أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - أحمد عيد عاشور - خلخلة الكراهية-1















المزيد.....

خلخلة الكراهية-1


أحمد عيد عاشور

الحوار المتمدن-العدد: 4637 - 2014 / 11 / 18 - 23:43
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


"أنني أحب أبناء عشيرتي، ولكن مشاعر الحب تفرض علىَّ ألا أزدري أجنبيًا على الإطلاق، وألا أنظر إليه نظرة احتقار أو ألحق به أذى مطلقًا، إنهم تمامًا مثل إخواني وأخواتي، وكل ما في الأمر أنني لا أعرفهم حتى هذه اللحظة حق المعرفة".

الكاتب الألماني جاسلن تشينج

(1)

في عصر ما قبل المجتمعات كان الإنسان لم يتخد له انتماءً ولا وطنًا، وكان يصول ويجول في كل العالم، لا يشغله إلا الطعام والمسكن والملبس وغيرهم من الضرورات الحياتية الأساسية، وتطور حاله بعد ذلك إلى الانتماء للقبائل أو الطوائف، وما شبه هذا وذاك.

في هذه العصور البدائية السحقية منها والقريبة تاريخيًا، لم يكن قد تشكل بعد مفهوم "المواطنة" الذي ارتبط ظهوره بظهور النظم السياسية، التي تشكلت في عصر الأغريق ونبتت في ذهن الفلاسفة الإغريق العظام. يقول جورج سباين في الجزء الأول من كتابه "تطور الفكر السياسي": "..يجب ألا يغرب عن بالنا أن صفة المواطن بالنسبة إلى الإغريقي كانت تحمل في طياتها قدرًا كبيرًا أو صغيرًا من المساهمة في الشئون العامة، ومن ثم كانت فكرة الوطنية أقوى وشيجة وأقل صبغة قانونية منها في العصر الحديث"، ومن هنا نستنتج أن مفهوم "المواطنة" لم يكن قد تبلور بعد في هذا الزمن.

تطورت المواطنة بشكل نسبي في العصر الروماني بعد قيام الجمهورية في حوال سنة 500 قبل الميلاد، وقد كان النظام قبل ذلك ارستقراطي قائم على الصراع بين العامة والصفوة، ولكن بعد ذلك اندمجتا هاتان الطابقتان في طبقة واحدة هي طبقة المواطنين الرومانيين الذين لهم الحقوق السياسية والمدنية، كما يطلعنا كتاب "تطور الفكر السياسي".

وبالانتقال إلى العصور الوسطى، نجد أنه قد ظهرت العديد من نماذج الانتماءات التي حلت محل "المواطنة"، فقد كان هناك نماذج من الانتماءات الدينية، والإقطاعات الكبرى الأوروبية، إذ كان المسلمون يجتمعون تحت راية الإسلام في دول الخلافة الإسلامية، وفي الغرب الأوروبي يدين المواطن بالولاء للسادة الإقطاعيين، وبعد تفكك الإقطاع في عصر النهضة الأوروبية وظهور الطبقة البرجوازية في أوروبا الناتجة عن سيادة "رأس المال" كان الولاء السياسي لشخص الملك وليس للدولة، وهو ما دار حوله الجدلات بين الفلاسفة الذين أسسوا لنظرية "العقد الاجتماعي".

بدأ مفهوم "المواطنة" بالمفهوم الذي نعرفه عليه حاليًا، وما تبعه من شعور بالوطنية في أوروبا في القرن الثامن عشر الميلادي بعد أن شهدت أوروبا الثورة الفرنسية وسقوط الملكية، وما تبع الثورة من نتائج امتدت أثارها إلى أوروبا بالكامل، في ما كان العالم العربي والإسلامي مازال لا يعرف "المواطنة" التي يحل محلها الانتماء الديني لدولة الخلافة الإسلامية، التي تفككت على يد أتاتورك العام 1924.

إن كان قد ظهر في أوروبا تطورًا سياسيًا أفضى إلى وجود الأوطان التي يتحدد فيها شكل المواطن قانونيًا ودستوريًا، إلا أنه كان يوجد منطقة أخرى في العالم ترزح تحت وطاءة الجهل وضياع ثرواتها على يد المستعمر الأجنبي الأوروبي، ثم استيقظت أوروبا من غفوتها على هول فجيعة نتائج الحربين العالميتين، خاصة الحرب العالمية الثانية نتيجة التعصب العرقي للوطن، فالتقط ردار العلماء الحساس ذبذبات الخطر، فعمدوا إلى البحث عما ينقص العالم..ومن هنا ظهر مفهوم "المواطن العالمي".

(3)

يعرف جوتفريد أوفه في كتابه "مواطن الدولة، مواطن الاقتصاد، المواطن العالمي (الأخلاق السياسية في عصر العولمة)" المواطن العالمي بأنه: "..إنسان لا ينغلق بذاته على كيانه المجتمعي الذي يعيش فيه، وينظر نظرة نسبية إلى الحدود الكثيرة التي تفصل بين البشر، لا سيما الحواجز التي تصنعها الدول على حدود بعضها البعض، وربما كذلك العوائق الإثينية واللغوية والدينية".

لقى هذا المفهوم صدى واسع في كافة أنحاء العالم، شرقه وغربه، شماله وجنوبه، حتى أن المثقفين في مصر تلقفوا هذا المفهوم بالترحاب، ودعا إليه نخبة السياسيين والمفكرين في المجتمع المصري، ومن أبرز ما كُتب عن "المواطن العالمي" كانت مقالة للمفكر الكبير عباس محمود العقاد نشرها في مجلة الكتاب العام 1949، وأعادت مؤسسة "هنداوي" نشرها على موقعها، وأريد أن أشركك معي في النظر في الطريقة التي تناول بها العقاد مفهوم "المواطن العالمي"، ومدى الوعي والنضج بمعنى المفهوم وضرورته.

يقول العقاد:

"يدين المواطن العالمي بالوطنية العالمية، لأنه يدين اليوم بحقيقة لاشك فيها، وهي أن سلام وطنه موقوف على سلام العالم بجميع أجزائه وأنحائه، سواء كان منسوبًا إلى أمة صغيرة فقيرة، أم كان منسوبًا إلى أمة قد بلغت الغاية في القوة والثراء".

"فقد كان الوطني الفاتح مفهومًا غير مستغرب يوم كان في وسع هذه الأمة أو تلك أن تنفرد بالصولة والرخاء بين أمم العالم وشعوبه، بل كان الوطني الفاتح في ذلك الزمن مفخرة من مفاخر النخوة والبطولة، لأنه يسعى في جلب الكسب لوطنه، ولا يلام على الخسارة التي تصيب غيره".

"ولكن في هذا الزمن المستغرب غير مفهوم، وليس في عدوانه مفخرة ولا نخوة، سواء كان من أبناء الأوطان الصغار أم كان من أبناء أكبر الأوطان".

"لأن الوطني الذي ينتمي إلى وطن صغير خليق أن يمقت العدوان الذي يكون لا محالة بعض ضحاياه، ولا يطمع يومًا في خيره وجدواه، أما الوطني الذي ينتمي إلى أكبر الأوطان، ففي وسعه أن يفتح الأقطار، ويقهر أبناءها، ويستعد للفتح والغلبة بالمال الكثير، والسلاح الكثير، والجند الكثير، ولكنه ليس في وسعه ولا في وسع أعوانه على الفتح والغلبة أن يجني لنفسه أو يجني معهم ثمرة، أو يطمع في عوض".

"وستظل الوطنية العالمية فكرة يفهمها من يحب أمته ويحب الأمم معها، وتظل ضرورة يذعن لها السياسي الذي يخشى معية الغفلة عنها، والاجترار على حدودها".

لم يحرر "المواطن العالمي" العالم من الحروب والتعصب، ولكنه ظل المفهوم الأفضل في التوصل إلى صياغة تعايش عالمي بين البشر، ولو اجتمعت مُثُّل الدنيا لتنتزع أشواك الكراهية المنغرسة في عقولنا وصدورنا وتغذيها دمائنا ما أنُتزعت إلا بأيدينا.

(4)

ظهر "المواطن العالمي" وتمثل في أفعال مجموعة من الفلاسفة والكتاب والسياسيين، سمت تجربتهم على حيزهم الضيق ودخلت في أطر الإنسانية، لتبقى تجربتهم شاهدة على نضال الإنسان من أجل الإنسان.

وبمجرد الإشارة إلى "المواطن العالمي" يجب التوقف طويلًا أمام التجربة الرائدة للكاتب الذي بلا هوية غير هوية الإنسانية توماس بين (1737 – 1809)، فهو القائل "حيث لا حرية فثم وطني"، وكانت عبارته تلك ليست شعارات مفرغة من المعنى والقيمة، بل هي عبارة تلخص تاريخًا نضاليًا واسعًا ومعارك خاضها من أجل سيادة السلام والحرية في كل مكان.

وقف بين مع الثورة الأمريكية ضد وطنه بريطانيا، لأنه كانت تعقدت بداخله عقيدة الإيمان بحق كل البلاد في الحرية، فقد كان من أول المدافعيين عن حق أمريكا في الاستقلال عن بريطانيا، وألف كتيبه الشهير "الفطرة السوية"، ليصبح الشرارة الأولى لإندلاع الثورة التي حررت أمريكا. وكان بين برفض أن يتقاضى أموال على نظيرًا لما يكتبه، وتبرع بأموال كتابته التي حققت أضخم حجم مبيعات في هذا الوقت لدعم الثورة.

عاد بعد ذلك إلى بريطانيا، وألهمته الثورة الفرنسية فتماهى معها، مؤلفًا كتابه "حقوق الإنسان" للدفاع عن الثورة الفرنسية ، واصطدم آنذاك بالملكية البريطانية التي تنظر إلى الثورة الفرنسية نظرة عداء لخطورتها التي تلقي بظلالها على النظام الملكي بشكل عام، وكاد بين أن يُسجن لولا هروبه إلى فرنسا.

لم يتوقف نشاطه الثوري، ودفاعه عن المبدأ، فروعه بحر الدماء الذي عقب الثورة الفرنسية، ووقف موقفًا حاسمًا برفضه إعدام الملك لويس السادس عشر، وهو ما عرضه للسجن والإعدام، ولكن تدخل السلطات الأمريكية التي كان بين قد فضح ممارسات مندوبها في فرنسا حين كان سكرتيرًا للجنة الكونجرس للشئون الخارجية، حال دون إعدامه، فعاد إلى أمريكا ليقضي بقية حياته ويموت ويدفن بها، تاركًا تاريخًا من النضال تجسده مقولته "أنا أحيا الأغلبية في العالم..والعالم قريتي".

ومن توماس بين إلى برنارد شو لم يختلف الوضع كثيرًا، فكلاهما ذاق طعم النضال من أجل الإنسان، مهما كان جنسه أو دينه أو عرقه.

فلم يضنِ الكاتب البريطاني الكبير برنارد شو (1856 – 1950) جهدًا في الدفاع عن حق المظلومين المصريين الذين أعدموا في حادثة دنشواي، وشن هجوما حادًا على السلطات البريطانية قائلًا "إذا كانت أمبراطوريتها تعني حكم العالم كما جرى حكم دنشواي (..)، فإنه لن يكون هناك أي واجب سياسي مقدس وأكثر إلحاحًا على وجه الأرض من تقويض هذه الإمبراطورية، وإلحاق الهزيمة بها".

ووصل هجومه واصفا يوم الحادثة بأنه "يوم عار على بريطانيا العظمى"، حتى أضطرت بريطانيا عزل مندوبها السامي اللورد كرومر.

يضيق المقام عن ذكر العديد من الأمثلة الآخرى التي تجسد فيها مفهوم "المواطن العالمي"، ولكن سيكون هناك وقفة أخرى مع الكيفية التي ناضل بها العالم التطرف الديني والتعصب المذهبي، وحاملي راية التسامح في كل العصور.



#أحمد_عيد_عاشور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- معسكرا الكراهية
- أعراض أنيميا الإنسانية


المزيد.....




- بسبب متلازمة -نادرة-.. تبرئة رجل من تهمة -القيادة تحت تأثير ...
- تعويض لاعبات جمباز أمريكيات ضحايا اعتداء جنسي بقيمة 139 مليو ...
- 11 مرة خلال سنة واحدة.. فرنسا تعتذر عن كثرة استخدامها لـ-الف ...
- لازاريني يتوجه إلى روسيا للاجتماع مع ممثلي مجموعة -بريكس-
- -كجنون البقر-.. مخاوف من انتشار -زومبي الغزلان- إلى البشر
- هل تسبب اللقاحات أمراض المناعة الذاتية؟
- عقار رخيص وشائع الاستخدام قد يحمل سر مكافحة الشيخوخة
- أردوغان: نتنياهو هو هتلر العصر الحديث
- أنطونوف: واشنطن لم تعد تخفي هدفها الحقيقي من وراء فرض القيود ...
- عبد اللهيان: العقوبات ضدنا خطوة متسرعة


المزيد.....

- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب
- سلافوي جيجيك، مهرج بلاط الرأسمالية / دلير زنكنة
- أبناء -ناصر- يلقنون البروفيسور الصهيوني درسا في جامعة ادنبره / سمير الأمير
- فريدريك إنجلس والعلوم الحديثة / دلير زنكنة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - أحمد عيد عاشور - خلخلة الكراهية-1