أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف : ظاهرة البغاء والمتاجرة بالجنس - حاتم الشبلي - الجنسانية التجارية















المزيد.....

الجنسانية التجارية


حاتم الشبلي

الحوار المتمدن-العدد: 4531 - 2014 / 8 / 2 - 16:50
المحور: ملف : ظاهرة البغاء والمتاجرة بالجنس
    


نشر موقع ( دليل الجنس العالمي) وهو موقع يعني بتصنيف ووصف الظاهره في بلاد العالم، تقريرا عن السودان، ورد فيه مايلي : ( علي الورق، يعتبرالسودان أمة أسلاميه تلتزم بالشريعة الأسلامية التي تمنع الجنس خارج العلاقة الشرعيه، ولكن الخرطوم تسبح في الدعاره، هنالك الكثير من الداعرات، ولكن ذلك قد يكون غير مرئي بالنسبه للأجنبي، أو حتي لبعض المواطنين).ويمكن أن نعتمد علي قصص كثيره متداولة عن شارع عبيد ختم مثلا، أو ماترشح به صفحات الأخبار يوميا عن ظاهرة الأتجار بالجسد والضغط عليها باعتبارها (كارثة إجتماعية) تهدد مايسمي ( بالقيم والأخلاق السودانية) وتصيبها في مقتل، ولكن المهم في الأمر والذي نريد ان نبدأ به كواقع معاش، هو( إنتشار الدعارة) بصورة مكثفة وملفته، بغض النظر عن أعتبار أن عزلها وإظهارها بهذه الكيفيه التراجيديه إنما ينم عن تعقيدات تتعلق بالعقلية السودانيه ذات الثقافة الأسلاميه –العربيه.
يقول مظفر النواب –(نخبك مابعت سوي اللحم الفاني...فالبعض يبيع اليابس والأخضر)، تحت هذه الخيمه يمكن أن نتناول موضوعنا، ونسمي كل فعل بقصد الحصول علي متعة جسدية بمقابل مادي بأنه دعاره. وهي كما يعرف الجميع أقدم مهنة في التأريخ، كما أنها ظاهرة لايخلو منها مجتمع، في أي مرحلة من مراحل تطوره، ومعظم الدراسات التي تناولتها بالفحص والتحليل، وفي كل العصور والثقافات، ترجع أسبابها الأساسيه للعامل الأقتصادي، ففي ظروف الفقر والجهل والضياع الأنساني تتناسب طرديا وبمعدلات أكبر، كما هو الحال في السودان، فالإدانة الرسميه والشعبيه لفتيات الدعاره والمثليين وغيرهم، تأتي من موقع ذكوري يري الظاهرة وفق أخلاق ( غيرأنسانيه) بمعني إنها تفصل مابين أخلاق الذكر وأخلاق الأنثي، كما أنها تتجاهل الأسباب الحقيقيه لتفشي الظاهره من فشل عام وأنهيار أقتصادي وأجتماعي وحروب و مجاعة وكوارث إنسانيه، في ظل الفشل الكبيرللدولة العاجزه عن توفير الحد الأدني من شروط حياة كريمة لمواطنها علي الأقل أشبه بماكان قبل يونيو 1989.
ومن جهة أخري يتصدي خطاب الإدانة والوصم والدمغ للظاهرة بنوع غريب من الظن المثالي، وهو أن المجتمع السوداني مجتمع تتحقق فيه الطهارة والفضيلة والشرف( بالمفهوم الذكوري)، وإن مايحدث الان هو مجرد سلوكيات شاذه وغير أصيلة ولاتمت بصلة للأخلاق والقيم السودانية، وهي مستحدثات سببها التشبه بالغرب الكافر والتأثر بالفضائيات والأفلام وما إلي ذلك من أسطوانات الدعاية الشعبية والرسمية المشروخه.ولايتم الإشاره أبدا لتاريخية تلك الظاهرة في المجتمع السوداني، وهو الخلل الأساسي الذي يجعل من كل تلك الدراسات والمقالات والأعلاميات مجرد تهبيش طفيف أو خطب وعظية لا اكثر، مما ينفي عنها الصفة العلمية والجدية كمحاولات لسبر غور ظاهرة إجتماعية. فمتي عرف السودانيون ممارسة الدعارة؟ وكيف؟ وماهي الأسباب التي ادت إلي نشوئها قديما؟
تشير الأستاذه فاطمة بابكر إلي أنه في عهد السلطنة الزرقاء إزدهرت تجارة القوافل وأصبحت السلطة تخشي مزاحمة التجار والقبائل الأخري، فقامت بحملات الغزو لأستجلاب الرقيق، الذين يكونون جهاز السلطة العسكري وحراس تلك القوافل، أما النساء الرقيق، فأن دورهم هو إنجاب هؤلاء الرجال وتقديم الخدمات الجنسية للتجار، تشير هذه الإفادة الـتأريخيه إلي إرتباط الرق بممارسة البغاء والدعارة، وهو الشائع في التاريخ القديم، إذ يجبر السادة والنخاسون والتجار النساء المسترقات ( الخدم) علي ممارسة الدعارة كأستثمار مضمون. وبعد مجيئ الأستعمار التركي – المصري، سارت الأحوال كما كانت عليه في السابق، ويقال أن محمد علي باشا ارسل مجموعة من الراقصات والعاهرات مع حملته لغزو السودان ولكن القائد التركي قد طردهن في دنقلا لأسباب شخصية!، فتفرقن في انحاء البلاد وزاولن نشاطهن دون مضايقات من السلطة، فقد كانت الحكومة الأستعماريه تطلق يد الجنود والموظفين لسبي الفتيات وأستثمار أجسادهن في الدعارة، ولايطلق صراحهن إلا بعد دفع فدية مالية. وأمتدت تلك الممارسات حتي في عهد الحكم الوطني ( المهدية)، فقد أقدم الخليفة عبد الله التعايشي علي تزويج النساء وتوزيعهن مثني وثلاث ورباع كماتقول الشريعة الأسلامية للحد من الدعارة، مما يؤكد أستشرائها في انحاء البلاد في تلك الفترة.
من المعلوم ان أول إجراء فعلي لمنع تجارة الرقيق كان مع مجيئ الأستعمار الانجليزي، فألغي الحاكم العام العبودية، إلا أن ذلك القرار لم تتبعه إجراءات تكفل ضمان حياة كريمة ومستقلة لهؤلاء النسوة اللائي كن رقيقا، فلفظتهم المدن إلي أطرافها وبنوا المساكن والأحياء الطرفية وأعتاشوا علي بيع الخمور والدعارة. وهكذا عادت تجارة الجنس كسابق عهدها، حتي أنه مع ظهور المشاريع الزراعية والمؤسسات المرتبطة بها إنتشرت حول المدن إندايات وبيوت الدعاره بصورة كبيرة، وكان يطلق عليها تندرا cat houses) ) وكان روادها من البريطانيين كما من الموظفين والعمال السودانيين.
عقب الأجراءات التي أتبعها الرئيس السابق جعفر نميري، وتطبيق القوانين الأسلاميه، تم إغلاق العديد من تلك البيوت، وحوصرت تلك التجارة التي كانت رائجه ومنتشره للحد الذي كانت فيه الشرطة تأتي لتنظيم صفوف المواطنين،وكان الداعرات يخضعن للفحص لضمان عدم انتشار الامراض، طلاب المتع الجنسيه، وظل الحال كذلك حتي جائت (الأنقاذ)، فعم الحروب أنحاء البلاد وشرد ونزح الاف المواطنيين، وظهرت الدعارة من جديد ولكن بطرق مختلفه، وتحت أغطية تتناسب مع إقتصاد السوق الأكثر إنفتاحا وشكل الحياة الذي أنتجته سياسات الرأسمال الطفيلي.
من المعروف حتي ذلك الوقت أن الداعرات السودانيات، كن يمارسن نشاطهن في أماكن محدده، وتحت سمع وبصر المجتمع والسلطة، ومع أختلاف الأوضاع بعد تطبيق قانون النظام العام الاسلامي، أصبحت الدعارة تمارس علي مستويين، الأول وهوالتسويق الذاتي ، كان تخرج العاهرة إلي الشارع وتعرض إستعدادها لأصحاب العربات الفارهة، وهي طريقة امنه تمكنها من ممارسة نشاطها خارج ملاحقات الأجهزة الشرطية، أما الأسلوب الثاني وهو أن يتم التسويق عبرشبكة( قوادين، قوادات) وغالبا ماينتشر هذا النوع في الأحياء الراقية حيث تتوفر الشقق السكنية التي تضمن خصوصية عالية للأطراف، إلا أن هذا النوع من التسويق تفقد فيه العاهرة، والتي غالبا ماتكون غير ذات خبره إستقلاليتها وقد تتعرض لأبشع أنواع الأستغلال من قبل القوادين والقوادات.
ولايقف الأمر عند هذا الحد، بل إنتشرت أشكال أخري، مايسمي (بالدعارةالمقنعة)، ففي ظل الظروف المعيشية الطاحنة، وضيق فرص العمل، والتي تحتكرها العناصر الموالية للسلطة، أصبح الحصول علي وظيفة أو الحفاظ عليها أمرا في غاية الأهمية، وغدا الابتزاز والمساومة والتحرش بالنساء في أماكن العمل مشهدا يوميا يعبر عن الصورة الحقيقية للأنسان السوداني المعاد إنتاجه عبر مايسمي ب( المشروع الحضاري). وتشير الأستاذه حليمة عبد الرحمن في مقالها بجريدة الراكوبة فبراير 2011 إلي ( أنه أصبح هناك مُسْتَثٌمرين ومُسْتَثمَر فيهم. ما بين الأمس واليوم يبرز وجه الاختلاف بقوة..في السابق كانت المرأة العاملة في هذه المهنة تعرف أن جسدها هو رأس مالها، لذلك تعرف كيف تتجنب الانزلاق إلى الولادة وتعليق المشاريع الأسرية حتى إشعار آخر، أما اليوم فإن الأمور تتبع سياسة السوق الحر والنقلة الفجائية واملاءاتها القاسية) .
لاشيء يمكن أن يعدل حرية الأنسان وكرامته، ولا أظن أن مقولة ( ليس مع الفقر فضيلة) قد قيلت من فراغ، وهكذا ينشأ الصراع، وتسقط النفوس الضعيفة كما سقطت (الكرامة الجمعيه) من قبل، ويثبت المنطق السليم فشل الخطابات الوعظيه علي المستوي العام، كما يؤكد قصور النظرة المجتزأة للظواهر والقضايا الأجتماعية، ولذلك ينبغي التعامل مع تلك المسائل من هذا النوع ضمن الوضع الكلي الذي وصلت إليه البلاد، وضرورة ربط الثقافي بالسياسي والأخلاقي والأقتصادي حتي نتمكن من قراءة موضوعية وعلمية. كما أن شكل الخطاب التجريمي السائد شعبيا ورسميا يعتبرفي حد ذاته أزمة، بغض النظر عن الموضوع الذي يتناوله، فالمجرم في نظره هو المرأة، وكأنما أن هؤلاء العاهرات يمارسن عهرهن مع كائنات فضائيه أتت من كوكب المريخ، هذا الخطاب يتكئ علي ترسانة فكرية –ثقافية تحتقر المراة عبر العصور، وإن تغيرت القوالب المستخدمة وأنماط الحياة، فلا مانع من منح صكوك الغفران للرجال، في الوقت الذي تقضي فيه النساء بقية حياتهن خارج الحظيره الإجتماعية يتلفحن عارهن وفسوقهن وحدهن، ولاعزاء ولا صفح . ممايعني في النهاية إعادة إنتاج الظاهرة وإستمراريتها الأكيدة. وليس سوي ذلك.



#حاتم_الشبلي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاسرة من منظور الدستور والقانون السوداني
- فسيولوجيا النكات الشعبيه
- التدجين من الداخل
- مصادرة الحياة بأسم الأسلام
- زهرة السحاب
- حول اسلمة وتبييض التأريخ


المزيد.....




- لافروف يتحدث عن المقترحات الدولية حول المساعدة في التحقيق به ...
- لتجنب الخرف.. احذر 3 عوامل تؤثر على -نقطة ضعف- الدماغ
- ماذا نعرف عن المشتبه بهم في هجوم موسكو؟
- البابا فرنسيس يغسل ويقبل أقدام 12 سجينة في طقس -خميس العهد- ...
- لجنة التحقيق الروسية: تلقينا أدلة على وجود صلات بين إرهابيي ...
- لجنة التحقيق الروسية.. ثبوت التورط الأوكراني بهجوم كروكوس
- الجزائر تعين قنصلين جديدين في وجدة والدار البيضاء المغربيتين ...
- استمرار غارات الاحتلال والاشتباكات بمحيط مجمع الشفاء لليوم ا ...
- حماس تطالب بآلية تنفيذية دولية لضمان إدخال المساعدات لغزة
- لم يتمالك دموعه.. غزي مصاب يناشد لإخراج والده المحاصر قرب -ا ...


المزيد.....

- الروبوت في الانتاج الراسمالي وفي الانتاج الاشتراكي / حسقيل قوجمان
- ظاهرة البغاء بين الدينية والعلمانية / صالح الطائي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ملف : ظاهرة البغاء والمتاجرة بالجنس - حاتم الشبلي - الجنسانية التجارية