أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الرحيم داودي - اللُّغة العربيَّةُ ذاكرةٌ وتارِيخٌ...














المزيد.....

اللُّغة العربيَّةُ ذاكرةٌ وتارِيخٌ...


عبد الرحيم داودي

الحوار المتمدن-العدد: 4622 - 2014 / 11 / 2 - 00:33
المحور: الادب والفن
    


يُعَلِمُنَا "أمبرتو إيكو" أنَّ الإنسان هو في حقيقته لُغَةٌ، فبما أنه "لا يستطيع التفكير خارج الكلمات أو خارج رموز توجد خارجه، فإن هذه الكلمات وهذه الرموز سترد عليه قائلة: إنك لن تقول إلا ما سبق أن علمناك أياه، ولا يمكنك أن تنتج دلالة إلا في حدود قدرتك على تعبئـة كلمة باعتبارها مؤولا لفكرك".(1) وعليه، فإنك لن تقول إلا ما علمتك إيَّاُه ثقافتكَ /لغتك.

استناداً إلى ذلك، فإن دُعاة الدارجة، يطمحون إلى نفيِّ لُغة حُبلى بثقافةٍ مغرقة في التاريخ، إنَّهم يتكالبون على تقويض دعائمٍ متصلٍ لغويٍّ، لا يكفلُ تواصل الإنسان العربيِّ مع بني جلدته فحسب، بل إنَّهُ يسافرُ بهم عبر حدائق ثقافةٍ تطاول العُلى وتغني الحضارة. لقد فاتهم إدراكُ أن الإنسان "هو اللغة التي يتكلمها، ذلك أن الثقافة ليست شيئا آخر سوى نسق أنساق العلامات. فحتى عندما يعتقد الإنسان أنه يتكلم، فإنه محكوم بالقواعد التي تحكم العلامات المستعملة. فمعرفة هذه القواعد تعني معرفة المجتمع، ولكنها تعني أيضا معرفة التحديدات السيميائية لما كان يسمى قديما البنيات الذهنية، أي التحديدات التي تجعل منا فكراً". (2) لذلك، فوراء "الصوت الذي يتحدث إلينا تختفي ثقافة موجودة بشكل سابق، هي التي أسست قوانين التأويل وعلمتنا كيف نستمع إلى خزان التقليد الثقافي باعتباره صوتا." (3)

فلنتذكر عبارةَ الشاعرِ الفلسطينيِّ الألمعيِّ "محمود درويش" في قافيته من أجل المعلقات: أَنَا لُغَتِي؛ أَنَا مَا قَالَتِ الكَلِمَاُت. إنَّ هذه العبارة، تحبل بدلالاتٍ بالغة العمق. لعلَّ أبرزهَا، أنَّ اللُّغة أوسعُ من الذِّهنِ الذي يستعملُهَا، إنُهُ لا يتكلَّمها، إنَّها هي التي تتكلمُ من خلاله. وهُنَا مربطُ الفَرسِ، فالدعوة إلى اعتماد الدارجة لغةً للتدريسِ، دعوةٌ مغرضةٌ، الغرضُ منها التطويحُ بالتلميذ إلى مدارات الاغتراب والاستلاب. فاستبدال لغة راقية، فصيحة، بلهجة هجينة سيلوث البنى الذهنية الباطنية للتلميذ، حينها سيحس التلميذ بأنه يترعرع في عالم موحش.

وهكذا، فإنَّ اللغة هي العنصر الأساسُ في تشكل الثقافةِ وفي طريقة تعلم الانتماء إليها. إنَّ التلميذ "لا يكتشف العالم من خلال لغة محايدة تقيه شر الأشياء، بل تسرب إليه المدرسة من خلال هذه اللغة ذاتها شحنة حضارية، إنه يتعلم من خلالها كيف ينتمي إلى ثقافة محيطه المباشر والبعيد، ويتعلم كيف يستبطن المحظور، باعتباره انتماء عفويا إلى نظام اجتماعي يستوعب المحرم، والمباح بصفتهما جزءاً من بنائه، لا لكونهما حالة من حالات إكراه مفروض من خارج الوعي."(4) إننا أسرى لغاتنا فداخلها "نتعلم كيف نكبر ونتعلم وكيف نعرف العالم، ونتعلم كيف نعرف الناس، وأخيراً كيف نعرف أنفسنا..." (5)

وفي سياقِ دفاعه عن اللُّغةِ العربيّة من شراك الهويّات اللهجية الضيّقة، يقول د. "عبد السلام المسدي"، في كتابه العرب والانتحار اللغوي: إن "تكريس اللهجة حاملا للرسالة الثقافية وبديلا عن اللغة القومية لهو الانتحار الجماعي على عتبات قلعة التاريخ."(6) فالحقيقةُ الصارخةُ، العاريّةُ، التي لا نَفْقَهُهَا، هي أنَّه لا تُوَجَدُ "ثقافة بدون هوية حضارية. ولا هوية بدون إنتاج فكري. ولا فكر بدون مؤسسات علمية متينة. ولا علم بدون حرية معرفية. ولا معرفة ولا تواصل ولا تأثير بدون لغة قومية تضرب جذورها في التاريخ، وتشارف المستقبل بشموخ حاجة العصر وضرورات المستقبل." (7)
والحاصل، أنَّ اللغة العربيّةَ "تمثل ذاكرة الأمة، وتختزن فيها تراثها، ومفاهيمها، وقيمها، فهي أداة التواصل بين الماضي والحاضر، وتمثل الذاكرة الحضارية وقوام الشخصية ومناط الأصالة..." (8)

الهوامش:
(1) سعيد بنكَراد، ملاحظات عامة حول اللغة: لماذا لا يمكن اعتماد الدارجة أداة للتدريس، ص5 بتصرف، موقع الأستاذ سعيد بنكَراد.
(2) أمبرتو إيكو، العلامة، تحليل المفهوم وتاريخه، ترجمة سعيد بنكَراد، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء/بيروت، ط2/2010 ص273.
(3) نفس المرجع، ص273و274.
(4) نفس المرجع، ص212.
(5) سعيد بنكَراد، وهج المعاني، سميائيات الأنساق الثقافية، المركز الثقافي العربي،ط1/ 2014،ص208.
(6) هانس جورج غادامير، الإنسان واللغة، ترجمة عبد العلي اليزامي، مجلة علامات، العدد22/2004، ص104
(7) عبد السلام المسدي، العرب والانتحار اللغوي،دار الكتاب الجديدة المتحدة، بنغازي،ط1/ 2011، ص33.
(8) سعيد بنكَراد، ملاحظات عامة حول اللغة: لماذا لا يمكن اعتماد الدارجة لغة للتدريس، ص3.



#عبد_الرحيم_داودي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اللُّغة العربيَّةُ ذاكرةٌ وتارِيخٌ...


المزيد.....




- فرح الأولاد وثبتها.. تردد قناة توم وجيري 2024 أفضل أفلام الك ...
- “استقبلها الان” تردد قناة الفجر الجزائرية لمتابعة مسلسل قيام ...
- مونيا بن فغول: لماذا تراجعت الممثلة الجزائرية عن دفاعها عن ت ...
- المؤسس عثمان 159 مترجمة.. قيامة عثمان الحلقة 159 الموسم الخا ...
- آل الشيخ يكشف عن اتفاقية بين -موسم الرياض- واتحاد -UFC- للفن ...
- -طقوس شيطانية وسحر وتعري- في مسابقة -يوروفيجن- تثير غضب المت ...
- الحرب على غزة تلقي بظلالها على انطلاق مسابقة يوروفجين للأغني ...
- أخلاقيات ثقافية وآفاق زمنية.. تباين تصورات الغد بين معمار ال ...
- المدارس العتيقة في المغرب.. منارات علمية تنهل من عبق التاريخ ...
- تردد قناة بطوط كيدز الجديد 2024 على نايل سات أفلام وأغاني لل ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الرحيم داودي - اللُّغة العربيَّةُ ذاكرةٌ وتارِيخٌ...