|
ما بعد إعادة الإنتشار في غزة ...؟
إعتراف الريماوي
الحوار المتمدن-العدد: 1291 - 2005 / 8 / 19 - 07:50
المحور:
القضية الفلسطينية
لا شك أن إقدام قوات الإحتلال الإسرائيلي ، على إعادة ألإنتشار في غزة وخاصة تفكيكها للمستوطنات هناك ، يشكل حدثا تاريخيا من حيث الأسباب والمضمون والنتائج المستقبلية لهذه الخطوة . ويمكن لهذه الخطوة أن تعطي معان مختلفة ، ولا تنفصل عن الرؤيا المستقبلية للصراع المستمر ، فالكيان المحتل يعد لها إسثمارا آخرا ويضعها بداية لتحولات واقعية يرغب بفرضها ، ونحن ، الفلسطينيين أيضا لا بد لنا من إلتقاط هذه الخطوة والبناء عليها بما يخدم مشروعنا التحرري ، والمتناقض مع ما يرسم إليه الكيان المحتل .
تفكيك المستوطنات الجاثمة على قطاع غزة ، بحد ذاته يعد صدمة للأيديولوجيا والذهنية الصهيونية بالمعنى الفردي والجمعي ، فهذا الكيان القائم على الكولونيالية والإستيطان ، والذي جمّع ومازال ، يهود العالم ليكون مادة كيانه الإستيطاني ، وما يرافق ذلك من تربية وتنشئة عنصرية ودعم غير محدود ، هذا الكيان ، يجد نفسه متراجعا بحكم حالة المقاومة والصمود التي جسدها الشعب الفلسطيني على مر عقود من النضال المتواصل ، ولكن هذا الكيان لم يعتبر بعد من دروس التاريخ ، ولم يكن تراجعه من باب إقراره بخطيئته وجريمته التاريخية بحق الأرض والإنسان الفلسطيني ، وإنما جاء نتيجة لفشله في فرض منطق القوة والقمع ، وإدراكه لحالة الإستنزاف التي يعيشها بحكم إستمرار الإحتلال ، ولذا فرض على العدو التراجع خطوة قسرية للوراء ، وبنفس الذهنية الكولينيالية ، وبطريقة إستخدامية لهذا التراجع ، نرى ونسمع ونلمس مخططات هذا الكيان ، لتوسيع وتضخيم الإستيطان في الضفة الغربية بما فيها القدس . فشارون يرغب ، ومن ورائه كافة أركان حكومته ، إستثمار تفكيك المستوطنات في قطاع غزة ، لتعويضها بالضفة ، حيث لاحظنا تصريحات شارون وموفاز ، بالأيام القليلة الماضية وهي تتحدث عن الإستيطان والإحتفاظ بعدد من المستوطنات في الضفة الغربية مهما كانت طبيعة " الحل الدائم " . والأدهى من ذلك أن شارون وأركانه عملوا ومازالوا ، محاولة منهم لتحقيق شرعية دولية وخاصة أمريكية لخطاهم مستقبلا ، فقد تمادوا في البكاء على حالة المستوطنين ، وصوروها تنازلا مؤلما وثمنا باهظا يتطلب التقدير والتعاطف والتعويض !! ، متناسين ومتجاهلين ، أنها لم ترق هذه الخطوة القسرية ، إلى مستوى الإنسحاب الفعلي من أكثر من 1% من مساحة فلسطين التي إستوطنوها وشردوا شعبها ومارسوا بحقه أبشع الجرائم وأنواعها ، بل تمضي المخططات الصهيونية ، وتطمح على ما يبدوا لجعل قضية الحدود والمعابر البرية والبحرية والجوية ، والتواصل الجغرافي بين غزة والضفة والعالم ، على انها من القضايا التفاوضية الصعبة ، لتكن قضايا الإنسحاب الفعلي من غزة حاليا ، والضفة لاحقا بما فيها القدس ، وقضية الأسرى واللاجئيين والإستقلال الفعلي والدولة ذات السيادة الكاملة ، ضربا من المستحيل !! هذه هي ذهنية ومخططات العدو ، التي تستخدم التجميل والغلافات البرّاقة محاولة التستر على جوهرها الكولينيالي ، و تهدف بذات الوقت وبموازاته ، لتلقي الدعم العالمي ، والضغط على العرب للتطبيع ، وفرض ذاتها كقوة أولى ، وكيان طبيعي في " الشرق الأوسط الكبير " .
بناء على هذا ، ما هي كيفية تفاعل هذه "الخطو القسرية" فلسطينيا ؟ كيف يجب فهمها والتعامل معها من أجل المستقبل ؟ نعم ، فهذه الخطوة التي فرضت على العدو لا بد من أن تلقى ترجمة فعلية للبناء عليها ، وأن تكون نقطة تتواصل مع أهداف المشروع الوطني الفلسطيني ، وان تستلهم دروسها جيدا ، فحقيقةً أن هذه الخطوة قد جاءت نتاج تواصل الصمود والمقاومة الفلسطينية على مدار سني النضال الفلسطيني الطويل ، ولا بد من ترسيخ ذلك في وعينا وأدبياتنا أولا وقبل كل شيء ، فهذا العدو ، لا يمنح هبات ولا عطايا ، وإنما وجد لا مناص له بغير ذلك ، كما أن مفاوضة هذا العدو لم تنجز شيئا سوى المزيد من إعطائه الفرصة وتجميل صورته أمام العالم ، فالخطوة القسرية هذه لم تأت من خلال المفاوضات ، بل على العكس من ذلك ، فقد تزايد الإستيطان بالضفة وغزة ما بعد إتفاق أوسلو ، وعندما وجد العدو نفسه تحت وطأة إستمرار المقاومة بإندلاع الإنتفاضة الثانية و دون غطاء تفاوضي شكلي ، كانت هذه الخطوة قسرية لا بد منها . فطالما بقي الإحتلال بأي شكل من الأشكال على أرضنا ، لا بد من مواصلة المقاومة وتعزيزها بالأشكال المختلفة .
لا بد أيضا من الإصرار فلسطينيا ، على تحويل هذه الخطوة القسرية التي إستجاب إليها الكيان المحتل ، إلى إنسحاب فعلي وحقيقي من قطاع غزة ، حيث أن ما تم ويجري ، مع أهميته ، إلا أنه لا يغدو أكثر من إعادة إنتشار لقوات الإحتلال ، ولا بد من تطويره لإنسحاب فعلي ، بالسيطرة على الحدود والمعابر والميناء والتحكم الفلسطيني الكامل بالحركة من وإلى قطاع غزة ... الخ ، وتحقيق التواصل الجغرافي الطبيعي ما بين القطاع و الضفة الغربية . وبغير هذا تبقى غزة محاصرة ومحتلة ، وتستدعي من الجميع التوحد والنضال لتحريرها .
حالة التقهقر الإستيطاني في غزة ، وما رافقها من صدمة معنوية للمستوطنين وقادتهم في الكيان المحتل ، لا بد من إستثمارها فلسطينيا ، والتركيز على عدم مشروعية الإستيطان ، وعدم قبول ما يسميه الكيان ب " الوقائع المتغيرة على الأرض " ، فشارون سابقا كان يقول عن أمن مستوطناته في غزة هو نفسه الأمن المطلوب ل " تل أبيب " ، واليوم يخرج من غزة بفعل الصمود والمقاومة ، وهذا يجب أن ينسحب على باقي الضفة الغربية ، التي يعد شارون نفسه لإفتراسها ، فالتواصل بذهنية المقدرة الفلسطينية على تركيم وتحقيق الإنجازات على الأرض وتعزيز هذا المنطق ، ودعمه سياسيا وإعلاميا ، مرفودا بالمقاومة والصمود الفلسطيني ، هو الرد الوحيد على مخططات شارون وأيديولوجيته الإقتلاعية الإستيطانية ، بل هي الرد الذي سيكفل إنسحابه وغيره غدا من " أرائيل ومعالي أدوميم وعتصيون ... الخ " وغيرها في الضفة كما إنسحب من "كفارداروم وكيسوفيم ونفيه دي كاليم ...الخ " وغيرها من القطاع . فهذا المنطق الذي سيكفل تحويل الخطوة القسرية في غزة حاليا ، إلى مستقبل ينساق على كل الأرض الفلسطينية المحتلة ، وسنشهد شارون وغيره ، يحملون مستوطنيهم ويرحلون.
ولإلتقاط هذا الفهم وتحويله ممارسة فعلية فلسطينية بإتجاه الدفع نحو التحرير الكامل ، لا بد من صيانة الحياة الداخلية الفلسطينية ومقوماتها بإختلاف تشكيلاتها ، التي تشكل الحامل الفعلي للمشروع الوطني ، بمعنى الإستفادة من حالة التعدد السياسي والفكري الداخلي ، وخلق القواسم المشتركة والموحدة لكافة القوى والفعاليات السياسية والإجتماعية ، وان تكون ناظما لعمل الجميع كحد أدنى ، والخروج من دائرة التنافس الفئوي والآني ، في سبيل الهدف الأكبر. ولتحقيق ذلك ، وترسيم هذه العلاقة من حالة التعايش الداخلي الفلسطيني ، لا بد من إجراء الإنتخابات التشريعية الفلسطينية ، ويليها إعادة بناء وتكوين م . ت . ف بإنتخاب المجلس الوطني لعموم الفلسطينيين ، في الداخل والشتات ، وكذلك إعادة الإعتبار لهيئات المنظمة جميعها . وعلى كافة القوى والأفراد التسليم بمبدأ تداول السلطة سلميا من خلال صندوق الإقتراع ، حيث كل الشعب الفلسطيني يجب ان يقرر برأيه وتعلو إرادته نحو تحقيق أهدافه الوطنية كاملة غير منقوصة ، ولتغدو صورة خروج المستوطنين من غزة ، هي خروجهم جميعا من الضفة بما فيها القدس ، بل من حقنا الحلم والعمل على أن تكون صورة خروجهم هي صورة عودة ملايين اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم التي إقتلعوا منها .
#إعتراف_الريماوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ثمن فاتورة - فك الإرتباط - !؟
-
حالة الإستقطاب والنزوع للسلطة!
-
هل من وجهة جديدة -لحج- قادم ؟!
-
الوضع العراقي والقوى اليسارية والديمقراطية
-
!!-بئس هذا النموذج يا أهل -نهاية التاريخ
-
دهاليز التسوية الفاشلة ، إلى متى؟
المزيد.....
-
بعضها أوقف التصدير... ما هي الدول التي تزود إسرائيل بالأسلحة
...
-
الآلاف يرفعون علم روسيا العملاق في قبرص احتفالا بيوم النصر
-
لجنة فلسطينية تدعو أهالي الضفة والقدس والداخل للانتفاضة إسنا
...
-
ساحة حرب.. مشاهد مروعة لهجوم نشطاء على مصنع -تسلا- في ألماني
...
-
-كتائب القسام- تفجّر نفقا بقوة إسرائيلية في رفح
-
الدفاع الروسية تعلن تدمير 3 دبابات -ليوبارد- ألمانية ودبابتي
...
-
تأهل المتسابقة الإسرائيلية في مسابقة -يوروفيجين- وسط تظاهرات
...
-
السفارة الروسية في الإمارات تنظم أمسية احتفالية بمناسبة الذك
...
-
إسرائيل تتحدث عن مغادرة مقاتلين من -حماس- رفح وتكشف عن استرا
...
-
لسبب غريب.. صينيون يدهنون وجوههم باللون الأسود (فيديو)
المزيد.....
-
المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق
...
/ الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
-
حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية
/ جوزيف ظاهر
-
الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية-
/ ماهر الشريف
-
اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا
/ طلال الربيعي
-
المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين
/ عادل العمري
-
«طوفان الأقصى»، وما بعده..
/ فهد سليمان
-
رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث
...
/ مرزوق الحلالي
-
غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة
/ أحمد جردات
-
حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق
...
/ غازي الصوراني
-
التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|