أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علاء اللامي - ج7/طقوس الانتحار الجماعي الملكي السومري وخرافة العنف العراقي (7 من 9)















المزيد.....

ج7/طقوس الانتحار الجماعي الملكي السومري وخرافة العنف العراقي (7 من 9)


علاء اللامي

الحوار المتمدن-العدد: 4571 - 2014 / 9 / 11 - 12:53
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    




هناك مجموعة من أحداث العنف التي جرت خلال العصر السومري والبابلي، حاول مؤلف كتاب "تاريخ العنف الدموي في العراق / باقر ياسين" أن يقدم لها قراءة تحليلية خاصة فجاءت محاولته للأسف تسجيلا اعتباطيا لا حظ له من العلم والعلمية. وقبل أن نلقي ضوءا تحليليا على هذه الباقة المنتقاة والمرتبة من الأحداث، ونورد رأي بعض العلماء المتخصصين فيها، سنقتبس بعضها كما وردت حرفيا في الكتاب مع الاختصار:

(كانت تلك "الدول/ المدن" في جنوب وادي الرافدين تتصارع فيما بينها على النفوذ وتلك كانت أولى النشاطات المبكرة في تاريخ البشرية للعنف المنظم ص29). وفي الصفحة التالية نقرأ (الملك سرجون الأكدي أزاح الملك السومري أور زبابا بعملية تتسم بالغدر والعقوق ص30)، ثم (تعرضت مدينة أور إلى الاحتلال على يد العيلاميين الذين دمروها تدميرا شديدا. إن أعمال العنف والتدمير وسفك الدماء هذه يمكن تدوينها بين الشواهد المبكرة في ممارسات العنف الدموي في أرض الرافدين ص33).

علما بأن المؤلف ينشر خريطة آثارية قبل صفحة واحدة، تبين لنا أن بلاد العيلاميين تقع شرق بلاد الرافدين أي في جنوب إيران الحالية أو في ما يعرف بإقليم عربستان والذي يسميه القوميون الفرس "خوزستان، فالعيلاميون إذاً كانوا مجرد غزاة طارئين، فلماذا يُحَمَّل الشعب المغزو مسؤولية عنف الغزاة؟ ويضيف المؤلف (كان الرجال والنساء من الحاشية الملكية في مدينة أور يقتلون أو يجبرون على الانتحار عمداً إذا مات الملك ليقوموا بخدمته في الحياة الآخرة ص33). ثم يعلق على ما ظنه اكتشافا مهما بالقول (نكون قد وضعنا أيدينا على أولى بصمات العنف الدموي في حياة بلاد ما بين النهرين.. وفي كل الأحوال فإن إنهاء حياتهم كان يتطلب إخضاعهم لعملية عنف قهرية كالتخدير أو الخنق أو غيرهما). إنه يقول هذا الاستنتاج، مع أنه، وقبل سطر واحد، يذكر احتمالاً، من بين احتمالين، يقول بأن هؤلاء الضحايا ربما يكونون قد (تطوعوا للموت عند وفاة الملك ص43).

إن هذه استنتاجات لا تعدو كونها هراء محضاً حين نتفحصها في ضوء آخر ما توصل إليه العلماء المتخصصون بعلوم الآثار والإناسة والتاريخ. فأستاذ السومريات في جامعة بغداد د. فاضل عبد الواحد علي يذكر في كتابه "من سومر إلى التوراة ص 62 وص63" أن أهم ما يلفت النظر في مقابر أور كونها مدافن جماعية. ففي القبر رقم (800) الذي يعود إلى الملكة "بو آبي" عثر على 59 جثة للأتباع نساءً ورجالاً. وفي القبر المرقم 1237 وجدت 73 جثة من بينها 68 جثة لنسوة جرى دفنهن مع كامل زينتهن وحليهن، ويفترض بعض الباحثين أن هذا النوع من الدفن الجماعي كان يتم وفق طقوس معينة. فهم يعتقدون أنه بعد أن توضع جثة الملك أو الشخص الرئيس الذي من أجله شُيّدت المقبرة، يقام احتفال طقوسي يشارك فيه عازفون على الآلات الموسيقية. وفي هذا الوقت يكون الأتباع وأغلبهم من النساء قد دخلوا إلى المقبرة وخلفهم مركبات تجرها الثيران أو حُمر وحشية والتي ربما استخدمت لنقل جثة صاحب المقبرة وحاجياته الخاصة. وبعد إتمام مراسيم الاحتفال يعطى لكل فرد من الأتباع شيء من السم أو المخدر فيشربه، ثم يجري بعد ذلك نحر الحيوانات التي تجر المركبات والتي وجدت جثثها ساقطة فوق جثث سواقها. ولابد من التأكيد هنا على أن كل الأدلة تشير إلى أن أفراد الحاشية هؤلاء كانوا قد لاقوا حتفهم بهدوء، فليس هناك أي أثر للعنف إطلاقاً، وأن جثثهم وجدت ممدودة على هيئة خطوط مستقيمة، وأن قلائد النسوة وحليهن وجدت على حالتها ومثلما كانت موضوعة قبل الموت. ومن القائلين بهذا الرأي السير "وولي" مكتشف المقبرة، والذي يعتقد بأن الملك في بلاد سومر كان يتمتع بقدسية ترفعه إلى مصاف الآلهة، وأنه عندما يموت فإنّ أفراد حاشيته وأتباعه يضحون بأنفسهم في سبيله من أجل أن يصاحبوه في رحلته إلى عالم الأموات. يجيب أصحاب هذا الرأي عن التساؤل عن عدم تكرار مثل هذه المقابر الجماعية في مدن أخرى من العراق، بأن ذلك محض مصادفة، وأن مثل هذه المقابر يكون عادة هدفاَ للصوص، وأن معالمها أزيلت في العصور القديمة. وأخيراً فإنهم يسوقون عدة أمثلة على وجود عادة تضحية الأتباع لأسيادهم في أماكم عديدة من العالم القديم.

في السنوات الأخيرة، طرح رأي جديد بخصوص مقابر أور، ملخصه أن الشخصيات الرئيسة المدفونة في هذه المقابر، كانوا من كبار المحاربين في الجيش. فقد لاحظ د. واتكنس أن أعداداً من الأسلحة المعدنية الثمينة كالرماح والخناجر والفؤوس كانت من ضمن النفائس التي احتوتها القبور الغنية بآثارها الذهبية والفضية. ولكن د. واتكنس لاحظ أيضاً، استناداً إلى مشاهد الجند المصورة على المنحوتات من عصر فجر السلالات، أن الجنود السومريين كانوا ينحدرون من الطبقة العامة. ولذلك فهو يرى أن الأشخاص الذين دفنوا في المقبرة الملكية في أور ومعهم السلاح لا يمكن أن يكونوا من الجند الاعتياديين بل ينتمون إلى طبقة ارستقراطية ذات امتيازات خاصة ونفوذ كبير وثراء. وفي حالة موت أحد هؤلاء المحاربين الكبار، فإن الأمر كان يتطلب دفنه وسط مظاهر الأبهة، وتجهيز قبره بنفائس التحف والمصنوعات والأدوات بالإضافة إلى السلاح. وكان الأمر يتطلب أيضاً تضحية من أتباعه ليصاحبوه في رحلته إلى العالم الآخر. ويضيف د. واتكنس إلى ذلك قوله بأن هذا التفسير لمقابر أور ينسجم مع ما كشفت عنه التنقيبات في مناطق أخرى من الشرق الأدنى القديم حيث تشير الدلائل إلى وجود طبقة من الرجال المحاربين كانت تتمتع بمنزلة خاصة، وأنه إذا ما مات أحدهم يكون سلاحه الرفيق المناسب الذي يدفن معه.

يواصل ياسين صولاته وجولاته لمراكمة أكبر قدر ممكن من الأحداث التاريخية العُنفية التي لا يخلو منها تاريخ أية أمة، فيورد الأمثلة التالية:
تعرضت مدينة لكش إلى غزو مدمر شنه ضدها الملك السومري لوكال زاكيزي ملك أوما فلم يترك بها معبداً إلا هدمه ولا أثراً من آثار الحضارة إلا أزاله وكما فعل بالمعابد والآثار فعل بالأهلين فقد تركهم بين قتيل وجريح غصت بجثثهم الطرقات. ص34)، ثم يقتبس الكاتب قصيدة رثاء لمدينة لكش ورد فيها بيت يقول: (ما أشد ما يعني الأطفال من بؤس) ليعلق فوراً: (في هذه القصيدة يتحسر الشاعر السومري على أطفال لكش العراقيين المساكين الذي يعانون البؤس الشديد في عام 2365) هكذا إذاً، فقد أصبح الأطفال (السومريون)، وهم الشعب الذي انقرض حضارياً وذاب بشرياً في الشعوب السامية التي استوطنت بلاد الرافدين بعد زواله وقبل أن تولد الكيانية السياسية أو الجغرافية العراقية، نقول، أصبح هؤلاء الأطفال عراقيين رغم أنوفهم وأنف التاريخ.

يتابع المؤلف مصير الملك "لوكال زاكيزي" الذي أسره سرجون الأكدي ووضعه في قفص أمام معبد "إنليل" ثم يضع الاحتمال العجيب التالي (إذا كان هذا الملك قد قُتَلَ في آخر أيامه فإنه يكون أقدم حاكم عراقي في سلسلة الحكام الذين انتهوا بالقتل في العراق منذ 2340 قبل الميلاد وحتى عبد السلام عارف عام 1966 بعد الميلاد) وليس ثمة مثال على الخلط والجهل بموضوع الكيانية أوضح من هذا، دع عنك أن الرئيس العراقي الراحل، عبد السلام عارف، قتل في حادث سقوط طائرة عمودية في البصرة خلال عاصفة ترابية، ولكن هذا الواقع لن يساعده على الإفلات من لعنة العنف الدموي العراقي، لأن أقوالاً وشائعات ترددت حينها تقول بأن الحادث قد يكون مدبراً.

يكتب المؤلف، كان (الملك سرجون الأكدي من أب غير معروف حملت به أمه سراً أي سفاحاً ووضعته في صندوق القصب ورمته في نهر الفرات الذي حمله إلى "إكي" الساقي، أصبح ساقياً للملك أور زبابا، ثم انقلب على سيده وثار ضده عندما خسر هذا الملك إحدى معاركه الحربية. ص37). ثم يذكرنا الكاتب بوسواسه الدائم حول روح الغدر والخيانة لدى العراقيين فيقول بعد ما تقدم مباشرة (وهنا لا بأس من الإشارة إلى سلوك الغدر والعقوق الذي انتهجه سرجون) إنها الوصمة ذاتها التي يريد الكاتب إلصاقها بجبين العراقي والتي سيكررها في العديد من الصفحات كالصفحة 332 حيث يكرر الكاتب قائمة (الغدر والعقوق والعصيان والتخاذل والتبدل السريع في المزاج وخيانة العهود والتصفيات الجسدية وسمل العيون) ومتى؟ بعد ثلاثين قرنا على زمان "الغادر العراقي" سرجون الأكدي، وبالتحديد في أيام الحاكم الانكشاري التركي "العراقي رغم أنفه" بكر الصوباشي، فأي علاقة تربط هذا الكلام المهين بالبحث التاريخي العلمي الرصين؟

في الجزء القادم "الثامن" سنتابع قراءة باقر ياسين لأحداث العنف الدموي في فترة الفتح العربي الإسلامي للعراق وبلاد الشام وكيف بذل جهدا خارقا ولكنه عبثي وخبط عشوائي لإثبات ما لا يمكن اثباته بهذا الصدد، حتى أنه جعل - بقصد أو بدونه - شخصية القائد التاريخي خالد بن الوليد وكأنه "خالدان"، الأول هو خالد العراقي العنيف والدموي والثاني خالد الشامي المسالم والحكيم، وسوف نثبت وبالأدلة التاريخية الموثقة أن ما يقوله مؤلف كتاب "العنف الدموي في العراق" محض هواء في شبك.



#علاء_اللامي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين عبد الكريم قاسم ونوري المالكي .. مقارنة متعسفة
- تحالف النجيفي يستثمر أسهم داعش ويفتح فرعا للمكون-الوطني-!
- ج5/ شعب العراق ضحية لظاهرة العنف أم جلاد ؟ /ج5 من 9 ج
- الحديقة العراقية تنهض ضد غربان داعش
- ج4/ العنف العراقي عند باقر ياسين: شتائم بالجملة ضد الشعب الض ...
- أيهما أدق: إقناع أم اقتلاع المالكي؟
- مجرم نعم.. لكنه وسيم!الانقلاب على دستورهم
- تكليف العبادي/ ماذا حدث بعد منتصف الليل ؟
- ج2/ فرانكشتاين بغدادي يلتهم جائزة -بوكر/ 2 من 2
- دلالات خطاب منتصف الليل للمالكي
- ج1/ قراءة في السياق :فرانكشتاين بغدادي يلتهم جائزة -بوكر/ 1 ...
- لا تغيير الخيول خلال المعركة!
- ج3/ الغربيون والجذور التاريخية لوصم العربي بعار العنف /3من9
- العنف الفردي و الجماعي في سرديات علم النفس الكلاسيكي / 2من9
- عودة الى باقر ياسين وكتابه: العنف لغةً واصطلاحاً وسياقاً / 1 ...
- بشرى سارة: أطماع تركيا في الرافدين أصبحت عدوانا بموجب القانو ...
- ج2/ الحرب الإعلامية والحلول المطروحة
- ج1/ شروط كيري وأحلام المالكي
- خلط فكري وانتهازية سياسية في بيان حازم صاغية
- هل يجرؤ المالكي؟ نصف الانتصار على داعش في طرد الخبراء الأمير ...


المزيد.....




- شاهد: إنقاذ سائح ألماني مسن سقط على جبل في جنوب إيطاليا
- أمين عام منظمة التعاون الإسلامي يدعو لوقف حرب الإبادة في غزة ...
- -كتائب الأقصى- تقصف تجمعا للقوات الإسرائيلية في محور نتساريم ...
- خبير مياه مصري: بحيرة فيكتوريا تحقق أعلى منسوب في تاريخها
- طريقة مبتكرة لجعل البطاريات أرخص وأكثر كفاءة
- الشرطة تفض اعتصام جامعة فرجينيا بالقوة وتعتقل عددا من الطلاب ...
- القسام تنعى شهداءها بطولكرم ومظاهرات غاضبة تطالب المقاومة با ...
- تحذيرات من كارثة صحية غير مسبوقة في غزة ومخاوف أممية من -مذب ...
- حالة طوارئ طبية -غامضة- تصيب عشرات الركاب في رحلة جوية
- بالفيديو: أمطار غزيرة تتسبب بمقتل العشرات في البرازيل


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علاء اللامي - ج7/طقوس الانتحار الجماعي الملكي السومري وخرافة العنف العراقي (7 من 9)