أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد الرجاء لهديلي - سارتر: نحو فهم جديد للماركسية















المزيد.....

سارتر: نحو فهم جديد للماركسية


عبد الرجاء لهديلي

الحوار المتمدن-العدد: 4548 - 2014 / 8 / 19 - 20:21
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


جون بول سارتر: نحو فهم جديد للماركسية
إذا ما قارنا بين مفهوم الحرية في كتابات سارتر الأولى، خصوصا كتابه الضخم " الوجود والعدم"، ومواقفه التي عبر عنها من خلال كتاباته ومقالاته المتأخرة، خصوصا كتاب "نقد العقل الجدلي"، فإننا نجد أنه وقع تغيير في تصوره لذلك المفهوم. فبعدما كانت مفاهيم من قبيل : العدم، القلق، المشروع...هي العنصر الملازم للحرية في "الوجود والعدم"؛ ذلك أن الحرية لا تخرج عن كونها مظهرا لوجود الإنسان الناقص الذي يتخلله العدم من كل جانب، لأن هذا الأخير يفصل الوجود لذاته عن ماهيته( ما يكونه)، وبهذا يكون العدم سابق للماهية وملازم للحرية التي على ضوئها يختار الإنسان ما يكونه ضمن مجال الممكنات. ومسألة الحرية هنا هي ما سيقود سارتر إلى ربطها بمفهوم القلق، حينما اعتبر الشعور بها يولد إحساسا أليما "بالضيق"، الشيء الذي يجعلنا نسعى هروبا من حريتنا، ونعمل وفقا لماهيتنا، وكأن لدينا ماهية سابقة لوجودنا، متناسينا، بهذا، أن الكائن الحر هو ذلك الذي يجد في ذاته وحدها دوافع تصميماته ومصوغات أفعاله، ومن تم فإنه يضل قائما بمفرده، عاملا على خلق قيمه وإبداع معاييره.
إن الوجود لذاته إذن، باعتباره حرية ، هو من يبدع القيم ويخلق معايير لذاته، بمقتضى اختيار حر، مطلق غير مشروط. بعبارة أخرى، اختيار لا يستند إلى أية دعامة. لكن إذا ما حاولنا مقارنة هذا الموقف، بكتابات سارتر المتأخرة، التي ألِّفت في أواخر الخمسينات وبداية الستينات من القرن الماضي، خصوصا كتابه المعروف بـ" نقد العقل الجدلي"، نجد شبه غياب لتلك المفاهيم التي سبق الإشارة إليها، والتي ربطها زعيم الوجودية بمفهوم الحرية؛ إذ أن تقرب سارتر من الفلسفة الماركسية، قاده إلى استدخال مفاهيم جديدة غيرت من تصوره لهذا المفهوم، دون أن يمس هذا التغيير جوهر الحرية عند فيلسوفنا. فمهما كان من أمر التطور الفكري الذي طال فلسفة سارتر؛ فإنه لا يسمح لنا ـ للوهلة الأولى ـ بالقول أنه تنكر لزيه الوجودي. ومن البديهي أن الأسباب التي أتاحت للوجودية "كنزعة إنسانية" أن تحافظ على استقلالها وأن لا تذوب في الماركسية، هو فشل وتوقف هذه الأخيرة، حيث إنها لم تعد هي تلك المفاتيح والمفاهيم التفسيرية المنتظرة، وفي هذا يقول سارتر:" بعدما أن جذبتنا الماركسية إليها، كما يشد القمر البحار، وبعد أن بدلت أفكارنا، وبعد أن أعطتنا المقولات المناوئة للفكر البرجوازي، تركتنا فجأة في الطريق؛ إنها لم تشبع حاجتنا إلى الفهم؛ وعلى الأرض حيت كنا، لم يكن لديها ما تعلمنا إياه، لأنها كانت توقفت" .
صحيح أن سارتر قد تأثر بالفكر الماركسي وذهب حد اعتباره "فلسفة القرن العشرين التي لا يمكن تجاوزها، حيث ستكون الوجودية الإيديولوجية المناسبة لهذه الفلسفة التي أصابها الهرم والتقاعس، ويأتي موقف سارتر هنا ضمن تبنيه لبعض الأفكار الماركسية، من هنا ستؤكد الفلسفة الوجودية على دور الفرد والممارسة والحرية؛ فالبراكسيس هي براكسيس الفرد وهو يسعى إلى تغيير وضعه. ومن تم سَيُعوِّض سارتر مفهوم المشروع بمفهوم براكسيس الفرد، ويعتبره عنصرا ضروريا لفهم التاريخ.
كما أن فكرة السلب والفعل والقلق، حتى وإن كان معظمها حاضر في "الوجود والعدم"، إلا انه في الآونة الأخيرة أضفى عليها دلالات دياليكتيكية لم يكن له بها سابق عهد من قبل؛ فالسلب عنده لم يعد يعني عملية الرفض أو النطق بكلمة "لا"، بل أصبح يعني التغيير عن طريق العمل والممارسة . كما أن الفعل لم يعد مجرد نشاط ذاتي يقوم به الإنسان من أجل حريته في وجه حرية الآخرين، بل أصبح بمثابة نشاط "مادي" واقعي، يقوم به كائن اجتماعي تاريخي يعمل على تغيير عالمه، ويحاول إضفاء الطابع الإنساني على الطبيعة، كما أصبحت فكرة التعالي تعني التعبير عن الوجود خارج الذات في علاقتها بالأخر.
هكذا، يمكن القول بأن سارتر قد انتقل من قطب "الذاتية" إلى قطب "الموضوعية"؛ ذلك أنه كان في البداية، يميل بشكل أو بأخر إلى تفسير الظواهر البشرية تفسيرا ذاتيا، حيث كان يرغب للوجودية أن تضل مناضلة ضد أولائك الذين ينفون عن الوعي الإنساني أي قدرة على الفعل، غير أن الخبرات التي اكتسبها سارتر، بعيدة الحرب الأخيرة، جعلته يخلع على مواقفه الوجودية طابعا تاريخيا، حيث عمل على الأخذ بجميع العوامل المؤثرة في الوجود الإنساني بما فيها المادية والتاريخية والاجتماعية.
ومن المعروف عن مواقفه أنه حاول ضم صوته إلى كل الحركات التحررية في أنحاء العالم، ومنها شعوب العالم الثالث. فمن اجل إعلاء صوت الإنسان ضد كل مظاهر العبودية والطغيان، تبين له، أنه لا يكفي للفيلسوف أن ينادي " بأن الإنسان حر"، بل لا بد أن يشارك في فعل "التحرير" هذا بغية تحقيق الوعي الإنساني بالحرية. وبهذا يكون سارتر قد انضم إلى الحركات التحررية الثورية، غير أنه ضل محافظا على موقفه الجوهري من الحرية، مختلفا ومتميزا بنزعته الوجودية عن " المادية الجدلية" التي دعا إليها كل من ماركس وانجلز ولينين، ويظهر هذا من خلال عنوان كتابه "نقد العقل الجدلي"، الذي يذكرنا بالنقد عند "كانط". فإذا كان هذا الأخير في نقده، يحاول الإجابة عن سؤال: كيف تكون المعرفة ممكنه؟ فإن سارتر أراد الإجابة عن سؤال: كيف يكون التاريخ ممكنا؟ لأن ماركس، في نظره، لم يجد الوقت لتأسيس نظريته تأسيسا أنطلوجيا، فقد استغرقته الممارسات العملية وتفسير المجتمع الصناعي الرأسمالي . وهو نقد، كانت الغاية منه، ليس فقط حب الماركسية، بل كذلك الوقوف على تهافت هذه الأخيرة، والتأكيد في كل الأحوال على الإنسان لا يمكن الهبوط به إلى المستوى البيولوجي الصِرف، رافضا كل التفسيرات المعروفة التي تحيل التاريخ إلى مجرد عملية آلية تستند إلى بعض القوانين الطبيعية والاقتصادية.
فإنجلز في نظر زعيم الوجودية الفرنسي، يقول بوجود قانون عام يحكم كل من الطبيعة والتاريخ والفكر، وهو قول أراد أن يؤكد من خلاله غائية يتم من خلالها التطابق بين المعرفة الشاملة والوجود العام من جهة أخرى، حيث إنه، بقوله هذا، يرسو بنا، حسب سارتر، أمام نتيجتين إتنتينن: الأولى أن التاريخ يتحقق خارج الفعل الإنساني، فبدل أن يصنعه الإنسان يكتفي بتأمله. والنتيجة الثانية المترتبة عن القول بدياليكتيك طبيعي، هو أن يصير الإنسان مجرد كائن طبيعي يخضع للقانون الموضوعي، الشيء الذي يجعلنا ننكر حرية الكائن البشري في الاختيار والفعل.
صحيح أن موقف سارتر عرف نوعا من التجديد، تحولنا بمقتضاه من فيلسوف ميتافيزيقي؛ يعالج مشكلة الحرية من وجهة نظر الوعي الفردي، إلى فيلسوف يعالج هذه المشكلة من وجهة نظر الوعي الجماعي. وهي محاولة منه للهبوط بالحرية إلى عالمنا الواقعي الاجتماعي، حيث أراد لها أن تكون "تحررا"، يشارك عن طريقها الوجود لذاته في حركة التاريخ.
إن ما يبرر تقرب وجودية سارتر من الماركسية هو اهتمامها بالبعد الإنساني، واتخاذها له أساس لكل معرفة أنثروبولوجية ، وليس تنكرا للمذهب الفلسفي الوجودي كما اعتقد البعض. فإذا كانت الماركسية تنادي بحتمية تاريخية؛ ترى بأن المجتمع البشري، مجبور حضاريا واقتصاديا ببعض الظروف، فإن سارتر لم يأخذ بهذا الأمر ولم ينسى موقفه من الحرية الفردية، بل بالعكس، وجودية سارتر الجديدة حاولت فقط ، إفساح المجال للوعي الفردي بأن ينهض بما عليه من إلتزام بالتفكير في قضايا العالم الإجتماعي، حيث أراد سارتر، في كتاباته الأخيرة، أن يتجه بدراساته نحو علاقة الفرد بالتاريخ، ليتناول، من تم، المشكلة الإنسانية في تعدد مظاهرها . وهو اهتمام ضل من خلاله سارتر، حريصا على الوجود الإنساني، فكما كان الفيلسوف الألماني هيدجر، يسعى أن يكون "حارس الوجود" في فلسفته الانطولوجية، فإن سارتر سعى بدوره، أن يكون "حارس الإنسان" في انطولوجيته الفينومينولوجية، والتي تحولت، فيما بعد، إلى "أنطولوجية جدلية"، ساعيا، من ورائها، إلى تخليص الكائن البشري، من كل ما يفقده أصالته داخل الوضع اليائس الذي لا يطاق المسمى "بالوضع البشري" .



#عبد_الرجاء_لهديلي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سارتر: نحو تحليل جديد للشخصية الإنسانية
- المغرب وحركة داعش


المزيد.....




- أبو عبيدة وما قاله عن سيناريو -رون آراد- يثير تفاعلا.. من هو ...
- مجلس الشيوخ الأميركي يوافق بأغلبية ساحقة على تقديم مساعدات أ ...
- ما هي أسباب وفاة سجناء فلسطينيين داخل السجون الإسرائيلية؟
- استعدادات عسكرية لاجتياح رفح ومجلس الشيوخ الأميركي يصادق على ...
- يوميات الواقع الفلسطيني الأليم: جنازة في الضفة الغربية وقصف ...
- الخارجية الروسية تعلق على مناورات -الناتو- في فنلندا
- ABC: الخدمة السرية تباشر وضع خطة لحماية ترامب إذا انتهى به ا ...
- باحث في العلاقات الدولية يكشف سر تبدل موقف الحزب الجمهوري ال ...
- الهجوم الكيميائي الأول.. -أطراف متشنجة ووجوه مشوهة بالموت-! ...
- تحذير صارم من واشنطن إلى Tiktok: طلاق مع بكين أو الحظر!


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد الرجاء لهديلي - سارتر: نحو فهم جديد للماركسية