أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد الرجاء لهديلي - سارتر: نحو تحليل جديد للشخصية الإنسانية















المزيد.....

سارتر: نحو تحليل جديد للشخصية الإنسانية


عبد الرجاء لهديلي

الحوار المتمدن-العدد: 4548 - 2014 / 8 / 19 - 01:21
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


ذ. عبد الرجاء لهديلي، أستاذ باحث في الفلسفة.

سارتر: نحو تحليل جديد للشخصية الإنسانية

إذا كان الموضوع الأساسي في الطرح الوجودي هو الإنسان في العالم، وكانت العلوم الإنسانية تتخذ من هذا الأخير موضوع دراستها، فمن غير الممكن أن لا نتساءل عن خصائص كل مقاربة على حدا؟.
من المعلوم أن الفلسفة الوجودية، قد دافعت على الحرية واعتبرتها أساس الوجود البشري؛ فالإنسان" حر فيما يكونه" مادام الفعل الصادر عنه ذا منحى قصدي، وهذه القصدية ما هي، في الواقع، إلا تجسيد حقيقي لمبدأ المسؤولية، الذي يفترض الانفلات من كل حتمية أو قيد كيف ما كان. انطلاقا من هذا المعطى سيكون التحليل الوجودي للشخصية الإنسانية مختلف جوهريا عن كل المقاربات التي تعتبر الإنسان مجرد محصلة لإكراهات وحتميات، سواء كانت طبيعية، اجتماعية، نفسية، أو تاريخية...، فقصدية الفعل الإنساني في نظر رائد الوجودية، تعني أن لكل فعل إنساني، غاية وسبب، غير أن هذه الغاية ليست خارج الشخص كما يقول دعاة الحتمية، وإنما دوافع الفعل الإنساني نابعة من الشخص نفسه في ضوء اختياراته الحرة.
ومن هنا ستُجَابِه الحرية التي قال بها سارتر، بعض الصعوبات، خصوصا إذا ما استحضرنا نتائج التحليل النفسي مع رائده النمساوي"فرويد"، إذ ذهب هذا الأخير إلى القول بأن وراء كل فعل أو سلوك إنساني، دوافع نفسية لا شعورية، تحدد شخصية الإنسان منذ الطفولة. ومن تم سيكون من البداهة أن لا يتقبل زعيم الوجودية ـ الذي عاش في مناخ فلسفي ديكارتي ـ أطروحات فرويد حول الجهاز النفسي واللاوعي والدوافع الجنسية مادامت هذه الأطروحات تنتهي في الأخير إلى الإقرار بالحتمية النفسية.
يرى سارتر، تبعا لما سبق، أنه لا وجود لمفهوم اللاوعي، كما تصوره التحليل النفسي ، حينما اعتبر أن هناك رقابة تكبت خبرات الإنسان ورغباته في منطقة لا واعية وغير معروفة، حيث إن هذا التصور، في نظر فيلسوفنا، ينطوي على تناقض يتعارض والنتائج التي آلت إليها الوجودية، ذلك أن مثل هذا الرقيب ـ باعتباره جزءا من شخصية الإنسان ـ لا بد أن يكون واعيا بما يجب كبته حتى يقوم بهذه المهمة، وهذه العملية لا تخرج عن نطاق الوعي. أما إذا افترضنا أن هذا الفعل يتم بواسطة دوافع خارج مجال وعي الإنسان، ومستقلة عن اختياره الحر، فإن هذا ينِمُّّّ عن تصور ميكانيكي، يحول الكائن البشري إلى "أداة" وسط مجوع الأدوات الأخرى، ومن تم يستحيل لهذه الأداة أن تختار في ضل القوى التي تحركها، والنتيجة المترتبة عن هذا القول، هو نفي المسؤولية عن الإنسان، واختزال وجوده إلى مستوى أدنى بكثير من حقيقته الجوهرية.وقد استعاض سارتر مفاهيم التحليل النفسي، بمفاهيم أخرى من قبيل: خداع النفس في مقابل اللاوعي، الفهم في مقابل التفسير، القصد في مقابل الحتمية...، لا غرابة إذن، أننا أمام نموذج جديد لتحيل شخصية الفرد بشكل مختلف، يمكن تسميته بـ"التحليل النفسي الوجودي".
و الحقيقة هنا التي يجب الكشف عنها في دراسة الإنسان، حسب التحليل الوجودي، لا تكمن في أن الكائن البشري لا يعرف دوافع اختياراته وأفعاله الدفينة في اللاوعي، وإنما هي أنه لا يختار أن يرى وينظر، ولعلّ هذا ما قاد سارتر، إلى استبدال اللاوعي بمفهوم "خداع النفس"، وهو مفهوم قائم على وحدة وشفافية الوعي. فليس هناك، حسب فيلسوفنا، منطقة سوداء منفصلة عن الشخصية الواعية، بل هناك اختيار لنمط من الوجود؛ فبدل أن "يرى" الإنسان و"ينظر"، اختار بأن يكون غير حر، وأنه مسير بحتميات تتجاوزه. صحيح أنه يجب علينا الاعتراف، حسب الوجودية، بأن هناك بعض الحالات "تبدو" وكأنها تتستر على ما هو خفي، غير أنه لا يجب تحليلها على ضوء فكرة اللاوعي التي قال بها التحليل النفسي، بل يجب تحليلها وفق "الأنماط المختلفة للوعي"، وهي أنماط يختار وفقها الإنسان ما يكونه، وتتحدد في نوعين: التأملي وقبل التأملي؛ ففي النمط الأول يختار الشخص أو يقصد أن ينتبه بعناية وعن قرب لاستجاباته، وللموقف الذي يجد نفسه فيه، ومن تم ينتبه لعملياته الداخلية. أما النمط ما قبل التأملي فهو سلبي؛ حيث لا يمارس الشخص هذا الوعي القريب، غير انه يستطيع ذلك إذا اختار، فهو على استعداد للوعي بالأحداث و بالآخرين وبنفسه، لكن يكون اختياره أن لا ينتبه عن قرب لهذا الوعي، حيث يختار نمط وجوده على هذا الأساس، إذ يقرر لنفسه الأشياء التي "سيعيها"والأشياء التي سيتجاهلها، الشيء الذي يجعله ينفي مسؤوليته عن مجموعة من سلوكاته، التي كانت مصدرا لعدم "الانتباه عن قرب. "

إن نجاح المنهج الوجودي في تحليل الشخصيات القلقة، حسب مجموعة من الكتاب، يكمن في استناده على الفلسفة الظاهراتية، حيث تتخذ هذه الأخيرة من ظواهر الحياة النفسية موضوع تحليلها، وما يميز التحليل النفسي الوجودي عن التحليل النفسي عند "فرويد" أو "أدلر"، هو انه لا يقدم تفسيرا لسلوكات الإنسان، ولا يربط انفعالاته واندفاعاته بدوافع لا واعية، بل يرى هذا التحليل الجديد ( التحليل النفسي الوجودي)، أنه يلزمنا أن نفهم الكائن البشري من الداخل عن طريق الكشف عن المشروع الأصلي الذي ارتبط به منذ طفولته، وعن الغايات التي كان له أن يبلغها. ومن هنا كانت دراسة سارتر لبعض الأدباء كـ"فلوبير" و"بودلير"، مختلفة عن التحليل النفسي لبعض الشخصيات الأدبية والفنية، منتهيا إلى نتائج أخرى تتعارض بشكل مطلق، عما وصل إليه علم النفس التحليلي، لينبهنا في الأخير على أنه يجب علينا أن نبحث في منتجاته الأدبية، وذلك بالعثور على الطريقة الأصلية التي لدى كل منا لاختيار وجوده، لا فيما هو خارجي يربط الإنتاج الأدبي بضرورات تستجيب لاندفاعات تتجاوز حرية الفرد، إذ أن الوعي هو دائما تجاوز ومشروع، فلا سبيل إذن، إلى تفسير الفعل الإنساني باللحظة السابقة، وإنما يجب أن يُفْهمَ انطلاقا من الغاية التي يراد تحقيقها. وفي هذا الإطار يستبدل سارتر مفهوم "السببية" بـ"التحفيز" الذي يقوم على الفهم لا التفسير أي الطريقة التي تسمح للفرد أن يتبين مشروعه الأصلي، حتى وإن كان مشروعا ينطلق من مواقف محددة، سواء كانت نهائية (الميلاذ وما يتصل به من مكان يولد فيه المرء، وأبوين أنجباه، وزمن تاريخي وقع فيه، وفي الوقت نفسه الموت الذي يرتبط به..)، ولا نهائيه ( تتولد من أنواع السلوك التي يباشرها الإنسان في حياته، والتي تكون مصدر حرية، حيث يرمي الشعور الإنساني إلى الموضوع قاصدا إياه، إذ لا يتقوم هذا الموضوع إلا بهذه الإحالة، لأن وجوده بالنسبة لهذه الذات هو وجود من أجلها كأداة لها) ، وعليه تكون هذه المواقف اللانهائية مجال اختيار، يمثل مصير الرسالة التي يحققها الإنسان في الوجود. وما دامت المواقف النهائية حظا مفروضا، فإن تمييز الشخصية لا يقع بواسطتها، بل بالاختيار الحر؛ حيث يصبح من الممكن للكائن أن يغير مساره بصورة واعية. لنأخذ على سبيل المثال دراسة سارتر "لبودلير" وهي دراسة شبيهة بتلك التي قام بها "ياسبرز" عن نيتشه، ومختلفة بشكل كبير عن تلك التي انتهى إليها التحليل النفسي لهما، حيث أعتبرهما حالتين مرضيتين. فدراسة حياة بودلير، في نظر سارتر، تبدأ من الوثائق النثرية الشخصية التي خلفها وأهمها الرسائل المتبادلة بينه وبين أمه والوصي عليه( أنصل)، تم على إبداعيه الشخصيين الممتازين: قلبي عاريا Mon cœur misànu وأمواج fusées، فبودلير حسب سارتر، لم يكن يستحق تلك الأم ( لم يكن يرى أن لها الحق في الزواج مرة ثانية)، ولا الأسرة التي ولد فيها، ولا داء الزهري، ولا هذا الضيق المتواصل في حياته، ولا تلك النهاية المبكرة ، غير أن بودلير لم يعمل أي شيء حيال مصيره هذا، فضل رافضا له وثائرا عليه من جهة، خاضع له في الواقع من جهة أخرى. وهذا ما يفسر قلق بودلير الوجودي، قلق مبعثه الأساسي الحرية الملقاة على عاتقه، وهو ما دفعه إلى اختيار نمط وجوده، كأديب على هذا الشكل. ومن هنا تكون بداية المشروع الأصلي الذي اختار "بودلير" على أساسه نفسه، هو زواج أمه وما تلا ذلك من أحداث أخرى.
من هنا نستخلص أن المنهج الممكن لتحليل شخصية الإنسان، باعتباره كذلك، ليس هو ما روج له علم النفس التحليلي، وإنما هو ذلك المنهج الفينومينولوجي الوجودي، لأنه يسعى إلى فهم الإنسان لا إلى تفسيره، إذ الفعل البشري ليس معزولا عن باطن الذات التي تختار باستمرار مشروعها ضمن ممكنات عدة.



#عبد_الرجاء_لهديلي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المغرب وحركة داعش


المزيد.....




- في اليابان.. قطارات بمقصورات خاصة بدءًا من عام 2026
- وانغ يي: لا يوجد علاج معجزة لحل الأزمة الأوكرانية
- مدينة سياحية شهيرة تفرض رسوم دخول للحد من أعداد السياح!
- أيهما أفضل، كثرة الاستحمام، أم التقليل منه؟
- قصف إسرائيلي جوي ومدفعي يؤدي إلى مقتل 9 فلسطينيين في غزة
- عبور أول سفينة شحن بعد انهيار جسر بالتيمور في الولايات المتح ...
- بلغاريا: القضاء يعيد النظر في ملف معارض سعودي مهدد بالترحيل ...
- غضب في لبنان بعد فيديو ضرب وسحل محامية أمام المحكمة
- لوحة كانت مفقودة للرسام غوستاف كليمت تُباع بـ32 مليون دولار ...
- حب بين الغيوم.. طيار يتقدم للزواج من مضيفة طيران أمام الركاب ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد الرجاء لهديلي - سارتر: نحو تحليل جديد للشخصية الإنسانية