أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كريم مرزة الاسدي - الشبيبي - الكبير- بين حياته وشعره وطرائفه















المزيد.....


الشبيبي - الكبير- بين حياته وشعره وطرائفه


كريم مرزة الاسدي

الحوار المتمدن-العدد: 4643 - 2014 / 11 / 25 - 00:41
المحور: الادب والفن
    


الشبيبي "الكبير" بين حياته وشعره وطرائفه
الحلقة الاولى
كريم مرزة الأسدي

مازلنا نتجول في منتديات النجف الأشرف, اذ يرجع بنا الزمن القهقري الى قمة النهوض الأدبي, والأمن الاجتماعي, والطيب الخلقي.. الى أواخر القرن التاسع عشر, وبدايات القرن العشرين.. الى تلك الحقبة الزمنية التي تعد من أهم المنعطفات التطورية لمسيرة الشعر العراقي خصوصاً, والشعر العربي عموماً, ويمكننا ان نطلق عليها حقبة (العشرة..) وهم, مجموعة معتبرة من أفذاذ الأدباء (1), "فقد كانت لها مآثرهم وآثارهم الجارية على أفواه العلماء والأدباء, اذ انهم كانوا الصفوة المختارة" (2), و "يرجع اليهم الفضل العظيم في بناء النهضة الأدبية وتكوين مجموعة من روائع الادب العربي الرصين, تلك المجموعة التي لا تجارى من حيث متانتها, وقوتها وكيفية نسجها"(3), ونحن اذ نشارك غيرنا الرأي , قد ربطنا بين ثلاثة أقوال عنهم للعلامة الشهير أغا بزرك الطهراني وهو من معاصريهم, والدكتور عبد الصاحب الموسوي , وهو حفيد أحدهم , والاستاذ الكبير جعفر الخليلي , وهو من تلامذة بعضهم, لنعطي فكرة مختصرة عن هؤلاء اللذين يعدون بحق الركن الأساسي - مع ركنين أساسيين آخرين في قاهرة المعز ودمشق الشام - لبناء صرح الشعر والأدب العربيين المعاصرين بدون منازع, هؤلاء هم الذين تخرج على أيديهم الجواهري (وهو ابن الشيخ عبد الحسين الجواهري احد اعضاء العشرة), والشيح محمد رضا الشبيبي واخوه الشيخ محمد باقر الشبيبي (وهما ابنان لأحد أعضائها أيضا وهو الشيخ جواد الشبيبي شخصية دراستنا المتواضعة) , والسيد أحمد الصافي النجفي , والشيخ علي الشرقي (وهو ابن اخت الشيخ عبد الحسين الجواهري, وابنه بالتبني) , والسيد محمود الحبوبي (وهو ابن اخ العلامة المجاهد السيد محمد سعيد الحبوبي) , والشيخ محمد علي اليعقوبي , والشيخ عبد المنعم الفرطوسي , والشاعر محمد صالح بحر العلوم , والدكتور عبد الرزاق محيي الدين , والاستاذ صالح الجعفري , والاستاذ جعفر الخليلي , وغيرهم ممن لا يتسع المجال لذكرهم .
كان لهؤلاء (العشرة) , ولغيرهم من الأسر العلمية الكبيرة , نواد ومجالس , يتطارح فيها رواد الشعر قضاياه , وأصحاب العلم مسائله ,وتنشط هذه النوادي والمجالس ايام العطل الدراسية , وفي ليالي رمضان(4) , ولبعضهم مجالس أسبوعية تتزاحم على الايام , والأيام نفسها عاجزة عن تلبية مطالبهم بالاتساع , وكأن كل واحد منهم يردد قول المتنبي:
أريد من زمني ذا ان يبلغني *** ما ليس يبلغه من نفسه الزمن
هل كانوا حقاً أكبر من زمنهم بكثير.. ام أن زمننا أصبح أكبر منا بكثير حتى أمسينا كريشة في مهب الريح !!
أنقل إليك - يا قارئي الكريم - هذين الخبرين , ولك أن تتصور وتقارن بين عصرهم ,وهم بين أحضان الفترة المظلمة , وبين عصرنا , ونحن نخترق القرن الحادي والعشرين !!
أولهما ينقله لنا الدكتور عناد اسماعيل الكبيسي في كتابه (الادب في صحافة العراق منذ بداية القرن العشرين) عن مجلة (العلم) النجفية بعددها 1و2 لسنة 1910م يقول الخبر: "كانت الصحف في كل اسبوع تنهال على ادارة (العلم) من كل فج عميق بين مجلة وجريدة ولائحة (كذا) باللغات العربية والفارسية والتركية والهندية وقليل من الفرنسية والانجليزية , بعدد يتراوح بين الخمسين والمائة, وكانت الادارة توزعها بين المكتبات العمومية ودور الشعراء وبعض الفضلاء" (5)
هل يدخل العراق في يومنا هذا, ومن قبل يومنا هذا, هذا العدد من الصحف والمجلات, وبهذه اللغات المتعددة وعلى ظهور الحمبير والبغال؟!
واليك الخبر الثاني: عن احد نوادي النجف الأشرف الأدبية من بين عشرات النوادي في ايامها الخوالي.. ايام حقبة (العشرة). وهو نادي صاحب الترجمة الشيخ الشبيبي الكبير, اذ يقول ابنه الشيخ محمد رضا الشبيبي عنه "لم يزل ناديه من أبهج نوادي الأدب في النجف, تلقى فيه المحاضرات النافعة, وتجري فيه المناظرات المفيدة, والمذاكرات العلمية, فهو مجتمع الطبقة العليا من المهرة الذين تفعل احاديثهم في الالباب مالا تفعل السحرة" (6).
هذا أحد النوادي بهذه المواصفات , وكان موقعه في محلة البراق ,وهي محلة سكن تجار النجف واثريائهم , وليست محلة رجال العلم ومجالسهم, ولكن كانت تحتضن عوائل (علمية- تجارية) كآل الطريحي , وزوجة الشبيبي الكيبر منهم - كما سنذكر- وآل الأعسم, وآل الشبيبي, وآل شبر , وغيرهم, المهم كان النادي يعج (بالعشرة) ومن حولهم العشرات والعشرات من الأدباء والعلماء والمفكرين والباحثين ووجوه البلد وأعيانه.. يتحاورون ويتناقشون ويتسامرون بروح حيوية ,ونشاط فعال , وتدفق ذهني , وذكاء فطري , وعبقرية فذة .. لحظات ولا أجمل, وحياة ولا أفضل, وأفكار ولا أبدع, وطموح ولا أروح, وتسابق ولا أشرف, ولكن هل يوجد في نجف اليوم ولو معشار ماكان قبل قرن ونيف من الزمان !!
ولابد ان تسألني من هؤلاء (العشرة)؟ ولي ان اجيبك ببساطة القول كبساطة حياتهم , هم شعراء وادباء وعلماء ومؤرخون ومفكرون, ظلمهم التاريخ ويقول القرآن الكريم, ولا تبخسوا الناس اشياءهم, وحق العلماء والادباء أهم الاشياء, وهذه -مرة ثانية- دعوة لنقاد الادب العربي والمؤرخين لإشباع هذه الحقبة المهمة من تاريخ العراق بالبحث والتمحيص, ونشكر كل من يفسح لنا المجال لالقاء اضواء خاطفة وسريعة على هؤلاء الرجال, ونعددهم لنشرع من بعد بدراسة مواقف وطرائف احدهم ,الا وهو الشيخ جواد الشبيبي, ومن الجدير ان نشير ان هذه المجموعة المنعوتة (بالعشرة المبشرة) هي احدى حلقات الادب والعلم في النجف الاشرف ولحقبة زمنية واحدة وهم:
1- السيد محمد سعيد الحبوبي (1266 -1333هـ - 1850-1915م), وهو سليل اسرة عريقة الشرف, صحيحة النسب, طبع على حب العلم والادب واهتم بالاخلاقيات, فدرس علم الاخلاق على يد الاخلاقي الكبير ميرزا حسين قلي, ودرس الفقه والأصول عند الاستاذ الكبير الشيخ حسين الكاظمي, ثم تتلمذ على الشيخ محمد طه نجف. وهو فقيه كبير ,وأديب فطحل , وشاعر مبدع , ومجاهد شجاع.
2- الشيخ جواد الشبيبي (1281-1363هـ -1864-1944م) , سنترجم له في هذه الدراسة.
3- السيد جعفر الحلي (1277-1315هـ - 1861-1898م) , ترجمنا له في ثلاث حلقات سابقة.
4- السيد علي العلاق (1293-1344هـ -1876-1925) وهو من الادباء والشعراء المعروفين, يلم بأخبار العرب وسير الشعراء وغرر الشعر.
5- الشيخ عبد الحسين الحلي (1299-1375هـ - 1882-1955م), وهو غير الشيخ حسين الحلي الفقيه المعروف, الشيخ عبد الحسين المذكور هو بن الحاج قاسم بن صالح من عائلة معروفة بالحلة تعرف بـ(آل هليل), عالم كبير, وفقيه بارع , وأديب جليل, هاجر الى النجف 1314هـ, وبرع براعة لفتت اليه الأنظار, اذ ظهر نبوغه وعبقريته , توفي بالبحرين بعد ان تولى فيه المحاكم الشرعية.
6- أغا رضا الاصفهاني (1287-1362هـ - 1870- 1943م): هو أغا رضا بن محمد حسين بن باقر بن محمد تقي الأصفهاني, ولد في النجف , ونشأ فيها ,وقرأ علوم العربية , وكان مجتهداً في الفقه محيطاً بأصوله وفروعه وكان نابغة في الشعر والادب العربي والرياضيات ويجيد ايضا الادب الفارسي, وكان حلو المعشر , ظريف المحضر , كثير المداعبة. توفي في أصفهان ودفن فيها.
7- الشيخ عبد الحسين الجواهري (1281-1335هـ - 1864-1917م) وهو والد الشاعر العربي الكبير محمد مهدي الجواهري, وهو من علماء النجف وادبائها البارزين, كما كانت له منزلة اجتماعية في الاوساط الأخرى, ونبغ في الشعر , وبرع فيه , وساجل الأعلام والفحول وجرى معهم في حلبات السبق , تتلمذ في الفقه والأصول على الميرزا حسين الخليلي , والشيخ محمد طه نجف , والشيخ محمد كاظم الخراساني , والشيخ أغا رضا الهمداني.
8- الشيخ هادي كاشف الغطاء (1287-1361هـ - 1870-1942م) وهو عالم شهير واديب كبير وشاعر مجيد, كان يمتاز بظواهر بارزة من الذكاء والوداعة واللطف والدماثة, يكره الفخفخة والتظاهر بأمور الرياسة, تتلمذ على عدة علماء أجلاء كالشيخ عبد الهادي البغدادي , والسيد علي بن السيد محمود الأمين, وحضور دروس السيد كاظم اليزدي , ومحمود طه نجف وغيرهم.
9- السيد باقر بن السيد محمد الهندي الموسوي (1284-1329هـ - 1876-1911م) , وهو عالم مرموق , واديب كبير , وشاعر شهير, سابق فحلق , ونظم فأبدع, حلو المعاشرة , حسن الأخلاق, ظريف لطيف, ولد في النجف ,ونشأ بها , وقضى شطرا من حياته في سامراء مع ابيه, وهو غير السيد محمد باقر بن السيد هاشم الهندي الموسوي المتولد 1332هـ-1913م, فالاخير هو ابن اخيه وابن اخ السيد رضا الاتي ذكره.
10- السيد رضا بن السيد محمد الهندي الموسوي (1290-1362هـ - 1873-1943م) عالم كبير , وأديب شهير , وشاعر مجيد, له شعر فائق كثير في الطبقة العالية بين اشعار أهل عصره, درس على ابيه والسيد محمد الطباطبائي , والشيخ محمد طه نجف , والشيخ حسن بن صاحب الجواهر (الجواهري), كان بارد الطبع, لطيف المعشر.
من دراسة فترات حياة (العشرة) يتبين لنا ان السيد محمد سعيد الحبوبي هو أكبرهم سناً, والشيخ عبد الحسين الحلي أصغرهم, والشبيبي الكبير عمّر اكثرهم في الحياة ,والسيد جعفر الحلي أقلهم حياة, ولكن لا اعرف كيف اتيح للشيخ الحلي ان يحسب على (العشرة) في حين كان عمره عند وفاة السيد جعفر الحلي خمس عشرة (7) سنه, ولو انه قدم للنجف وهو ابن ثلاث عشرة (8), فعلى الأكثر هذا المصطلح (العشرة المبشرة) هو استعارة تشبيهية لايراد بها الحصر على كل حال سنرجئ حديثنا عن طرائف الشيخ الشبيبي الكبير للحلقة القادمة, مع التطرق الى حياته(9), وسنمر الان بطرفة للشيخ عبد الحسين الحلي (رحمه الله), فمن بدائعه المرتجلة ان زار فضيلة الشيخ عبد الحسين شرع الاسلام عند رجوعه من السفر, وكان في المجلس طبقة من علماء النجف فطالبوا زميلهم بهدية منه بمناسبة زيارة للامام الرضا (ع) بخراسان, فقام الشيخ وجاء بجملة من الخواتيم الفيروزية, وقال ليختر كل واحد خاتما , فارتجل الشيخ الحلي:
ألقى الخواتيم لنا فانتثرت*** حتى تزاحمنا عليها معه (10)
فلاتسل عنا فكل واحد *** أدخل فــــ ي خاتمه اصبعه!
وأخيراً.. رويدك سأسير بك للوصول الى ندوة أدبية, فما علينا الا الوقوف أمام فحولها المتبارزين على مسرح الادب الرفيع, والتأمل بامعان, والانتباه لما يدور بين الشفاه.. الان وصلنا وأربعة من أعضاء العشرة المبشرة, وهم الشيخ جواد الشبيبي (ج), والسيد جعفر الحلي (ع), والشيخ رضا الاصفهاني (ر), والشيخ هادي كاشف الغطاء (هـ).. وبين ايديهم كتاب (العقد الفريد) لابن عبد ربه الاندلسي يتداولونه بينهم, واذا بعبارة قالها العرب تصك مسامعهم وهي (نظرت بعيني شادن ٍ ظمآن)
شمر الشعراء الأجلاء (ج) و (ع) و (ر) و (هـ) - كل حرف رمز لواحد منهم- عن اذرعهم للارتجال, اقرأ ياصاحبي , وتخيل رحمك الله :
هـ نظرت بعيني شادن ظمآن *** *ظمياء بالتلعات من نعمان
ج وتمايلت أعطافها كغصونها **ما أشبه الأعطاف بالأغصان
ع وشدا بذاك الربع جرس حليها **فتمايلت طربا غصون البان
هـ تفتر عن برد اكاد اذيبه***** بتصاعد الزفرات من أشجاني
ر هيفاء غانية لها من طرفها *****اسياف غنج فقن كل يماني
ع الحب ياظميا عناء اول ****** والعذل فيه هو العناء الثاني
ج جرح الجبان بفيك ضمخ في دم ** ** مالاح للعشاق ام شفتان
أراك غرقت بعيون الشادن الظمآن , وتمعنت بتشابه الأعطاف بالأغصان ,وتمايلت تمايل أغصان البان .. وتصاعدت الزفرات لأهيف الغانيات, ووقعت بين العناء الأول والعناء الثاني, أما استعارة جرح الجبان, هما الشفتان.. واصل معي :
ج مارفّ صدغك فوق سالفة المها ***** الا ولفـّت طاقة الريحان
ج لك قادني التبريح في شطن الهوى ***اكذا الغرام يقود بالاشطان
ع لو كان غيرك ما تملك مقودي **** كلاًّ ولا الوى بفضل عناني
هـ ان كنت جاهلة بفضلي فاسئلي *** من فاق يوم ندى ويوم طعان
هـ ماكنت لولا ان قدك اسمر **** ** اهوى عناق عوالي المران
هـ اهوى المنية في هواك صبابة *******ان المنايا في هواك اماني
ج اودعتك الكبد التي قد خنتها ********يوم الوداع ولم تفي بظمان
هـ وجفوتها من بعد ما استوطنتها **** ***زمنا فاين الحب للاوطان
ج هذا لسان الدمع يا سرّ الصبا ***** في الخد ابرز صورة الكتمان
ع حاولت كتمان الهوى فوشت به ******** في سر قلبي ادمع الاجفان
هـ لي مقلة تجري الدموع جداولا *** **** فتسيل مفعمة بأحمر قاني
هـ وبها غرستُ الورد في وجناتها**فصددت عن غرس ولست (بجاني)
ر ياللرجال لضيغم فتكت به *** *****حدق المها وسوالف الغزلان
ر واسرت من فك الاسارى شأنه *******ابدا فرفقا بالاسير العاني (11)
نكتفي من القصيدة بهذا الغزل الجميل, ونترك المدح لأهل المدح, بعد ان قادونا للتبريح, وتملك المقود بتصريح, ونسلـّم الارواح, ونودع الاكباد, وتسيل مقلنا دمعاً حتى تكتمل الألسن على الوجنات.. يا للرجال .. !! ولا اعتقد فاتتك التضمينات , لابيات شعراء سلفوهم من الجاهليين حتى العباسيين.
الدنيا صور .. والحياة عبر.. وهذا شأن الحسان فبأي الاء ربكما تكذبان.
شخصيته :
شخصيته, فكما هو معروف من افذاذ عصره, وأكابر رجالاته, وعمالقة شعرائه, ومشاهير ادبائه, غزير الانتاج, قوي الديباجة, متين الاسلوب, جمع بين الشعر المنظوم, والدر المنثور, والمقامات الادبية الرفيعة في ابدع صورها واوسع خيالها, وادق عباراتها اللغوية بفكاهة حلوة ودعابة لطيفة, اذ كان الرجل سريع البديهة حتى درجة العبقرية , لا تفوته اي شاردة او واردة الا ولها مجيب, بلطف الود, وجميل العبارة, ومهارة التورية, وحسن الاستعارة, وكان حسن السيرة , شديد الكرم مع اقربائه واصحابه وجواره, والحق انه جمع المشيخة من طرفيها العلمي والاجتماعي وبعبارة اقرب الى مفاهيم مجتمعنا, مشيخة الدين, ومشيخة العشائر, وهو ليس بعيدا عنهما.
فالشبيبي الكبير هو الشيخ جواد بن محمد بن شبيب بن ابراهيم بن صقر الجزائري ابن عبد العزيز بن دليهم الاسدي, وكانت سلالتهم حتى الشيخ شبيب الذي تنتمي العائلة اليه, يسكنون في منطقة الجبايش في محافظة ذي قار, وكان (دليهم) الزعيم العام لآل حميد المواجد من بني اسد, فهم من فخذ المواجد, وكان لشبيب ولدان محمد وموسى, توفي الاخير دون خلف, اما محمد بن شبيب فقد تزوج ابنة الشيخ صادق اطيمش, وهو احد رجال الادب والفكر والعلم في مدينة الشطرة التي تأسست في عهدهم سنة (1286هـ-1869م), واثر نزاع عائلي على الاراضي غادر محمد بن شبيب الى النجف في بدايات النصف الثاني من القرن التاسع عشر, فقضى ردحا من الزمن يرتشف من علومها الدينية, ثم انتقل الى الشطرة ثانية, منها الى بغداد, وبعد ولادة ابنه جواد (1281هـ-1864م) بعدة ايام توفي الى رحمة الله, فاضطرت قرينته الرجوع الى النجف حتى انفذ الشيخ صادق اطيمش من يحمل ابنته وسبطه الى الشطرة, فنشأ المترجم له في كنف جده لامه, وكان جده يلقنه ويخصه, فكبر بعنايته, وقد فتح على طبعه الشعر صبيا فزاد اعجابه به واحبه حبا شديدا, ولن يزل مقيما في ذرى جده الى ان توفي عام (1296هـ-1879م), وبعد وفاة جده لامه لم يطل مقامه في الشطرة حيث نزح الى النجف مع والدته في (ذي الحجة -1297هـ تشرين الثاني 1880م). وهي سنة الوباء الفضيع, ومنها الى بغداد والكاظمين. ثم قفل راجعا الى النجف لدرس المقاصد في الفقه والاصول, وسكن محلة (البراق) وتزوج من احدى بناتها وهي بهية بنت محمد من آل الطريحي العائلة النجفية المعروفة, فأنجبت له الشيخ محمد رضا الشبيبي, ومحمد باقر ومحمد جعفر ومحمد علي والشاعر محمد حسين ومحمد رشاد, وبتوجيهه ساهم اولاده في الثورة العراقية (1920م) وفي الحركة الوطنية, وقد ابلوا في كل ذلك بلاء حسنا.
تخرج الشيخ الشبيبي الكبير على الشيخ محمد محسن الخضري والشيخ جعفر الشرقي والسيد محمد سعيد الحبوبي في مجال الشعر, وقد بلغ ما نظمه اكثر من اربعين الف بيت, لم يعثر منها الا على عشرة الاف بسعي من السيد محمود الحبوبي, وشغل شعره معظم الجزء الثاني من شعراء الغري للشيخ علي الخاقاني, اما في الفقه والاصول فقد قرأ على جماعة من العلماء كالسيد عبد الكريم الاعرجي الكاظمي والشيخ احمد المشهدي والسيد مهدي بن السيد صالح الحكيم النجفي, وغيرهم فاستفاد المترجم من هؤلاء علما كثيرا وصنف عدة مؤلفات يذكرها لنا الزركلي في (اعلامه) وهي الروض المعطور بالدر المنثور وتراجم ادباء العصر, ونبذة في الاصول وديوان شعر. توفي الشيخ الشبيبي رحمه الله بعد عمر حافل بالنشاط والحيوية والابداع والخلف الصالح. وذلك في بغداد سنة (1362هـ-1944م). ونقل نعشه الى النجف الاشرف ودفن في مقبرة قرب داره في محلة البراق, بعد ان شارك في تشييعه الوزراء والنواب والاكابر والوجوه, واستقبل في النجف بتشييع اشتركت فيه جميع الطبقات وفي مقدمتهم العلماء والشيوخ والادباء واغلقت الاسواق وضاق الصحن الشريف بجماهير الشيعيين.
قالوا عنه:
وصفة العلامة الشهير اغا بزرك الطهراني وهو من معاصريه بانه عالم جليل, واديب كبير, ولغوي بارع, وشيخ ادباء العراق, وقد برع في علوم الادب, واصاب خبرة واسعة اطلاعا كثيرا, واحاط بعلم اللغة ايما احاطة, وقد جمع بين الاكثار والاجادة, فشعره على كثرته جيد رصين وسلس متين, وبتطرق الدكتور حسين على محفوظ الى مقاماته وشعره قائلا عنه من اشياخ الكتاب وفحول الشعراء تعبر عن مقامه المحمود في صناعة الكتابة التي يعنو لها البديع وتدل على مرتبته العالية من القريض اشعاره التي لا يقاويها القدامى حر لفظ ولا يضارعها المحدثون دقيق معنى ويقول عنه الشيخ حرز الدين في (معارف الرجال) عشق الادب وصار من شيوخ الادباء, وولع في نظم الشعر ونادم الشعراء, وكان من فرسائهم.. كان عصره حافلا بفحول الشعراء والادباء.. وكان لا يرجو نوال ممدوحه بشعره على طريقة بعض الشعراء, مع طيب نفس وظرافة وكياسة في الحديث وتدبر في الامور, وان الاستاذ جعفر الخليلي وهو بعمر احد اولاده يسجل لنا ما ان وعيت ولشيخ الادباء الشيخ جواد الشبيبي دوي هائل في الاوساط الادبية والمحافل النجفية, فكان اسمه من الشهرة بحيث لا يذكر اسم الاب يومذاك بجميع فنونه الا وكانت له من المناسبة ماتجعل الاتصال وثيقا باسم الشبيبي الكبير, ويؤكد الشيخ علي الخاقاني ماذهب اليه الخليلي بقوله عاشرته فوجدته حسن العشرة مليح النادرة صافي النية, حلو الفكاهة, لغوي, مؤرخ, حسن المحاورة, جيد المحاضرة, فطن, ذكي, ذو ذهن وقاد وفكر نقاد ويعتبره السيد جواد شبر شيخ الادب ومفخرة العرب الشاعر الخالد جامع الشوارد... من افذاذ الزمان في ادبه وكماله وظرفه واريحيته.. وفذلكة الاقوال يسجلها لنا السيد محسن الامين في (اعيانه) بقوله كان شيخ شعراء العراق واحد اعلامه واعيانه وله الحق فيما ذهب اليه وصدق الجميع في اقوالهم, فقد كان الشيخ الشبيبي الكبير طودا شامخا من اطواد العراق ورمزا كبيرا من رموزه, وسنتكلم في الحلقة القادمة عن بعض مواقفه ، والسلام غي الختام
الهوامش:
1-نقباء البشر: أغا بزر الطهراني ج1, ص337-338.
2- حركة الشعر في النجف: الدكتور عبد الصاحب الموسوي ص118, دار الزهراء بيروت1988
3-هكذا عرفتهم : جعفر الخليلي ج1 ص75.
4- حركة الشعر.., المصدر السابق ص117.
5- الأدب في صحافة العراق منذ بداية القرن العشرين : الدكتور عناد اسماعيل الكبيسي, مطبعة النعمان في النجف عام 1972 ص33.
6- الشبيبي في شبابه.. الشيخ محمد رضا : علي عبد شناوة ص23, دار كوفان 1995, رسالة ماجستير.
7- يذكر الشيخ أغا بزرك في نقباء البشر, ص1070, يرع براعة لفتت اليه أنظار الشيوخ وهو شاب, فظهر بنبوغه وعبقريته, فقد نظم الشعر في الرابعة عشرة من عمره ونمت موهبته بعد هجرته للنجف.
8- أدب الطف : السيد جواد شبر, ج1 ص95-96.
9- قدم حمود الحمادي رسالة ماجستير عن الشيخ محمد جواد الشبيبي وشعره الى جامعة عين شمس بالقاهرة, نشرها في كتاب مستقبل بعنوان (الشبيبي الكيبر) الشيخ محمد جواد الشبيبي حياته - أدبه, وذلك عام 1972 ب(567) صفحة.
10- راجع أدب الطف, المصدر السابق, (وهكذا عرفتهم) يرويها بشكل اخر فيه اختلاف قليل, ج1ص255.
11- راجع ديوان (سحر بابل وسجع البلابل)- السيد جعفر الحلي.. ص242-244 الطبعة الثانية بيروت 1988



#كريم_مرزة_الاسدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 1 - أبو العتاهية : أَلا ما لِسَيِّدَتي ما لَها
- 3 - الدكاترة زكي مبارك يثيرني فأثير أثيره - الحلقة الثالثة -
- حتّى كهلتُ وأيّامي تعلّمني* في كلِّ ألفٍ من الآناس ِ انسانُ
- 2 - جرد الحساب .. أزفُّ إليكم ، وأعتذرُ منكم ، وآن الحصاد !
- باقاتُ من شعري النجيبْ ، قد عانقتْ وطني الحبيبْ
- 2 - الميتاكوندريا العصماء تسخرمن وزارة الكهرباء
- الإنسان بين إبداع خَلقه وعظمته واستخفاف شأنه ومقتله..!!
- هلاّ سألتَ عن الحدباءِ يا عيدُ
- 2 - الأنانية تبسيطاً والفخر موضوعاً وهؤلاء شهوداً
- داعش رجسٌ من عمل الشيطان ، أوأضلُّ سبيلا..!!
- تنويه ..الأديب همام قباني وقصيدتي لرثاء الجواهري !!
- الإعلامُ العراقي متهمٌ بالفوضى القتّالة..وقومي رؤوسٌ كلهم!!
- عاش العراقُ ، ليبقى فوقَ مَنْ وصفا
- 1 - عباقرة الفنون أنانيون ..بفخرهم يزهون وبإبائهم يشمخون..!
- العباقرة وقضية الفوات،تناسوا وما نسوا ...!! (*)
- العراقُ أعرق البلدان على ذمّة المتسلطين و الوجدان .. إلامَ ا ...
- عراقُ الخير ِيُستلبٌ...!!
- 3 - الجليلة ندباً، والمهلهل والبسوس والمعري استطراداً
- 2 - هذا ابن الرومي فتن العقاد بوحيدته،وما حيّرني بفريدته !!
- 1 - قف يا حبيب!! ما الفرق بين الغزل والتشبيب والنسيب؟!!


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كريم مرزة الاسدي - الشبيبي - الكبير- بين حياته وشعره وطرائفه