أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - أحمد عز الدين أسعد - جدلية التراث/ الحداثة... هل الحداثة نتاج التراث أم التراث نتاج الحداثة؟















المزيد.....


جدلية التراث/ الحداثة... هل الحداثة نتاج التراث أم التراث نتاج الحداثة؟


أحمد عز الدين أسعد

الحوار المتمدن-العدد: 4547 - 2014 / 8 / 18 - 21:46
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


جدلية التراث/ الحداثة... هل الحداثة نتاج التراث أم التراث نتاج الحداثة؟

أحمد عز الدين أسعد
مقدمة
قبل البدأ في بحث جدلية التراث والحداثة، وهل التراث نتاج فكر الحداثة أم الحداثة نتاج التراث؟ أدركت أنني لن أجانب الصواب أن لم أوضح ما المقصود بالتراث والحداثة؟ وما هو سياق تطورهما؟ وما هو التسرب والاقتراض والتداخل فيما بينهما؟. من أجل محايثة الصواب لابد من التأصيل المفاهيمي للتراث والحداثة، وتعريف التراث والحداثة وما بعد الحداثة عند عدد من المفكرين والكتاب، وتوضيح الخلط واللبس المفاهيمي بين الحداثة والتحديث والغربنة.

التراث نتاج فكر الحداثة.

تأصيل مفاهيم التراث والحداثة
ازدهرت كلمة (تراث) في العربية ازدهاراً غير مسبوق في القرن العشرين. فهذه اللفظ (التراث) من مادة (و.ر.ث) المشابهة لكلمات ( الإرث، الورث، الميراث) وهي تدل على ما يرثه الإنسان من والديه من مال وحسب. ووردة كلمة التراث مرة واحدة في القران الكريم، في سورة الفجر في قوله تعالى (وتأكلون التراث أكلا لما) بمعنى أنهم يأكلون نصيبهم ونصيب غيرهم من التراث والمقصود بالتراث في الآية المال. ولفظ التراث غير موجود في الحقول المعرفية العربية والإسلامية قديماً. وأن كلمة التراث بمعنى الموروث الفكري والثقافي والأدبي والفني والديني، أي بما تعنيه كلمة التراث اليوم لم تكون موجودة في خطاب أسلافنا ولا في خطاب اللغات التي نستورد منها الثقافة والآداب مثل اللغة الإنجليزية والفرنسية.
يتعلق الاهتمام بالتراث عند العرب بظاهرة مرضية يسميها الجابري (عُصاب جماعي) أصاب العرب بعد نكسة 1967 ... ويقترح الجابري أن نفهم التراث فهم حداثي وفق رؤية عصرية بدل الفهم التراثي للتراث. فالحداثة من وجهة نظره لا تعني رفض التراث ولا القطيعة مع الماضي بل تريد الارتفاع في طريقة التعامل مع التراث (المعاصرة) أي مواكبة التقدم العالمي.
ظهرت لفظة Modernit (حداثة) عام 1823 حسب موريس باربيي، وكانت تعني خاصية ما هو حديث. وكانت هذه الكلمة غائبة من القواميس الفلسفية وكان حضورها باهت، فمثلاً أندري لالاند خصص لكلمة Moderne (حديث) نصف صفحة فقط من معجمه الفلسفي الذي يتجاوز 1300 صفحة، مع أن مقولة العالم الحديث كانت موضوع فلسفي لدى كانط وهيجل وماركس وفوكو وهابرماس ونيتشه وغيرهم.
أما في التاريخ العربي فولدت فكرة الحداثة عبر زحف سياسي وعسكري أوروبي منذ غزو نابليون مصر في القرن الثامن عشر، إلى أن انهارت الإمبراطورية العثمانية وميلاد تركيا الحديثة بعد الحرب العالمية الأولى ... إذاً فهي ولدت بعملية قيصرية ولم تنشأ في سياق ثورة ذاتية. وأن تاريخ فكرة الحداثة هو تاريخ وعيها بنفسها كمشروع ثقافي (أنها خطاب ثقافي جديد) ... والحداثة في الفكر العربي مثل الهوية والوحدة والاشتراكية، بدأت فكرة وانتهت إلى أيديولوجيا.

أركيولوجيا التراث والحداثة وما بعد الحداثة

يعرف حسن حنفي التراث ﺑ-;-" كل ما وصل إلينا من الماضي داخل الحضارة السائدة، فهو إذن قضية موروث وفي نفس الوقت قضية معطى حاضر. " ويعرف الجابري التراث ﺑ-;- "كل ما هو حاضر فينا أو معنا من الماضي، سواء ماضينا أو ماضي غيرنا، سواء القريب منه أم البعيد." فيشمل التعريف، التراث المعنوي: الفكر والسلوك، والتراث المادي: الآثار، والتراث القومي: كل ما هو حاضر فينا من ماضينا، والتراث الإنساني: ما هو حاضر فينا من ماضي غيرنا.
كما يعرف حنفي التجديد ﺑ-;-"إعادة تفسير التراث طبقاً لحاجات العصر، فالقديم يسبق الجديد والأصالة أساس المعاصرة، والوسيلة تؤدي إلى الغاية. التراث هو الوسيلة، والتجديد هو الغاية وهي المساهمة في تطوير الواقع، وحل مشكلاته."
بينما يرى الخطابي الحداثة بأنها "عوامل القطيعة والتحول والتغير داخل المجتمع. وهي نموذج فكري تأسس وترعرع في الغرب، مباشرة بعد عصر النهضة، مرتكز على العقل المنظم لكل نشاطات الإنسان داخل المجتمع ... العلم أو التقنية أو التنظيمات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والإدارية. " ويعرف هابرماس الحداثة ﺑ-;-"الانفتاح على الجديد الأتي عبر إحداث قطيعة مع الماضي ... وقد اهتم خطاب الحداثة منذ نهاية القرن الثامن عشر (عصر الأنوار) بالإنسان وفاعليته بسيادة العقل واختراقه لكل مجالات الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية ...الخ." كما يعرف بلقزيز الحداثة نظرياً ﺑ-;-"الرؤية الفلسفية والثقافية الجديدة للعالم؛ إعادة صياغة الإدراك الإنساني للكون والطبيعة والاجتماع البشري على نحو نوعي مختلف أنتج منظومة معرفية وثقافية واجتماعية جديدة."
أما التقليد عند الخطابي فهو مجموعة من القيم والرموز والتصورات المرتكزة على الماضي والمتجسدة في الحاضر. ومهمة التقليد الحفاظ على الأوضاع القائمة التي تقدس الحاضر ومواجهة المستجدات والتغيرات الطارئة على بنية المجتمع. وبذلك يرتبط التقليد بالنزعة المحافظة. ويتجاوز التقليد المفاهيم والمعطيات الدينية ليشمل عادات غير دينية (إسلامية) مثل طقوس الزواج وزيارة الأضرحة والطب الشرعي.
أما ما بعد الحداثة فهي تقوم على التشتت ولا إبداع والغياب، والفوضى والسطح والتفكيك، والصدفة والاختلاف والمفارقة. وتصور فوضويي للزمن، إلغاء الذات ومركزيتها. وترفض ثنائية الذات والموضوع، وتمزج الحقيقة بالخيال؛ والتاريخ غير واقعي. فهي ظاهرة فلسفية اجتماعية فنية مفتوحة في البنية والزمان والمكان.

مفارقات مفاهيمية

يفرق الخطابي بين الحداثة والتحديث، حيث يوجد التباس وخلط في فهم معنى الحداثة والتحديث مع أنهما غير متطابقتين ويختلفان في المعنى. مع العلم أن غالبية الدراسات في العلوم الاجتماعية ركزت على استعمال (التحديث) أكثر من (الحداثة). فالحداثة تستخدم لوصف الخصائص المشتركة بين الدولة المتقدمة على المستوى الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، أما التحديث فهو وصف لعملية اكتساب هذه الخصائص (سياق التحول التكنولوجي والاقتصادي عبر إدخال التقنية والمخترعات الحديثة لمجتمع ما).
بينما يفرق بلقزيز بين الحداثة والتغربن (التقليد الرث للغرب). فالحداثة إبداع واقتحام الواقع ضد التيار السائد ليؤسس لنفسه مكان، أما التغربن فهو مرادف لتبعية الفكرية والكسل المعرفي والتسول الثقافي والعيش من وعلى إبداع الآخرين.

التراث نتاج فكر الحداثة

يمثل التراث رأس مال رمزي تاريخي يفتخر العرب به ويحاولون تقديمه كوجه لهم لتعويض عن حالة التخلف والتبعية والانتكاس العربي . ومما عزز استخدام هذا المفهوم والمغالاة في استعماله والتفاخر به فكر ( الحداثة)، وحسب ما تقدم في استعراض التأصيل والتعريف للحالة الحداثية، تبين أن تأثيرها على المنطقة العربية كبير في إحياء التراث لتعرض المنطقة لموجة الاستعمار الأوروبي وزوال الخلافة الإسلامية كدولة تشترك مع العرب في التراث الديني.
مع بدأ الاستعمار الأوروبي للمنطقة العربية في العقديين الأخيرين من القرن السابع عشر، وبداية الاحتكاك الفعلي مع أوروبا من خلال الاستعمار وتفوقه المادي والمعنوي، ومع بداية البعثات العلمية لأوروبا منذ عهد محمد علي باشا بدأ الانبهار بالغرب وحالته الحداثية.
فبدأت هنا جدلية التراث/الحداثة، فالوضع السائد في الواقع العربي سواء الفكري أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي قبل التعرف على الحداثة الأوروبية، كان يعبر عنه وينظر إليه العرب على أنه حالة واقعية حاضرة فلم يطلقوا على إنتاجهم المادي أو المعنوي إسم التراث إلا بعد ظهور الحداثة أو الأدق بعد التعرف على الحداثة. بمعنى بما أن هناك شيء حديث وجديد فالقديم يصبح تراث. ولو لم يتعرف العرب على الحداثة، ربما لما سموا القديم تراث بل أسموه تاريخي أو ماضوي أو غيره.
كما أن الحداثة صورة أو تعبير عن الخصائص المشتركة، السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والفكرية للغرب، وأصبح استخدام التراث كرديف لهذه الحداثة ورد عليها ومواجه وتصدي لها. إذ أصبح التراث يشكل وعي جمعي تاريخي وهوية ثقافية في الفكر العربي الحديث والمعاصر.
فعمل العرب على إحياء التراث ليكون قاعدة حضارية من أجل الانطلاقة إلى المستقبل ، من خلال قاعدة تاريخية (الشرعية التاريخية التراثية) فهذه فكرة مستحوذة على الخطاب العربي ليس الرسمي والشعبي بل واليومي للإفراد مثل (من لا ماضي له لا حاضر له)، كذلك مغالاة الأفراد في مدح القديم والحنين له والتحصر عليه مثل قولهم (الله يرحم أيام زمان). وأبدع العرب كذلك في استخدام التراث كوسيلة دفاعية ضد تهديدات الغرب العسكرية والسياسية والفكرية أيضاً، ورفضوا المنجزات الفكرية والعلمية بحجج وذرائع أنها لا تتفق مع العادات والتقاليد والأعراف ومخالفة الدين.
لقد كان لجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده مجهود كبير في تأسيس العروة الوثقى والكتابة فيها لحياء التراث الإسلامي، فرئيا مشكلة التخلف والتقهقر ناتجة عن ابتعاد المسلمين عن الدين الإسلامي، فبحياء الدين (التراث الإسلامي) هو خير وتقدم للأمة الإسلامية، مع أن مشكلة الإسلام ليست مع بداية ظهور الحداثة أو احتكاكها بمجتمعاتهما ببنيته الفوقية والتحتية بل هي منذ مقتل عمر وعثمان وعلي؛ لكن لم يتم إعادة إحياء للتراث الإسلامي لأنه لم تكن هناك دولة لها حداثة تهدد خطر الدولة الإسلامية فقد تغلبوا على الفرس والروم، إلا في نهايات الدولة العثمانية فتم إعادة إحياء التراث الإسلامي عند جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده.
كما عمد عدد من المفكرين مثل الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا وخير الدين التونسي والطهطاوي على إحياء المفاهيم من التراث الإسلامي وموازاتها مع المفاهيم الحداثية الأوروبية مثل: المنفعة= المصلحة، الشورى= الديمقراطية، الإجماع= الرأي العام. ويرون أن الأمة الإسلامية كانت أم المدنية لكنها تخلفت بعد ابتعادها عن الدين الإسلامي، وتجاوزوا ذلك لسماح للعقل بالتفسير واجتهاد العقل الفردي في النصوص القرآنية والدينية غير الواضحة أو التي لم يرد فيها دليل قطعي، وهذه مقاربة مع الحداثة الغربية المعتمدة على إبراز العقل (العقلانية)، وهذه ضمن منهج محمد عبده، فبتطور المفاهيم الحداثية مثل الديمقراطية والرأي العام في الغرب ضمن موجة الحداثة تم إعادة البحث في التراث الإسلامي عن مرادفات لها، أو تحوير تلك المفاهيم التراثية لرد على نظيرتها الحداثية لمنعها من التسلل إلى الثقافة العربية الإسلامية، كذلك إبراز مدنية التراث العربي الإسلامي.
نكص عدد من المفكرين المصريين قرون للخلف لإحياء التراث الفرعوني مثل الطهطاوي وأحمد لطفي السيد الذي رأى "أن لمصر ماضيين، ماضي فرعوني، وماضي عربي ومن المهم دراسة الماضي الفرعون ... لأنه يلقنهم قوانين النمو التقدم." والفكرة موجودة عند الطهطاوي أن مصر القديمة كانت حائزة على التقدم الدنيوي كمصر الحديثة. وسعد زغلول الذي كان يرى في مصر شيء محدد في المكان والزمان، فرعوني وعربي على السواء . كان استرجاع هذا التراث الذي مضى عليه عدة قرون محاولة لتعويض وتبرير حالة العرب وسوء أحوالهم في الوقت الذي زاروا فيه أوروبا وانبهروا بحداثتها وما كان لهم إلا استرجاع الأمجاد والتراث.
أراد حسن الترابي الاستفادة من علوم الحداثة (العلوم الاجتماعية المعاصرة) لإعادة تجديد وبناء الفقه الموروث في أمور الزواج والطلاق. فيريد الترابي المزاوجة بين العلوم الدينية والعلوم العقلية الحداثية وصهرها في بوتقة واحدة لإحياء الأحكام الشرعية في التراث الإسلامي بصورة مشابهة للعلوم الاجتماعية.
كما برز في القرن الواحد والعشرين مفكرون أو قادة سياسيين دينيين يتمسكون بالتراث خصوصاً الإسلامي، بشكل متزمت ولا يقبل الأخر لمواجهة الاستعمار الغربي ووقف زحفه الثقافي والفكري على العرب والمسلمين ومنهم أسامة بن لادن وأيمن الظواهري. وفي الحالة الفلسطينية بعد النكبة عام 1948 أصبح كل لاجئ متمسك بتراثه من عادات وتقاليد، والأغاني والأكلات الشعبية، والحكايات والقصص، وأسماء القرى والمدن الفلسطينية، من أجل إبراز الهوية الوطنية الفلسطينية في وجه محاولات التزوير والتهويد والطمس والآسرلة. حتى الأحزاب والفصائل الفلسطينية استحضرت في خطاباتها التراث الفلسطيني والعربي وخير مثال على ذلك بيان الانطلاقة لحركة فتح، ووثيقة إعلان استقلال فلسطين عام 1988. واستعمال الرموز التراثية في الشعارات للأحزاب مثل قبة الصخرة، المسجد الاقصى، الهلال، والصليب، والكوفية الفلسطينية.
كما بنا ساطع الحصري القومية العربية على أساس اللغة والتاريخ وبذلك فقد بناها على أسس تراثية فاللغة العربية عريقة وقديمة أقدم من القرآن الذي نزل بلسان عربي، وتاريخ العرب يعود لقرون متجذرة بالتاريخ. فالقومية لدى الحصري تقوم على الأمجاد والتراث لتوحيد العرب أصحاب التاريخ المشترك بعد ما نتج عن الحداثة من تبعية وتخلف وتجزئة للمنطقة العربية.
أما مشيل عفلق في تنظيره للقومية العربية فهو يرى أن الدين أساسي في حياة البشر، وأن ظهور الإسلام حادث قومي إنساني عالمي، والإسلام ثوري لا يفهم إلا الثوريون؛ فهو يدعو إلى الاستناد إلى التراث الإسلامي من أجل توحيد العرب بعد تفرقهم وضعفهم وغزوهم من قبل الاستعمار الأوروبي، فكان استناده إلى التراث الإسلامي من أجل الوصول إلى الوحدة العربية.

كيف تعامل المفكرون الحداثيون العرب مع التراث؟!

نقد بعض المفكرين العرب والأدباء التراث وشككوا فيه، انطلاقاً من علومهم وفكرهم الحداثي الذي تعلموه في الجامعات والمعاهد الغربية. مثل طه حسين الذي أصدر كتابه (في الشعر الجاهلي) الذي شكك في مصداقية الشعر الجاهلي ووصفه بأنه انتحال وتلفيق على السنة الشعراء الجاهليين، فالشعر الجاهلي يتناول قيم الشجاعة والمرؤة والكرم، وما جاء في القرآن الكريم في وصف حالة العرب قبل الإسلام مخالف لما كان يرد في الشعر الجاهلي، فهوجم كتابه وتم تغيير أسمه إلى (في الأدب الجاهلي) وتم حذف بعض الفقرات منه؛ فمحاولة طه حسين من قراءة الشعر الجاهلي قراءة حداثية وفق مقاييس أدبية فرنسية غربية جعلت الكثير يتشبثون بالتراث ويدافعون عنه واتهموه بالإحاد.
تعرض أيضا صادق جلال العظم لهجمة شرسة بعد إصداره لكتاب نقد الفكر الديني والنقد الذاتي بعد الهزيمة عام 1967، ففصل من التدريس من الجامعة الأمريكية في بيروت، وفصل من مجلة شؤون فلسطينية ومركز الأبحاث في م.ت.ف بعد نشره كتاب دراسة نقدية لفكر المقاومة الفلسطينية؛ هذا يدل على عدم تقبل الفكر العربي لنقد والمستجدات الفكرية. ودافع العظم عن رواية (آيات شيطانية) لسلمان رشدي في كتابه (ذهنية التحريم)، وبعد تعرض العظم لنقد والمواجهة جمع تلك المقالات والكتابات وعلق عليها ونقدها وأصدرها في كتاب (ما بعد ذهنية التحريم). وفي سياق دفاع العظم عن رواية رشدي فكان يعمل العظم على إحياء التراث في سبيل دفاعه عن الحداثة (جراءة رشدي وحداثته الروائية)، من خلال ذكره واستشهاده بنصوص وشعر وأقوال تراثية للمتنبي والمعري وقصيدة الخميني وشعر للملك الوليد والبحتري، وهذا يدل على صحة المقولة (التراث نتاج فكر الحداثة). فقد أحيا العظم العديد من الشعر والآداب التراثية في سياق الدفاع عن رشدي لم أكن اعرفها إلا بعد قراءة كتاب ذهنية التحريم مثل قول الملك الوليد:
أتوعد كل جبار عنيد فها آنا ذاك جبار عنيد
إذا ما جئت ربك يوم الحشر فقل يا رب خرقني الوليد
كما عمل محمد أركون على نقد العقل الإسلامي بمنطق تفكيكي واستثمر في ذلك العلوم الاجتماعية والإنسانية في مقاربته النص الديني. وتحدث أركون عن النزعة الإنسية وهي المزج بين الثقافات والحضارات، وعمل على عقلنة الظواهر الدينية وشبه الدينية مثل الخرافة والشعوذة. ويرى أركون أن التحول والتغير الواعي والهادف هي من سمات الحداثة، "أن الإسلام لحظة انبثاقه شكل من أشكال الحداثة، بل أن كل الحركات التاريخية الكبرى كانت تجسيداً لحداثة ما في عصرها ."
استرجع حسين مروة في كتابه النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية التاريخ والتراث الأموي، وتحدث عن ثورة الزنج والقرامطة والبابكية، وعن النظام السياسي للبحرين، واهتزاز الخلافة العباسية؛ فمن خلال الفكر الحداثي الذي كان يريد تقديمه حسين مروة حول المادية والصراع الطبقي في الفكر العربي الإسلامي، عمل على تعزيز التراث الإسلامي وإبرازه لتحقيق هدف الدراسة.
حسب فكر الجابري يقول إن الغرب كان حاضرا ًفي حياتنا الفكرية والسياسية، فالغرب القامع المتسلط؛ الذي قمع محمد علي باشا اقتصادياً وعسكرياً، وقمع نهضة الطهطاوي فكرياً. كان لهذا القمع الحضاري ردة واحتماء بالتراث للمحافظة على بقايا الهوية المهددة، وشجع نهوض التيار التقليدي والرجعي لرفع شعار التراث بديلاً عن الغرب، والإسلام بديلاً عن الحداثة.
يريد الجابري وفق المنهجية التي يقترحها البعد عن الفهم التراثي للتراث، فالنقد والوعي والعقلنة في قراءة التراث العربي توصل إلى الحداثة. فالجابري يستخدم أدوات تفكيك وتحليل حداثية، النقد والعقلنة من أجل تفكيك التراث العربي وتحليل وتأويله بشكل عقلاني للكشف عن أسرار الحداثة وإحداث حالة حداثية عربية، استناداً إلى الفهم العقلاني للتراث العربي.
حسب رأي برهان غليون كان لغياب النقد في الفكر العربي ظهور ثنائيات الحداثة/ الهوية؛ فرفض الحداثة تعزيز وتأكيد لذات وقبولها إنكار لذات. فهذه المفارقة سمحت للشعوب العربية رفع شعار المحافظة على التراث وبروز المحافظين على التراث كرمز للوجود الاجتماعي والسياسي والقومي، وتأكيد على الهوية والذات العربية. وأن إشكالية الفكر العربي ليست في التراث بل في العقل الذي يفكر ويحلل الحداثة والتراث، ويعمل على توظيف كل منهما بشكل أيديولوجي.

غدت الحداثة صنم يعبد ولاهوت مقدس حسب قول علي حرب، من أجل هيمنة النخب ومدافعتها عن امتيازاتها، فالمثقف العربي وظيفته حراسة الأفكار بدل تفعيل الفكرة وجعلها مواكبة للعصر ... والعقلانية في الغرب كانت مناهضة للكنيسة والفكر القروسطي، أما العقلانية العربية فيجب أن تكون استجابة لمعطيات المجتمع العربي وخصوصيته. فالمثقف التراثي يريد استعادة الماضي (عقلانية أبن رشد، صوفية الغزالي، واقعية أبن خلدون)، أما الحداثي فهو مولع باستحضار (المنهج الديكارتي، وليبرالية فولتير، وعقلانية كانط، وتاريخانية هيجل) . ففكرة الحداثة حسب ما يطرحها علي حرب هي مستندة للتراث الأوروبي، كذلك هذه الفكرة الحداثية ذات الأصول التراثية، لها رديف في التراث الفكري العربي مثل أبن رشد وأبن خلدون وغيرهم؛ فمن خلال سيطرة وانتشار الفكر الحداثي تم إعادة البحث وإحياء التراث العربي مثل أبن خلدون وأبن رشد الذين حتى يومنا يبحثان في حقول العلوم الاجتماعية والإنسانية العربية والغربية.

المراجع
بلقزيز، عبد الإله. العرب والحداثة دراسة في مقالات الحداثيين. بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2007.
الجابري، محمد عابد. التراث والحداثة: دراسات ومناقشات. بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1996.
حنفي، حسن. التراث والتجديد موقف من التراث القديم. بيروت: دار التنوير للطباعة والنشر، 1981.
حوراني، ألبرت. الفكر العربي في عصر النهضة 1798-1939 (ترجمة كريم عزقول). بيروت: دار النهار للنشر، 1968.
الخطابي، عز الدين. أسئلة الحداثة ورهاناتها في المجتمع والسياسة والتربية. الجزائر: منشورات الاختلاف، 2009.
شعلان، عبد الوهاب. "خطاب الحداثة في الفكر العربي المعاصر." المستقبل العربي. العدد 26، 2004.



#أحمد_عز_الدين_أسعد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- -جريمة تستوجب العزل-.. تعليق إرسال الأسلحة لإسرائيل يضع بايد ...
- زيلينسكي: -معارك عنيفة- على -طول خط الجبهة-
- نجل ترامب ينسحب من أول نشاط سياسي له في الحزب الجمهوري
- بارون ترامب يرفض المشاركة كمندوب للحزب الجمهوري في فلوريدا
- عاصفة شمسية -شديدة- تضرب الأرض للمرة الأولى منذ 2003
- بيان من -حماس-عن -سبب- عدم التوصل لاتفاق بشأن وقف إطلاق النا ...
- واشنطن تصدر تقريرا حول انتهاك إسرائيل استخدام أسلحة أمريكية ...
- مصر تحذر: الجرائم في غزة ستخلق جيلا عربيا غاضبا وإسرائيل تري ...
- الخارجية الروسية: القوات الأوكرانية تستخدم الأسلحة البريطاني ...
- حديث إسرائيلي عن استمرار عملية رفح لشهرين وفرنسا تطالب بوقفه ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - أحمد عز الدين أسعد - جدلية التراث/ الحداثة... هل الحداثة نتاج التراث أم التراث نتاج الحداثة؟