|
لمعجم الثنائي العبرية والعربية دراسة مقارنة
بن داود عبد الرحيم
الحوار المتمدن-العدد: 4639 - 2014 / 11 / 20 - 04:38
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
لا يستطيع إنسان ما، مهما بلغت درجة علمه وثقافته أن يحيط باللغة، فاللغة محيط واسع أوتي كل إنسان منا حظه ونصيبه منها، هذا النصيب يكبر ويصغر على قدر علم الإنسان وثقافته، وكثيرا ما تقابلنا كلمات لا نعرف معناها على وجه التحديد، وأحيانا تصادفنا كلمات نجهل اشتقاقها الصحيح، وأحيانا أخرى تتشابه علينا بعض الألفاظ فلا نكاد نميز ضبطها أو دلالة كل منها، مما يحتم علينا التأكد من معناها وسلامة اشتقاقها وصحة ضبطها، ولعل خير وسيلة إلى ذلك هي الرجوع إلى أحد المعاجم اللغوية. هذه المعاجم التي اعتبرت بحق من أعظم ما ابتكره الإنسان لحماية اللغة والحفاظ عليها حية نامية متطورة أمام الاتساع والتطور الذي شهدته، سواء من حيث قواعد نحوها وصرفها أو من حيث مفرداتها وتراكيبها وأساليبها، تبعاً لتطور الناطقين بها فكرياً وحضارياً واجتماعياً. وأخذت هذه المعاجم تحفظ مفردات هذه اللغة وتتولى تفسيرها وتوضيحها وتتكفل ببيان صور استعمالاتها وتمييز الأصيل من الدخيل والحقيقي من الزائف والحي من الميت والسائد من الناذر، فيرجع إليها الإنسان ليتزود بما يحتاج إليه من ألفاظ يعبر بها عما تخطر له من أفكار وتبدو له من معان ويختار منها ما يتلاءم مع مشاعره وأخيلته من صيغ ويتعرف على ما صعب عليه فهمه من مدلولات وبذلك يحيي لغته وينعشها ويبقيها ثابتة حية مع الزمن باستخدامه المستمر السليم لها نطقاً وكتابة. وبذلك اعتبرت المعاجم اللغوية هي خزائن اللغة وكنوزها التي يستخدمها الإنسان بما يغني حصيلته اللغوية وينميها ويجعلها مرنة طيعة في مجالي الأخذ والعطاء. ولم يبخل اللغويون في تأليف المعاجم وبذل الجهد في سبيل جمع ألفاظ اللغات وترتيبها وبيان معانيها وذكر مشتقاتها، بل والوقوف عند الأصل اللغوي للألفاظ وجرد ما شابه مفردات لغته في لغات أخرى تنتمي إلى نفس الفصيلة اللغوية للغته الأصل. وكان دافع اللغويين العرب الأساس (على سبيل المثال) من وراء وضعهم لهذه المعاجم هو الحفاظ على اللغة العربية من الضياع وخدمة النص الديني، يقول ابن خلدون: "[...] ثم استمر الفساد بملابسة العجم ومخالطتهم حتى تأدى الفساد إلى موضوعات الألفاظ فاستعمل كثير من كلام العرب في غير موضوعه عندهم ميلا مع هجنة المستعربين في اصطلاحاتهم المخالفة لصريح العربية فاحتيج إلى حفظ الموضوعات اللغوية بالكتاب والتدوين خشية الدروس وما ينشأ عنه من الجهل بالقرآن والحديث فشمر كثير من أئمة اللسان لذلك وأملوا فيه الدواوين وكان سابق الحلبة في ذلك الخليل بن أحمد الفراهيدي ألف فيها كتاب العين فحصر فيه مركبات حروف المعجم كلها من الثنائي والثلاثي والرباعي والخماسي وهو غاية ما ينتهي إليه التركيب في اللسان العربي" . وبذلك استطاعوا وضع هذه الحصيلة الهائلة في عدد كبير من المعاجم اللفظية، فنشطت معهم حركة التأليف والصناعة المعجمية ونمت على أيديهم، ومنهم استفاد العبرانيون الذين لم تزدهر عندهم الدراسة المعجمية إلا بعد الإسلام، "ولم تظهر معاجم عبرية بالمعنى الدقيق إلا منذ القرن العاشر الميلادي على يد سعديا بن يوسف الفيومي (820- 942م) صاحب أول معجم في تاريخ اللغة العبرية" . وحتى بداية الستينيات بقيت صناعة المعاجم تتصف بالطابع التجريبي الذي لا يعتمد على منهجية علمية حقيقية، وإنما على الخبرة العلمية التي اكتسبها واضعوا المعاجم في القرون الماضية. ومع تطور اللسانيات الحديثة عموما وعلم المفردات lexicologie خصوصا، بدأت تظهر في المعاجم اللغوية سواء الأحادية اللغة أو الثنائية اللغة آثار هذا التطور نحو إرساء أسس علمية موضوعية تستند إلى نتائج البحوث التي أقيمت في مختلف ميادين الدرس اللساني الحديث. وقد شكلت المعاجم أهم أشكال التدوين هاته، إذ وظفت الخط والكتابة في سبيل الحفاظ على الموروث اللغوي لمختلف الأمم والشعوب، مستندة في كل ذلك إلى أبجديات شكلت رموز كتاباتها، فالعربية والعبرية مثلا – وجل اللغات السامية- استندت إلى أبجدية واحدة، حتى وإن اختلفت طريقة رسم خطوطهما، والسبب في ذلك كونهما يرجعان إلى أصل واحد، إذ هي تنتمي إلى أرومة واحدة وهي أرومة اللغات السامية، وهو الشيء الذي جعلها أيضا تشترك في مجموعة من الألفاظ التي تحقق بدورها أمر القرابة بينها. وأمام اختلاف رسم الخط العبري عن نظيره العربي، ستدعوا الضرورة في وضع المعجم ، إلى استعمال الأبجدية الدولية، وما ما سيمكن من الوقوف عند النطق الصحيح للألفاظ العبرية، وهو ما سيسمح بالملموس في تبين أمر القرابة بين اللغتين من الجانب اللفظي من جهة، والتأثيرات الأجنبية التي دخلت على المعجم اللغوي العبري من جهة ثانية.
#بن_داود_عبد_الرحيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفصحى ... وشروق العامية : بداية الحرب الباردة
المزيد.....
-
مصدر يوضح لـCNN موقف إسرائيل بشأن الرد الإيراني المحتمل
-
من 7 دولارات إلى قبعة موقّعة.. حرب الرسائل النصية تستعر بين
...
-
بلينكن يتحدث عن تقدم في كيفية تنفيذ القرار 1701
-
بيان مصري ثالث للرد على مزاعم التعاون مع الجيش الإسرائيلي..
...
-
داعية مصري يتحدث حول فريضة يعتقد أنها غائبة عن معظم المسلمين
...
-
الهجوم السابع.. -المقاومة في العراق- تعلن ضرب هدف حيوي جنوب
...
-
استنفار واسع بعد حريق هائل في كسب السورية (فيديو)
-
لامي: ما يحدث في غزة ليس إبادة جماعية
-
روسيا تطور طائرة مسيّرة حاملة للدرونات
-
-حزب الله- يكشف خسائر الجيش الإسرائيلي منذ بداية -المناورة ا
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|