أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - عبد العزيز صاحب الناشور - عاشق الغجر _ قصة حقيقة من الحرب العراقية الإيرانية















المزيد.....

عاشق الغجر _ قصة حقيقة من الحرب العراقية الإيرانية


عبد العزيز صاحب الناشور

الحوار المتمدن-العدد: 4574 - 2014 / 9 / 14 - 23:38
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


في منتصف شهر شباط من العام 1986، و في موقع متقدم من جبهات القتال في الحرب العراقية - الإيرانية و ضمن قاطع الزبيدات على الحدود الشرقية لمدينة العمارة جنوب العراق.
في ذلك اليوم و منذ الصباح الباكر تلبدت السماء بغيوم سوداء قادمة من الغربية (البحر المتوسط) بإتجاه الجهة الشرقية المتمثلة بحدود إيران، الغيوم الكثيفة حجبت أشعة الشمس مع انتصاف النهار و عند حلول المساء تساقطت امطار غزيرة متسببة بسيول جارفة من الماء و الطين أنحدرت بقوة بإتجاه الأراضي المنبسطة حتى كونت ما يُشبه الأنهار الصغيرة وسط تموجات الأرض.
أمام هذهِ السيول لم تصمد المواضع التي نسكنها فاخترقت الأمطارو السيول الثغرات بين المتاريس المتلاصقة، هذهِ المواضع عبارة عن حفرة مستطيلة الشكل حُفرت داخل الأرض و رصفَ حولها صفين من الأكياس المملؤة بالتراب لتكوّن جداراً من أربعة أضلاع حول الموضع حيث يوضع فوقها و بشكل عرضي أعمدة من شجر القوق اليابس ، ثم يوضع فوق هذهِ الأعمدة سقف من قطع الصفيح (الجينكو) التي يُغطى بعدها بالتراب ليصبح معها أرتفاع الموضع أقل المترين، بحيث لو سقطت قذيفة من قذائف المدفعية الإيرانية فوق المواضع لقلبت عاليها سافلها ، و مع أستمرار هطول الأمطار حتى حلول الليل بسوادهِ الموحش بدأ قصف مدفعي كثيف و غير معتاد من القوات الإيرانية على سرايا و مقر الفوج الأول لوائ 703 و أستمر القصف المدفعي الثقيل لعدة ساعات و كان من الخسائر ما تسبب بهِ سقوط قذيفة وسط عجلة حِمل تُركن في مقر الفوج كانت قادمة من "الخلفي" و محملة بصناديق الأعتدة فأشتعلت فيها النيران و تصاعد اللهيب إلى أعالي السماء مع دويّ أصوات عالية لإنفجار الأعتدة حتى أصبح مقر الفوج هدف مكشوف أمام القوات الإيرانية إذ أنارت الليل على مساحة سرية مقر الفوج.
و بعد توقف القصف المدفعي الإيراني الذي أستمر لساعات بدأت القوات الإيرانية بالزحف و التقدم نحو قطاعات سرايا الفوج الأمامية دون أن تجد أمامها أي مقاومة بسبب أنهيار معنويات الجنود جراء القصف المدفعي الكثيف الذي أدى الى جرح و قتل بعض الجنود أضافة إلى اشتداد المطر و السيول مما تسبب بملء الخنادق و المواضع بالمياه ، فبدأت السرايا تسقط الواحدة تلو الأخرى بعد أن هربَ أغلب منتسبيها من الضباط و أصحاب الرتب من المواجهة المباشرة بإستثناء السرية الرابعة و التي كانت في آخر خط المواجهة القتالية مع الخط الأفقي الممتد بالتماس مع القوات الإيرانية .
صمود السرية الرابعة و أستمرارها بالقتال يعود لصلابة موقف آمر السرية الملازم الأول (سلام) و بقاءه في المواجهة القتالية و للموقف المفاجىء و البطولي الذي أظهره نائب العريف (ناهي) الذي تم نقله إلى السرية الرابعة قبل يومين فقط من بدء المعركة، قاتل (ناهي) ببسالة و شجاعة فائقة رفع فيها معنويات الجنود و حثهم على الصمود و القتال لم يتوقف دوي صوته مع صوت رصاص بندقيته و هو يردد بأعلى صوتهِ الأهازيج و الأشعار الحماسية و يتنقل من مكان إلى آخر على طول الخندق الشقي و من جملة ما كان يردده "الموت أعلى الحك موش أعلى وسادة" و كان من يراه يظن أنهُ قد جن بحركتهِ المستمرة لجلب صناديق العتاد و مداوة بعض الجرحى بضماد الميدان حتى أن بندقيته عطبت و استبدلها ببندقية أحد الجرحى. كانَ لموقف (ناهي) الشجاع الدور في ثبات و عزيمة الآخرين بإندفاعهِ أمامهم و حتى طلوع الفجر و توقف القتال بعدَ إنسحاب القوات الإيرانية التي لم يكن في خطتها التقدم أكثر لإسقاط الفوج بل كانت ممارسة قتالية كشفت من خلالها حجم القوى القتالية التي أمامها كان (ناهي) قد وصل الى السرية الرابعة بعقوبة من قبل آمر الفوج و ذلك بسبب عدم إطاعته للأوامر العسكرية فـ(ناهي) ليس من صنف المشاة أنما سائق عجلة نقل لمياه الشرب من المناطق الخلفية الآمنة إلى المتقدم من جبهات القتال، و بسبب تخلفه عن اداء الواجب تمت معاقبته بالنقل إلى خط القتال المتقدم بدلاً عن السجن و ذلكَ لأن سجن الفوج كان يقع في المنطقة الخلفية الآمنة بعيداً عن نيران العدو و أغلب الجنود كانوا يتمنون السجن عوضاً عن مناطق الكمائن و الحجابات أمام حقول الألغام، مما دفع بعض اسراء الأفواج بمعاقبة الهاربين و المتخلفين عن الالتحاق بعد انتهاء اجازتهم في الوقت المحدد بإرسالهم للخروج في كمائن في أرض الحرام و خلف حقول الألغام .
أمتثلَ ناهي لأمر النقل فأخذ بندقيته و حمل معهُ جعبة الرصاص و وضع في كتفهِ قناع الوقاية من الضربات الكيماوية و التي لم يتم استخدامها كسلاح من قبل القوات الإيرانية طوال الحرب بل استخدمت عدة مرات من قبل القوات العراقية، سار (ناهي) على الأقدام بحدود مسافة كيلومتر من مقر الفوج إلى السرية الرابعة.
كان (ناهي) من سكنة مدينة العمارة و من المواليد التي طال أمدها في الخدمة العسكرية بسبب طول الحرب، تميز ببشرة سمراء مع متوسط طول قامته و قوة بناء عضلاته و شارب كثيف يغطي فمه و كان ذو صوت شجي يعشق الغناء الريفي الجنوبي حتى أنهُ يقضي وقتهُ في ترديد أغانيهِ العاطفية بحزن و شجن لإصدقائه، كان ذو شهامة و عزة نفس في إندفاعه لمساعدة الآخرين و رفضهِ للذل و الخضوع للأوامر التعسفية حتى أصبحَ متمرداً في اداء بعض الواجبات الشخصية للضباط الذين يطلبلون منهُ جلب بعض الأشياء الخاصة بهم.
السبب وراء نقل (ناهي) و معاقبته كانَ بعد أن علمَ آمر الفوج من أحد أفراد حمايتهِ أن (ناهي) يذهب بصهريج محمل بالمياه إلى الغجر "الكاولية" حيث كان ناهي يعشق الغجر و يتتبعهم حيث ما رحلوا و في كل مرة يقدم (ناهي) عذراً بإدعائهِ حصول عطل في العجلة في منطقة نائية اضطرهُ إلى تركها عدة أيام أو حدوث عطب في أحدى عجلاتها و ليس لديهِ الأحتياط لإستبداله أصبحت هذهِ الأعذار متكررة في شهادتهِ و الحقيقة أنهُ كان يقضي تلك الأيام بسعادة عند الغجر الذين يُرحبون بهِ لحاجتهم للمياه بالأخص في فصل الصيف فيقدمون على الشكر و الثناء لهُ و يكرمونه غاية الكرم حتى أصبح صديقهم الدائم يعشق حياتهم و يعيش معهم اجواء الطرب و الأماسي الغنائية و عزف الربابة و الرقص الغجري لنسائهم و يشاركهم هو الغناء و الرقص حتى ساعات متأخرة من الليل و اصبح لا يطيق فراقهم و أدعى أنهُ عشق واحدة من بناتهم و حتى الغجر كانوا يقولون له "أنتَ واحد منا" و في أحدى المرات وقعَ شجار بينه و بين مسؤؤول فصيل السواق نائب ضابط (عواد) الذي قال لهُ :
- أنتَ تذهب بالماء إلى هؤلاء الكاولية و نحن بأمس الحاجة إليهِ سوف أعاقبك بقطع إجازتك الشهرية
فرد عليهِ (ناهي) :
- أن هؤلاء الكاولية أولى منك بشرب الماء، أنهم يستحقون كل ما أملك و ليس الماء وحده ، و أنا لا حاجة بي إلى أجازتكم فأنا أمنح لنفسي أجازة شهرية بدلاً عن تصدقكَ أنتَ أو آمر الفوج .
على أثر ذلكَ تمت معاقبته بالنقل من سائق الى جندي مشاة في خطوط القتال المتقدمة ضمن السرية الرابعة.

بعد انتهاء المعركة تم أحصاء الخسائر و أرسال موقف موحد إلى قيادة الفرقة ، أرسل الموقف آمر الفوج و ضابط التوجيه السياسي و اتسم التقرير بالمبالغة في وصف المواقف البطولية و التصدي للهجوم رغم حقيقة أن ضابط التوجيه السياسي و ضابط الأستخبارات لم يخرجا من موضعهما طيلة ساعات المعركة ، تم أرسال الموقف إلى قيادة الفرقة و بناء عليهِ طلبت القيادة اسماء المتزميزين من الضباط و المراتب الذين صدوا الهجوم لغرض تكريمهم من قبل قائد الفرقة بإنواط الشجاعة فأتفق آمر الفوج مع ضابط التوجه السياسي بإرسال اسماء جميع الضباط مع بعض المراتب و كان من ضمنهم بعض أفراد حماية آمر الفوج ، و لم يتم تدوين أسم (ناهي) رغم شهادة آمر السرية بموقفه البطولي و لكن تم رفض أسمه بحجة أنهُ معاقب و لم يخدم لفترة طويلة في الخطوط الامامية ، لكن ما أثار حفظية (ناهي) هو ترشيح ملازم (علي) آمر السرية الأولى للتكريم بنوط الشجاعة رغم كونه أول من هرب من المعركة قبل الجنود بإتجاه الخطوط الخلفية .
أنها المرة الأولى للملازم في حياته التي يخوض فيها الحرب، حيث كان منذ بداية خدمته البالغة ثلاثون عاماً متطوعاً على صنف كاتب أداري يعمل في مستشفى الرشيد العسكري قبل أن يصبح عضواً في حزب البعث .
أمر "صدام" بمنح كل متطوع يحمل عضوية الحزب رتبة ضابط و تم توزيعهم على القطاعات القتالية الفعالة في الجبهة و كان الملازم (علي) واحداً من هؤلاء، قرار ترفيعهم لم يكن بداعي الأعتزاز و التكريم فالقيادة تعلم بمستواهم العسكري المتدني و لكن بسبب النقص الكبير الحاصل في أعداد الضباط بسبب طول الحرب .

و بعد أيام أرسلت قيادة الفرقة كتاب إلى آمر الفوج تطلب فيهِ حضورهم لغرض التكريم، علمَ (ناهي) بالأمر عن طريق كاتب قلم السرية و بسرية تامة عرف عن موعد و مكان التكريم، و كان يشعر بالمرارة للظلم الذي تعرض له.
عند يوم التكريم طلب (ناهي) من آمر الرية تزويده بإرسال طبي لغرض مراجعة طبابة اللواء و لكنه لم يذهب للفحص بل سبقهم إلى قيادة الفرقة و جلس في نهاية قاعة التوجيه السياسي قبل وصول آمر الفوج و من معه ..
و بعد وصول قائد الفرقة و القائه خطاب عن شجاعة الجنود و اهمية التكريم و الشرف الذي يمنح لهم ما إن انتهى من خطابه حتى نهض (ناهي) و القى التحية على قائد الفرقة ، طبعاً أُصيب آمر الفوج بالدهشة و توقع المصيبة التي سيسببها (ناهي) الذي وقف بثبات و تميز بجرأة في الحديث و شرح الحقيقة الحاصلة في ساعات المعركة و طلب من آمر السرية الشهادة قائلاً أنهُ ليس له حق الفخر بما فعل فهذا واجبه و هو قليل بحق الوطن و لكن الظلم بعينه هو ما حدث بتغيير الأحداث و تكريم آمر السرية الأولى بينما هو أنهزم في بداية المعركة متسبباً بإنكسار الجيش ، و شهدَ لهُ الملازم (سلام) على ذلك و لكن ناهي طلب النقل من الفوج بدلاً عن التكريم تحسباً لما قد يصيبه من انتقام بعد عودته مكرماً و تم ذلك بعد شكرهِ لشجاعته و جرأته على نقل الحقيقة، و الغى قائد الفرقة تكريم جميع المرشحين فعادوا خائبين منكسرين إلى مقارهم ...



#عبد_العزيز_صاحب_الناشور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فتاة عشقت طريق الشعب
- ثقافة جيل الأنترنت


المزيد.....




- مصدر عراقي لـCNN: -انفجار ضخم- في قاعدة لـ-الحشد الشعبي-
- الدفاعات الجوية الروسية تسقط 5 مسيّرات أوكرانية في مقاطعة كو ...
- مسؤول أمريكي منتقدا إسرائيل: واشنطن مستاءة وبايدن لا يزال مخ ...
- انفجار ضخم يهز قاعدة عسكرية تستخدمها قوات الحشد الشعبي جنوبي ...
- هنية في تركيا لبحث تطورات الأوضاع في قطاع غزة مع أردوغان
- وسائل إعلام: الولايات المتحدة تنشر سرا صواريخ قادرة على تدمي ...
- عقوبات أمريكية على شركات صينية ومصنع بيلاروسي لدعم برنامج با ...
- وزير خارجية الأردن لـCNN: نتنياهو -أكثر المستفيدين- من التصع ...
- تقدم روسي بمحور دونيتسك.. وإقرار أمريكي بانهيار قوات كييف
- السلطات الأوكرانية: إصابة مواقع في ميناء -الجنوبي- قرب أوديس ...


المزيد.....

- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي
- عالم داعش خفايا واسرار / ياسر جاسم قاسم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - عبد العزيز صاحب الناشور - عاشق الغجر _ قصة حقيقة من الحرب العراقية الإيرانية