أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - وليد ياسين - في وداع شهداء شفاعمرو*















المزيد.....

في وداع شهداء شفاعمرو*


وليد ياسين

الحوار المتمدن-العدد: 1286 - 2005 / 8 / 14 - 10:23
المحور: القضية الفلسطينية
    


الشهداء يعودون هذا الأسبوع، توج الروائي الجزائري الطاهر وطار إحدى رواياته، قبل سنوات كثيرة، لكن شهداؤنا، شهداء شفاعمرو يعودون كل يوم..
كلما مررت بالشارع الذي وقعت فيه المجزرة، والذي لا بد أن يسمى شارع الشهداء، تتذكرهم.. تشعر انك تعرفهم أكثر، وإن كنت لا تعرف بعضهم من قبل مطلقاً، او تسترجع صورهم في مخيلتك بعد نشرها في وسائل الاعلام، تشعر انك تعايشهم، وتتساءل بمرارة: كيف استقبلوا تلك اللحظة الرهيبة، لحظة الموت القاسي بسلاح ذلك السفاح..

وتذرف دمعة.. وانت تشاهد صبايا في عمر هزار ودينا توقدان الشموع حول اكاليل الورد التي حملها المعزون من مختلف انحاء البلاد ومن جاليات شفاعمرية في المهجر، تبكي وانت تشاهد الناس يجتمعون مساء كل يوم حول موقد الشموع، وكأنه أصبح مكان السمر المعتاد والمفضل لديهم.. هنا على ناصية هذا الشارع في حي مرشان الذي ما كان يطأه الا من يقصد الحانوت القائم على طرفه، اصبحت ساحة الشهداء.. ساحة هزار ودينا وميشيل ونادر.. اربعة مواطنين من شفاعمرو، قد يكون الدين فرق بينهم لكنه جمعتهم الشهادة.. وقد سبقنا من قال: "الدين لله والوطن للجميع".

وتتذكر كل ما كتب حول المجزرة الرهيبة، حول استخلاص العبر والتحليلات السياسية والأمنية لما حدث، وتعتبرها محاولة لقراءة الصورة أو تحليلات يقصد منها البعض تبيان عمق التنشئة العنصرية التي تربى عليها القاتل في مجتمع بات فيه التحريض ضد المواطنين العرب حدثا اعتياديا لا يحاسب عليه قانون، فيما قصد البعض الآخر استجلاء حقيقة ما حدث، وتبيان هذه الوحدة الأبدية التي تغيب احيانا عن شفاعمرو، لكنها تعود كما لو كانت تنتظر الناقوس، لتقرع الأبواب بكل قوة..

وبقدر ما تحاول تجاوز تلك الأصوات اليمينية المتطرفة في الشارع الاسرائيلي التي تمجد القاتل وتطالب بتقديسه، وتلك التي تطالب بالتحقيق في مقتل السفاح، لا تستطيع تجاوز حالة يحاول فيها احد حرف المشهد عن حالة الجريمة والبحث عن المتهم في صف شعبه، موجها، من على صفحات جريدة عبرية كانت اول من اتهمت مواطني شفاعمرو بارتكاب جريمة تنكيل (لينش) بالسفاح، أصابع الاتهام الى القياديين العرب، مطلقا مزاعم ليس لها اول ولا آخر.

يا ام الشهيد وزغردي

في يوم الجنازة المشهود، وكان كاتب هذه السطور متابعا عن قرب لكل الاجتماعات واللقاءات التي جرت تمهيدا لها في مبنى البلدية، كان من المقرر اجراء جنازات الشهداء حسب الشريعة الدينية لكل طائفة، احتراما لطلب العائلات، وجرت الكثير من المساعي لتوحيد بيت العزاء كون الشهداء ينتمون الى كل شفاعمرو وليس لهذه العائلة او غيرها. وجاء اقتراح بفتح بيت الطائفة الدرزية في المدينة مقرا للعزاء، في أبهى صورة للوحدة التي تجلت في المدينة، لكن المجتمعين تركوا الخيار للعائلات واحترموا رأيها وقرار اقامة بيوت العزاء بالشكل الذي اقيمت عليه، الا أن هذا لم يقلل ولو ذرة واحدة من شعور المجتمع الشفاعمري بالوحدة العظمى التي تجلت في الوقفة الجماهيرية الحاشدة ليلة وقوع الجريمة، وما كان قادة الاحزاب والحركات والهيئات العربية بمعزل عن هذه الوحدة وهذا القرار. وفي اليوم التالي، اثناء تشييع الشهداء، وفي الأيام التي تلت ذلك في بيوت العزاء.. ولأن الشهداء ينتمون الى شفاعمرو بل والى الجماهير العربية كلها، كون المجزرة استهدفتهم لكونهم عربا اولا، ولم تفرق بين مسيحي او مسلم ودرزي، علما أن أبناء من الطوائف الثلاث كانوا يسافرون على متن الحافلة في ذلك اليوم، فقد خرجت الجماهير العربية، من اقصى الشمال الى أقصى الجنوب لتودع الشهداء بمسيرة تليق بهم وبشعبهم، ولا ادري لماذا يعتبر احدهم ترديد هتافات لام الشهيد بمثابة تحريض او خروجا عن طلب العائلات، فهل حضر الجلسات التي عقدت مع العائلات تحضيرا للجنازة كي يطلق ذلك الادعاء؟ المؤكد انه لم يحضر، فمن اين اذن استقى تلك المعلومة، وما الهدف من ترويجها، ان لم يكن حرف الأنظار عن فظاعة ما حدث ومنع توجيه اصابع الاتهام الى الجهات المسؤولة مسؤولية مباشرة عن الجريمة، والتي تسعى الآن الى حرف الأنظار عن عمق وبشاعة الجريمة من خلال التحقيقات التي علمنا انها تركز على معرفة ظروف مقتل السفاح بقدر اكبر من التركيز على ظروف جريمته؟

نعم، سنوجه أصابع الاتهام الى الشاباك، والى الجيش الاسرائيلي والى الشرطة، فالمعطيات تؤكد انه كانت لديهم معلومات حول القاتل وحول نشاطاته الارهابية في اطار عصابة كهانا، ولم تفعل شيئا لنزع سلاحه الفتاك، بل لم تفعل شيئا ازاء صرخات والدته التي اكدتها مراسلة الاذاعة الاسرائيلية بأن "انزعوا سلاح ابني فهو متطرف وقد يقدم على عمل مجنون".

سنوجه أصابع الاتهام الى الحكومة الاسرائيلية التي تعاملت بدلال وبقفازات من حرير مع كل المجرمين الارهابيين من انصار اليمين المتطرف ومنحتهم العفو بعد سنوات قليلة من اقدامهم على جرائم بحق ابناء شعبنا الفلسطيني. ولم ننس حتى الآن قادة التنظيم الارهابي اليهودي الذين خططوا لقصف المسجد الاقصى وحاولوا اغتيال القيادات الفلسطينية وعادوا اليوم الى احضان تنظيماتهم الارهابية لمواصلة مخططاتهم. وان لم يكف ذلك فها هو المدرب الروحي لسفاح مجزرة شفاعمرو يذكرنا بسياسة الدلال التي يعاملون بها، حين يعترف بعظمة لسانه، من على صفحات "معاريف" بأنه قتل فلسطينيا وأُطلق سراحه وان جمهوره يقدس امثاله ويعتبرونهم مثالا يحذى به.

سنوجه أصابع الاتهام الى دولة اسرائيل برمتها التي تعاملت مع المواطنين العرب كطابور خامس ولم تلجم حتى الوزراء والشخصيات الدينية والرسمية التي اعتبرت العرب "صراصير في قناني" و"ثعابين تزحف على بطونها" و"أعداء" و"ارهابيين" و"محرضين" وغير ذلك من درر عنصرية تشدق بها حتى كبار الحاخامات ضد العرب دون أن يحرك ذلك جفن اي مسؤول في الدولة.

فما الذي يريده من يتهمنا بالتحريض؟ نحن لسنا مع قتل البشر، اذا كانوا يقدسون البشرية وحياة الانسان، ولكن حتى المتعقلين من أبناء الشعب اليهودي يقولون لنا علانية انهم ما توقعوا خروجه حيا بل هناك الكثير من التعليقات في وسائل الاعلام الألكترونية التي قالت ذلك. ولو فرضنا جدلا انه خرج حياً، فهل كنا سنثق بعدالة القانون الذي سبق له واطلق سراح امثاله، او سارع الى البحث عن قرائن نفسية ليسوغ "جنون" القاتل ويبرر العفو عنه؟

لقد مرت الجماهير العربية الفلسطينية داخل الخط الأخضر بتجارب مريرة مع السلطات الاسرائيلية وكانت شاهد عيان على التجارب المريرة التي مر بها أبناء شعبنا الفلسطيني مع الاحتلال وموبقات جنوده وجرائم المستوطنين. وكانت تجربتنا مع مذابح اكتوبر 2000 شديدة المراة وأمر منها توصيات اللجنة التي حققت في المجزرة حيث جعلت من القيادة العربية المسؤول الأول عن الاحداث متهمة اياها بالتحريض. ولم تقم السلطات، باعتراف القاضي ثيودور اور، رئيس اللجنة نفسه، باستخلاص العبر وتنفيذ التوصيات، فهل يريد لنا الوزير اوفير بينس اليوم ومن ينادي بتشكيل لجنة تحقيق رسمية ان نعايش توصيات تقرير اور وتعامل لجنة اور مع العرب، مرة اخرى، او ان من يتهم القيادة العربية بالتحريض الآن، وبعد مجزرة شفاعمرو، يريد ذلك؟

ان التحقيق في المجزرة، بكل ظروفها، مطلوب ولسنا ضده، ولكن اذا قام هذا التحقيق على مبدأ تحويل القاتل الى ضحية والضحية الى قاتل فعلينا الا نتوقع مسبقا خروج أي نتيجة عن هذا التحقيق، ومن يتهم العرب بالتحريض ويبحث بين عشرات الألوف الذين شاركوا في تشييع الجثمان عن شخص اقدم على عمل مرفوض، ويبرزه وكأنه كان حدثا مركزيا جسد المسيرة انما يمضي في طريق الباحثين عن التخفيف من عمق الجريمة وحرف التحقيق عن مساره.


عودة الشهداء..

لقد وارينا الشهداء ثرى شفاعمرو، وسيبقى أربعتهم على حضور دائم في ذاكرتنا، نحن الذين عرفناهم او لم نعرفهم، لكن دماء ميشيل ونادر وهزار ودينا ستبقى تصرخ حتى يبزغ فجر حرية شعبهم، فمقتلهم، شئنا او أبينا، لم يأت بمعزل عن قضية شعبهم، فلولا الاحتلال لما قام المستوطنون، ولولا الاحتلال لما ارتكب المستوطنون جرائمهم، ولولا الاحتلال لما ارتكبت مجزرة شفاعمرو.

هزار، دينا، نادر وميشيل، نطلب منكم المعذرة لأنكم كنتم الثمن، ولكن في هذا الزمن الشديد العنصرية والتحريض لا يتبقى لنا الا ان نقول: ستعودون هذا الأسبوع، وفي كل أسبوع، تدخلون بيوتنا، تشاركونا السمر، تسألون عن آخر الأحداث، تبتسمون في لحظات الفرح، وتبكون في لحظات الحزن.. أطيافكم ستبقى خالدة في صدور اهالي شفاعمرو.. وستمضي المسيرة رغم نباح العنصريين..
-----------------------------------------

* شفاعمرو مدينة في الجليل في فلسطين ارتكب فيها فاشي اسرائيلي مجزرة في الخامس من آب 2005 استشهد خلالها أربعة مواطنين هم هزار ودينا تركي، ميشيل بحوث ونادر حايك



#وليد_ياسين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- برتقالنا وبرتقالهم
- العنصرية في عروقكم
- كلمات عابرة الى امرأة في عيدها
- ما وراء تعيين حالوتس قائدا عاما للجيش الاسرائيلي
- رسالة الى قريبي في المخيم


المزيد.....




- هارفارد تنضم للجامعات الأميركية وطلابها ينصبون مخيما احتجاجي ...
- خليل الحية: بحر غزة وبرها فلسطيني خالص ونتنياهو سيلاقي في رف ...
- خبراء: سوريا قد تصبح ساحة مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران
- الحرب في قطاع غزة عبأت الجهاديين في الغرب
- قصة انكسار -مخلب النسر- الأمريكي في إيران!
- بلينكن يخوض سباق حواجز في الصين
- خبيرة تغذية تحدد الطعام المثالي لإنقاص الوزن
- أكثر هروب منحوس على الإطلاق.. مفاجأة بانتظار سجناء فروا عبر ...
- وسائل إعلام: تركيا ستستخدم الذكاء الاصطناعي في مكافحة التجسس ...
- قتلى وجرحى بقصف إسرائيلي على مناطق متفرقة في غزة (فيديو)


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - وليد ياسين - في وداع شهداء شفاعمرو*