أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - جورين كيلو - مراجعات في أصول الدين الإبراهيمي (1) التوراة ونصوص ما بين النهرين















المزيد.....


مراجعات في أصول الدين الإبراهيمي (1) التوراة ونصوص ما بين النهرين


جورين كيلو

الحوار المتمدن-العدد: 4568 - 2014 / 9 / 8 - 00:14
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


توطئة
بعيدا عن السرد الأسطوري لروايات الأديان السماوية وإطارها التاريخي المحدود والمبتور في معظمه فأن أي قارئ في التأريخيات يعرف كيفية تطور الأديان القديمة وتمازجها مع العناصر المحلية للشعوب بحكم عوامل النمو والتطور والتغيرات الحضارية الحديثة من أحكام ونظم إجتماعية وإقتصادية وسياسية تعكس ثقافة الإنسان ومنطقته بأسرها، فقد لعبت الأديان أهم الأدوار التي تحكمت بعالمه القديم حيث كان لكل شيء في حياته ديمومته وقدسيته، ولا نبالغ إن قلنا أنها لازالت متغلغلة في معظم شؤون المؤمن الحياتية وفي هذه الدراسة البحثية سنقوم بتحليل تلك العناصر وإعادتها لأرضيتها البدائية التي أنتهت على شكل الأديان الإبراهيمية الثلاث بطابع وثني ـ شعبي ـ قومي.
وقبل أن ندخل في صلب الموضوع نود الإشارة إلى أنه سنقوم بتجزئة هذا البحث إلى عدّة فصول نظرا لكثافة المادة وأزمنتها المتعددة بين يدينا. ولأننا نحرص على أن تتضمن أهم المعلومات المقارنة والربط "الميثولوجي ـ التاريخي ـ الأركيولوجي." ولن نراعي النسق الزمني الكرونولوجي للحقب عند فرد الفصول لعدّة أسباب أهمها قناعات كاتبة هذه السطور الشخصية بعدم دقتّها رياضياً. وسنسير على خطى المؤرخين (تقسيم التاريخ إلى حقب الباليوليت والنيوليت والكالكوليت بهدف معرفة الأطر والميزات لتطّور الثقافات الإنسانية وتحولاتها) في مراعاة الغنى اللفظي اللغوي والمعنوي للنصوص والنقوش وبقايا الحفريات ــ الأثار بغية قرائتها فيلولوجيا وإرجاعها للجذور الأولى وتحديد الجوانب التاريخية والإجتماعية المختلفة فيها.

الفصل الأول
مدخل في الانثروبوغونيا "أساطير خلق البشر" قبل الطوفان وبعده
نسخة آنو ــ آيا أو نص فائق الحكمة
من نصوص الحقبة البابلية القديمة في بدايات الألف الثاني وتحديدا الربع الأول من الألف الثاني قبل الميلاد تحوي على الرواية الكاملة لخلق (الآلهة ـ البشر) ثم محاولة إبادتهم عند إنزال العقاب الجماعي المتمثل بالطوفان ثم مخالفة إنكي لتعاليم إنليل رغم قسمه بالسماء والأرض وإنقاذ نسل البشر والحيوان عبر شخصية زيوسودرا وجعل إقامته منطقة ما وراء البحر حيث تشرق الشمس. كما نجد في نص فائق الحكمة جملة "أيتها الأم الإلهية أنتِ من يقرر المصائر، إفرضي إذن الموت على البشر" وفي العمود الثامن وردت جملة "وهكذا على الرغم من الطوفان نجا البشر من الكارثة" وفي نسخ متفرقة وجدت في مكتبة أشور بانيبال الضخمة في نينوى التي تعود للقرن السابع قبل الميلاد نتابع سرد قصص الطوفان لنلاحظ إعتراض انكي على إبادة البشرية في النصوص السومرية بالقول: أنا أعارض قرار هلاك البشر، ومن أجل نينتو سوف أصلح حياة مخلوقاتي. وبالفعل يقوم إنكي بمساعدة البشر في بناء الحضارة ويسمّي لهم 11 مملكة. ونلاحظ فيما ورد من النصوص الأولى أن البشر أو مخلوقات الإله أشتركوا مع الآلهة بصفاتهم مثل الحياة الأبدية قبل الطوفان حين كانت عارية لا تستحي من بعضها تحّرم الخبز ولا تأكله فعلى ما يبدو لم يكن الإنسان قد عرف زراعة القمح بعد وتتغذى على الأعشاب كالخراف وكل ذلك كان على الجبل المقدس قبل أن تنزل على الأرض، وفي أحد نصوص رأس شمرا على الساحل السوري التي تعود لحوالي القرن الثالث عشر قبل الميلاد المدونة بالأكادية لا الأبجدية الأوغاريتية حفظت أسم ناسخها وهو نعم ـ رشف، أعادت كتابة الإسطورة ليتغير أسم النص من آنو ـ آيا إلى آترم ـ حسيسوم والتي تعني ذات المعنى "فائق الحكمة" معظم كسورها مفقودة آلا أن الإشارات النافذة منها كفيلة بمعرفتها، ايضاً في ملحمة جلجامش تمدنا النصوص بمحاولة البحث عن الأبدية بعد فرض الموت على البشر ونجد ذلك في المقطع الذي تجيب به صاحبة الحانة سيدوري على سؤال جلجامش بعدم رؤية الموت الذي يهابه على الدوام بالقول: إن الحياة التي تبغيها، سوف لا تجدها، عندما خلق الآلهة البشر فرضوا الموت على البشرية وأمسكوا الحياة بأيديهم. ما حدى ببطل الملحمة للبحث عن منقذ البشرية من الطوفان أوتا ناقيشتي والذي حصل على الحياة المديدة مكافأة له إلى أن يلتقيه ويشرح له كيف قام ببناء هيكل الفلك ونظم داخله وجعل فيه السقوف وقسمه إلى طوابق وحجرات لتخزين المؤن وحمّل أسرته وكل حيوانات البرية والصنّاع والحرفيين وحدث الطوفان وهاجت السماء والأرض وولولت الآلهة رعباً إلى أن خرّت هالكة القوى تسكب دموع اليأس وكيف هدء كل شيء في اليوم السابع وتراجع جنوح العواصف وانحسرت المياه وبعث بحمامة تتقصى اليابسة فخرج وأهله ساجدين باكين فصعد إنليل إلى الفلك وأركبه وقرينته في المركب ولمس جبهتيهما قائلاً: من الأن فصاعدا، سيكون هو وقرينته مثلنا نحن الآلهة، لكنهما سوف يسكنان بعيدا عن فم الأنهار. وقد تسلمنا الكثير من الشظايا التي أقتبست الميثة فمن زيوسودرا Ziusudra بصيغته السومرية إلى Uta-napisti بالصيغة الأكادية إلى Gilgamesch جلجامش ثم נ-;-ו-;-ֹ-;-ח-;-ַ-;- نوح العبري الذي أقتبست أسطورته من نصين يعودان إلى القرنين التاسع والسادس قبل الميلاد و Deucalion اليونانية التي تعود للقرن الخامس عشر، وباختصار معانيها متشابهة بل متطابقة حتى في العربية وتعني ذو الحياة المديدة في السومرية وجدت حياتي في الاكادية، الراحة في العبرية والعمر المديد الذي يضرب به المثل في العربية أما مسكنه وزوجته الميثولوجي في فمنهر فهو في جبل صفر يعتقد قرب السليمانية في العراق اليوم وحدده التوراة بجبل آرارات وفمنهر يتوزع على أربع أنهار هي دجلة والفرات وفيشون وجيجون "لا يعرف مكانهما" يسقون جنة عدن بحسب التوراة وبحسب القرآن "جزاؤهم عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ابدا" والأنهار بحسب الأحاديث الإسلامية هي سيحان وجيحان والفرات والنيل هذا بالنسبة لبطل الفيضان الأب العاشر بعد أدم بحسب السيرة التوراتية فماذا عن أدم وحواء؟ عرفنا أن الإله إنكي يعرف بأسم إله المعرفة وخلق البشر وسيد الحكمة والعلم ومهارة الصنع وهو من أنقذ زيوسودرا وعائلته من الإبادة وألهمه لصنع الفلك ومخترة عباب البحار، قرينته تسمى Nintu نينتو سيدة الولادة عند السومريين والتعبير كي يعني ضلع بالسومرية وكذلك إعطاء الحياة وأم جميع الأحياء وهو الدور الذي تلعبه حواء في السيرة التوراتية والمقتبسة لاحقاً في الإسلام والذي تعهد لها إنكي والذي يقابل أدم على صلاح مخلوقاتها وهم أبناؤها، وفي التوراة نزل أدم من الفردوس أو جنة عدن إلى جبل حرمون أما في المرويات الإسلامية وعلى سبيل المثال القزويني يرى أن قابيل قتل أخاه هابيل على جبل قاسيون وسال دمه على صخرة تقع بقرب مغارة الدم في جبل الأربعين. وهذا المكان له قدسيته بين الشاميين حيث يعتقد أن أسم دمشق قد أشتق منه والذي يعني دم شق أو الأرض التي شربت الدم وحقيقة هناك إشارات أخرى على قتل زيوس لتيفون على جبل قاسيون في نسخ التيفونساج اليونانية حتى ذهب بعض الدارسين للتحليل أن تسمية الجبل قد أنشقت من أسم زيوس قاسيوس وقد كان الجبل في المرحلة الهلنستية يسمى كاسيوس، أما في الأساطير الكنعانية لدينا أسمي الإلهين أب ـ إيل وأخ ـ أب ـ إيل أبيل وأخابيل يمثلان قابيل (حوّره العبرانيون لـ قايين بهدف إخراجه من الإيلية وأعادة المسلمون لاحقاً) وهابيل وعلى ما يبدو أنهما يرمزان إلى الإنشقاق الثقافي الذي قد طرأ على البنية الإجتماعية ـ الفكرية لشعبي العراق وسوريا القديمين لتدخل إعتقاداتهم مرحلة جديدة أكثر تطور ومعرفة تمثل حقبة البشر المؤلهين بعد الطوفان بدءً من شيث أبو المصلحين القدماء في الميثولوجيا العبرانية والذي يقابله الإله الشامي سيتون وكما حددنا صفات إنكي السومري الذي يقابله إيا الأكادي نبين صفات أدم التوراتي فهو أبو البشر أيضا وإفتخار أهل الحكمة وهو ملك الزمان وأفضل الفضلاء، والجدير بالذكر أن التقويم اليهودي يبدء يوم نزول أدم سنة 2760 ق.م وإذا عدنا إلى قائمة ملوك سلالة سومر الإثنا عشر فأول ملوك سلالة ما قبل الطوفان هو ألوليم هبط من الجنة لأريدو "من مدن سومر" وحكم بين القرنين 35 لـ 30 ق.م وإذا أدخلنا هؤلاء الملوك في عملية حسابية مع الملوك العبريين فاعداد سلالات سومر 12وهو عدد جميع أسباط بني إسرائيل الذين يمثلون القبائل العبرانية، أما أعداد ملوك دولة ما قبل الطوفان "الدولة الأولى" هو ثمانية يوازي أعداد أنبياء دولة الأولياء العبرية التي تبدأ بادم، وإذا أستمرينا في حساب أعداد حكام سلالة كيش الأولى بعد الطوفان فهو 23 يوازي من جهة عدد ملوك مملكة إسرائيل أو السامرة ومن جهة أخرى عدد أبناء ألوهيم بدءً بشيث لغاية أسحاق ويعادل التاريخ العبري حيث أن أول ملوك سلالة كيش عاش في العام 2800 ق.م، ويجدر الإشارة أن شيث وابناؤه سميّوا ابناء ألوهيم وهم من أعتكف في جبل حرمون على العبادة والنسك والعفة وبذلك نتبين من سفر التكوين أن ألوهيم هو أدم وننوه أن معظم ميثولوجيات الشعوب تغالي في أعمار أبطال ميثاتها فكما يبدو من لوائح ملوك سلالات سومر لما قبل الطوفان أعمار أحكام ملوكها تتراوح بين الألاف ومئات السنين وهكذا هو أعمار الأباء الأوائل. ويذكر أنه بعد اسحق بدء حكم يعقوب وأسباطه الإثنا عشر وهو العدد الذي يوازي ملوك سلالة أكد الإثنا عشر بدءً من سرجون وانتهاء بـ شو تورول أبن دودو ويلاحظ أن الإسم الأخير يشبه أسم الملك شاؤول الذي قتل داوود صهره وتزوج بأبنته ليخلفه على العرش ويأخذ محل أبنه هنا ليكون شلمان أبن داوود والذي بدء بعده حكم ملوك ثاني، وهي مغالطة تاريخية لسفر الخروج المتأخر، وايضاً يقابل أعداد ملوك سلالة أور الأولى سلالة إبراهيم الأربع، وبذلك نصل لجذر الميثة المتنقلة في إنتماء ابراهيم لأور ويذكره البيراشيت "سفر التكوين" في الإصحاح الحادي عشر (11:31 وأخذ تارح ابرام ابنه ولوطا بن هاران ابن ابنه وساراي كنته امراة ابرام ابنه فخرجوا معا من اور الكلدانيين ليذهبوا إلى ارض كنعان فاتوا الى حاران و اقاموا هناك.) وكذلك يصف سفر نشيد الأنشاد شلمان بملك أور وهذا التطابق في التشابه بين توراة العبرانيين والتوراة البابلية أو ألواح سومر وأوغاريت ليس من قبيل الصدفة وجذرها شامية رافدينية أصيلة، فقصّة أيوب الأدومي الواردة في التوراة العبرية عبر سفر أيوب أساسها أكادي تعود لنهاية الألف الثاني قبل الميلاد وجد على لوحين أحدهما نقل إلى متحف تركي والاخر في فيلاديلفيا وعندما نعود لأسماء محاوريه اليعازر التيماني ويلدد الشوحي وصوفر النعماني وإيليهو بن برخئيل البوزي المتدخل الاخير نراها كنعانية يقابلهم في سفر أمثال الحكماء ليموئيل وآجور وحزقئيل، وكذلك يرد في سفر حزقيئل "حزقيال" أسم الحكيم الأوغاريتي دانئيل أو دانيال. سفر حزقيال "ها أنت أحكم من دانيال سر ما لا يخفى عليك" والمقصد هنا دانئيل الأوغاريتي. فآجور تعني بالكنعانية الجامع أبن التقيّة، وهو حكيم من مشا يظهر أو يوحى لتلاميذه إيثيئيل أي الله معي وآكال أي القادر. وليموئيل أبن بثشبع هو ملك قبيلة مشا معنى أسمه مع الله أو لـ الله تسمى أمه بنت شبع وقد تكون شبعا من يعلم؟ ولا أظننا بحاجة لنقد شجرة النسب التوراتية الإسطورية التي عرفّت كنعان كابن لـ حام الذي إستهزء بوالده المخمور نوح عندما تعرى داخل خبائه فلعنه وجعل "أبنه كنعان" عبدا لسامٍ ويافث لكن كيف يكون حام والد كنعان وكنعان شامي "سامي" ولغته شامية "سامية" نقل اليهود لهجة منها وهي العبرانية وكيف ينسب إليه مصراييم ايضاً والمصرية تشترك مع الشامية بالجذر والحرف والأصوات ثم إن كان حام من استهزء بنوح لما يلعن كنعان عنه ويجعله عبدا لسام ويافث؟ نذكر ايضاً أن وصف جنة عدن اليهودية منقولة كذلك عن جنة السومريين حيث تقول النصوص: "في تلك الأيام، لم يكن هناك حية ولا عقرب ولا ضبع، لم يكن هناك أسد ولا كلب شرس ولا ذئب، لم يكن هناك خوف ولارعب لم يكن للإنسان من منافس، وكان العالم أجمع يعيش في إنسجام تام وبلسان واحد يسبح الكل بحمد إنليل." علاوة على أن يهوه وهو شكل من أشكال البعل بيته في صافون تحوّل إلى يهوه جبل صهيون اليهودي وكما تحوّل تحوت إله الكتابة إلى جبرائيل رجل إيل وأصبح المكان الذي يسكنه الإله الكنعاني موت إله القحط والجفاف والعالم السفلي محري إلى محروت وتعني نار الجمر بالعبرية وجهنم الحمراء عند المسلمين.

صياغة مختصرة لروايات اليهود والمسيحيين والمسلمين
أنجب اسحق يعقوب الجد الثالث لبني إسرائيل، وأنجب يعقوب بدوره اثني عشر ولدا "منبع الأسباط" سميوا ببني إسرائيل، أخذوا طابع مؤله كفل كل منهم بحكم مملكة في أرض كنعان أنتزعت منه بعدما تم لعن الأخير بسبب خطيئة والده حام في التوراة كما أسلفنا لتنقسم إلى أثني عشر قسما لكل إستقلاله الذاتي، ولتوضيح حقيقة الأمر فالنظام السياسي لمدن الشاميين كان قائماً على أساس الـ City Stateمن بين أبناء اسحاق هو جوزيف أبن راحيل أو يوسف عند المسلمين، وهو الذي سجد له الأحد عشر أخ " كوكب أدخلهم في حكمه وسيرة يوسف هي في حقيقة الأمر إقتباس للميثولوجيا الكنعانية التي تتحدث بكثافة في نصوصها عن طقس طبيعي يتكون من سبع سنوات ندى وخصوبة ومطر وسبع سنوات جفاف وإنحباس، يعقوب يعد المؤسس الأول لمملكة إسرائيل بيت إيل تُحدِثُنا التوراة عن معاركه مع شقيقه التوأم عيسو "سلف أمة أدوم" في رحم أمه والذي أختلف معه في شبابه ونوى على قتله بالمكيدة ففر لحران ليواجه حياة عاصفة إلى أن يقرر التصالح مع شقيقه والعودة لأرض كنعان بعد خلافه مع حماه وهو خاله لابان بعد عشرين عاما من الغربة، يعقوب هذا بحسب السيرة وقع في غرام راحيل الكنعانية وطلب يدها رغم أن أسحق والده حرّم الزواج ببنات كنعان لكن خاله الشرير أراد إستغلال قوته وإبقاءه في خدمته سبع سنين أخرى فقد خدعه بالزواج من أختها الكبرى ليئة وليفاوضه بعد إنتهاء المدّة على خدمة سبع سنوات أخرى كمهر لها وكان لكل منهما جارية أنجب منهن يعقوب أبناء ليكمل عدد الأسباط كما أسلفنا في الفصل المسبق ايضاً أنه أطلق على قبيلة عبرانية الأمر الذي يتضح في عهد القضاة "شوفيط" الذي يعود للقرن الثالث عشر إلى نهاية الحادي عشر. وشوفيط ש-;-ת-;-א-;-ג-;- في العبرانية "اللهجة الكنعانية" هو كاهن العشيرة يجمع بين سلطتين دينية ودنيوية يدير القبيلة وآلهتها. بدأ حكمهم بعد يوشع بن نون بن افرام بن جوزيف بن يعقوب ثم يبدأ عهد ملوك أول في نهاية القرن الحادي عشر قبل الميلاد إلى عام 975 قبل الميلاد ثم عهد ملوك ثاني من القرن من سنة 975 ق.م إلى سنة 135 ق.م ثم فترة تدمير أورشاليم وما بعده من القرن السادس قبل الميلاد إلى القرن الثاني بعد الميلاد (ونلاحظ أنه في أدب المراثي السومري توجد مقاطع شعرية تبكي خراب مدن ومعابد بعد اجتياح واسر الملك كمرثية مدينة نفر المكونة من 12مقطع شعري تشيد بمحررها إيشمي، وعند العبرانيين نوعين من الشعر هما القوموذيا والطراغوذيا يهمتان بالذم والهجاء وتشبيه البشر بالبهائم والأخر مدح المراثي المشتركة بين البشر والملائكة.)
عهد الملوك الأول يبدأ مع شاؤول والذي ورد في القرآن باسم طالوت رغم إختلاف سيرتهما ما بين التوراة والقرآن بالإضافة للتفاسير المتعددة، يبدء بقتل داوود لزوج أبنته جالوت فزوجه إياها ليخلف شاؤول في الملك على إسرائيل ويوحد المملكة ويهزم الأمونين والمؤابين والأدوميين إلى أن يسلم الحكم لأبنه سليمان ليبدأ حكم ملوك ثاني ثم سلم سليمان الملك لأبنه رحبعام الذي لم يبايعه سوى سبطا يهوذا وبنجامين لينشق اليهود ويبايعوا بريعام بن نباط الذي مجد الآلهة الفينيقية عشتروت والعجل وكموش وملكوم، فتنقسم بدورها مملكة إسرائيل إلى شمالية وجنوبية وتضيع التوراة إلى حين دور الملك يوشيا، تبقى المملكتين على خلاف حتى تسقط في يد الملك شيشنق الأول "حدج خبر رع ـ ستب إن رع" لتتبع مصر فغزاها الأشوريين وبانقلاب من البابليين أستطاعوا السيطرة عليها وهزيمة الاشوريين ليعين هؤلاء الوالي دبيكيا اليهودي الذي طمع بالسلطة وقبيلته فينقض عليهم الملك البابلي نبوخذ نصر ويهدم أسوار أورشاليم ويأخذ معه التابوت وأهله للسبي في القرن السادس قبل الميلاد إلى حين أن أحتل الفرس بابل وأطلق قورش سراح العبيد وبقيت ولايتهم يهوذا تحت حكم الفرس إلى أن أفتتحها الكسندر في القرن الرابع ق.م وعندما أختلف قادته سلوقس وبطليموس قسمّوا حكم ولاياتهم فاخذ سلوقس سوريا وأصبحت مصر من حصة بطليموس الذي دك أسوار يهوذا وأسر شعبها لمصر لتعود وتنضم لحكم السلوقيين على عهد الملك أنطوخيوس الذي هدم هيكلها وهنا بدأت الحركات اليهودية المتمردة تظهر محاولين الإستقلال بحكم أورشاليم فاحتلهم بومبي في بدايات النصف الثاني من القرن الأخير قبل الميلاد فتقع رسمياً تحت حكم الرومان، لم تتوقف ثورات اليهود ضد الحكم الروماني لا على عهد تيتوس في القرن الأول للميلاد ولا عهد الأمبراطور تراجان في القرن الثاني ثم عهد هادريان في نفس القرن إلى حين عهد يوليوس سيفيروس الذي سمى اليهود عهده بالشتات حيث أحتل المدينة وذبح اهلها وشتت البقية.
وهذه الصياغة جاءت بما يتلائم مع مقاصد وأهداف اليهود الأيديولوجية تنفيها كل المعطيات الأثرية، فلا حدثت هجرات بين فترتي عصر البرونز الأخير وعصر الحديد وفق أعتقاد أغلب باحثي الغرب المعاصرين كالباحثة البريطانية كاتلين كينيون المستند على علوم الأركيولوجيا، كما يذهب الباحث الهولندي فرانكلين بالقول: "أنه إذا تجاوزنا روايات التوراة وميثولوجيتها، أركيولوجيا لا يمكن أن تحل جماعة إثنية في بقعة جغرافية لم تترك عليها مخلفات مادية تدل عليها وتميزّها عن مخلفات الجماعات الأصلية التي حلّت محلها، لا قرائن تدفعنا القول بوصول شعوب جديدة إلى مريام "فلسطين،" لتحولها إلى أمة مع نهاية القرن الحادي عشر ق.م" اذن وفي حين لم تكن أوروبا لتجرؤ قبل القرن التاسع عشر للميلاد على الخروج عن النسق الكرونولوجي وهدم تاريخية العهد القديم وتفكيك خيوطها المحبوكة مع إبرام آلا أنها ومنذ بداية القرن العشرين لم تعد تبحث عن التاريخ في روايات الأباء فاللغة المسمارية وقراءة ألواح أوغاريت وإيبلا وبابل وأشور وغيرها ساهمت في إنهيار الإعتقاد بالتراث النقلي والشفهي وبالتالي تحويله إلى مجرد تراث قصصي، يقول وليم ديفر: "الشواهد الأثرية تناقض ما جاء في روايات الأباء فنحن لا نستطيع إثبات إقتحام الشام "كنعان" عسكريا والأركيولوجيا تنفيه، رغم تضارب قصة فتحها ما بين سفر يشوع وقضاة فالأخير يقول بفتح سلمي".وسيطول بنا الحديث إن أسهبنا في بحث هذا الموضوع، حيث أنه مع إنعدام الشواهد الأثرية وأي تغيير حضاري جديد في المنطقة الواقعة بين مثلث فارس سوريا مصر، فنحن ليس بمقدورنا إلّا ان نعتقد بأن حكايا وروايات التوراة وعصر الأباء هي أخبار أختزتنها ذاكرة الشاميين "الكنعانيين" أثناء التجول بين سوريا وسيناء وفارس انتشى لسماعها اليهود الذين كانوا بحاجة إلى لقمة روحية سائغة ليقعوا في مطب عقدة الهوية أمام الإحساس بالعجز عن مواجهة الإرث الحضاري الذي يحمله كل من الشاميين والمصريين والفرس من حولهم في مرحلة متأخرة ويتم أسقاطها على شخصيات مفترضة وأشباح أخرين جعلوا منهم أنبياءً كلمّوا الإله وحفظ الأخير ألواحهم ليوم الديمومة. فبحسب اليهود تم تدوين المشنا في القرن الثالث للميلاد وباللغة العبرية رغم أنه في الحقبة الهيلينية غلبت على الأعمال الأدبية اليهودية اللغة اليونانية ما يسمى الترجمة السبعونية على سبيل المثال، ثم الأرامية في مرحلة متأخرة، بعده كتب التلمود الأورشليمي "تفسير المشنا" مع بداية القرن الخامس وفي القرن السابع للميلاد دون التلمود البابلي بالأرامية، ومن الغريب أن يهجر اليهود لغتهم المقدسة لتدوين أدبهم بالأرامية واليونانية؟ هذا التناقض حقيقة يصدمنا فقد أخبرنا كتبة الأسطورة اليهودية بأن الله لغته عبرية ثم غير رأيه وحولها للأرامية حيث يزعم آئمة المسيحيين أمثال باسيليوس وأفريم أن أدم كلم الله بالسريانية والله القائل "السماء والأرض تزول وكلامي لا يزول" ويقول يعقوب الرهاوي (اللغة لم تزل عبرية إلى أن تبلبلت الألسن ببابل) وبدوره بولس الرسول يخبرنا في رسالته الثانية إلى تيموثاوس 16:3 "كل الكتاب موحى به من الله" حتى إن كان المسيح هو أبن داوود ووريث عرشه بحسب جامع الضرائب متى البشير أو أبن الإنسان بحسب لوقا أو أبن الله بحسب يوحنا كما نجد إنجيله يقول: أن صليب الرب كتب عليه، يسوع الناصري ملك اليهود؟ أما الأدب المسيحي فلم يدون حتى القرن الثالث ميلادي حيث كانت الليتورجيات سماعية نقلية يحفظها الكهنة ويقرأونها عن ظهر قلب كما يقول مار ديونيسيوس الأريوفاغي ومار باسيليوس القيصري، ولم تفصل الصلاة المسيحية وطقوسها الخاصة بالعبادة بشكل مرتب وأكثر شمول إلّا في وقت متأخر جداً عن مؤتمر نيقيا تصل لثلاثة قرون أو أكثر والتي هي عبارة عن بعض الأدعية المنثورة والنصوص المنتقاة من الأسفار وتراتيل المزامير منظمة على هيئة أناشيد ملحنة، والإتفاق حول سيرة موحدة للمسيح في القرون الأخيرة، ليستقر الله نهاية على لغة تدعى عربية جاءت من صحراء الحجاز في النصف الثاني من القرن السابع للميلاد.


مراجع الفصل الأول
WB-444 Line Art from CDLI
A History of the Ancient Near East: Ca. 3000-323 BC
قائمة ملوك سلالات سومر
سفر التكوين، سفر الأمثال، سفر حزقيال، سفر الخروج، سفر يعقوب، سفر صموئيل
ديوان الأساطير، جزء 1 ـ 2 ـ 3 ـ 4 قاسم الشواف، إشراف أدونيس
المعتقدات الكنعانية: خزعل الماجدي
Abriss der Geschichte Israels und Juda. Berlin 1884.
Hermann Cohen: Julius Wellhausen. Ein Abschiedsgruss. In: ders.: Jüdische Schriften, Bd. 2: Zur jüdischen Zeitgeschichte



#جورين_كيلو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإسلام: من الجذور الشامية للتعريب


المزيد.....




- ماذا قال الحوثيون عن الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في الجام ...
- شاهد: شبلان من نمور سومطرة في حديقة حيوان برلين يخضعان لأول ...
- الجيش الأميركي بدأ المهمة.. حقائق عن الرصيف البحري بنظام -جل ...
- فترة غريبة في السياسة الأميركية
- مسؤول أميركي: واشنطن ستعلن عن شراء أسلحة بقيمة 6 مليارات دول ...
- حرب غزة.. احتجاجات في عدد من الجامعات الأميركية
- واشنطن تنتقد تراجع الحريات في العراق
- ماكرون يهدد بعقوبات ضد المستوطنين -المذنبين بارتكاب عنف- في ...
- جامعة جنوب كاليفورنيا تلغي حفل التخرج بعد احتجاجات مناهضة لح ...
- إعلام: وفد مصري إلى تل أبيب وإسرائيل تقبل هدنة مؤقتة وانسحاب ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - جورين كيلو - مراجعات في أصول الدين الإبراهيمي (1) التوراة ونصوص ما بين النهرين