تغيرات العقد الاخير في العالم العربي وأثرها على صحة الافراد النفسية

احمد محمد الزبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 4563 - 2014 / 9 / 3 - 16:28
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
    

لم يشهد العالم العربي تغيرات عاصفة وقوية ،زلزلت كيانه ،وادت الى تغيركبير وهائل في التركيبة الاجتماعية والسياسية ،والتي كانت سائدة منذ القرن الماضي ،مثلما حدث في السنوات العشر الاخيرة 2003-2013 فقد جرت احداث كبيرة في العالم العربي ادت الى سقوط انظمة ،ومحت تأثير كثير من القوى الاجتماعية السائدة ،وصعود قوى اجتماعية جديدة ،كما تغيرت تركيبة المجتمعات العربية نتيجة الاحداث تلك،بل واخيرا اصبح على المحك وجود تلك البلدان ،حيث انها باتت مهددة بالتقسبم والانشطار.
كل ذلك لايمكن ان يمر دون ان يترك أثرا على الصحة النفسية للافراد في تلك المجتمعات، فالقت تلك الاحداث بظلالها على الافراد ،وجعلتهم يعيشون ظروفا جديدة لم يألفوها من قبل
من المعروف جيداً ان الفرد العربي لم يعش حياة سوية وصحية طوال عقود من الزمن ،فلم تكن الانظمة الحاكمة في البلدان العربية تعير اهتماما بسيطا لراحة الفرد وصحته الجسدية او النفسية على حد سواء،فما كان يهمها هو فقط الحفاظ على السلطة بشتى الوسائل ،لذلك استخدمت طرقا متنوعة من القمع الوحشي والتعذيب ومصادرة الحريات الاساسية في معاملة الافراد ،اضف الى ذلك ان غالبية ابناء المجتمعات العربية تعيش حالة من الفقر المدقع والبطالة والعيش في ظروف بائسة من الخدمات الصحية والتعليمية وغيرها من الخدمات ،فكيف سيكون الامر مع الصحة النفسية لهكذا افراد يعيشون في مثل هذه الظروف؟
طبعا سيتملكهم الخوف والرعب والقلق ،وسيسيطر عليهم التشاؤم والكآبة والملل ،ويلجأون حينذاك الى الهروب من واقعهم المرير باللجوء الى المخدرات والجريمة بكل انواعها ، هذا بالنسبة لاغلبية المجتمع ،اما فيما يخص الفئات المتعلمة والمثقفة في المجتمع فهناك من يقرر الانسحاب من المجتمع و عدم التدخل في اي شأن مجتمعي مؤثرا سلامته الشخصية وافراد عائلته على الانغماس في الشأن العام ،في ظل انظمة لا تعطي حصانة لاي مفكر او مثقف ، وهناك من سلك طريق الهجرة الى امريكا والغرب ،حيث الحرية والامان .
هكذا كان الحال في اغلب بلدان العالم العربي ،الى ان حل القرن الحادي والعشرين ،حيث حمل معه رياح التغيير وكانت البداية من العراق حين تم التخلص من اكثر الانظمة الاستبدادية عنفا وقسوة،فانتعشت آمال الناس في ان يعيشوا حياة جديدة يتنسمون فيها نسائم الحرية ،ويبدأوا بالعمل الجاد لاجل بناء بلدانهم ،وجاءت احداث الربيع العربي لتخلق فرصا جديدة لكي يستعيد المواطن العربي ثقته بنفسه،ويقتحم الحياة بقوة ،ويبدأ العمل على الخروج من عزلته عن العالم ويتفاعل معه ومع التطور الهائل الذي شهده،خصوصاً في بلدان مثل العراق وليبيا حولها حكامها الى جزر معزولة عن العالم
فانتعشت آمال الناس ،و ما كان يبدو حلما صعب المنال ،اصبح حقيقة واقعة وملموسة ،وابح الناس يتلمسون اولى بوادر التغيير ،من حرية تعبير كانوا محرومين منها لعقود،وطبيعي في مثل هكذا ظروف فان الوضع التفسي للفرد يتبدل ويتغير نحو الاحسن ،ويصبح انساناً متفائلاً وشجاعاً قادراً على العمل والابتكار والخلق ،صانعا لغده ومساهما في بذاء وطنه ،مندفعا نحو تعويض تلك السنوات العجاف التي حرم فيها من نعمة الحرية والعمل الحر
لكن ما اعقب تلك التغيرات من احداث كانت في اغلبها نتيجة منطقية لسياسات تلك الانظمة القمعية التي خربت مجتمعاتها ،وجعلتها تعيش حالة من الجمود والركود الفكري،وخنقت كل محاولة للتقدم والتطور في تلك المجتمعات ،جعلت نفسية الفرد العربي يصيبها الاحباط واليأس مرة اخرى،وجعلتها تتراجع عما وصلت اليه من حال متفائلة ومشرقة
فمنظر الدماء الذي ملأ شوارع العراق ،والموت المجاني والمتزايد العدد يوما بعد يوم ،وحالات الخراب والدمار في كل مرافق الحياة ،والفساد الذي سيطر على كل مفاصل الدولة،والثروات الوطنية التي اصبحت نهبا وغنيمة للسراق واللصوص،كل ذلك القى بظلاله القاتمة على المجتمع ،ودمر نفسية الافراد ،واصابهم بالانكسار والتشاؤم ،حيث ان ما كانوا يحلمون به قد اصبح سرابا لا يمكن الوصول اليه او الحصول عليه
ان اصلاح احوال الافراد النفسية سيتطلب وقتا كبيرا وجهدا مضاعفا حتى يمكن خلق مناخ صحي ملائم للعمل الحر والابداع ،فكثير من الطاقات الشابة اصبحت فريسة التشاؤم والاحباط ، وفقدت كل أمل لها في المستقبل ،وهذا يفسر الاندفاع الجنوني والتهالك على الهجرة من البلدان العربية نحو الغرب للخلاص من الاوضاع البائسة التي تمر بها بلدانهم
في مقالات قادمة ساسلط الضوء على الحلول المناسبة والممكنة لمعالجة الاوضاع النفسية البائسة للفرد العربي

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل