أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - أحمد عيد عاشور - معسكرا الكراهية















المزيد.....

معسكرا الكراهية


أحمد عيد عاشور

الحوار المتمدن-العدد: 4622 - 2014 / 11 / 2 - 01:51
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


في رائعته "1984 " يرسم جورج أورويل بريشة الواقع ملامح النظم الشمولية الاستبدادية، ملامح جامدة خشنة تضرب بيد من حديد، وتطلق عبر أثير إعلامها وإستراتيجيات مؤسساتها رسائل تصبغ الشعب بصبغات واحدة، فيسهل عليها اقتيادهم ويهين عليها إخضاعهم.

ورغمًا عن تلك القبضة الحديدة، تنضبط العامة طواعية على موجة البث السلطوية، وتسير راضية مُرحبة في ركاب الديكتاتور، ومفتاح سحر فهم سلوكها المُطيع المستكين يكمن في الرسائل التي بثتها السلطة..رسائل تخلق عالمًا في وعي المواطن بأن أمن الوطن وأمانه الشخصي على حافة الهاوية، وأن الديكتاتورية حائط الصد الأخير أمام المخاطر التي تحاك على الوطن، وباسم الوطنية وبغاية قتل العدو يجب أن يخضع الجميع فـ "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة".
ولعل طواغيت العالم قديمهم وحديثهم فطنوا إلى ذلك، فإن لم يجدوا الوضع الاستثنائي خلقوه، وهنا يقول ستالين: "لقد حققت ديكتاتورية البروليتاريا نجاحًا بسبب أنها عرفت كيف تقرن الإكراه والإلزام بالاستمالة والإقناع".

يظهر هذا المعنى في أجل صورته في وصف راوي رواية "1984" لمشاهد الشنق التي تدبر للأخرين "لقد كانت ستجرى بالفعل عملية شنق بعض الأسرى من أوراسيا (..) أن مثل هذا يجرى مرة كل شهر تقريبًا وكان مشهدًا يحظى بشعبية عالية".

لا ينفك هذا المشهد بشكل أو بآخر عن الواقع في ماضيه وحاضره، فطالما غلفت السلطة أطماعها الخارجية المستندة على مبدأ براجماتي نفعي بحت بغلاف شعبي أخلاقي، مفاده أن الحروب بدأت من أجل "الوطن" ومن أجل "المواطن" يجب أن يدعم الشعب المعركة.

.. وكم من الجرائم ارتكبت باسم "الوطنية".

(2)

من مستنقع التطرف الوطني نمت أكبر الفلسفات دموية في العالم، "النازية" و"الفاشية"، وإليهما يعزو الخراب الذي حل بالعالم إبان الحرب العالمية الثانية، وكلاهما اختلافا ليتشابها في المنبع والمصب.

كانت نشأة الحركة "النازية" من أجل رفع نسبة الشعور والانتماء الوطني للشعب الألماني عقب تلقي الهزيمة في الحرب العالمية الأولى، ورفع لواء النازية حزب "العمل القومي الاشتراكي"، وهو حزب يؤمن بمبدأ القومية العنصرية، هادفًا إلى إقامة ألمانيا عظمى قائمة على أساس سيادة الجنس الآري وتفوقه.

ولكل حركة دموية نظرية فلسفية مهدت لها وسلحتها بالمبدأ الذي تحارب به، مقنعة نفسها وأتباعها بأنها تسير تحت لواء المبدأ وسموه. وتغطت "النازية" بفلسفة الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه (1844 – 1900)، القائمة على عنصرية علّو أجناس بشرية معينة، وقمع وإبادة الأعراق الدنيا في سبيل المحافظة على طهر الأعراق "العليا".

واعتمادًا على الدعاية الوطنية كرس هتلر واتباعه حركته، وكان هتلر نفسه جنديًا مدفوعًا بالحماسة الوطنية المتقدة، ومن أجلها تحول من فنان تشكيلي إلى مجرم حرب.

وبمطالعة ما خطه هتلر بقلمه في سيرته الذاتية "كفاحي" نجد أن الوطنية المتطرفة تسري في كل كلمة يخطها قلمه، فهو القائل بحس وطني صادق: "لكل منا أمنية وحيدة، خاصة هؤلاء الذين أتيحت لهم فرصة رؤية الوطن الأم، فلسوف يجدونه مطهرًا ونقيًا من تأثير الغرباء عن طريق الدم الذي يسيل يوميًا في مواجهتنا مع الأعداء العالميين ، وسترفع مكانة هويتنا المحلية".
أن الرجل هنا ينصب العداء للبشرية جميعًا، أنه لا ينظر إلا لنفسه ولأبناء جلدته، ويرى أن العالم كله خلق "كومبارس" في مسرح يسوده هو وأبناء عرقه.

وكانت استراتيجية "نازية" هتلر تقوم على محورين:

1 - الأعداء العالميون

2 – تدمير أصحاب "الأعراق الدنيا" وأولهم اليهود

فبدأ بعدوه الداخلي وهم اليهود والغجر وغيرهما من من وجد فيهم "العرق الأدنى"، فقام بقتل من 5.6 مليون إلى 6.3 مليون شخص في الفترة ما بين عامي 1941 و 1945 في محرقة "الهولوكوست".

وكلمات هتلر تتشرب عضبًا من اليهود، فهو يرى أن "التفكير المنطقي يجب أن يدفع الحركة السامية إلى قتال منظم ضد اليهود وإلى إنهاء لامتيازاتهم، ويجب أن يكون هدفها النهائي إبعاد اليهود. إذا أن الحكومة الوطنية القومية التي تنطلق من هذين الهدفين هي الناجحة لا محالة وليست الحكومة الوطنية الضعيفة".

وامتدادًا لسياسة الإقصاء الداخلية، خلق هتلر "الأعداء العالميين" / مفهومًا قائمًا على ثنائية "أكون أنا أو يكون غيري"، رافضًا ما دونه وما دون دوائره ، مبصرًا أن مصيره مرتبط بدمار غيره وأن حركته هي، كما جاء على سن قلمه، "حركة وجود ألمانيا، وإذا لم تحقق ذلك فسوف أضرب بعنف وأحطم جماجمكم في أحد اجتماعات الحزب النازي".

وكما انتجت استراتيجية تدمير الأعراق الدنيا "الهولوكوست"، انتجت إستراتيجية "الأعداء العالميين" الحرب العالمية الثانية التي ذهب خمس سكان العالم ضحيتها.

هُزم هتلر، و انتصرت نازيته مهما تعددت أردية تلبستها وأسماء استعارتها، فالأفعال تفضحها.

----------

مثلما تأثرت النازية بفلسفة نيتشة العنصرية، تأثرت الفاشية بنظرية دارون، "الصراع بين الأمم".
ومن هنا كان الفاشيون يرون أن الاستيلاء على أرض جديدة أفضل وسيلة لحل المشاكل الاقتصادية، وكانوا يعتبرون أن الحرب أمرًا جيدًا في جوهره بالنسبة إلى "الأمة".

ووضع كيفن باسمور في كتابه "الفاشية: مقدمة قصيرة جدًا" تعريفًا للفاشية بأنها "حركة قومية متعصبة مع الطبقة والنوع والدين وغيرها. وهذه القومية جعلتهم يخلقون مجتمعًا وطنيًا مستنفرًا، لا تكف جميع قطاعات الشعب فيه عن إظهار حبها للنظام، ويجد "الإنسان القاسي الجديد" فيه الشعور بالإنجاز في خدمة النظام".

وكان شعار الفاشية في إيطاليا التي حكمها موسليني عام 1922 "أمة تستنفر من أعلى"، وفي هذا إشارة إلى المجتمع الطبقي الذي تمخض عن هذه الحركة.

وكعادة مثل تلك الحركات فأنها لا ترى إلا نفسها، ثم تسحب نظرتها على المجتمع لتصبغه بصبغتها ولتقيم أوده بسوطها، فما كان من الفاشيين إلا سحق الحربة الفردية مقابل "وجود دولة قوية تعبر عن مصلحة الأمة"، وهو الوهم الذي هتكت هزيمة إيطاليا في الحرب العالمية الثانية سره.

(3)

"أتعرف يا ناتان من هو الشعب الذي بدأ أولًا يشيع بين
الأقوام الأخرى أنه الشعب المختار؟ وفيما بعد انتشرت
هذه المقولة بين الأقوام الأخرى إلى أن وصلت إلى
المسلمين والمسيحيين ويتداولونها كثيرًا. فكل فريق منهم
يعتقد أنه شعب الله المختار. هل تتعجب من كلامي هذا؟
أو لأنني أفكر بهذه الطريقة وأصرح بهذا الرأي مع أنني
أعتنق المسيحية؟ وبالإضافة إلى ذلك فإن وظيفتي هي
فارس المعبد؟ هل هذا يدهشك؟ أخبرني! متى وأين كان
للتشدد الديني آثار سيئة للغاية مثلما يحدث حاليًا هنا؟
وتدِّعي كل طائفة أنها تحظى بالإله الأفضل وتود أن
تفرضه بالقوة على الدنيا كلها. إن من لا يخلع الغماءة
من فوق عينيه، سوف يظل أعمى إلى الأبد...!"

مسرحية "ناتان الحكيم والخواتم الثلاثة"، جوتهولد ليسينج، ترجمة فوزية حسن


هذه هي الأزمة بأفصح العبارات، "شعب الله المختار"، فإذا كان الله قد اختار شعبًا، فلماذا خلق باقي الشعوب؟!

يفتح الدكتور يوسف زيدان في مقالة له في المصري اليوم بعنوان "الفرقة الناجية" التي ضمها في كتابه "متاهات الوهم" نافذة على طائفية ضاربة بجذورها في تاريخ الأديان التي يصفها بـ"الرسالية".

فنببت في الوعي التاريخي اليهودي فكرة أن اليهود دينًا وعرقًا هم "أبناء الرب" والباقي هم "الأمم"، وبين الطبقتين العليا المتمثلة في "أبناء الرب" والدنيا المتمثلة في "الأمم" تواجدت طبقة "المتهودين"، وهم اليهود من النسل الإبراهيمي من زوجته الأولى سارة.

وسار هذا المفهود في المسار التاريخي، وتطور حتى تبلور في شكله النهائي في "الصهيونية"، وقال بشأنها الحاخام برنير، نائب رئيس المنظمة الصهيونية العالمية، عام 1934: "نحن نريد استبدال الاندماج بقانون جديد، الاعتراف بالانتماء إلى العرق اليهودي والأمة اليهودية".

ولم تبتعد نصوص "أناثيما" المسيحية عن فكرة "الفرقة الناجية"، فهي عبارة عن نصوص معناها بالعربية "الحرومات" تعد بمثابة إقرارت إيمانية تعرض على المسيحي، فإن قبلها صار من المؤمنين الناجين، وإن أنكرها أو اعترض علي شئ فيها، فهو "كافر" لا ينتمي إلى "أبناء الرب".

محاولة تفصيل مذهب مسيحي واحد يراد به أن يكون البوصلة التي تهدي العبد للرب، وأن تخلع صفة الإيمان القويم على من ينتمي للمذهب، اشعلت حروبًا مسيحية دموية، بين مذهب الكاثوليك الذي كان مسيطرًا على الكنيسة بأوروبا، ومذهب البروتستانت الوليد على يد الألماني مارتن لوتر (1483 – 1546)، الرافض لكهنوت الكنيسة وصكوك الغفران والواسطة بين العبد والرب.
واشتدت الحرب واستمرت لمدة ثلاثين عامًا (1618 – 1648)، حرب ظاهرها الدين وباطنها السياسة، لخوف الكنيسة من ضياع هيبتها، ورغبة الملوك في تقويض سلطة الكنيسة عبر دعم هذا المذهب الجديد بطريقة غير مباشرة.

وعصفت هذه الحرب بألمانيا، وكبدتها خسائر كبرى، فانخفض عدد سكان ألمانيا من 20 مليون إلى 13 مليون نسمة.

يتوجه المسلمون المتطرفون في تبرير تطرفهم إلى الحديث النبوي "تتفرق أمتي على بضع وسبعين فرقة، كلها في النار، إلا واحدة"، ورغمًا عن أن علماء الحديث نقدوا متن وسند هذا الحديث إلا أن فكرة "الفرقة الناجية" المتولدة من تفسير الحديث ذاعت وانتشرت بين المسلمين.

ومن مضاعفات "الفرقة الناجية"عند المسلمين الاقتتال الذي شهده القرن السابع الهجري في الشام بين أتباع المذهب الحنفي وأتباع المذهب الحنبلي، وما تبعه من رفض كلُ منهما الزواج والمصاهرة من الآخر!
وبلغت المذهبية الإسلامية مداها في الوقت الحالي، ولعل لهذا أسباب سياسية متلحفة بالدين، ولنا مع هذا وقفة في مقالة منفصلة.



(4)

هما وجهان لعملة واحدة، لهما جذر واحد يغذهما، التطرف الذي ما إن صاحب "الوطنية" حتى ينقلب إلى عنصرية وشوفينية، وما إن تعلق بالدين حتى انقلب إلى إرهاب طائفي، ونتيجتهما هو سريان أنهار الدم.

التطرف الوطني يرى أن العرق يعطي مبررًا على الاستعلاء على الأمم الأخرى، ويمكله الحق في استلاب حقوق الأخرين والجور عليهم، مستندًا في ذلك على نظرية تقوم على سيادة الأقوى، وتتوسل القوة العسكرية لتحقيق أمنها واستقرارها المزعوم، وتتخذ من الاعتداء قربانًا تؤديه للوطن.

والتطرف الطائفي يستند على الارتفاع قدرًا على باقي البشر بالاتنباع لدين معين، وأن رفعة هذا الدين تقتضي خوض معارك تصاحبها النحر والجز قربانًا للدين وانتصارًا لشريعته، وأن الفوز بالجنة رهين بحجم ما يقدم في الدينا من دماء.

لم يعد في المعمورة مكانًا لم تدنسه أقدام المنتمين إلى معسكرا الشر والكراهية تلكما، سواء كانوا يعوا أن ما يفعلوه شر مقيت وجرم خبيث، أو كانوا يعتقدون أنهم في سبيل الوطن قاموا أو في سبيل رفع لواء الله يبتغوا، فلا يهم، فنتيجة ما قترفوا كفيلة بالتحدث عن نفسها.



#أحمد_عيد_عاشور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أعراض أنيميا الإنسانية


المزيد.....




- بايدن على قناعة بأن ترامب لن يعترف بهزيمة في الانتخابات
- قائد -نوراد-: الولايات المتحدة غير قادرة على صد هجوم بحجم ال ...
- أبرز مواصفات iPad Pro 13 الجديد من آبل
- سويسرا ترصد 11 مليون دولار للأونروا في غزة
- الجيش الإسرائيلي: معبر -كرم أبو سالم- تعرض للقصف من رفح مجدد ...
- -يني شفق-: 5 دول إفريقية قررت إنهاء عمليات الشحن البري مع إس ...
- جبران باسيل لـRT: الهزيمة ستكتب لإسرائيل في حال انتقالها إلى ...
- ?? مباشر: بايدن يهدد بإيقاف إمداد إسرائيل بالأسلحة إذا اجتاح ...
- بايدن: لن نزود إسرائيل بالأسلحة إن دخلت رفح
- بايدن: القنابل التي قدمناها لإسرائيل استخدمت في قتل المدنيين ...


المزيد.....

- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب
- سلافوي جيجيك، مهرج بلاط الرأسمالية / دلير زنكنة
- أبناء -ناصر- يلقنون البروفيسور الصهيوني درسا في جامعة ادنبره / سمير الأمير
- فريدريك إنجلس والعلوم الحديثة / دلير زنكنة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - أحمد عيد عاشور - معسكرا الكراهية