عادل شكيب محسن
الحوار المتمدن-العدد: 4654 - 2014 / 12 / 6 - 10:50
المحور:
الادارة و الاقتصاد
منذ فجر التاريخ ولم يدّخر الإنسان جهداً في استغلال كافة مصادر الطاقة المتاحة له، فحصل على الطاقة من الرياح والشمس والفحم والنفط, اضافة الى الطاقة النووية. وكان الوقود الحيوي ايضاً احد هذه المصادر القديمة الحديثة في توليد الطاقة. فما هو الوقود الحيوي؟ وما هي فوائده على الاقتصاد؟ وهل يمكن له ان يكون مصدر الطاقة الاول والبديل عن النفط في المستقبل؟ هذا ما سنحاول الإجابة عليه في هذه المقالة.
الوقود الحيوي هو احد مصادر الطاقة البديلة الذي يمكن له تأمين الطاقة اللازمة في ضوء تقلبات اسعار النفط في الاسواق العالمية والترتيب لمرحلة ما بعد النفط. اما مصدر الحصول على هذا النوع من الوقود فهي النباتات. وقد مرّ انتاج الوقود الحيوي في اربعة اجيال متعاقبة. الجيل الاول الذي دخل طور الانتاج الاقتصادي وساهم في دعم التجارة الخارجية للبلاد المصنعة له, ويعتمد انتاج هذا الجيل من الوقود الحيوي على العديد من المحاصيل الزراعية والزيتية وثمار الأشجار. اهم انواع الوقود الحيوي المنتجة ضمن هذا الجيل هي الايثانول الحيوي والديزل الحيوي. امّا الايثانول الحيوي فيستخرج من جميع الحاصلات السكرية والنشوية مثل قصب السكر والشمندر والذرة والقمح والشعير والبطاطا, وبالنسبة للديزل الحيوي فيستخرج من الحاصلات الزيتية مثل دوار الشمس وفول الصويا وبذور اللفت وزيت النخيل وزيت جوز الهند والخروع وثمار أشجار الجاتروفا والبونغاميا. وجاء الجيل الثاني ليلحق بالأول داخلاً الاسواق ولكن بخطوات بطيئة نسبياً. يتم انتاج الوقود الحيوي ضمن الجيل الثاني باستخدام المخلفات النباتية والطحالب, وهناك توجه واضح من قبل العديد من الدول المتقدمة الى هذا الجيل من خلال استثمارات البحوث والتطوير. ومن المتوقع ان يساهم هذا الجيل في العرض العالمي للطاقة بدءاً من عام 2020. ويشكل الجيلان الأول والثاني معاً ما نسبته 90% من الإنتاج الكلي للوقود الحيوي المتداول حتى عام 2010. أمّا الجيلان الثالث والرابع فيعتمدان على التطور المستمر في مجالات الهندسة الوراثية والكيمياء الحيوية لإنتاج الوقود الحيوي.
اضافة الى الدور الكبير الذي يلعبه الوقود الحيوي في توفير مصدر بديل للطاقة, فله العديد من الاثار الايجابية على الاقتصاد من خلال النهوض بالقطاع الزراعي وتنمية المجتمعات الريفية وتحسين المستوى المعيشي لسكان الريف. فمن المفروض ان يساهم انتاج الوقود الحيوي في تشجيع القطاع الزراعي على زيادة إنتاجه, حيث ان المواد الزراعية تشكل المصدر الرئيسي لإنتاج هذا النوع من الوقود. ومن خلال تحسين اداء القطاع الزراعي سيتم خلق فرص عمل لسكان الارياف وسيتم الحد من الهجرة الى المدن وسيتم استصلاح المساحات الواسعة من الاراضي وتحسين حماية التربة الزراعية وإصلاح الاراضي المهجورة وتحسين البنية التحتية للقطاع الزراعي, بالإضافة الى الحد من التلوث من خلال معالجة المخلفات الزراعية في انتاج الوقود الحيوي. ايضا يمكن للبلدان التي لديها الامكانات الكافية لإنتاج محاصيل الطاقة الموجهة لإنتاج الوقود الحيوي ان تحسن من وضع ميزانها التجاري, من خلال زيادة صادراتها من هذه المحاصيل الى الاسواق الدولية والدخول الى اسواق جديدة. ايضاً يساهم انتاج الوقود الحيوي بخلق ترابط ما بين العديد من النشاطات الاقتصادية التي من المفروض ان تعمل معاً حتى يتم وصول هذا الوقود الى السوق. فيجب بداية تحصيل النباتات المستخدمة في انتاج الوقود الحيوي من القطاع الزراعي, ومن ثم يتم معالجتها بعمليات انتاجية محدّدة, ومن ثم تأتي عمليات النقل والتخزين والتسويق, ناهيك عن الخدمات المالية والتقنية والعلمية, بالإضافة الى ايجاد البنية التحتية المطلوبة للمساهمة في انتاج وتوزيع واستخدام الوقود الحيوي. ولا يخفى على بال احد اهمية تطوير الصناعة لتتلاءم مع انتاج واستخدام هذا الوقود.
امّا فيما يتعلق بإنتاج الوقود الحيوي على مستوى العالم, فقد شهد الإنتاج العالمي للوقود الحيوي نمواً مستمراً بدءاً من الربع الأخير من القرن العشرين، حيث اتجهت أكثر من 30 دولة إلى اتباع برامج مخصصة لتشجيع إنتاجه وتنمية أسواقه. امّا اهم الدول المنتجة للوقود الحيوي فهي: البرازيل, الصين, الهند, المكسيك, جنوب أفريقيا, كندا, فرنسا, ألمانيا, إيطاليا, اليابان, روسيا, بريطانيا, الولايات المتحدة الأمريكية, اسبانيا, تايلند, بلجيكيا, وكولومبيا. واستحوذت كلّا من الولايات المتحدة الأمريكية والبرازيل على نحو 88% من الإنتاج العالمي للإيثانول حتى عام 2010.
وفيما يتعلق بوضع التجارة الدولية للوقود الحيوي, فتحتل البرازيل المرتبة الاولى عالمياً كمصدر للايثانول الحيوي بنسبة 50% من اجمالي الايثانول المصدّر في العالم لعام 2007, واتجهت الى الولايات المتحدة واليابان وهولندا والسويد وجنوب أفريقيا وبعض بلدان أمريكا اللاتينية. ويتوقع ان تستحوذ البرازيل على حصة قدرها 85% من اجمالي الصادرات العالمية للايثانول في عام 2017, بمعدل زيادة 338.7% مقارنة بعام 2009. ومن المتوقع ايضا ان تبقى الولايات المتحدة الامريكية تحتل المركز الاول كمستورد للايثانول. وستزداد واردات دول الاتحاد الاوروبي للايثانول خلال الفترة 2009-2019 مع توقع زيادة استهلاكها بنسبة تقدر بحوالي 129.2% عام 2019 مقارنة بعام 2009. ومن المتوقع ايضا ان تتحول الصين من مصدر الى مستورد للايثانول بدءاً من عام 2017, وذلك نتيجة التزايد المستمر في استهلاكها المحلي بمعدلات تفوق ما تنتجه من الايثانول. اما بالنسبة للديزل الحيوي, فمن المتوقع استمرار تقدم الأرجنتين كمصدّرٍ صافٍ له، وأن تؤدي ماليزيا وإندونيسيا دوراً فاعلاً في تصديره إلى دول الاتحاد الأوروبي عام 2017 في ضوء التوقعات بتجاوز استهلاك هذه الدول (دول الاتحاد الأوروبي) لمادة الديزل الحيوي بمعدل 50% من الاستخدامات الكلية على مستوى العالم.
إلا انه حتى الان ما زال الوقود الحيوي غير قادر على منافسة الوقود التقليدي دون وجود دعم وإعانات كافية. وبغرض تمكين الوقود الحيوي من الاحلال تدريجياً محل الوقود التقليدي, كان هناك مجموعة من الاجراءات التي اتخذتها العديد من الدول, وقد يزيد عدد هذه الاجراءات على 200 اجراء. ومن هذه الاجراءات على سبيل المثال: تخفيض حجم الواردات من النفط وخلق فرص عمل تقترن بإنتاج الوقود الحيوي, زيادة نسبة الوقود الحيوي من الطاقة الانتاجية المستوردة او المنتجة محلياً في مختلف القطاعات, الرفع التدريجي لنسب خلط الوقود الحيوي بالوقود التقليدي المستخدم في قطاع النقل, دعم القطاع الزراعي وتشجيع زراعة نباتات الطاقة, منح الحوافز والإعفاءات الضريبية وإعانات الإنتاج والقروض والضمانات للمزارعين ومنتجي الوقود الحيوي والصناعات والخدمات المرتبطة به, دعم الأنشطة المرتبطة بالتوزيع والتخزين والنقل المرتبط بالوقود الحيوي, تشجيع صناعة السيارات ذات المحركات المعدلة المستخدمة مع الايثانول, خفض الضرائب على الوقود المخلوط, ودعم الانفاق على البحث التطوير في مجال انتاج الوقود الحيوي .
إلا ان هناك العديد من الاعباء والتحديات التي تواجه التوسع في انتاج الوقود الحيوي, ومن هذه التحديات على سبيل المثال مشكلة التصادم ما بين ملف الغذاء وملف الطاقة, والتي تمثل المشكلة الرئيسية التي تواجه انتاج الوقود الحيوي. فإنتاج الوقود الحيوي يقوم على تحويل العديد من المحاصيل الزراعية الى مصدر للوقود والطاقة بدلاً من ان تكون مصدر للغذاء. اي مشاركة الآلة للإنسان في غذائه, ما ينعكس سلباً على الامن الغذائي العالمي. ايضاً تلعب اسعار النفط دوراً فاعلاً ومؤثراً على انتاج الوقود الحيوي الذي من المفترض ان يأخذ مكانة النفط كمصدر للطاقة. فان ارتفاع اسعار النفط يزيد من تكلفة الانتاج الزراعي, ما يؤدي الى ارتفاع اسعار المنتجات الزراعية, وبالتالي سترتفع اسعار الوقود الحيوي نتيجة ارتفاع تكاليف انتاجه, ما يؤثر سلباً على حجم الطلب عليه. من جهة اخرى, رغم ما شهده الوقود الحيوي من نمو في انتاجه والذي ارتبط استخدامه بشكل كبير في قطاع النقل, فلم تزد نسبة مساهمته على 1% من اجمالي الوقود المستهلك في قطاع النقل خلال العشر سنوات الاولى من القرن الحادي والعشرين. ما يعكس محدودية قدرة الوقود الحيوي على الإحلال محل الوقود التقليدي. ايضاً تبقى قدرات القطاع الزراعي محدودة جداً على تغطية متطلبات الوقود الحيوي. فإنتاج الوقود الحيوي يتطلب بناء آلاف المصانع والمعامل المختصة بإنتاجه, لكن لا بد ان يحاط كل معمل منها بآلاف الهكتارات من الاراضي المنتجة لمحاصيل الطاقة, مما يتطلب بدوره تحويلاً وإحلالاً في القطاع الزراعي, بالإضافة الى تحويل مساحات كبيرة من الاراضي المزروعة والصالحة للزراعة وتخصيصها لإنتاج مستلزمات انتاج الوقود الحيوي. وقد يؤدي التوسع في انتاج الوقود الحيوي الى انتشار مظاهر الاضطراب والنزاعات وعدم الاستقرار الأمني, خاصة في البلدان النامية, وذلك بسبب التصادم الحاصل ما بين استخدام الاراضي لتأمين الغذاء للسكان واستخدامها في انتاج محاصيل الطاقة على حساب انتاج الغذاء المحلي, وما يتضمنه من تحويل غذاء الانسان الى غذاء للآلة, ما يمكن له ان يسبب العديد من المشاكل في تأمين الغذاء الكافي للسكان ويهدد الأمن الغذائي في العديد من البلدان. فالحبوب اللازمة لملء خزان سيارة رياضية رباعية الدفع بالإيثانول (240 كيلوغرام من الذرة لإنتاج 100 لتر من الإيثانول) تكفي لتغذية شخص واحد لمدة سنة تقريباً, لذلك فإن المنافسة بين الوقود والغذاء هي منافسة حقيقية. ويمكن أن يتسبب ارتفاع أسعار المحاصيل الغذائية الأساسية في خسائر كبيرة تنعكس على رفاهية الفقراء، الذين يعتبر معظمهم من المشترين الصافين للمحاصيل الغذائية الأساسية.
اخيراً يمكن القول بأن الوقود الحيوي يبقى واحداً من مصادر الطاقة التي يمكن ان تستخدم بشكلٍ اوسع في المستقبل البعيد مع تطور التكنولوجيا المستخدمة في انتاجه. إلّا انه حتى الان ما زال دور الوقود الحيوي في دعم الاقتصاد وحاجات المجتمع محدوداً جداً, وفي كثير من الاحيان يكون هناك تصادم واضح ما بين انتاج الوقود الحيوي وتأمين الأمن الغذائي, وخاصةً في البلدان النامية. امّا بالنسبة لإحلال الوقود الحيوي محل الوقود التقليدي, فيمكن القول بأنه من الصعب ان يحل الوقود الحيوي محل الوقود التقليدي على المدى المنظور, وذلك بسبب غياب التكنولوجيا المتقدمة والتطور الكافي في مجالات الهندسة الوراثية والكيمياء الحيوية التي يمكن لها ان تساهم في زيادة انتاجيّة الوقود الحيوي, بحيث يصبح بالإمكان انتاج كميات كبيرة من الوقود الحيوي باستخدام كميات قليلة نسبياً من النباتات, ومن دون ان يكون في ذلك أي تهديد للأمن الغذائي بشكل عام.
عادل شكيب محسن
2014
#عادل_شكيب_محسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
اليوتيوب
لينكدإن
تيلكرام
تمبلر
بلوكر
الموبايل
