسي بمعزل عن مصالح الشعب الكادح وتطلعاته.

المناخ الانتخابي
اتسمت فترة ما بعد الانتفاضة بصراعات محمومة صلب الكتل الرجعية بلغت عتبة الحرب الأهلية وتشغيل الجماعات الإرهابية للضغط على الخصوم ورغم الاقتتال الرجعي فان الجميع متفق على إخماد نار الانتفاضة وتهميش النضالات الشعبية بهدف إعادة الاعتبار "لهيبة" دولة الاستعمار الجديدة. وتدخلت السفارات الأوروبية والأمريكية أكثر من مرة فتقابل السبسي (النداء) مع الغنوشي (النهضة) وزار حمة الهمامي (الجبهة) السفير الأمريكي واستقبله في مقر حزبه ...وحضرت المعارضة في أكثر من حفل لتفضي كل هذه اللقاءات إلى ما سمي بالحوار الوطني والحكومة الخامسة "المحايدة"وخارطة الطريق التي لم يتم إلى حد الآن تطبيق كل بنودها.وتستّر الفاعلون في التأسيسي والحكومة بمقولة "مؤقت" لتبرير عجزهم على تحقيق بعض المطالب في حين شرّعوا نهب الخيرات وبيع المؤسسات وتزكية الزيادات في كل المواد الأساسية تقريبا.
تفطنت الجماهير إلى أن المجلس التأسيسي خدعة أوتي به لضرب مطالب الانتفاضة وان الحكومات المتتالية تعاملت مع المنصب باعتباره غنيمة مما زاد في غضب الجماهير الذي تجسد في العديد من الإضرابات والاعتصامات وعبر التصريحات في وسائل الإعلام :" عن أي نواب تتكلمون ثلاث سنوات همشنا فقرنا فقئت عيون أبنائنا ...م.ق" فقدت الثقة في السياسيين وفقد اغلب السكان في الجهة ثقتهم في الأحزاب والنواب"(-الشروق 7اوت)...
ستنطلق الحملة الانتخابية إذا في جوّ يتّسم بغضب الجماهير والشعور بالإحباط لدى شباب الانتفاضة من جهة وتناحر الأحزاب الرجعية والانتهازية من جهة أخرى.
فقد تجسّد الرفض الشعبي في مقاطعة التسجيل فرغم التمديد مرتين في الآجال فان العدد لم يتجاوز 631 ألف حسب منظمة عتيد التي تعتبر ذلك إخفاقا واضحا وبذلك يمثل العدد النهائي باحتساب المسجلين سابقا مابين 48 و50بالمائة من جملة الناخبين البالغ عددهم ما يقارب 8 ملايين هذا مع العلم أن بعض المسجلين آليا سابقا قد لا يشاركون في الاقتراع. كما عبّرت العديد من الفئات الشبابية عن نية مقاطعة هذه الانتخابات بما أن "الحسبة محسوبة واللعبة ملعوبة" حسب تعبير أحد الشبان وان التناحر صلب الأحزاب وفيما بينهم يبيّن أن الهدف هو الكرسي وليس مطالب الشعب والجهات المهمشة التي لم تصلها التنمية رغم الوعود.
المال السياسي والتخلّف العشائري
حسب الأرقام الرسمية فان التهريب أو "الكونترا" يمثل أكثر من 40 بالمائة من الاقتصاد مما يعني ان قرابة نصف الموارد المالية تذهب لأشخاص غير خاضعين للمراقبة وقد شجّع قانون المالية التكميلي التهريب ودعمه بعد ترفيعه في الأداء الجمركي فلا يعني هذا الوضع غير أمر واحد ووحيد وهو التواطؤ لان أذرع التهريب موجودة داخل الدولة ورغم احتجاج بعض الأصوات فانه من الصعب جدا آنيا مراقبة التمويل الخارجي والمتأتي من التهريب وتبييض الأموال والتجارة الموازية وستستعمل هذه الأموال المخزونة في الحملات الانتخابية وفي شراء الذمم هذا فضلا عن المال السياسي المصرّح به أو المسكوت عنه والمتأتي من سماسرة وأعراف مترشحين للانتخابات.
وقد دخل المال السياسي في لعبة الإعداد للانتخابات انطلاقا من صياغة القانون إلى تنصيب الهيأة العليا "المستقلة" والتي اتهمتها بعض الجمعيات بالتواطؤ مع أطراف سياسية مرورا بهيئات الفروع ووصولا إلى التزكية التي تحوّلت إلى "سوق ودلاّل" ومزايدات بعدد الإمضاءات (سليم الرياحي مثلا اكثر من120 ألف إمضاء – مصطفى كمال النابلي (البنك المركزي سابقا) 40 ألف إمضاء-منذر الزنايدي,تجمعي ووزير بن علي 60ألف تزكية...)
لعب المال الفاسد دوره في المعامل والمؤسسات والأحياء والأرياف ووقع إحياء العروشية لتجميع الأصوات وتنشيط المنظمات الشبابية والشعب الدستورية المنحلة والجمعيات التي يقارب عددها 17 ألف والتي تنشط قانونيا بصفة "مستقلة" لكنها منحازة في الواقع لهذا الطرف أو ذاك.كما نشط الإعلام الرسمي ومؤسسات سبر الآراء لتزيين وجه هذا الطرف وانتقاد الآخر ولا يكاد يمر يوم دون ان تتواتر فيه الأخبار عن صراعات وانشقاقات واستقالات والتراشق بالتهم وتهديدات بكشف للمستور في جل الأحزاب تقريبا ويظل الجدال العقيم بعيدا كل البعد عن مشاغل الشعب وطموحاته.
أين أبناء الشعب إذا من كل هذه الاستعدادات للانتخابات؟ يظل الشعب بدون مال فقير الحال ضحية الفكر السائد وغير منظم وبالتالي غير قادر على المواجهة المنظمة يشعر بالمرارة إزاء خيانات الأحزاب لأبسط مطالبه مثل الحق في الشغل والصحة والتعليم والتنمية...
حوار "وطني" أم نضال وطني؟
تحوّل سلمي أم تغيير ثوري؟
راح منظرو الجبهة "الشعبية" في شن حملات ضد دعاة المقاطعة واعتبر البعض إن المقاطعة انتحار وتخريب للعقول وضرب من الانعزالية الثورجية تكتفي بتسجيل الموقف والتنظير دون الفعل في الواقع ونعت البعض الآخر المقاطعين بالكائنات الفايسبوكية المعزولة عن واقع الجماهير وحاول اليسار الانتهازي تبرير المشاركة بالرجوع إلى مقولات لينين لإقناع قواعده واستنتج-في شكل فتوى- إن المشاركة في البرلمان جائزة في فترات جزر الحركة والمقاطعة ممكنة عند مدّ الحركة وتناسى إن هذا اليسار شارك في المجلس التأسيسي الذي كانت مهامه الأساسية إخماد لهيب الانتفاضة كما تناسى أن العديد من أطراف اليسار شاركت في الانتخابات تحت سلطة الجنرال ، واتهم المقاطعة جزافا باصطفافها وراء موقف حزب التحرير والإرهابيين .
لقد اعتبر هذا اليسار أن ما حصل هو "ثورة"- وهي اكبر مغالطة للشعب- وشرع في التنظير إلى أن الأوضاع تغيّرت على كل المستويات وكأن دولة الاستعمار الجديد انتهت وان الائتلاف الطبقي الحاكم تغيّر كذلك ، و قد خلط عمدا بين الدولة التي بقيت قائمة- بجيشها وبوليسها وأجهزتها القضائية والإعلامية وبنيتها التحتية والفوقية..- وبين شكل السلطة الذي تغيّر على مقياس الترويكا كما ورد ذلك في الدستور بحيث وقع اختيار النظام المزدوج برلماني رئاسي مع تقليص صلاحيات الرئيس التي اقتصرت أساسا على الدفاع والسياسة الخارجية واستحوذ البرلمان (والحكومة)على سلطة القرار بما ان الإخوان يشكلون الأغلبية ونصّبوا رئيسا اعتبره الشعب مجرد "طرطور". ويعتمد هذا اليسار على هذا الخلط لتبرير التحالفات المشبوهة والمشاركة إلى جانب أعداء الانتفاضة في "الحوار الوطني" وتزكية حكومة صندوق النقد الدولي وبحجة إزاحة الإخوان يقع التحالف مع التجمعيين في جبهة الإنقاذ كما سبق لحزب العمال ان تحالف مع الإخوان ضد بن علي .
كشفت الأحداث حقيقة هذا اليسار الانتهازي الذي عوض مواصلة "المشوار الثوري" كما يقول انخرط في الوفاق الطبقي مع أعداء الشعب (من المجلس التأسيسي إلى حكومة التكنوقراط) وعوض العمل على عزل من نهبوا خيرات البلاد واستعبدوا العباد فقد أعاد لهم الاعتبار كما سبق له أن بيّض وجه الإخوان (حركة18 أكتوبر ) . ورغم التستّر بمقولات لينين والتظاهر بالثورية فان خط هذا اليسار هو خط التحوّل السلمي و"المصالحة الوطنية" والميثاق الاجتماعي و"التعايش مع التجمعيين والنهضة"حسب قول مرشح الجبهة للرئاسة لذلك فهو ينوّه بتجربة يسار أمريكا اللاتينية و بأليندي سابقا و شافيز حاليا وما أبعد هؤلاء عن لينين الذي كشف عورة الانتهازيين وإفلاس الأممية الثانية .

مستندات المقاطعة و أبعادها
يستمد موقف المقاطعة في الظروف الحالية شرعيته من واقع التناقضات التي تشق المجتمع ووقع تحديدها بعد دراسة طبيعة المجتمع ووضع القوى المنتجة وعلاقات الإنتاج وهي تناقضات موضوعية خارجة عن رغبة الأشخاص حددت الخط الاستراتيجي لمرحلة التحرر الوطني الديمقراطي بحيث لا يمكن الحديث عن تغيير ثوري وتجاوز المرحلة دون حسم المسألة الوطنية والديمقراطية وضبط طرح الديمقراطية الجديدة - الثورة الوطنية الديمقراطية ذات الأفق الاشتراكي-أعداء الشعب: البرجوازية الكمبرادورية والبيروقراطية وملاكي الأراضي الكبار وشدّد على أن التناقض مع هذا الائتلاف الطبقي الحاكم تناقض عدائي لا يمكن حسمه من خلال الحوار على عكس التناقضات التي تشق الطبقات الشعبية والتي تخضع إلى الحوار الصريح والديمقراطي لتوحيد صفوف أصدقاء الشعب.وتعتبر الانتهازية هذه الدراسات والممارسات التي تلتها ضربا من الانعزالية ومجرد تسجيل وتنظير .
كما ينطلق موقف المقاطعة من واقع حركة الطبقات ومطالب الجماهير ودرجة تطور وعيها وتجربتها في الصراع ضد أعدائها المكشوفين والمتسترين ومن مبدأ قار في قانون الصراع الطبقي ألا وهو إضعاف العدو وتفكيك صفوفه تحضيرا لإسقاطه والارتقاء بتجربة الكادحين مع توحيد القوى الثورية في خضم هذا الصراع من اجل التحرر الوطني لذلك فان كل خطوة تندرج في هذا الاتجاه هي خطوة ايجابية تساهم في تحسين أوضاع الجماهير وتقرّب ساعة الخلاص وكل تكتيك أو تحالف أو تقاطع يتعامل مع الأعداء ويعيد لهم الاعتبار أو يبيّض وجوههم و يبرّئ ساحتهم فهو تكتيك خاطئ وانتهازي ولا تدخل كلمة انتهازي هنا في باب الشتم والسب بل هي مصطلح سياسي ينطبق على قيادات الجبهة "الشعبية".
تحاول القيادات الانتهازية التستّر بمقولات ثورية أو نسخ تجارب روسيا أو فينزويلا على الواقع العربي لإقناع قواعدها بان المشاركة في التأسيسي أو البرلمان القادم سيخدم مصلحة الشعب في حين أن هذه القيادات تدرك أن مؤسسات النظام القائم وأجهزة دولة الاستعمار الجديد لن تسنّ أي قانون يخدم مصالح الشعب بل ستواصل خيارات الحكومات السابقة المملاة من قبل الدوائر الاستعمارية الجديدة وسيظل صوت هذه القيادات المتواجدة في التأسيسي لا قيمة له أي مجرد ديكور تتباهى به الرجعية وتعتبره الابن الضال وجزء من الفلكلور الديمقراطي لاغير. وهو بذلك يساهم في مساعدة النظام على الخروج من الازمة واستعادة سيطرته التي تزعزعت بفعل الانتفاضة.

تؤمن القوى الوطنية بمبدأ الاقتراع المباشر والحر حيث يكون الشعب سيد الموقف حرا في اختيار ممثليه وفي إقالتهم عند الضرورة لكن هل ان نظاما قائما على اختيارات معادية لمصالح الشعب قادر على توفير مثل هذه الظروف ؟ بالطبع لا.إن إيهام الناس بان النظام الذي يطبق -ببعض التصرف- ما يتماشى ومصالح الرساميل الأجنبية ويعمل على سن القوانين لفائدة السماسرة وكبار الإقطاعيين ويعد العدة عسكريا لمراقبة الشعب وملاحقة المناضلين يمكنه أن يمنح الأرض والحرية والكرامة الوطنية للشعب, يمثل أكبر مغالطة . لذلك فان مؤسسات النظام "المنتخبة" بصفة "شفافة " عبر انتخابات يتمّ التحكم فيها من عملية التسجيل إلى الاقتراع لن تسمح لأي كان بمعارضة دولة الكمبرادور او التشكيك في جيشها "الوطني" وبوليسها "الجمهوري" وقضائها "المستقل" وإعلامها "المحايد" ...
إن مجلس نواب الشعب- كما يدلّ عليه اسمه- يمثل اغلب الفئات الشعبية من عمال وفلاحين وموظفين وحرفيين وتجار وصناعيين وطنيين...أما البرلمان المرتقب فقد وضع له دستور وقانون انتخابي على قياس الاستقطاب الثنائي تتنافس فيه أحزاب رجعية بالأساس ومعارضة ديكور تدّعي أنها ستقوم بالدعاية الثورية في معقل الرجعية والعمالة وستستغل تناقضات الرجعية لتحوّل الإخوانجي إلى ديمقراطي والعميل إلى وطني.
لقد اختارت قيادات الجبهة "الشعبية" طريق المساومة والمصالحة مع الأعداء والتظاهر بتبني قضايا الشغالين واخترنا طريق النضال وفضح السياسات اللاوطنية والمقاومة إلى جانب أبناء الشعب الذين يتم تهميشهم .
إن طرح التحوّل السلمي والتداول على السلطة فيما بين الأحزاب الرجعية أو الاشتراكية الديمقراطية كما هو الحال في البلدان الرأسمالية طرح رجعي ولّى عهده وافتضح أمر الديمقراطية البرجوازية وديمقراطية الاستعمار الجديد أما أطروحة الصراع الطبقي والنضال الوطني فإنها أطروحة ثورية تساهم في الارتقاء بوعي الجماهير وتجربتها وتعتبر البرلمان شكلا من أشكال التسوية الوقتية بين القديم المنهار والذي لم يعد يقدر على قمع الجديد وبين الجديد الصاعد والذي لا يقدر بعد على الإطاحة بالقديم... إن تجربة التأسيسي الفاشلة والوعود الزائفة والتملق السياسي يملي
على ابسط "مواطن" رفض تزكية انتخابات يكون هدفها الأساسي إضفاء الشرعية على النظام واعتبار مؤسسات الدولة مؤسسات وطنية مستقلة لا تخضع لأوامر الدوائر الامبريالية .
ماذا تعني المقاطعة إذا ؟
إن المقاطعة مقاومة وليست مساومة إنها صمود ومواجهة وليس انتحارا أو استسلاما لخيارات الائتلاف الحاكم وبغض النظر عن حجم المقاطعة فإنها خطوة إلى الأمام لأنها تمثل الجديد وتنير طريق الثورة بدحضها لمفهوم البرلمان البرجوازي وديمقراطية الاستعمار الجديد.
لقد قاطع الناخبون عملية التسجيل وقد يقاطع آخرون- من وقع تسجيلهم آليا- وهي وإن كانت مقاطعة عفوية وسلبية فإنها تبيّن أن أكثر من نصف الناخبين فهموا بأنه لا فائدة في الانتخاب بما أن نواب الأحزاب لن يدافعوا عن مطالبهم.
تعني المقاطعة أيضا فضح حقيقة مسرحية الانتخابات في أشباه المستعمرات مهما اختلفت الأشكال ولنا بعد الانتفاضة مثال التأسيسي في تونس ومصر والجزائر حيث كانت المقاطعة جماهيرية وهي وإن استهان بها البعض واتهمها بنوع من الاستقالة والوقوف على الربوة فإنها تمثل تراكما ايجابيا في وعي الجماهير وتجربتها في رفض القوانين الموضوعة على قياس العملاء الذين يتحكمون في النتائج.
تدرّب المقاطعة الجماهير مهما كانت درجة انخراطها على نبذ الأوهام البرلمانية وأطروحة التعايش السلمي بين الشعوب المضطهدة والاستعماريين الجدد وترسم طريق الثورة- طريق النضال ضد الاستعمار وعملائه وليس نهج المساومة والتسوية والاعتراف بمؤسسات منصّبة يقتصر دورها على تزكية الخيارات اللاشعبية .
تهدف المقاطعة كذلك إلى تبيان أن البرلمان المرتقب مهما خطب فيه الانتهازيون لن يعمل على تحسين أحوال الجماهير بل هدفه الأساسي إضفاء"الشرعية القانونية "على مؤسسات لاوطنية وإضعاف حركة الجماهير وتفكيك صفوف الثوريين وعزلهم بكل الطرق بما في ذلك الاندساس و ضرب القلاع من الداخل .
إن المقاطعة هي مقاومة نزعة الإحباط التي تريد الرجعية زرعها في نفوس الناخبين من خلال إيهامهم بان لاحلّ لهم سوى المشاركة الشكلية وترقّب عطف السلطة لان السلطة -حسب زعمها - أقوى من الجميع بجيشها وبوليسها وأجهزة دولتها ومساندة الامبريالية لها ولا احد يقدر على زحزحتها أو معارضة مشاريعها النهابة وإن انتفض الشعب فان الدولة قادرة على المناورة وترميم أجهزتها-لذلك فان دور المقاطعة يكمن في تعرية سياسة التخويف والخوف والترهيب التي تسلكها الطبقات الحاكمة والتي تضع الشعب أمام خيارين :إما تزكية عملاء الماضي والعملاء الجدد الذين عاثوا في البلاد فسادا أو التعرّض إلى خطر الإرهاب الذي هوعلى الأبواب وستتحوّل تونس بذلك إلى ليبيا أو سوريا جديدة ...
تفضح المقاطعة التيارات الانتهازية التي تبرّر مشاركتها في الظروف الحالية بواقع الجزر وشراسة الهجوم الامبريالي الرجعي وهي في الحقيقة تساهم في تأبيد النظام الاستعماري الجديد وتعقد الصفقات مع السلطة على حساب مصالح الكادحين وتهاجم في الآن نفسه كل الوطنيين والديمقراطيين الذين يعارضونها وتنعتهم بالتطرف والانعزالية والإرهاب الخ من التهم من اجل تغطية مواقفها الانتهازية .
تبيّن المقاطعة أن النضال الفعلي من أجل الاستقلال والديمقراطية ومن اجل انتخابات شعبية حرة يمرّ حتما عبر المشاركة الجماهيرية الفعلية في تقرير المصير لان الجماهير تظل صانعة التاريخ وإن حاولت الأنظمة الرجعية عرقلة مسيرتها فان قلب موازين القوى لن يتم من خلال مثل هذه الانتخابات المفصّلة على قياس بعض الاحزاب بل من خلال تراكمات عدة تفضي إلى اخذ الجماهير مصيرها بيدها إلى جانب القوى الثورية المدعوة دوما إلى حسم خلافاتها لكسب ثقة الشعب الكادح .
تهدف المقاطعة كذلك الى اعادة الاعتبار لمفهوم الديمقراطية والتشديد على ان التعددية لاتعني بالضرورة ديمقراطية كما ان الديمقراطية ليست منحصرة في انتخابات وضعت لها قوانين مصلحية ضيقة لان الديمقراطية مرتبطة بالمسألة الوطنية وكلنا يعرف ان الاحزاب الفوقية لاعلاقة لها بالقضية الوطنية ولابالديمقراطية بما انها تمارس البيروقراطية وتطبّق منطق الولاءات الشخصية فتعزل من يخالفها الراي(راجع كل الانشقاقات والاستقالات التي طالت جل الاحزاب)
إن المعركة الحقيقية التي يجب خوضها هو إنجاح المقاطعة من خلال تحديد محتوى الدعاية وأشكال النضال المناسبة للطاقات وللظروف الحالية بهدف تدريب الجماهير على تنظيم صفوفها والارتقاء بتجربتها وبناء مؤسساتها على أنقاض مؤسسات الدولة المنصّبة.
إن المقاطعة لا يمكن لها أن تنجح دون إيجاد إطار مشترك بين كل القوى الثورية التي أعلنت مقاطعتها لهذه الانتخابات واختارت طريق النضال وليس نهج بيع الأوهام وإغراء الناخبين بوعود زائفة سبق وان أطلقتها خلال حملة التأسيسي ثم تنكرت لتعهداتها وقد عايش أبناء الشعب نكث السياسيين لعهودهم والتزاماتهم الأخلاقية.
خاتمة
حققت الانتفاضة تراكمات جد ايجابية ومكاسب لن تقدر السلطة القادمة على محوها بجرّة قلم مهما ناورت وتظاهرت بتحقيق "أهداف الثورة" والأكيد أنها ستضع هذه المعطيات في الحسبان وتحاول تدريجيا التراجع على كل المكاسب لكن واقع حركة الطبقات من جهة وتصدع صفوف الرجعية من جهة أخرى لن يخوّل لها التخلص بسهولة من كل التراكمات الحاصلة على مستوى الحركة الجماهيرية عموما وصلب القوى الثورية التي رغم التشرذم والتشتت ظلت متمسكة بمبدأ الصراع الطبقي والنضال الوطني.
ورغم عودة الدساترة والتجمعيين بقوة اثر إسقاط قانون الإقصاء ورغم إمكانياتهم المالية الهائلة محليا وخارجيا تظل صفوفهم مفككة تنخرهم صراعات عدة حالت دون تقدمهم ككتلة متجانسة واتضح ذلك في صفوف "النداء" الذي عجز عن عقد مؤتمره والتجأ إلى طرد بعض العناصر كما أن الحركة الدستورية تعاني هي الأخرى من خلافات حادة وتحمل معها تركة بن علي ووزرائه اما احزاب الترويكا فلن تعرف نفس النسب السابقة حتى وإن تفننت كالعادة في طرق التزوير وذلك نظرا لكل الاضرارالتي لحقت بابناء الشعب من جراء سياستها الفاشلة التي ادت الى رش اهالي سليانة ومحاكمة شباب الانتفاضة والاغتيال السياسي والارهاب...
ومهما كانت نتائج الانتخابات(وسيلعب التصويت العقاب دورا هاما) فان القانون الانتخابي سيسمح للاحزاب الكبرى-وهي احزاب رجعية- بالتواجد فأول حزب سيتحصل على 30 بالمائة على اقصى تقدير والثاني اقل الخ والاحزاب الصغرى ستغنم اكبر البقايا وستجبر الاحزاب الى تشكيل ائتلاف للحصول على الاغلبية ومن المرتقب حسب المعطيات ان تعمل الحركة الدستورية في صورة تواجدها في المجلس على تشكيل "الحزب الدستوي الموحد"كما صرح بذلك حامد القروي والتحالف مع النداء وسيعمل النداء بدوره على استمالة اليسار واحياء "الاتحاد من اجل تونس "وجبهة الانقاذ" وفي المقابل سيعمل الاخوان على ايجاد كتل جديدة على غرار الترويكا وبذلك لن يكون البرلمان متجانسا وهو ما يعني انه رغم تجاوز المرحلة الانتقالية فان السلطة تظل هشة وإذا علمنا حسب المعطيات الميدانية أن الجماهير لها مطالب عدة متراكمة لم يقع تحقيقها بحجة المرحلة الانتقالية فان المواجهات لن تعرف الهدوء.
ويطرح هذا الوضع من جديد ضرورة تأهب القوى الثورية واستعدادها لدعم التحركات المقبلة التي قد تفجّر الأوضاع الاجتماعية من جديد خاصة أن المجلس القادم ليس له أي حلّ عدا تطبيق توصيات البنك العالمي وصندوق النقد الدولي التي وردت في تقريره الأخير حول تونس (التفويت والخوصصة- الطرد والبطالة-الترفيع في الأسعار والتراجع عن المكاسب والقائمة طويلة...)
ونظرا لإمكانية حصول انفجارات وتفكك في صفوف السلطة التي لم تعد قادرة على الحكم بالطرق القديمة فان القوى الثورية المقاطعة للانتخابات مدعوة مجددا إلى فتح الحوار والتشاور حول محتوى الدعاية وتوحيد أشكال النضال والتنظيم وإيجاد أطر قارة للحوار تمهد طريق الوحدة الثورية وتوفر للشعب قيادة صامدة قادرة على إدارة الصراع الطبقي وتسليح الجماهير بطرح الديمقراطية الجديدة حتى لا تظل ضحية الوعود التي تقدمها الرجعية أو الأوهام التي تبثها القوى الانتهازية.
ملاحظة: ندعو كل القوى الثورية الى الاسراع في ايجاد اطر تناقش محتوى "حملة الدعاية للمقاطعة" وتحديد الشعارات واشكال النضال والتنظيم.

تونس 19 سبتمبر 2014




الانتخابات التشريعية والرئاسية في تونس

ستجرى الانتخابات التشريعية في تونس يوم 26 أكتوبر على أن يتم التصريح بالنتائج الأولية يوم 30 أكتوبر وبلغ عدد القائمات المترشّحة حوالي 1400 قائمة وهو عدد غير نهائي في انتظار التثبت ثم الطعون وتمثل القائمات الحزبية 60 بالمائة و"المستقلة" 28 بالمائة و11بالمائة بالنسبة للقائمات الائتلافية وتتصدر قفصة في ترتيب الدوائر(27 في الجملة) المرتبة الأولى ب81 قائمة والمرتبة الأخيرة لتطاوين ب27 قائمة.(مع العلم أن حزب الأصالة السلفي تقدم ب4 قوائم متواجدة في القيروان وقابس ومدنين وتطاوين )
وتجدر الإشارة إلى أن معظم الأحزاب المتواجدة في التأسيسي جددت ثقتها في أغلب نوابها وهو ما قد يؤدي إلى عودة عدد كبير من الأسماء التي أثثت التأسيسي(النهضة حافظت على كل الأسماء البارزة- آفاق تونس قرر التجديد لكل نوابه- التحالف الديمقراطي والتكتل كذلك...) أما النواب الذين تخلّت عنهم أحزابهم فقد قرروا تشكيل قائمات "مستقلة" وبذلك سيتمتع رؤساء قائمات الأحزاب الكبرى بحظوظ وافرة نظرا لارتباطهم الوثيق "باللوبي المالي" من جهة ووجهاء القبائل والعشائر من جهة أخرى وفي هذا الإطار صرّح رئيس قائمة التحالف الديمقراطي في القصرين -احمد بوعزي ، استاذ جامعي-:" اعتمدنا التناصف القبلي والعشائري في ترتيب الأسماء: الأولى توزعت بين الفراشيش وماجر وأولاد سيدي تليل وهي المكونات الرئيسية للمجتمع القصريني"(الشروق 17 اوت 2014 ص 8) (هكذا يتحدث استاذ جامعي؟؟؟) أما الأحزاب الأخرى فستفوز بأكبر البقايا وستتمتع كل قائمة بدعم من المال العام يتراوح بين 6 و9 آلاف دينارا .
أما الانتخابات الرئاسية فستكون في 23 نوفمبر على أن يتم التصريح بالنتائج النهائية في 21 ديسمبر 2014 وضبط آخر أجل للدورة الثانية يوم 28 ديسمبر والملفت للانتباه هو ارتفاع عدد المترشحين المحتملين والذي بلغ عددهم ال40 رغم وجود شروط التزكية :10 نواب من التأسيسي أو 10 آلاف تزكية أو 40 من رؤساء مجالس الجماعات المحلية المنتخبة ورصد 10آلاف دينار في الخزينة العامة وسينتفع كل مترشح بمبلغ مالي قدره 79 ألف دينارا لخوض حملته الانتخابية .(الى حد الان23 مترشح رسميا)
فما هي حقيقة هذه الانتخابات التي عجزت على تنظيمها الحكومات الأربعة المتعاقبة والتي لم تر النور إلا بعد خارطة الطريق المنبثقة عن "الحوار الوطني "؟ وهل أن أوضاع الجماهير ستعرف تحسنا اثر دفن "المؤقت" الذي دام أكثر من 3 سنوات؟ وما هو الموقف من اليسار المشارك واليسار المقاطع (مع التأكيد على إن المقاطعة من منطلقات وطنية ديمقراطية لاعلاقة لها بالمقاطعة الرجعية أمثال حزب التحرير وأنصار الشريعة...)سنحاول الإجابة انطلاقا من حركة الطبقات وواقع الصراع الطبقي وتناحر الرجعيين على الكرسي بمعزل عن مصالح الشعب الكادح وتطلعاته.

المناخ الانتخابي
اتسمت فترة ما بعد الانتفاضة بصراعات محمومة صلب الكتل الرجعية بلغت عتبة الحرب الأهلية وتشغيل الجماعات الإرهابية للضغط على الخصوم ورغم الاقتتال الرجعي فان الجميع متفق على إخماد نار الانتفاضة وتهميش النضالات الشعبية بهدف إعادة الاعتبار "لهيبة" دولة الاستعمار الجديدة. وتدخلت السفارات الأوروبية والأمريكية أكثر من مرة فتقابل السبسي (النداء) مع الغنوشي (النهضة) وزار حمة الهمامي (الجبهة) السفير الأمريكي واستقبله في مقر حزبه ...وحضرت المعارضة في أكثر من حفل لتفضي كل هذه اللقاءات إلى ما سمي بالحوار الوطني والحكومة الخامسة "المحايدة"وخارطة الطريق التي لم يتم إلى حد الآن تطبيق كل بنودها.وتستّر الفاعلون في التأسيسي والحكومة بمقولة "مؤقت" لتبرير عجزهم على تحقيق بعض المطالب في حين شرّعوا نهب الخيرات وبيع المؤسسات وتزكية الزيادات في كل المواد الأساسية تقريبا.
تفطنت الجماهير إلى أن المجلس التأسيسي خدعة أوتي به لضرب مطالب الانتفاضة وان الحكومات المتتالية تعاملت مع المنصب باعتباره غنيمة مما زاد في غضب الجماهير الذي تجسد في العديد من الإضرابات والاعتصامات وعبر التصريحات في وسائل الإعلام :" عن أي نواب تتكلمون ثلاث سنوات همشنا فقرنا فقئت عيون أبنائنا ...م.ق" فقدت الثقة في السياسيين وفقد اغلب السكان في الجهة ثقتهم في الأحزاب والنواب"(-الشروق 7اوت)...
ستنطلق الحملة الانتخابية إذا في جوّ يتّسم بغضب الجماهير والشعور بالإحباط لدى شباب الانتفاضة من جهة وتناحر الأحزاب الرجعية والانتهازية من جهة أخرى.
فقد تجسّد الرفض الشعبي في مقاطعة التسجيل فرغم التمديد مرتين في الآجال فان العدد لم يتجاوز 631 ألف حسب منظمة عتيد التي تعتبر ذلك إخفاقا واضحا وبذلك يمثل العدد النهائي باحتساب المسجلين سابقا مابين 48 و50بالمائة من جملة الناخبين البالغ عددهم ما يقارب 8 ملايين هذا مع العلم أن بعض المسجلين آليا سابقا قد لا يشاركون في الاقتراع. كما عبّرت العديد من الفئات الشبابية عن نية مقاطعة هذه الانتخابات بما أن "الحسبة محسوبة واللعبة ملعوبة" حسب تعبير أحد الشبان وان التناحر صلب الأحزاب وفيما بينهم يبيّن أن الهدف هو الكرسي وليس مطالب الشعب والجهات المهمشة التي لم تصلها التنمية رغم الوعود.
المال السياسي والتخلّف العشائري
حسب الأرقام الرسمية فان التهريب أو "الكونترا" يمثل أكثر من 40 بالمائة من الاقتصاد مما يعني ان قرابة نصف الموارد المالية تذهب لأشخاص غير خاضعين للمراقبة وقد شجّع قانون المالية التكميلي التهريب ودعمه بعد ترفيعه في الأداء الجمركي فلا يعني هذا الوضع غير أمر واحد ووحيد وهو التواطؤ لان أذرع التهريب موجودة داخل الدولة ورغم احتجاج بعض الأصوات فانه من الصعب جدا آنيا مراقبة التمويل الخارجي والمتأتي من التهريب وتبييض الأموال والتجارة الموازية وستستعمل هذه الأموال المخزونة في الحملات الانتخابية وفي شراء الذمم هذا فضلا عن المال السياسي المصرّح به أو المسكوت عنه والمتأتي من سماسرة وأعراف مترشحين للانتخابات.
وقد دخل المال السياسي في لعبة الإعداد للانتخابات انطلاقا من صياغة القانون إلى تنصيب الهيأة العليا "المستقلة" والتي اتهمتها بعض الجمعيات بالتواطؤ مع أطراف سياسية مرورا بهيئات الفروع ووصولا إلى التزكية التي تحوّلت إلى "سوق ودلاّل" ومزايدات بعدد الإمضاءات (سليم الرياحي مثلا اكثر من120 ألف إمضاء – مصطفى كمال النابلي (البنك المركزي سابقا) 40 ألف إمضاء-منذر الزنايدي,تجمعي ووزير بن علي 60ألف تزكية...)
لعب المال الفاسد دوره في المعامل والمؤسسات والأحياء والأرياف ووقع إحياء العروشية لتجميع الأصوات وتنشيط المنظمات الشبابية والشعب الدستورية المنحلة والجمعيات التي يقارب عددها 17 ألف والتي تنشط قانونيا بصفة "مستقلة" لكنها منحازة في الواقع لهذا الطرف أو ذاك.كما نشط الإعلام الرسمي ومؤسسات سبر الآراء لتزيين وجه هذا الطرف وانتقاد الآخر ولا يكاد يمر يوم دون ان تتواتر فيه الأخبار عن صراعات وانشقاقات واستقالات والتراشق بالتهم وتهديدات بكشف للمستور في جل الأحزاب تقريبا ويظل الجدال العقيم بعيدا كل البعد عن مشاغل الشعب وطموحاته.
أين أبناء الشعب إذا من كل هذه الاستعدادات للانتخابات؟ يظل الشعب بدون مال فقير الحال ضحية الفكر السائد وغير منظم وبالتالي غير قادر على المواجهة المنظمة يشعر بالمرارة إزاء خيانات الأحزاب لأبسط مطالبه مثل الحق في الشغل والصحة والتعليم والتنمية...

حوار "وطني" أم نضال وطني؟
تحوّل سلمي أم تغيير ثوري؟
راح منظرو الجبهة "الشعبية" في شن حملات ضد دعاة المقاطعة واعتبر البعض إن المقاطعة انتحار وتخريب للعقول وضرب من الانعزالية الثورجية تكتفي بتسجيل الموقف والتنظير دون الفعل في الواقع ونعت البعض الآخر المقاطعين بالكائنات الفايسبوكية المعزولة عن واقع الجماهير وحاول اليسار الانتهازي تبرير المشاركة بالرجوع إلى مقولات لينين لإقناع قواعده واستنتج-في شكل فتوى- إن المشاركة في البرلمان جائزة في فترات جزر الحركة والمقاطعة ممكنة عند مدّ الحركة وتناسى إن هذا اليسار شارك في المجلس التأسيسي الذي كانت مهامه الأساسية إخماد لهيب الانتفاضة كما تناسى أن العديد من أطراف اليسار شاركت في الانتخابات تحت سلطة الجنرال ، واتهم المقاطعة جزافا باصطفافها وراء موقف حزب التحرير والإرهابيين .
لقد اعتبر هذا اليسار أن ما حصل هو "ثورة"- وهي اكبر مغالطة للشعب- وشرع في التنظير إلى أن الأوضاع تغيّرت على كل المستويات وكأن دولة الاستعمار الجديد انتهت وان الائتلاف الطبقي الحاكم تغيّر كذلك ، و قد خلط عمدا بين الدولة التي بقيت قائمة- بجيشها وبوليسها وأجهزتها القضائية والإعلامية وبنيتها التحتية والفوقية..- وبين شكل السلطة الذي تغيّر على مقياس الترويكا كما ورد ذلك في الدستور بحيث وقع اختيار النظام المزدوج برلماني رئاسي مع تقليص صلاحيات الرئيس التي اقتصرت أساسا على الدفاع والسياسة الخارجية واستحوذ البرلمان (والحكومة)على سلطة القرار بما ان الإخوان يشكلون الأغلبية ونصّبوا رئيسا اعتبره الشعب مجرد "طرطور". ويعتمد هذا اليسار على هذا الخلط لتبرير التحالفات المشبوهة والمشاركة إلى جانب أعداء الانتفاضة في "الحوار الوطني" وتزكية حكومة صندوق النقد الدولي وبحجة إزاحة الإخوان يقع التحالف مع التجمعيين في جبهة الإنقاذ كما سبق لحزب العمال ان تحالف مع الإخوان ضد بن علي .
كشفت الأحداث حقيقة هذا اليسار الانتهازي الذي عوض مواصلة "المشوار الثوري" كما يقول انخرط في الوفاق الطبقي مع أعداء الشعب (من المجلس التأسيسي إلى حكومة التكنوقراط) وعوض العمل على عزل من نهبوا خيرات البلاد واستعبدوا العباد فقد أعاد لهم الاعتبار كما سبق له أن بيّض وجه الإخوان (حركة18 أكتوبر ) . ورغم التستّر بمقولات لينين والتظاهر بالثورية فان خط هذا اليسار هو خط التحوّل السلمي و"المصالحة الوطنية" والميثاق الاجتماعي و"التعايش مع التجمعيين والنهضة"حسب قول مرشح الجبهة للرئاسة لذلك فهو ينوّه بتجربة يسار أمريكا اللاتينية و بأليندي سابقا و شافيز حاليا وما أبعد هؤلاء عن لينين الذي كشف عورة الانتهازيين وإفلاس الأممية الثانية .

مستندات المقاطعة و أبعادها
يستمد موقف المقاطعة في الظروف الحالية شرعيته من واقع التناقضات التي تشق المجتمع ووقع تحديدها بعد دراسة طبيعة المجتمع ووضع القوى المنتجة وعلاقات الإنتاج وهي تناقضات موضوعية خارجة عن رغبة الأشخاص حددت الخط الاستراتيجي لمرحلة التحرر الوطني الديمقراطي بحيث لا يمكن الحديث عن تغيير ثوري وتجاوز المرحلة دون حسم المسألة الوطنية والديمقراطية وضبط طرح الديمقراطية الجديدة - الثورة الوطنية الديمقراطية ذات الأفق الاشتراكي-أعداء الشعب: البرجوازية الكمبرادورية والبيروقراطية وملاكي الأراضي الكبار وشدّد على أن التناقض مع هذا الائتلاف الطبقي الحاكم تناقض عدائي لا يمكن حسمه من خلال الحوار على عكس التناقضات التي تشق الطبقات الشعبية والتي تخضع إلى الحوار الصريح والديمقراطي لتوحيد صفوف أصدقاء الشعب.وتعتبر الانتهازية هذه الدراسات والممارسات التي تلتها ضربا من الانعزالية ومجرد تسجيل وتنظير .
كما ينطلق موقف المقاطعة من واقع حركة الطبقات ومطالب الجماهير ودرجة تطور وعيها وتجربتها في الصراع ضد أعدائها المكشوفين والمتسترين ومن مبدأ قار في قانون الصراع الطبقي ألا وهو إضعاف العدو وتفكيك صفوفه تحضيرا لإسقاطه والارتقاء بتجربة الكادحين مع توحيد القوى الثورية في خضم هذا الصراع من اجل التحرر الوطني لذلك فان كل خطوة تندرج في هذا الاتجاه هي خطوة ايجابية تساهم في تحسين أوضاع الجماهير وتقرّب ساعة الخلاص وكل تكتيك أو تحالف أو تقاطع يتعامل مع الأعداء ويعيد لهم الاعتبار أو يبيّض وجوههم و يبرّئ ساحتهم فهو تكتيك خاطئ وانتهازي ولا تدخل كلمة انتهازي هنا في باب الشتم والسب بل هي مصطلح سياسي ينطبق على قيادات الجبهة "الشعبية".
تحاول القيادات الانتهازية التستّر بمقولات ثورية أو نسخ تجارب روسيا أو فينزويلا على الواقع العربي لإقناع قواعدها بان المشاركة في التأسيسي أو البرلمان القادم سيخدم مصلحة الشعب في حين أن هذه القيادات تدرك أن مؤسسات النظام القائم وأجهزة دولة الاستعمار الجديد لن تسنّ أي قانون يخدم مصالح الشعب بل ستواصل خيارات الحكومات السابقة المملاة من قبل الدوائر الاستعمارية الجديدة وسيظل صوت هذه القيادات المتواجدة في التأسيسي لا قيمة له أي مجرد ديكور تتباهى به الرجعية وتعتبره الابن الضال وجزء من الفلكلور الديمقراطي لاغير. وهو بذلك يساهم في مساعدة النظام على الخروج من الازمة واستعادة سيطرته التي تزعزعت بفعل الانتفاضة.

تؤمن القوى الوطنية بمبدأ الاقتراع المباشر والحر حيث يكون الشعب سيد الموقف حرا في اختيار ممثليه وفي إقالتهم عند الضرورة لكن هل ان نظاما قائما على اختيارات معادية لمصالح الشعب قادر على توفير مثل هذه الظروف ؟ بالطبع لا.إن إيهام الناس بان النظام الذي يطبق -ببعض التصرف- ما يتماشى ومصالح الرساميل الأجنبية ويعمل على سن القوانين لفائدة السماسرة وكبار الإقطاعيين ويعد العدة عسكريا لمراقبة الشعب وملاحقة المناضلين يمكنه أن يمنح الأرض والحرية والكرامة الوطنية للشعب, يمثل أكبر مغالطة . لذلك فان مؤسسات النظام "المنتخبة" بصفة "شفافة " عبر انتخابات يتمّ التحكم فيها من عملية التسجيل إلى الاقتراع لن تسمح لأي كان بمعارضة دولة الكمبرادور او التشكيك في جيشها "الوطني" وبوليسها "الجمهوري" وقضائها "المستقل" وإعلامها "المحايد" ...
إن مجلس نواب الشعب- كما يدلّ عليه اسمه- يمثل اغلب الفئات الشعبية من عمال وفلاحين وموظفين وحرفيين وتجار وصناعيين وطنيين...أما البرلمان المرتقب فقد وضع له دستور وقانون انتخابي على قياس الاستقطاب الثنائي تتنافس فيه أحزاب رجعية بالأساس ومعارضة ديكور تدّعي أنها ستقوم بالدعاية الثورية في معقل الرجعية والعمالة وستستغل تناقضات الرجعية لتحوّل الإخوانجي إلى ديمقراطي والعميل إلى وطني.
لقد اختارت قيادات الجبهة "الشعبية" طريق المساومة والمصالحة مع الأعداء والتظاهر بتبني قضايا الشغالين واخترنا طريق النضال وفضح السياسات اللاوطنية والمقاومة إلى جانب أبناء الشعب الذين يتم تهميشهم .
إن طرح التحوّل السلمي والتداول على السلطة فيما بين الأحزاب الرجعية أو الاشتراكية الديمقراطية كما هو الحال في البلدان الرأسمالية طرح رجعي ولّى عهده وافتضح أمر الديمقراطية البرجوازية وديمقراطية الاستعمار الجديد أما أطروحة الصراع الطبقي والنضال الوطني فإنها أطروحة ثورية تساهم في الارتقاء بوعي الجماهير وتجربتها وتعتبر البرلمان شكلا من أشكال التسوية الوقتية بين القديم المنهار والذي لم يعد يقدر على قمع الجديد وبين الجديد الصاعد والذي لا يقدر بعد على الإطاحة بالقديم... إن تجربة التأسيسي الفاشلة والوعود الزائفة والتملق السياسي يملي
على ابسط "مواطن" رفض تزكية انتخابات يكون هدفها الأساسي إضفاء الشرعية على النظام واعتبار مؤسسات الدولة مؤسسات وطنية مستقلة لا تخضع لأوامر الدوائر الامبريالية .
ماذا تعني المقاطعة إذا ؟
إن المقاطعة مقاومة وليست مساومة إنها صمود ومواجهة وليس انتحارا أو استسلاما لخيارات الائتلاف الحاكم وبغض النظر عن حجم المقاطعة فإنها خطوة إلى الأمام لأنها تمثل الجديد وتنير طريق الثورة بدحضها لمفهوم البرلمان البرجوازي وديمقراطية الاستعمار الجديد.
لقد قاطع الناخبون عملية التسجيل وقد يقاطع آخرون- من وقع تسجيلهم آليا- وهي وإن كانت مقاطعة عفوية وسلبية فإنها تبيّن أن أكثر من نصف الناخبين فهموا بأنه لا فائدة في الانتخاب بما أن نواب الأحزاب لن يدافعوا عن مطالبهم.
تعني المقاطعة أيضا فضح حقيقة مسرحية الانتخابات في أشباه المستعمرات مهما اختلفت الأشكال ولنا بعد الانتفاضة مثال التأسيسي في تونس ومصر والجزائر حيث كانت المقاطعة جماهيرية وهي وإن استهان بها البعض واتهمها بنوع من الاستقالة والوقوف على الربوة فإنها تمثل تراكما ايجابيا في وعي الجماهير وتجربتها في رفض القوانين الموضوعة على قياس العملاء الذين يتحكمون في النتائج.
تدرّب المقاطعة الجماهير مهما كانت درجة انخراطها على نبذ الأوهام البرلمانية وأطروحة التعايش السلمي بين الشعوب المضطهدة والاستعماريين الجدد وترسم طريق الثورة- طريق النضال ضد الاستعمار وعملائه وليس نهج المساومة والتسوية والاعتراف بمؤسسات منصّبة يقتصر دورها على تزكية الخيارات اللاشعبية .
تهدف المقاطعة كذلك إلى تبيان أن البرلمان المرتقب مهما خطب فيه الانتهازيون لن يعمل على تحسين أحوال الجماهير بل هدفه الأساسي إضفاء"الشرعية القانونية "على مؤسسات لاوطنية وإضعاف حركة الجماهير وتفكيك صفوف الثوريين وعزلهم بكل الطرق بما في ذلك الاندساس و ضرب القلاع من الداخل .
إن المقاطعة هي مقاومة نزعة الإحباط التي تريد الرجعية زرعها في نفوس الناخبين من خلال إيهامهم بان لاحلّ لهم سوى المشاركة الشكلية وترقّب عطف السلطة لان السلطة -حسب زعمها - أقوى من الجميع بجيشها وبوليسها وأجهزة دولتها ومساندة الامبريالية لها ولا احد يقدر على زحزحتها أو معارضة مشاريعها النهابة وإن انتفض الشعب فان الدولة قادرة على المناورة وترميم أجهزتها-لذلك فان دور المقاطعة يكمن في تعرية سياسة التخويف والخوف والترهيب التي تسلكها الطبقات الحاكمة والتي تضع الشعب أمام خيارين :إما تزكية عملاء الماضي والعملاء الجدد الذين عاثوا في البلاد فسادا أو التعرّض إلى خطر الإرهاب الذي هوعلى الأبواب وستتحوّل تونس بذلك إلى ليبيا أو سوريا جديدة ...
تفضح المقاطعة التيارات الانتهازية التي تبرّر مشاركتها في الظروف الحالية بواقع الجزر وشراسة الهجوم الامبريالي الرجعي وهي في الحقيقة تساهم في تأبيد النظام الاستعماري الجديد وتعقد الصفقات مع السلطة على حساب مصالح الكادحين وتهاجم في الآن نفسه كل الوطنيين والديمقراطيين الذين يعارضونها وتنعتهم بالتطرف والانعزالية والإرهاب الخ من التهم من اجل تغطية مواقفها الانتهازية .
تبيّن المقاطعة أن النضال الفعلي من أجل الاستقلال والديمقراطية ومن اجل انتخابات شعبية حرة يمرّ حتما عبر المشاركة الجماهيرية الفعلية في تقرير المصير لان الجماهير تظل صانعة التاريخ وإن حاولت الأنظمة الرجعية عرقلة مسيرتها فان قلب موازين القوى لن يتم من خلال مثل هذه الانتخابات المفصّلة على قياس بعض الاحزاب بل من خلال تراكمات عدة تفضي إلى اخذ الجماهير مصيرها بيدها إلى جانب القوى الثورية المدعوة دوما إلى حسم خلافاتها لكسب ثقة الشعب الكادح .
تهدف المقاطعة كذلك الى اعادة الاعتبار لمفهوم الديمقراطية والتشديد على ان التعددية لاتعني بالضرورة ديمقراطية كما ان الديمقراطية ليست منحصرة في انتخابات وضعت لها قوانين مصلحية ضيقة لان الديمقراطية مرتبطة بالمسألة الوطنية وكلنا يعرف ان الاحزاب الفوقية لاعلاقة لها بالقضية الوطنية ولابالديمقراطية بما انها تمارس البيروقراطية وتطبّق منطق الولاءات الشخصية فتعزل من يخالفها الراي(راجع كل الانشقاقات والاستقالات التي طالت جل الاحزاب)
إن المعركة الحقيقية التي يجب خوضها هو إنجاح المقاطعة من خلال تحديد محتوى الدعاية وأشكال النضال المناسبة للطاقات وللظروف الحالية بهدف تدريب الجماهير على تنظيم صفوفها والارتقاء بتجربتها وبناء مؤسساتها على أنقاض مؤسسات الدولة المنصّبة.
إن المقاطعة لا يمكن لها أن تنجح دون إيجاد إطار مشترك بين كل القوى الثورية التي أعلنت مقاطعتها لهذه الانتخابات واختارت طريق النضال وليس نهج بيع الأوهام وإغراء الناخبين بوعود زائفة سبق وان أطلقتها خلال حملة التأسيسي ثم تنكرت لتعهداتها وقد عايش أبناء الشعب نكث السياسيين لعهودهم والتزاماتهم الأخلاقية.
خاتمة
حققت الانتفاضة تراكمات جد ايجابية ومكاسب لن تقدر السلطة القادمة على محوها بجرّة قلم مهما ناورت وتظاهرت بتحقيق "أهداف الثورة" والأكيد أنها ستضع هذه المعطيات في الحسبان وتحاول تدريجيا التراجع على كل المكاسب لكن واقع حركة الطبقات من جهة وتصدع صفوف الرجعية من جهة أخرى لن يخوّل لها التخلص بسهولة من كل التراكمات الحاصلة على مستوى الحركة الجماهيرية عموما وصلب القوى الثورية التي رغم التشرذم والتشتت ظلت متمسكة بمبدأ الصراع الطبقي والنضال الوطني.
ورغم عودة الدساترة والتجمعيين بقوة اثر إسقاط قانون الإقصاء ورغم إمكانياتهم المالية الهائلة محليا وخارجيا تظل صفوفهم مفككة تنخرهم صراعات عدة حالت دون تقدمهم ككتلة متجانسة واتضح ذلك في صفوف "النداء" الذي عجز عن عقد مؤتمره والتجأ إلى طرد بعض العناصر كما أن الحركة الدستورية تعاني هي الأخرى من خلافات حادة وتحمل معها تركة بن علي ووزرائه اما احزاب الترويكا فلن تعرف نفس النسب السابقة حتى وإن تفننت كالعادة في طرق التزوير وذلك نظرا لكل الاضرارالتي لحقت بابناء الشعب من جراء سياستها الفاشلة التي ادت الى رش اهالي سليانة ومحاكمة شباب الانتفاضة والاغتيال السياسي والارهاب...
ومهما كانت نتائج الانتخابات(وسيلعب التصويت العقاب دورا هاما) فان القانون الانتخابي سيسمح للاحزاب الكبرى-وهي احزاب رجعية- بالتواجد فأول حزب سيتحصل على 30 بالمائة على اقصى تقدير والثاني اقل الخ والاحزاب الصغرى ستغنم اكبر البقايا وستجبر الاحزاب الى تشكيل ائتلاف للحصول على الاغلبية ومن المرتقب حسب المعطيات ان تعمل الحركة الدستورية في صورة تواجدها في المجلس على تشكيل "الحزب الدستوي الموحد"كما صرح بذلك حامد القروي والتحالف مع النداء وسيعمل النداء بدوره على استمالة اليسار واحياء "الاتحاد من اجل تونس "وجبهة الانقاذ" وفي المقابل سيعمل الاخوان على ايجاد كتل جديدة على غرار الترويكا وبذلك لن يكون البرلمان متجانسا وهو ما يعني انه رغم تجاوز المرحلة الانتقالية فان السلطة تظل هشة وإذا علمنا حسب المعطيات الميدانية أن الجماهير لها مطالب عدة متراكمة لم يقع تحقيقها بحجة المرحلة الانتقالية فان المواجهات لن تعرف الهدوء.
ويطرح هذا الوضع من جديد ضرورة تأهب القوى الثورية واستعدادها لدعم التحركات المقبلة التي قد تفجّر الأوضاع الاجتماعية من جديد خاصة أن المجلس القادم ليس له أي حلّ عدا تطبيق توصيات البنك العالمي وصندوق النقد الدولي التي وردت في تقريره الأخير حول تونس (التفويت والخوصصة- الطرد والبطالة-الترفيع في الأسعار والتراجع عن المكاسب والقائمة طويلة...)
ونظرا لإمكانية حصول انفجارات وتفكك في صفوف السلطة التي لم تعد قادرة على الحكم بالطرق القديمة فان القوى الثورية المقاطعة للانتخابات مدعوة مجددا إلى فتح الحوار والتشاور حول محتوى الدعاية وتوحيد أشكال النضال والتنظيم وإيجاد أطر قارة للحوار تمهد طريق الوحدة الثورية وتوفر للشعب قيادة صامدة قادرة على إدارة الصراع الطبقي وتسليح الجماهير بطرح الديمقراطية الجديدة حتى لا تظل ضحية الوعود التي تقدمها الرجعية أو الأوهام التي تبثها القوى الانتهازية.

ملاحظة: ندعو كل القوى الثورية الى الاسراع في ايجاد اطر مشتركة تناقش محتوى "حملة الدعاية للمقاطعة" وتحدّد الشعارات واشكال النضال والتنظيم.

تونس 21 سبتمبر 2014







انتخابات المال السياسي لن تخدم مصالح الشعب
مقدمة
أصبحت كلمة شعب مثلها مثل كلمة ثورة مستعملة من قبل أكثر الأطراف عداء للشعب وللثورة فقد تحول اليمين واليسار على حدّ السواء إلى أولاد شعب يدافعون عن "الزوّالي". وطغت على الحملة الانتخابية لغة التملق والشعبوية مغلفة بوعود زائفة تشَارَك فيها الجميع . لكن عندما ينتصب هؤلاء في "مجلس المقترعين" ستتبخر لغة مغازلة الشعب لتترك مكانها للقوانين اللاشعبية التي يصادق عليها كل من تقدم "كولد شعب" و "ولد زوالي" أو ولد حومة أو أبناء الشعب الخ...
لقد تم احتواء العديد من المصطلحات الثورية والركوب عليها بهدف اغتصاب "القرار الشعبي" والتحدث زيفا باسمه فالانتخابات التشريعية الحالية مثلها مثل انتخاب المجلس التأسيسي سابقا هي في الحقيقة انتخابات الائتلاف الحاكم الذي يشرف عليها مباشرة ويضع لها القوانين على قياسه وينصب هيئات "مستقلة" اتضح عدم حيادها للجميع ويجند مئات العسكريين والبوليس لحراستها بحجة مقاومة الإرهاب ويدير عمليات الفرز وإعادة الفرز كما يشاء قبل الإعلان عن النتائج النهائية المقررة ليوم 27 نوفمبر أي بعد شهر من الاقتراع وإن تفطنت منظمات "المجتمع المدني" إلى تجاوزات فستظل حسب المشرفين والإعلام الرسمي دوما ثانوية لا تؤثر في مصداقية نتائج الانتخابات.

إنها انتخابات الأقلية الحاكمة-انتخابات أحزاب المال السياسي والجهويات- وقد دللت الأرقام على ذلك بما أن نسبة المشاركة لم تتجاوز في كل الأحوال 40 بالمائة بما ان العدد الجملي للناخبين يزيد عن7 ملايين ونصف وشارك في الاقتراع ما يقارب 3 ملايين(علما وان الإحصائيات الرسمية غير متوفرة إلى حد الآن وهي تقر أن نسبة المشاركة بلغت 60بالمائة بالنسبة للمسجلين البالغ عددهم 5ملايين) وتحصّل نداء تونس على مليون و300 ألف صوتا والنهضة على 992 صوتا حسب عدد الأصوات المصرَّح بها لكل طرف وبذلك يمكن للحزب الأول ان يشكل الحكومة وهو نداء تونس الفائز ب86 مقعدا (إلى حد الآن) وستقرر هذه المقاعد مع بعض التحالفات مصير البلاد الذي أصبح معروفا نظرا لطبيعة نداء تونس من جهة والنهضة من جهة أخرى وسيناريوهات التحالف الممكنة ويمكن القول في شكل كاريكاتوري ان 86 مقعدا ومليون و300 ألف صوتا يقررون مصير الشعب الذي سيقع رهنه لدى الدوائر الاستعمارية الجديدة حسب سياسة نداء تونس و حلفائه وحسب توجهات النهضة كذلك.
ومهما كانت التحالفات من اجل حكومة ائتلاف أو "وحدة وطنية" فان الاستقطاب الثنائي يظل قائما لأنه صناعة أمريكية أوروبية تحاول القوى الامبريالية من خلاله فرض نموذج الانتقال الديمقراطي والتداول على السلطة بين "الليبراليين" عملاء الأمس واليوم و"الإسلام المعتدل" كأداة طيعة بيد الامبرياليين وإن تنطّع البعض واتجه نحو الإرهاب وما يسمى بالجهاد (بن لادن-داعش أنصار الشريعة...)
غير أن حسابات الامبريالية والرجعية المحلية أهملت واقع الجماهير التي قاطعت الانتخابات ودورها في صناعة التاريخ ونخص بالذكر منها شباب الانتفاضة كما أهملت المخزون النضالي للفئات الشعبية الناقمة على أداء الترويكا والتي لفظت حزب التجمع الدستوري وأعلنت عن تمسكها بمطالبها وإصرارها على النضال لذلك فإن الرجعية والانتهازية لن تنعم أبدا "بالسلم الاجتماعية" التي تحلم بها .
إن واقع الاستقطاب الثنائي الذي أفرزه صندوق الاقتراع(مليونان و200 ألف ناخب تقريبا)
يندرج ضمن مخطط تريد من خلاله الامبريالية تقديم نموذج للبلدان العربية ولأشباه المستعمرات عامة فقد عادت المنظومة القديمة مع تزكية الإخوان ولذلك يظل شعار"لا دساترة لا اخوانجية" و"الدساترة والاخواجية عملاء الامبريالية" مطروحا في الساحة الشعبية لان أعداء الانتفاضة وإن استمالوا اليسار الانتهازي لإضفاء بعض الشعبية على أنفسهم فان شعارات الانتفاضة تبقى راسخة في ذاكرة الجماهير التي لن تنسى ما فعله بها التجمع من جهة و الترويكا من جهة أخرى .

الحملة الانتخابية والنتائج

اعترفت الصحافة الرسمية إن الحملة الانتخابية كانت باردة وباهتة وقابلها الجمهور الواسع بلامبالاة تامة باستثناء بعض الاستعراضات التي قام بها النداء والنهضة- الطبلة والمزمار وجولات استعراضية بالسيارات الفخمة واللافتات غير المرخص لها والاجتماعات العامة التي يقع فيها إخراج المتساكنين من ديارهم وإغراؤهم ببعض الأموال - كما عرفت الحملة إحجام العديد من الأطراف المشاركة في الانتخابات عن تعليق قائماتها في الأماكن المخصصة لها (أكثر من ثلثي إطارات التعليق ظلت فارغة) وشهدت المعلقات الموجودة موجة من التمزيق المتواصل تعبيرا عن رفض الشعب للعملية الانتخابية وللقائمات المترشحة . بل ان بعض القوائم غنمت المال العمومي وانسحبت من الحملة دون سابق إعلام وهو ما يكشف حقيقة المنخرطين في الانتخابات وطبيعة القائمات المشاركة التي تلهث وراء المال قبل كل شيء.
كما عرفت الحملة العديد من التجاوزات التي سجلتها منظمات "المجتمع المدني" والعديد من شهود عيان والتي تمثلت أساسا في مواصلة الحملة حتى يوم الصمت الانتخابي وفي مراكز الاقتراع وتوزيع الأموال بشهادة منظمة "عتيد" التي صرحت ان النداء والنهضة والاتحاد "الوطني" الحر والمبادرة قدموا أموالا لبعض الناخبين وان سقف تمويل الحملة وقع تجاوزه كما صرحت ان رؤساء مراكز الاقتراع لهم ولاء حزبي وقد تفطن البعض الى عمليات تزوير . ففي باجة مثلا وُجد بالصندوق 1400 بطاقة زائدة وفي سيدي بوزيد كذلك . هذا زيادة عن حالة الفوضى الانتخابية التي عرفتها مكاتب الهجرة -خاصة إيطاليا-
أما فيما يخص محتوى الحملة فقد اقر الرأي العام والصحافة انها حملة متشابهة وان الجميع يمينا ويسارا ركز على نفس المحاور واتسمت هذه الحملة بتعدد الوعود غير القابلة للتنفيذ حسب رأي أغلبية الفئات الشعبية .فقد اتفق الجميع على المزايدة بتحقيق انجازات خيالية لمغالطة الشعب وبيع الأوهام من اجل الحصول على مقعد ونورد فيما يلي أهم الوعود التي وقع ترديدها:
-" توفير الأمن ومقاومة الإرهاب والنهوض بالاقتصاد ودفع الاستثمار وتحقيق نسبة نمو تناهز 7 أو 8 بالمائة ومجابهة الاحتكار والتهريب وتحقيق مواطن شغل والضغط على الأسعار..."(النهضة)
- تحقيق تنمية شاملة بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية وتخفيض البطالة إلى نسبة 9 بالمائة وتوفير 442 ألف موطن شغل والإعلان عن مشاريع ضخمة كمركبات سياحية وصناعية على غرار ديزني لاند في المحمدية وفسخ ديون الفلاحين (الاتحاد "الوطني" الحر)
- مشاريع عملاقة على مستوى السكك الحديدية والطريق السيارة والحق في التعليم والصحة وتطوير البحث العلمي ...(الجمهوري)
- بناء نظام جمهوري ديمقراطي في إطار دولة مدنية ، تكريس الديمقراطية المحلية وتفعيل قانون العدالة الاجتماعية وتحديث الإدارة ومقاومة التجارة الموازية واقامة مشاريع وطنية كبرى وإصلاح القطاع الفلاحي والقيام بإصلاح جبائي وتعميم التغطية الاجتماعية ودعم ثقافة متجذرة في هويتها العربية الإسلامية ومقاومة التلوث...(الجبهة)
يتضح ان جميع البرامج متشابهة وتتطرق لنفس المطالب ، غير ان الملفت للانتباه ان كل هذه البرامج تندرج ضمن سياسة صندوق النقد الدولي والبنك العالمي ولم تطرح الأحزاب المسألة الوطنية ، مسألة الاستقلال الوطني والتعويل على قدرات الشعب في التنمية و بناء صناعة وطنية وتحقيق الاكتفاء الذاتي وتوزيع الأرض على من يفلحها وليس الاكتفاء بفسخ ديون الفلاحين... كما لم تتعرض هذه الأحزاب بالرغم من وجود أطراف قومية إلى قضية فلسطين والعدو الصهيوني والنضال ضد العولمة التي خربت الاقتصاد الوطني وأشعلت الحروب الأهلية في العراق وسوريا واليمن وليبيا ودعمت الكيان الصهيوني بكل الوسائل ليظل شرطي المنطقة.
أسفرت هذه الانتخابات إذًا على تعزيز واقع الاستقطاب الثنائي واحتلت أحزاب المال السياسي المراتب الأولى: النداء و النهضة والاتحاد الحر(1: أنظر عدد الأصوات في الملحق) وهي الأحزاب التي وزعت الأموال بصفة مفضوحة أمام شهود عيان وباعتراف العديد من الأحزاب الأخرى المشاركة في الانتخابات .
ولكن لماذا اختار الناخبون الأحزاب الأكثرَ رجعيةً ومعاداة لشعارات الانتفاضة ؟ لماذا اختاروا المال السياسي والتخلف ؟ للإجابة عن هذا التساؤل لابد من الرجوع إلى القاعدة الاجتماعية أو التركيبة الطبقية لمن شاركوا في التصويت.(وللتذكير فان شباب الانتفاضة قاطع هذه الانتخابات لأنه يعتبر أن اللعبة "ملعوبة والحسابات محسوبة" ومتفق عليها امبرياليا) .
- أولا قواعد الأحزاب : النداء الذي شغّل ماكينة التجمع الدستوري والنهضة المعروفة بانضباط المنتمين لها (100 ألف منخرط في النداء حسب الصحف الرسمية و50 أو 60 ألف متعاطفا ومنخرطا مع النهضة) مع التأكيد على ان اغلب "الاعراف" الذين يديرون مؤسسات عدة استعملوا نفوذهم لاغراء العملة والموظفين.
- ثانيا : كل من باع ذمته طمعا في 50 دينارا أو 100 دينارا
- ثالثا : كل من انحاز إلى منطق العروشية والجهويات والولاءات الشخصية
- رابعا : الجمهور الواسع الذي خيّر الانتخاب المفيد أو انتخاب العقاب خوفا من النهضة من جهة بالنسبة للبعض وخوفا من الأزلام من جهة أخرى بالنسبة لمن صوّت ضد الدساترة ، ولا أحد صوت وفق برنامج بما أن كل البرامج متشابهة . ويمثل جمهور الناخبين 3ملايين تقريبا في حين تعد تونس ما يقارب 12 مليون ساكنا أي أن نسبة الناخبين لا تتجاوز25بالمائة من مجمل السكان وثلث مَن يحق لهم التصويت.(37,5 بالمائة) و60 بالمائة من المسجلين.

الخاتمة
تستعمل الانتخابات كوسيلة لإضفاء الشرعية على الحكم من خلال تغيير الوجوه أو الأحزاب مع الإبقاء على الطبقة أو الطبقات الحاكمة في السلطة . فقد حاولت الطبقات الحاكمة في تونس التمسك بالسلطة اثر الانتفاضة ومسايرة الوضع والتظاهر بتبني شعارات الانتفاضة فراحت تتغنى "باستكمال المسار الثوري" ونصبت رئيسا تجمعيا (المبزع ) ثم قدمت عصا التناوب للسبسي مؤسس النداء لاحقا والذي قبل بانتخابات المجلس التأسيسي في إطار الالتفاف على الانتفاضة لان الامبريالية تدرك جيدا أن من قاموا بالانتفاضة لا يمكنهم منافسة الماكينة الانتخابية للنهضة والأحزاب المنظمة في حين أن جمهور الانتفاضة جمهور عفوي بدون برنامج سياسي وبدون قيادة ثورية لن يصمد أمام المناورات الامبريالية والرجعية ، واستعمل المعسكر الامبريالي معزوفة "الانتقال الديمقراطي" التي تدرب عليها رموز النداء(محسن مرزوق) ورموز النهضة (سمير ديلو) في مدرسة فريدام هاوس وذلك بالتوازي مع خطة "الفوضى الخلاقة" عن طريق تحريك "أنصار الشريعة" ولجان حماية الثورة وإطلاق العنان للجهاديين في المساجد والساحات العامة...وتحاول الامبريالية من خلال هذه الخطط تقديم بلد "الربيع العربي" نموذجا في مجال "الانتقال الديمقراطي" والتداول السلمي على السلطة بين الأطراف الرجعية المتنازعة على الكرسي وتحديدا (النداء – النهضة) وتدخلت السفارات الأجنبية أكثر من مرة لإيجاد التوافق بين العملاء ، وراحت النهضة تطبل للرئيس التوافقي وللحكومة التوافقية -حكومة الوحدة الوطنية- وللديمقراطية التشاركية وغيرها من الأكاذيب المندرجة في إطار النفاق السياسي والمناورات الظرفية لإبعاد الشبهات عن نفسها والتهرب من المحاسبة على كل ما فعلته بالجماهير المنتفضة وكل ما نهبته من المال العمومي.
لابد هنا من الإقرار بان المعسكر الامبريالي بمعية العملاء المحليين قد نجح في ترويض شباب الانتفاضة وتحويل وجهة الصراع من صراع من اجل التحرر إلى تنافس غير متوازن من اجل مقاعد في البرلمان يقع من خلاله ترميم النظام وإخماد لهيب الانتفاضة .
غير أن الواقع الاقتصادي والاجتماعي وتدهور وضع الشغالين فضلا عن مقاطعة الانتخابات من قبل أبناء الشعب الكادح وفقدان الثقة في جل الاحزاب, كل هذه العوامل مجتمعة لن تمكن الرجعية - وإن توافقت في كبح نضالات الجماهير وإسكات صوتها ظرفيا – من التحكم في الوضع على مدى طويل ، وهي ستعتمد كالعادة سياسة تدريجية وحسب ردود فعل الجماهير بهدف فرض "هيبة الدولة" والقانون" بتعلة محاربة الإرهاب والاتجاه نحو قمع كل التحركات من جهة وترويض قواعد الاتحاد العام التونسي للشغل بعقد الصفقات مع البيروقراطية النقابية من جهة أخرى هذا فضلا عن استمالة المجتمع المدني والإعلام الرسمي الذي سيطبل كالعادة للوفاق الاجتماعي والهدنة الاجتماعية نظرا "لدقة الظروف وتسهيلا لعمل الحكومة"....

يتضح ان هذه الانتخابات هي انتخابات السلطة قاطعها اكثر من نصف الناخبين فهي اذا غير شعبية على عكس ما يردده الاعلام الرسمي فلايمكن لانتخابات شعبية ان تحصل تحت مظلة دولة الاستعمار الجديد وباشراف اجهزتها ووفق قوانين تضع للغرض وهيئات غير محايدة قادرة دوما على التحكم في عمليات التسجيل والفرز…لذلك فان المجلس التشريعي المقبل لايمكن له,نظرا لطبيعة الاطراف المتواجدة فيه,ان يصدر ولو قانونا واحدا لصالح الشغالين.
إن هذه الأكاذيب والمراوغات السياسية سوف لن تنطلي على الجماهير الشعبية وأن الشباب الغاضب الذي أشعل انتفاضة 17 ديسمبر في المدن والأرياف لقادر على صنع انتفاضة بل انتفاضات أخرى ، لكن الانتفاضات الشعبية مهما بلغ عنفها ستبقى دائما عرضة للاحتواء والركوب من طرف القوى الرجعية والانتهازية طالما بقيت الجماهير الشعبية دون قيادة ثورية

لا لديمقراطية الاستعمار الجديد,ديمقراطية الاقلية الحاكمة وديمقراطية المال السياسي
لنناضل من اجل ديمقراطية شعبية تمنح الطبقات المضطهدة حق تقرير المصير.

(1)ملحق: النتائج الأولية
-نداء تونس: مليون و300 ألف -النهضة:992 ألف- الاتحاد الحر:141 ألف- الجبهة:123,400 –أفاق تونس : 103,100-المؤتمر:23,485- حركة الشعب:20,773- التيار الديمقراطي:17,287- المبادرة:14,858- التحالف الديمقراطي:8767- الجمهوري:4153- التكتل :2180- ...-
عدد البطاقات الملغاة 36 ألف- المصدر : جريدة الصباح –)

نوفمبر 2014
ديسمبر 2014



#الديمقراطية_الجديدة(_النشرة_الشهرية) (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إن النظام يسترجع أنفاسه ، فيا أيها الثوريون اتحدوا !
- انتخابات المال السياسي لن تخدم مصالح الشعب
- داعش,اداة بيد الامبريالية والرجعية
- الانتخابات التشريعية والرئاسية في تونس


المزيد.....




- بحشود -ضخمة-.. احتجاجات إسرائيلية تدعو نتانياهو للموافقة على ...
- -كارثة مناخية-.. 70 ألف شخص تركوا منازلهم بسبب الفيضانات في ...
- على متنها وزير.. أميركا تختبر مقاتلة تعمل بالذكاء الاصطناعي ...
- حملة ترامب تجمع تبرعات بأكثر من 76 مليون دولار في أبريل
- فضيحة مدوية تحرج برلين.. خرق أمني أتاح الوصول إلى معلومات سر ...
- هل تحظى السعودية بصفقتها الدفاعية دون تطبيع إسرائيلي؟ مسؤول ...
- قد يحضره 1.5 مليون شخص.. حفل مجاني لماداونا يحظى باهتمام واس ...
- القضاء المغربي يصدر أحكاما في قضية الخليجيين المتورطين في وف ...
- خبير بريطاني: زيلينسكي استدعى هيئة الأركان الأوكرانية بشكل ع ...
- نائب مصري يوضح تصريحاته بخصوص علاقة -اتحاد قبائل سيناء- بالق ...


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - الديمقراطية الجديدة( النشرة الشهرية) - حول الانتخابات في تونس