أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - اشرف بلحاج - منازعات التعمير بالمملكة المغربية















المزيد.....



منازعات التعمير بالمملكة المغربية


اشرف بلحاج

الحوار المتمدن-العدد: 4518 - 2014 / 7 / 20 - 21:32
المحور: المجتمع المدني
    


مقــــدمـــــــــــة
يكتسي موضوع التعمير أهمية بالغة في الوقت الحالي، نظرا للتوسع الحضري والنمـو الديمغرافي المتزايد اللذين تعرفهما المدن والتجمعات العمرانية فـــي الدول، وخاصـــة منها الناميـــة ، هـــذه المتغيرات أصبحت تستوجب البحث عن سياسة تعميرية فـــي مستوى هــذه التحديــات لملائمة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية و السياسية .

فالتعمير حسب بعض المهتمين ، هو مجموعة من الإجــراءات التقنيـــة والقانونيــــة والاقتصادية والاجتماعيــة التــي يجب أن تعمــل علـــى تحقيــق نمــو متناســـق ، منسجم، عقلاني وإنسانـــــي للكتل العمرانية.

ويقصــد به في نظــر البعــض ، فن تهيئة المدن أو بالأحرى علم المدينة، أو علم الكتل العمرانيــة التي تظهر تكامــلا واستمرارية، والمعـــدة إما للسكـــن أو العمــل أو التبادل الاجتماعي.
كمـــا عرفـــه جون ماري اوبي و روبير ديكو " في مؤلفهمــا المشتــــرك " القــانون الاداري " بانه " مجمـــوعة الوسائل التنقية و القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية التي يجب ان تسمح بتنمية متناسقة و عقلانية و إنسانية للكتل "

ويستنتـــج من هذه التعاريف أن التعمير يهدف بشكل عام إلى مسألتين أثنين أولهما تنمية المجتمع وذلك بتنظيـــم الحياة الجماعية للأفراد المنتمين إليه، وثانيهما تدبير المجال بغيــة تخطيط التوسع العمراني.
وفي هذا السياق، كان طبيعيا أن يهتم التشريع المغربي بتنظيم المجال، وأن تصدر بهذا الخصوص جملة من النصوص القانونية لضبط الجوانب المتعلقة بالظاهرة التعميرية بدءا من ظهير 19 ابريل 1914 مرورا بالظهير 30 يوليوز 1952 وصــــولا الى القانون رقم 12.90 المتعلــق بالتعمير والقانون رقـــم 25.90 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعـــات السكنية وتقسيــــم العقارات و المراسيم التطبيقية لهما.

فالتعمير اليـــوم يطرح قضايا ومشاكل أكثر تعقيدا، وتشعبا من أي وقت مضـــى، نظــــرا لتباين عناصره وارتباطه المباشر بالحاجيات اليومية والأساسية للسكان، قضايا لا يمكن تدبيرها بقرارات مرتجلة، لأن ذلك من شأنه أن يساهم في إنتاج مجالات حضرية غير قادرة على أداء وظائفهـــا التنموية.
و نظرا للأهمية التي عرفها قطاع التعمير ببلادنا كأداة نحو تحقيق الأهداف الاقتصادية و الاجتماعية ، فقد خص المشرع المغربي الجهاز القضائي اختصاصات هامة في هذا المجال ، تتجسد في مراقبة تنفيذ قانون التعمير و قيوده ، و هي رقابة مشتركة بين المحاكم العادية و المحاكم الإدارية ، كل في حدود اختصاصه .
و بالنظر لما يعرفه قطاع التعمير من تدخلات مركبة و متداخلة العناصر نتيجة التقاطع الذي يحصل بين ما هو عقاري و تقني مع ما هو مالي و اجتماعي و سياسي ، بالإضافة إلى تعدد النصوص القانونية المنظمة له و تداخلها مع نصوص قانونــية أخــرى و تعدد المتدخلين و عدم وضوح مجال تدخلهم ، فإنه غالبا ما تثار مـنازعات فــي هذا الصدد ، إذا كانت بعضها تكتسي صفة جنحية صرفة و بالتالي يكون القضاء الجنحي هو المختص بالبت فيها، فإن البعض الآخر غالبا ما يكتسي صبغة مدنية و بالتالي فالقضاء المدني هو المختص للبت فيها، وقد تكتسي في النهاية منازعات التعمير صبغة إدارية تختص المحاكم الإدارية في البت فيما جاء فيها، و محاكم الاستئناف الإدارية درجة ثانية للنظر في النزاع القائم الذي قضت فيه المحكمة الابتدائية الإدارية .
و هو ما سوف نناقشه في عرضنا مرتكزين أساسا بالتحليل على المنازعة التعمير أمام القضاء الإداري لما يكتسيه من أهمية على اعتبار ان كل القرارات التي تصدر في مجال التعمير هي قرارا إدارية صادرة عن الإدارات العمومية ، و من اجل ذلك سنقسم موضوعنا الى جزئين نتناول بالدرس منازعة التعمير أمام القضاء الإداري في الجزء الأول تم ننتقل بعد ذلك الى إبراز ما يحدث من منازعات في القضاء العادي بشقيه المدني و الجنحي و هو ما سنراه في الجزء الثاني .


الجزء الأول : منازعة التعمير أمام القضاء الإداري
لا يخفى على احد ما قد تثيره عمليات التعمير من خلافات و منازعات بين الراغبين في إحداث أشغال البناء او إحداث تجزئة سكنية او غيرها و بين الإدارة المعنية المانحة للرخص، على اعتبار ان التعمير هو مجموعة من الضوابط و القواعد و كذا الإجراءات التي تتم صياغتها في شكل قوانين يكون الهدف منها تنظيم المجال الترابي و التحكم فيه ، و بالتالي فتجاوز أي إخلال قد يصدر عن أي متدخل فيه يمكن أن يؤدي الى المساس بجمالية العمران و ذلك بمنع أي عملية بناء او تجزئ قد تتم خلافا لهذه الضوابط و القواعد المعمول بها .
و هو ما يدفعنا الى تقسيم الجزء الذي خصصناه في منازعة التعمير أمام القضاء الإداري الى فقرتين تكون الأولى من اجل المنازعة في رخص التعمير كالمنازعة في رخصة البناء و المنازعة في رخصة التجزئة العقارية و المنازعة في رخصة التقسيم، اما الفقرة الثانية فتخصص لدعاوى ايقاف الأشغال و الهدم .
الفقـــرة الأولى : منازعـــــات رخـــص التعميـــر
إن كل عملية بناء أو إعادة بناء أو إدخال تغييرات و إصلاحات على البناءات القائمة و التجزئة تخضع حسب مقتضيات المادة 40 من قانون 90ـ12 المتعلق بالتعمير، و كذا المادة 2 من قانون 90ـ25 المتعلق بالتجزئة إلى ضرورة الحصول على ترخيص بذلك . تم المواد 58 و 59 من القانون 90-25 التي تنص على ضرورة الحصول على اذن من رئيس الجماعة الحضرية او القروية بإجراء عملية التقسيم .
و إذا كان هذا هو المبدأ (ضرورة الحصول على اذن بذلك ) فقد يقع في بعض الحالات ان تكون القرارات التي بمقتضاها يتم منح هذه الرخص ،سواء كانت صريحة أو ضمنية بالرفض أو القبول ، محل منازعة كسلوك دعوى الطعن أمام جهة القضاء الإداري ، الذي يتولى البت في مشروعيتها ـ كسائر القرارات الإدارية الأخرى ـ انطلاقا من عيوب المشروعية المنصوص عليها في المادة 20 من قانون 90ـ41 المحدث للمحاكم الإدارية و كذا القوانين الخاصة في هذا المجال .
ومن خلال هده الفقرة سنحاول التطرق (اولا) منازعة رخصة البناء ، (ثانيا ) منازعة رخصة التجزئة و( ثالثا ) منازعة رخصة التقسيم .
ـ اولا : منازعة رخصة البناء
ان المشرع المغربي اشترط للحصول على رخصة البناء قبل إحداث أي بناية او إدخال تغييرات على المباني القائمة الحصول على رخصة و ان عدم تواجدها يعتبر مخالفة معاقبا عليها ، و تتجلى أهمية رخصة البناء في كونها احدى وسائل تقييد حق الملكية العقارية ، و ما تقتضيه من إخضاع هذا الحق للمراقبة المسبقة للبناء و عدم ممارسته ، الا في نطاق النصوص القانونية الجاري بها العمل ، و في هذا الصدد اناط المشرع المغربي رؤساء المجالس الجماعية بدور كبير في مجال تسليم رخص البناء بعد استشارة و مساعــدة جهات إدارية أخرى ، كالوكالات الحضاريــة بالإضافة الى جهات أخرى مذكــورة في نصوص قانونية خاصة كوزارة الثقافة عندما يتعلـــق الامر بالبناء بجانب معالم أثرية مصنفة و غيرها من الإدارات ، و تعتبر الرخصة ممنوحة ضمنيا بمرور اجل شهرين من دون أي رد على طالب الرخصة مبدئيا .
فرخصة البناء من المواضيع الهامة التي تشغل أو من المفروض أن تشغل بال الجميع جماعات وأفراد ذلك أن أي مواطن لابد وأن يكون معنيا بها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في يوم من الأيام ، فالمباني تمثل ثروة من الثروات الاقتصادية المهمة في بلادنا سواء بالنسبة للأفراد أو المجتمع ككل ، كما تستخدم فيها مواد محلية ومستوردة يقتضي الصالح العام مراقبة استخدامها ومراقبة تشييد البنايات وفق قواعد مرسومة ومضبوطة بدل أن تتركه لأهواء الأفراد وذلك لضمان صلاحية المباني من النواحي التقنية الصحيحة وسلامتها من الناحية الهندسية وأدائها للخدمات المطلوبة منها .
فالرقابة على تنظيم المباني والأعمال المرتبطة بها تقتضي وجود جهاز إداري فعال لمنح رخص البناء أو تغيير المباني وكذا الرخص المرتبطة بها إذا توفرت الشروط المطلوبة . والحفاظ على النظام والأمن العام في المجتمع وحماية أرواح المواطنين وأموالهم ومنع الثروات في حالة قيام مباني مخالفة للقوانين والأنظمة المعمول بها ، وعلى الجهاز المذكور أن يراقب كذلك كيفية تنفيذ رخصة البناء للمحافظة على سلامة المبنى وأرواح القاطنين به وحماية الجيران والمباني المجاورة من النتائج الوخيمة التي قد تترتب على مخالفة القوانين.
و انه من بين الملاحظات التي ينبغي إثارتها في هذا المقام هي أن المشرع المغربي سواء في قانون التعمير القديم أو الجديد (قانون رقم 90-12) أو في القوانين الأخرى كقانون 1960 بشأن تنمية العمارات القروية لم يوضح مدلول البنايات أو المباني والأشغال التي يجب أن تخضع لرخصة البناء ، وهذه النظرة كان بالإمكان معالجتها بقوانين مكملة أو بنصوص تنظيمية ، لكن مع الأسف لم يتم ذلك بمناسبـــة صدور المرسوم رقم 832-92-2 بتاريخ 14 أكتوبر 1993 المتعلــق بتطبيق القانون رقم 90-12 مما خلق وسيخلق باستمرار للمسؤولين المختصين صعوبات جمة عند تحديد نوع البنايات أو الأشغال . و انه كذلك وبالرجوع إلى قانون التعمير الجديد نجد أن المشرع استعمل في عدة مواده ألفاظا عامة مثل البناء وأصناف البناء والمبنى والمباني والعمارة والأشغال والمباني العامة أو التي يستعملها العموم مما طرح و سيطرح مستقبلا منازعات جمة في هذا الخصوص .
وفي غياب وجود نصوص خاصة برخصة البناء وما يرتبط بها كما هو الشأن في تونس ومصر وفرنسا مثلا ، ومن اجل تجلي الغموض عن تلك الجوانب ، سيكون للقضاء إن أتيحت له الفرص دور حاسم في تحديد نوع البناء أو الأشغال الخاضعة للرخصة المسبقة او التي ستعفى منها تم تحديد و تفسير معنى كل من البناء ، والمبنى والمباني والعمارة والأشغال والمباني العامة على اعتبار ان الاجتهاد القضائي الإداري يعتبر مصدر من مصادر القانون الإداري .
اما بخصوص الأشخاص الملزمون بالرخصة وباستقراء مقتضيات قانون التعميــر رقم 90-12 ، وكذا المرسوم التطبيقي له ، ثم ظهير 25 يونيو 1960 المتعلق بالتجمعات القروية يتبين أن المشرع لم يحدد صفة طالب الرخصة ، مما يطرح تساؤلات عدة أمام الجهة المختصة في منح التراخيص ، إلا أن الواقع العملي أثبت في ظل عدم نص قانوني يوضح هذا الإبهام ، أن الجماعات تظل متوفرة على سلطة تقديرية واسعة لقبول الطلب من الجهة التي ترى أن لها الحق في تقديمه .
غير أن عددا من المناشير والدوريات سدت هذا النقص ، كما هو الشأن بالنسبة للمنشور رقم 222 الصادر بتاريخ 12 أبريل 1995 ، تحت عنوان لائحة الوثائق الواجب الإدلاء بها عند طلب رخصة البناء أو إحداث تجزئة عقارية أو مجموعة سكنية أو تقسيم عقار حيث أن الطلب يجب أن يوقع من طرف المعني بالأمر والمالك إن لم يكن هو نفسه الطالب.
و في هذا الصدد ، فالأصل هو أن رؤساء المجالس الجماعية هم المختصون بمنح الترخيــــص بالبـــناء و مستندهم في ذلك قانون التنظيم الجماعي لسنة 1976 خاصة الفصل 44 و كذا المــواد 13و 22 و 41 و45 و46 و48 و55 و58 .... من قانون التعمير ، في حين ورد على سبيل الاستثناء و بخصوص مجالات محددة صلاحية الترخيص الممنوحة للعامل بمقتضى ظهير 02/10/1984 و رجال السلطة المحلية بالنسبة لبعض البلديات التي تخضع لأنظمة إدارية .
كما أن هذه القرارات ـ الترخيص بالبناء ـ لم يبين المشرع المغربي صيغة منحها من طرف صاحب الاختصاص في ذلك ،هل يجب أن يتخذ القرار الشكل المكتوب أم يكفيه أن يكون شفويا ، و الحال أن الواقع العملي هو أن يتلقى صاحب الطلب ردا كتابيا بواسطة رسالة غير مضمونة الوصول يعمل على وضعها رهن إشارة صاحبها حاملة عنوانه الشخصي و تحمل الطابع البريدي ، الأمر الذي قد يستعصي معه معرفة تاريخ تبليغ القرار لاحتساب أجل الطعن فيه ( المحدد في 60 يوما ) متى كان يخالف رغبة صاحب الترخيص وهو الأمر الذي لا يتماشى و مصلحة الإدارة في ضبط أمورها و مصداقية تعاملها مع من اختارها لترعى مصالحه .
و بحسب المادة 43 من قانون 90ـ12 المتعلق بالتعمير ، فإن رخص البناء لا تسلم إلا بعد التحقق من أن المبنى المزمع إقامته تتوفر على الشروط التي تفرضها الأحـــكام التشـريعية و التنظيمية الجاري بها العمل خصوصا الأحكام الواردة في تصــاميم التـــهيئة ، و أن أي خرق من جانب طالب الرخصة لهذه الضوابط قد يكون موضوع رفض من طرف السلطة المختصة ، مما قد يدفعه إلي رفع دعوى قضائية للطعن في مشروعية هذا القرار على اعتبار ان رخصة البناء تعتبر قرارا اداريا قابلا للطعن فيه عن طريق دعوى الإلغاء أمام القضاء الإداري و هذا ما جاء في احد الاجتهادات القضائية مثل حكم رقم 87 بتاريخ 18/02/1999 في الملف رقم 192/98غ الصادر عن المحكمة الإدارية بالرباط حيث جاء فيه " ان رخصـــة البنـــاء تعتـــبر قـــرارا إداريا قابلا للطعن فيه عن طريق دعوى الإلغاء ، ما دام صادرا عن سلطة إدارية – مجلس جماعي – و مؤثرا في المركز القانوني للطاعن ، و بالتالي فان المحكمة الإدارية مختصة بالبت في الطلب الرامي الى إلغاء هذا القـــرار طبقا للمـــادة 8 من القانون رقم 90-41 المحدث للمحاكم الإدارية ".
ويعمل القضاء الإداري على التحقق مما إذا كانت طلبات الترخيص المقدمة للسلطات المختصة تتوفر فيها الشروط المنصوص عليها في القوانين و الأنظمة الجاري بها العمل و كذلك بتصاميم التهيئة المعمول بها وذلك عند مراقبته لمشروعية هذه القرارات، مع مراعاة التوازن بين المصلحة العامة و المصلحة الخاصة ، محاولا دائما ترجيح كفة الأولى ، و ذلك لأن قوانين التعمير هي من النظام العام و بالتالي ملزمة للجميع ، و متى تبين أن طلب الإلغاء مؤسس قانونا و تأكد من أن الإدارة قد تجاوزت صلاحياتها القانونية عند رفضها طلب الترخيص فإنه يقضي بإلغاء هذه القرارات ، أو يحكم برفض الطلب الطاعن متى تبين له وجود إخلال من صاحب طالب الرخصة.
و لكن بالرغم من الإشكاليات التي من الممكن أن يطرحها التطبيق العملي لقانون التعمير في مجال رخصة البناء و فقر النصوص التي يتضمنها في معالجة تلك الإشكاليات فإنه معول على القضاء في سد تلك الثغرات و من تم تتبع الواقع العملي و اغناء المجال المذكور بالاجتهادات القضائية التي من شانها سد الفراغ التشريعي القائم الى حين صدور نصوص قانونية ملزمة للجميع ، و لن يفوتنا في هذا الصدد الا ان ننوه بالاجتهادات القضائية الصادرة عن شتى المحاكم الإدارية و المحاكم الاستئناف الإدارية بما فيما محكمة النقض .
و من جملة الاجتهادات القضائية الصادرة بهذه المناسبة حكم صادر في قضية الشركة العقارية المالية و السياحية "هيوفيطيل " قضت الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى من خلال قرارها عدد427 الصادر بتاريخ 27/ 12 /1990 في الملف الإداري عدد 8451/88 . بإلغاء القرار الصادر عن رئيس الجماعة الحضرية لسيدي بليوط ( الدار البيضاء) ، و الذي بمقتضاه رفض منح الطاعنة رخصة بالبناء بعلة أن القطعة الأرضية موضوع النزاع ، و إن كانت مسجلة في إسمها ، فإن الرسم العقاري موضوعها يتضمن وجود حقوق عينية و تحملات عقارية من كراء و تقييد احتياطي لفائدة الغير، وردت الغرفة الإدارية بمحكمة النقض على ذلك " بأنه إذا كانت الطاعنة التي تقدمت بطلب الحصول على رخصة بناء عمارة بالأرض المذكورة قد أدلت بجميع الوثائق و المستندات التي يتطلبها قانون التعمير و ان تمسك الجماعة الحضرية لسيدي بليوط بعدم أحقيتها -أي الشركة العقارية المالية و السياحية - في الحصول على رخصة البناء بعلة وجود تقييد احتياطي على العقار المذكور لفائدة الغير ، لا يرتكز على أساس ، ذلك أن وجود التقييد الاحتياطي المذكور ليس من شأنه أن يحول بين المالك المسجل على الرسم العقاري و بين ممارسة جميع التصرفات بما في ذلك التفويت لحق ملكيته ، فضلا عن طرق الاستغلال التي يراها مناسبة لوضعية عقاره مما يستنتج معه أن المقرر المطعون فيه متسم بالشطط في استعمال السلطة و يتحتم بالتالي إلغاؤه .
و في قضية مماثلة بالمحكمة الإدارية بوجدة ، فقد اعتبرت من خلال حكمها عدد 465/97 الصادر بتاريخ 09/04/1997 في الملف عدد 85/96 ، أنه مادام أن البناء المزمع إقامته يوجد في منطقة سكنية عشوائية تفتقر إلى بعض التجهيزات الأساسية ، التي توجد قيد الدراسة ، كما تفتقر إلى قرار يحدد خطوط التصفيف ، و أفاد الخبير المعين في القضية أن العقار موضوع النزاع يقع في منطقة لا تتعارض مع تصميم التهيئة من حيث التمنطق و كون الأمر يتعلق بتوسعة طريق ، فإن ذلك يجعل القرار الصادر عن رئيس المجلس الجماعي لسيدي زيان بوجدة و القاضي برفض منح رخصة البناء جاء غير مشروع و يستوجــب إلغاؤه ، خاصــة و أن المطعون في قرارها – يعني المجلس الجماعي - لم تدل بما يفيد وجود قرار بتحديد الطرق و المساحات أو سلوكها لمسطرة البحث العمومي بشأنه حتى يمكنها أن تتأكد من الآجال المنصوص عليها في المواد 32 ،33 و 34 من قانون التعمير مادام أن المانع من تسليم رخص البناء محدد بمقتضى الفصل 33 المذكور سابقا في 6 أشهر على أبعد تقدير .
ويبقى الإشكال القانوني الذي تثيره الرخص الصريحة بالبناء و التجزئة و التي تسلم بمجرد استيفاء الطلب المقدم بخصوصها للشروط التي تستوجبها الأحكام التشريعيـــة و التنظيمية المعمول بها في مجال التعمير ،هو المتمثل في الحالتين التاليتين :
الحالــــة الأولـــى :
إذا تم تسليمها من طرف المصالح المختصة و لكن بدون استطلاع رأي بعض الجهات الإدارية الأخرى ذات الارتباط بموضوعها ، ذلك أنه من المفروض و بحسب الفقرة الثانية من المادة 43 من قانون 90ـ12 فإن رخصة البناء تسلم لصاحبها دون الإخلال بوجوب إحراز الرخص الأخرى المنصوص عليها في التشريعات الخاصة و بعد أخذ الآراء و الحصول على التأشيرات المقررة بموجب الأنظمة الجاري بها العمل ، وان كل اخلال بهذا المقتضى القانوني ، سيؤدي إلى جعل هذه الرخصة باطلة بغض النظر عن كونها صادرة عن جهة إدارية مختصة لأن ذلك ليس وحده كافيا لإضفاء صبغة الشرعية عليها ( مثل تأشرة و موافقة السلطة المكلفة بالشؤون الثقافية اذا تعلق الأمر بمنشات و مآثر تاريخية).
الحالــة الثانيــــة :
إذا تم الطعن في هذه الرخص من طرف الغير خاصة من طرف الجوار ، بعلة أن من شأن البناء موضوع الرخصة إلحاق أضرارا جسيمة بالجوار، و قد استقر الاجتهاد القضائي الإداري الصادر في هذا الصدد خاصة على مستوى المحكمة الإدارية بفاس ، على ترسيخ مبدأ عام ، وهو أنه لا يتم البت في الطلبات بالإلغاء الموجه ضد هذه الرخص من طرف الغير إلا في الحالة التي يثيرون فيها بخصوصها وسائل و دفوع مرتبطة بتطبيق القانون المنظم للتعمير و أنه فيما عدا ذلك يتم تطبيق مقتضيات الفقرة الأخيرة من المادة 23 من قانون 90ـ41 المحدث للمحاكم الإدارية المتعلقة بالدعوى الموازية ، إذ في أحد الأحكام الصادرة عن المحكمة الإدارية بفاس اذ جاء فيه بأن " القضاء الإداري قد استقر على أن حصول الضرر من الترخيص المسلم طبقا للضوابط المقررة قانونا لا يخول الحق في الطعن بالإلغاء للتجاوز في استعمال السلطة مادام أن بإمكان المتضرر اللجوء إلى القضاء العادي لرفع الضرر طبقا للمادة 91 من قانون الالتزامات و العقود و كذا الفقرة الأخيرة من المادة 13 من القانون رقم 90ـ41 المحدث بموجبه المحاكم الإدارية" ، و هذا ما قضت به الغرفة الإدارية للمجلس الأعلى في قرارها عدد 29/96 الصادر بتاريخ 18/01/1996 في الملف الإداري عدد 10541/93 و الذي جاء فيه " القرار الصادر بالترخيص بفتح حمام لا يقبل الطعن بالإلغاء للشطط اعتمادا على أن الحمام أحدث أضرار للجيران لأن بإمكانهم أن يرفعوا دعوى في إطار القضاء الشامل بناء على الفصل 91 من قانون الالتزامات و العقود الطلب رفع مضار الجوار أو التعويض عنها بحسب الأحوال ـــ" .
و تجدر الإشارة في هذا الصدد انه هناك رخص للبناء تمنح استثنـــاءا لمقتضيات تصميم التهيئة عندما يتعلق الامر بالمشاريع لها طابع استثماري وقد جاء ذلك بناءا على الدورية المؤرخة في 04/03/2003 عدد 3020 المشتركة بين كل وزير الداخلية و الوزير المنتدب لدى الوزير الاول المكلف بالإسكان و التعمير و هو ما شكل منازعات متعددة في مواجهة الإدارة المانحة للرخص الاستثنائية مما ادى بالمحكمة الادارية بفاس الى اصدار حكمها عدد 77 الصادر بتاريخ 31 يناير 2008 في الملف عدد 588غ/2007 و الذي جاء فيه بأنه :" و باعتبار أن قرار الترخيص بالبناء موضوع الطعن لئن صدر مخالفا للتنطيق المنصوص عليه بتصميم التهيئة الساري المفعول بمدينة فاس حاليا و المخصص فيه العقار كمنطقة فيلات فإن ادلاء المطعون ضدها بقرار الاستثناء الذي لم يكن موضوع أي طعن و بمراقبة اللجنة التقنية المكلفة بدراسات طلبات رخص البناء يكون وضعها القانوني مستدركا اذ أن الدورية المشتركة المشار إليها أعلاه وضعت مساطر خاصة استثناء من وثائق التعمير نهــجا لأسلوب الســـير و المرونة في تطبيق تصاميم التهيئة لأجل إتاحة الفرصة للمشاريع الاستشارية للاستفادة من الاستثناء بعد موافقة اللجنة الجهوية المعينة ..."
و الواقع أن هذه الدورية ، و بغض النظر عن قيمتها القانونية مادام أنه لم يتم الطعن فيها بأي طريقة من طرق الطعن وداخل الآجال المنصوص عليها قانونا فإن فيها مساس و في العمق بإحدى المبادئ التي يقوم عليها قانون التعمير بصفة عامة و تصميم التهيئة بصفة خاصة وهي أن مقتضياته تعتبر من النظام العام الذي لا يجوز مخالفته بأي شكل من الأشكال إلا بمقتضى تصميم تهيئة جديد يتم إعداده و المصادقة عليه وفق المسطرة المنصوص عليها في مواد قانون 90ـ12 و تعتبر ملزمة للجميع الإدارة و المواطن ، ثم لأن حتى مضمونها فيه نوع من الإبهام و الغموض لأن كلمة تشجيع المشاريع الاستثمارية هي ذات معنى واسع يمكن أن تشمل عدد من المفاهيم و الميادين ، لأن من غير المنطقي أن نرخص لبناء وحدة صناعية داخل منطقة سكنية حتى ولو كانت الوحدة من الصنف الثالث من المؤسسات المصنفة و المضرة و المقلقة بإسم تشجيع الاستثمار و باسم رخصة الاستثناء .
فاذا كنا قد تطرقنا الى بعض اوجه المنازعات التي تخص رخصة البناء فما هي المنازعات المتعلقة برخصة التجزئة العقارية .
ثانيا : المنازعة في رخصة التجزئة العقارية
تشكل التجزئة العقارية نقطة تحديد معالم المدن العصرية و هي مجال خصب لتطبيق وثائق التعميـــر و بقانون 14 أبريل 1914 شرعت الإدارة في مراقبة عمليات التجزئة العقارية وإعطاء شروط خاصة لكي يأخذ فيها بمعيار السكن النظامي ، إلى غيره من القوانين المتعلقة بالتجزئة العقارية و صولا إلى قانون 90ـ25 و الذي اعتبر في مادته الأولى أن التجزئة هي كل تقسيم لعقار عن طريق البيع أو الإيجار إلى بقعتين أو أكثر لتشييد مباني للسكنى أو لغرض صناعي أو تجاري أو سياحي أو حرفي كيفما كانت مساحة البقعة .
وعليـــه فالتجزئـــة تستوجـــب معايير محددة إضافة إلى الحصول على الترخيـــص الإداري لإنجازهـــا و تصنفيها ضمن التجزئات القانونية ( المادة 2 من القانون 90-25 ) .
لهذا فرخصة التجزئة تعتبر من أهم الوسائل الرقابية للتحكم بشكل أفضل في العمليات العقارية التي تعتبر مصدرا لخلق تجزئات غير قانونية ، حيث حدد القانون رقم 25-90 في مادته الثانية إلزامية الحصول على إذن إداري مسبق يسلم وفق الشروط المنصوص عليها في هذا الباب .
و هذا وقد قيد المشرع المغربي التجزيء مجموعة من القيود ، حتى تتم المراقبة بشكل جيد على اشغال التجهيز ( المادة 4 من القانون رقم 25-90 ) .
فبعد انتهاء أشغال التجهيز ، يجب على المجزئ ان يقدم تصريحا الى الجهة المعنية ، يشعرها فيه بانتهاء تلك الأشغال ، و يشترط توجيه هذا التصريح الى السلطة المختصة بتسليم الإذن بواسطة رسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل او إيداع تصريح المذكور بمقر هذه السلطة مقابل وصل المادة 22 من نفس القانون
و بعد تقديم هذا التصريح تخضع التجزئة العقارية للمراقبة و التحقيق للتأكد من مدى تنفيذ المجزئ لالتزاماته ، و بعد ذلك يصدر تسليم التجزئة عبر مرحلتين : و هما التسليم المؤقت و التسليم النهائي الذي يصدر بعد مضي سنة على منح التسليم الأول المادة 23 وما بعدها .
كما ان المشرع المغربي منع تحرير عقود( بيع ايجاز قسمة ..) تتعلق بالتجزئة العقارية من لدن العدول او الموثقين و منع تسجيلها بالمحافظة العقارية و كذا بإدارة التسجيل الا اذا أدلى المجزئ بنسخة مشهود بمطابقتها لأصل محضر التسليم المؤقت او بشهادة تثبت ان هذا العملية لا تدخل في إطار هذا القانون المادة 35 من نفس القانون .
لكن قد يثور سؤال حول ما اذا قامت السلطة المختصة بمنح تسليم مؤقت لصاحب التجزئة و باشر هذا الأخير بيوعاته مع الاغيار لا صلة لهم بما حدث او سيحدث مستقبلا تم ظهر في النهاية عندما تكون السلطة المعنية بالامر بصدد التحقق من ان الطرق و مختلف الشبكات لا يشوبها أي عيب و ان التجزئة يشوبها عدة عيوب في الوقت الذي يكون فيه صاحب التجزئة قد فوت كل البقع المجزئة الى الغير تم تبخر و لم يعد له وجود ، فما هي اذ الضمانات التي خصها المشرع للمتعاملين من المجزئ ؟ و من الجهة التي ستقوم باتخاذ التدابير اللازمة لتدارك ما حصل ؟ تلك هي الأسئلة التي لم نجد لها جوابا في المواد المتعلقة بقانون 90-25 و هو بالفعل ما سوف يعالجه القضاء عبر اجتهاداته القضائية .
و تجدر الإشارة الا ان المشرع المغربي قد قيد آجال منح الرخص ، معتبرا إياها ممنوحة بانتهاء اجل 3 ثلاثة اشهر من تقديم الطلب في حالة عدم رد رئيس المجلس الجماعي على طلب الرخصة مبدئيا وهذا ما اكده حكم رقم 172 الصادر عن المحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ 08/06/1995 في الملف رقم 147/94غ و الذي جاء فيه " طلب الحكم على رئيس المجلس البلدي بتسليم رخصة تجزئة بعد مرور اجل ثلاثة أشهر على تقديم هذا الطلب لرئيس المجلس الجماعي المذكور و عدم جوابه .....عدم قبول الطلب لتوفر الطاعنين على رخصة ضمنية بقوة القانون ...نعم"
إذن فالتجزئة غير القانونية هي عكس التجزئة القانونية فهي كل تجزئة أنجزت أو تم تمديدها من غير الحصول على الإذن المطلوب في الفصل 2 من قانون 90ـ25 أو أحدثت بدون إنجاز أشغال التجهيز وفق ما تنص عليه المستندات التي سلم على أساسها الإذن المذكور طبقا للقانون المنظم لها القانون رقم 90-25 و وفقا لما نصت عليه المادة 6 من نفس القانون المتعلقة باحترام الشروط المقررة في الأحكام التشريعية و التنظيمية الجاري بها العمل ،خصوصا الأحكام التي تتضمنها تصاميم التنطيق و تصاميم التهيئة و كذا الحصول على تأشيرة الإدارة المعنية ، وبهذا أصبح معه القول ان المجزئ او الإدارة المعنية المانحة للرخصة بصفة مؤقتة او بصفة نهائية انهما ملزمين باحترام بنود قانون رقم 90-25 و في حالة خرق بند من البنود فان لكل طرفي المصلحة الحق في اللجوء الى القضاء الإداري لإرجاع حقوقه .
الا ان المشرع رغم ما سنه من قوانين و ما احاط به من عناية للتجزئة فقد ترك الباب واسعا للاجتهاد القضائي لسد بعض الثغرات التي لم تكن بالحسبان، و نذكر منها الاجتهاد القضائي الصادر عن محكمة النقض المتعلق بقرارها عدد 72 الصادر بتاريخ 30/01/2007 في الملف الإداري عدد 15/4/1/2000 جاء فيه " آثار المآثر التاريخية ، إحداث تجزئات سكنية رخصة المجلس البلدي ، "لا " إذن وزارة الثقافة " نعـــم " . و بهذا يكون قرار الإدارة الوصية عن المآثر التاريخية القاضي بوقف أشغال التجزئة المراد إنشاؤها فوق عقار مصنف تبث ترتيبه منذ سنة 1922 في إطار ظهير 13 فبراير 1914 المتعلق بالحفاظ عن المناطق التاريخية المشروعة فهو يتمتع بالحماية الواجبة للتراث الوطني، مما يقتضي ضرورة الحصول على إذن من الجهات المختصة وفق التشريع المعمول به، و بالتالي فإن حصول موروث المطلوبين في إعادة النظر على رخصة إعادة التجزئة من المصالح البلدية ، فإن الفصل 3 من ظهير 3 فبراير 1922 لا يجبر أن يغير شيء في الأماكن المصنفة إلا برخصة تمنحها إدارة العلوم و المعارف و الفنون الجميلة و الآثار القديمة ، وبالتالي فإن رخصة هذه التجزئة تبقى غير قانونية و لا يترتب عنها أي حق في التجزئة أو البناء لمخالفتها لقانونين 1914 و 1922 .
و في قرار أخر صدر على المحكمة الإدارية بالرباط و الذي جاء فيه " ان القرار البلدي القاضي بامر مالك القطعة الأرضية بأداء مبلغ مالي كمساهمة في مصاريف تجهيز التجزئة يعتبر قرارا مشوبا بتجاوز السلطة لعيب مخالفة القانون على اعتبار ان المجزئ هو الذي يتحمل مصاريف التجهيز وفقا لظهير 17/06/1962 المتعلق بالتجزئات العقارية و المجموعات السكنية و تقسيم العقارات " .
ثالثا : المنازعة في رخصة التقسيم
على غرار التجزئات العقارية يعتبر تقسيم العقارات وسيلة أخرى لتفتيت الملكية العقارية غير انه اذا كانت التجزءات العقارية تؤدي الى تفتيت العقار بشكل منظم و متحكم فيه، بغرض تحقيق أهداف تعود بالمصلحة على الجماعة بحسب نوع التجزئة : سكنية او صناعية او سياحية او فلاحية فان تقسيم العقارات الذي يشكل في غالب الأحيان عمليات فردية و منعزلة لا تحقق الا مصلحة محدودة لفرد او افراد معدودين ،و في حالات كثيرة يكون دافعها هو الخروج من حالة الشياع الناتجة عن الإرث و استقلال كل وارث بنصيبه مفرزا بشكل يسمح له بالتصرف فيه و استعماله بما يحقق له أحسن مردودية.
و نظرا للعواقب الوخيمة التي تنتج عن تقسيم الأراضي بشكل غير متحكم فيه، سواء على مستوى الاقتصاد الفلاحي او على مستوى التعمير، فقد تدخل المشرع بسن نصوص قانونية بهدف التحكم في هذه الظاهرة و مراقبتها و توجيهها .
و طبقا لمقتضيات المادة 59 من القانون رقم 90-25 ،يسلم رئيس مجلس الجماعة الحضرية او القروية بعد استطلاع راي الإدارة الاذن المنصوص عليه في المادة 58 على اساس ملف تحدد السلطة التنظيمية الوثائق التي يجب ان يتضمنها .
و يعتبر الإذن ممنوحا اذا لم يبت رئيس مجلس الجماعة الحضرية او القروية في طلب الحصول عليه داخل شهرين من إيداعه على انه لا يقبل طلب الحصول على الإذن المنصوص عليه في المادة 58 أعلاه الا اذا كانت الارض المعنية تقع في منطقة يباح البناء بها، بمقتضى وثيقة من وثائق التعمير استنادا الى المادة 60 من القانون المذكور، و في هذه الحالة لا يجوز الاذن في إجراء العملية الا وفق الشروط المنصوص عليها في الباب الاول من نفس القانون و كل تصرف يخرج عن هذا النطاق يجد جوابا له امام المحكمة الادارية كلما تعلق الامر بمنازعة بخصوص عمليات التقسيم و ما يواكبها .
ان ما لا جدال فيه، فان الادارة تعتبر الطرف القوي في هذه المعادلة و تملك سلطات واسعة تقديرية تمكنها في كل لحظة و حين من اتخاذ قرارات يصعب جبرها ان لم يبادر الطرف المعني بالأمر الى اللجوء الى القضاء الإداري، من اجل ايقاف الة الإدارة الجبارة المالكة لقوة التدبير ،و لا تتوقف الالة الإدارية المذكورة الا برفع دعاوى إيقاف الأشغال و الهدم.
الفقرة الثانية : دعاوى إيقاف الأشغال و الهدم
ـ اولا : قرار إيقاف الإشغال
إن الغرض من ذكر بعض المراحل التي يقطعها صاحب البناء إلى غاية إقامته بالمنشأة التي تولى بناءها ابتداء من حصوله على ترخيص إلى غاية استقراره و حصوله على رخصة السكن، هو البحث عما يمكن أن تعترضه من مضايقات ناتجة عن صدور أي قرار بالمفهوم الإداري، من الممكن أن يمس بمصالحه و يضايقه في إنهاء مشروعه خاصة إذا كان القرار المذكور بعيدا عن الشرعية و متسم بالشطط في استعمال السلطة ، و غالبا ما تثار بعد ذلك نزاعات أخرى تتصل في الغالب بهذه الأشغال المراد إقامتها سواء في طور الإحداث ، أو الذي تم فعلا إحداثها و الانتهاء من إقامتها ، ففي الحالة التي يخل المعني بالأمر بمقتضيات الرخصة و عدم التقيد بضوابط التعمير و الجمالية، فانه في الغالب تدخل السلطات المختصة لتصحيح هذه الأوضاع المختلة عن طريق اتخاذ قرارات تكون في شكل قرارات بإيقاف الأشغال أو الهدم ، حسب طبيعة و حجم المخالفة المرتكبة من قبل المعني بالأمر ، و هو ميدانا خصبا للطعن فيما قررته الإدارة أمام القضاء الإداري بسبب التجاوز في استعمال السلطة .
فالقرارات الإدارية القاضية بإيقاف الأشغال ، هي تلك التي يصدرها رؤساء المجالس الجماعية بصفتهم سلطات الشرطة الإدارية الجماعية الخاصة المكلفة بشرطة التعمير ، طبقا للمادة 50 من قانون 00ـ78 المتعلق بالميثاق الجماعي و كذا المادة 67 من قانون 90ـ12 المتعلق بالتعمير ، خاصة عندما يتعلق الأمر بالأبنية التي تتم إقامتها بدون ترخيص قانوني أو بدون أي احترام لمقتضيات هذا الترخيص في حالة وجوده ، و بين تلك التي يصـــدرها ولاة الــــجهات وعـــمال العمالات و الأقاليم في إطار الضوابط المنصوص عليها في المادة 71 من قانون 90ـ12 المتعلق بالتجزئة العقارية و تقسيم الأراضي.
و إذا كانت أهمية هذه القرارات تتمثل في زجر المخالفات في بداية البناء، فإننا نود أن نشير كذلك أنه كان من الأجدى لو تم منح الاختصاص بكامله للولاة و العمال بدون رؤساء المجالس الجماعية ، ذلك أن السلطة المحلية الذين يهيمن على اختصاصهم الطابع و الهاجس الأمني و احترام القانون ، و يعتبرون أصلا ممثلين للسلطة التنفيذية في دوائرهم الترابية ، و يتوفرون على تفويض لبعض السلط في إطار سياسة عدم التركيز الإداري ، بل يتوفرون على كافة الوسائل التي تمكنهم من التدخل في جميع الميادين و المجالات ، خاصة إمكانية استعمال القوة العمومية بالشكل الذي يمكنها من إعطاء الدعم و المساعدة لبعض الأعمال التي تباشرها الدولة للمحافظة على الاستقرار السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي ،عكس المجالس الجماعية الذين قد لا يمارسون هذا الاختصاص لأسباب ذات طبيعة سياسية انتخابية و ثقافية اجتماعية متأصلة في المجتمع المحلي ، الذي يرفض فيه المنتخبين اتخاذ أي إجراء قد يمس مصــالح منتخبيهم.
لكن هل هذه القرارات الصادرة بإيقاف الأشغال هي قرارات ممهدة لاتخاذ الإجراء الملائم لنوعية المخالفة المرتكبة و التي قد تؤدي إلى صدور قرار بالهدم؟ و هل هي قابلة في حد ذاتها للطعن فيها بالإلغاء للتجاوز في استعمال السلطة ؟ أو بمعنى آخر هل تتوفر فيها مقومات القرار الإداري المتفق عليها فقها و قضاءا ؟
لقد سبق للمحاكم أن أصدرت عدة أحكام التي بتت في مشروعية هذه القرارات و مدى سلامتها القانونية، ففي حكم صادر عن المحكمة الإدارية بوجدة تحت عدد 8 بتاريخ 17/01/2001 في الملف عدد 91غ/00 قضت فيه بإلغاء القرار الصادر عن السيد عامل إقليم الناظور الذي قرر فيه بإيقاف أشغال البناء، لكون القطعة الأرضية المرخص للطاعن بالبناء فوقها هي موضوع نزاع بينه و بين شخص آخر تطوع بجزء من العقار المذكور في إحداث شارع عمومي بمدينة العروي ، وذلك تأسيسا على كون أن هذه القطعة هي ـ وبخلاف ما ذهب إليه القرار المطعون فيه ـ لا يخترقها أي شارع عمومي حسب تصميم التهيئة المعمول به بالمنطقة ، بالإضافة إلى توفر الطاعن على رخصة بناء قانونية .
أما في حكمها عدد 121/98 الصادر بتاريخ 23/06/1998 في الملف عدد 954غ/96 فقد قضت فيه كذلك بإلغاء القرار الصادر عن السيد رئيس المجلس القروي لجماعة البخاتة و الذي قرر فيه بإيقاف أشغال بناء معصرة للزيتون فوق أرضية عرشية بدون الحصول على رخصة للبناء، بالإضافة إلى وجود نزاع قضـــائي بينه و بــين الغير ، و ذلك بعدما تبين لها ـ بعد الاستعانة بخبرة فنية ـ أن المنطقة المتواجد بها مشروع البناء تخضع لمقتضيات ظهير 25 يونيو 1960، بشأن التجمعات العمرانية القروية بالتالي تخرج عن تطبيق المادة 40 من قانون 90ـ12 فضلا عن كون أن الطــريق المثار الــدفع بشــأنها ـ و على فرض وجودها ـ هي جماعية لا تستوجب الزامية الحصول على رخصة البناء بالنسبة للبناية المزمع إقامتها بجانبه.
ثانيا : قرار الهدم
إذا كانت المخالفة المرتكبة تتمثل في البناء من غير الحصول على ترخيص سابق أو في منطقة غير قابلة للبناء طبقا للضوابط المعمول بها ، أو كان البناء غير مطابق للترخيص الممنوح للمعني بالأمر سواء من حيث عدم تقيده بالعلو المسموح به، أو بالأحجام و المواقع المأذون فيها أو بالمساحة المباح بناءها أو بالضوابط المتعلقة بالبناء و استقراره أو بالأحكام التي تحضر استخدام بعض المواد أو استعمال بعض الطرق في البناء أو بالغرض المخصص له البناء ، يجوز للعامل بطلب من رئيس مجلس الجماعة او من تلقاء نفسه و بعد ايداع شكاية ، ان يأمر بهدم جميع او بعض البناء المخالف للضوابط المقررة المادة 68 من قانون 90ـ12.
كما أنه و بحسب المادة 77 من نفس القانون ، فإنه يمكن للمحاكم المختصة ( القضاء الجنحي ) في الحالة التي لا تقوم فيها الإدارة بتفعيل مقتضيات المادة 68 المذكورة أعلاه ، أن تأمر بهدم البناء أو تنفيذ الأشغال اللازمة ليصير العقار مطــابقا للأنظمة المقررة و ذلك على نفقة مرتكب المخالفة ، و ذلك داخل أجل 30 يوما ابتداءا من تاريخ تبليغ الحكم النهائي .
و بالتالي فإن قرار الهدم قد يكون ذو طابع قضائي يصدر عن القضاء الجنحي المتابع أمــامه مــرتكب المخالفة المنصــوص عليها في 66 من قانون 90ـ12 المــتعلق بالتعــميــر و منشور وزارة الداخلية عدد 61 الصادر سنة 1994 ، وقد يكون ذو طابع إداري يصدر مباشرة من والي الجهة أو عامل العمالة أو الإقليم المختص إما بصفة تلقائية أو بطلب من رئيس المجلس الجماعي . و إذا كان القرار أو الأمر ( بالهدم ) لا يقبل في الحالة الأولى الطعن فيه بالإلغاء أمام جهة القضاء الإداري ، استنادا لمبدأ فصل السلطات الذي لا يجيز لجهة قضائية أن تبت في مشروعية أحكام جهة قضائية أخرى ، فإنه في الحالة الثانية فإن كافة القرارات التي تصدر في هذا الصدد تكون قابلة للطعن فيها أمام المحاكم الإدارية المختصة .
و قد أثيرت في هذا الخصوص العديد من المنازعات و القضايا كان موضوعها الطعن في مشروعية قرارات الهدم التي تصدرها السلطات الإدارية المكلفة بالتعمير ، اتخذت أوجها متعددة وجاءت مؤسسة على عدد من الوسائل و الدفوع ،اختلفت بحسب معطيات و ظروف النازلة المعروضة على أنظار القضاء الإداري .
و إذا كانت بعض هاته الطعون قد ارتبطت بالمسألة الأولى التي سبقت الإشارة إليها من حيث ارتباط المتابعة الإدارية بالمتابعة القضائية أو بمعنى آخر مدى إمكانية الجمع بين الهدم الإداري و القضائي ، فإن البعض الآخر كان ينصب حول ما إذا كانت الجهة التي أصدرت هذا القرار مختصة أصلا باتخاذه أم لا؟ و كذا مدى مشروعية هذا القرار ؟ و كونه جاء قائما على سبب صحيح يبرره ؟ .
وفيما يخص مسألة ارتباط المتابعة الإدارية المترتب عنها صدور قرار إداري بالهدم بالمتابعة القضائية أمام القضاء الجنحي ، فقد سبق للمحكمة الإدارية بالرباط أن أصدرت بتاريخ 14 مارس 1996 حكمها عدد 51 في الملف الإداري عدد 193غ/94 ، قضت فيه برفض الطلب الموجه ضد القرار الصادر عن العامل و القاضي بهدم البناء المخالف لضوابط التعمير، بعلة أنه سبق للمحكمة أن أدانت الطاعنة و حكمت عليها بأداء غرامة مالية ، و بالتالي لم يعد من حق عامل الإقليم إصدار أي عقوبة إدارية لأن ذلك يؤدي إلى ازدواجية العقوبة عن نفس الفعل ، إذ جاء في هذا الحكم ما يلي : :"و حيث إنه بالرجوع إلى المادة 68 من نفس القانون فإنه بعد سلوك المسطرة المنصوص عليها في المادة 66 أعلاه يجوز للعامل بطلب من رئيس مجلس الجماعة ـ كما تم في نازلة الحال ـ أو من تلقاء نفسه ـ أن يأمر بهدم جميع أو بعض البناء المخالف للضوابط المقررة ، حيث أنه بموجب القانون المذكور فإن قرار الهدم قد أصبح من اختصاص الوالي أو العامل ، وأنه لم يعد من اختصاص المحكمة التي أصبح دورها مقتصرا على إصدار العقوبة المتمثلة في الغرامة، بعد ثبوت المخالفة ، دون أي تدبير إضافي آخر ، كما كان عليه الأمر في ظل القانون القديم (المؤرخ في 30/07/1952 ) و بالتالي فإن قرار الهدم المطعون فيه قد جاء مطابقا للمقتضيات القانونية السالف ذكرها و لا يعتبر عقوبة ثانية أو مكررة ... مما لا يسع معه للمحكمة إلا التصريح برفض الطلب " .
و ان هناك مسالة مهمة يجب الإشارة إليها في هذا الشأن و المتمثلة في الاختصاص حيث أنه بالرغم من وضع مقتضيات قانون 90ـ12 المتعلق بالتعمير بخصوص الجهة المختصة بإصدار قرار الهدم ، فإننا لازلنا نجد في بعض الحالات أن بعض الجهات الأخرى لا تزال تعمد إلى ممارسة هذا الاختصاص رغم أن القانون لم يمنحها هذا الحق ، في هذا الصدد فقد سبق للمحكمة الإدارية بالرباط من خلال حكمها عدد 132 الصادر بتاريخ 04 ماي 1995 في الملف الإداري عدد 136غ/04 أن قضت بإلغاء القرار الصادر عن رئيس الجماعة بعلة أن : " الاختصاص في اتخاذ قرار هدم البناء المخالف لضوابط التعمير يعود لعامل الإقليم أو الوالي بحسب الأحوال طبقا لمقتضيات المادة 68 من القانون 90ـ12 المتعلق بالتعمير و أن إصدار رئيس الجماعة المحلية لقرار الهدم يعد مشوبا بعيب عدم الاختصاص و يعرض قراره للإلغاء ".
كما أنه و حتى إذا تجاوزنا إشكالية الاختصاص هاته ، وصدر قرار الهدم فعلا من الجهة المختصة باتخاذه طبقا للمادة 68 المذكورة سابقا فإننا نسجل في بعض الحالات أن الجهة لا تراعي في ممارستها لهذا الاختصاص الضوابط القانونية المنصوص عليها في قانون 90ـ12 مما قد يؤدي إلى إلغاء هذه القرارات لهذه العلة.
و انه بالرجوع الى النصوص المنظمة لمجال التعمير، نجد ان جميع الإجراءات المتخذة لزجر المخالفات في إطار قانون التعمير تبقى جميعها مساطر واجبة السلوك من طـــرف الإدارة و المتمـــثلة في ، إنجــاز محــضر لمعاينة ، و ضبط المخالفة ، و تبليغ المعني بالأمر أمر بتوقف الأشغال متى كان البناء في طور الإنجاز ، على أن يودع رئيس المجلس في جميع الحالات الواردة في المادة 66 شكاية لدى وكيل الملك بالمحكمة الإبتدائية و يحيط الوالي أو العامل المعني بالأمر علما بذلك و إرفاق الشكاية بنسخة من الإعذار الذي طالبت بموجبه الإدارة مــن المخـــالف تسوية المـــخالفة المرتكبة ، و عند عدم الامتثال للإعذار يتولى رئيس المجلس مطالبة العامل بالأمر بهدم جميع أو جزء من البناء المخالف للضوابط المقررة و يتولى رئيس المجلس إشعار النيابة العامة و المخالف بالإجراءات التي اتخذها تنفيذا للمادة 68 من قانون التعمير الشيء الذي غالبا ما يتم الاستغناء عنه مما يجعل نسبة المنازعات في هذا الشأن في تزايد مستمر.
و في هذا الصدد فقد سبق للغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى أن أصدرت بتاريخ 03 ماي 2006 قرار عدد 336 في الملف الإداري عدد 216/4/1/2004 ،قضت فيه بإلغاء القرار عدد 238 الصادر عن السيد عامل فاس المدينة بتاريخ 24/08/2001 و القاضي بهدم البناء المخالف تأسيسا على كون أن :" توصل المستأنف عليه بالقرار بالهدم المطعون فيه ، لم يكن مقرونا بما يفيد توصله بالأمر الفوري بإيقاف الأشغال الحامل لرقم 9550 و المؤرخ في 10/08/2001 حسب منطوق الفصلين 67 و68 من قانون التعمير ، قبل الانتقال إلى تطبيق عقوبة الهدم، وهو ما ذهب إليه عن صواب الحكم المستأنف ..." .
وإذا كانت هذه المسألة لا يمكن تصورها ، ولا يقبل من طرف البعض أن يلغي قرار بالهدم بمجرد عدم احترام هذه الشكلية ، خاصة و أن من شأن ذلك أن يؤدي إلى انتشار البناء العشوائي غير المرخص به ، فأننا نعتبر أن عمل الإدارة بالمقابل يجب أن يكون بدوره مؤسسا على المشروعية و محترما للضمانات المخولة للأفراد التي لا يجوز المساس بها بأي حال من الأحوال .
و ان ما تجب الإشارة إليه في هذا الخصوص أن الأمر بالهدم لا يمكن أن يصدر إلا من أجل مخالفة رخصة البناء أو الضوابط الجاري بها العمل في ميدان التعمير، أو الاعتداء على الملك العام أما حقوق الغير فتبقى محفوظة في اللجوء إلى المحكمة المختصة لطلب رفع الضرر ولا يحق للإدارة أن تحل محلهم في رفع الضرر الذي ينتج عن رخصة البناء و هذا ما سوف نتناوله في الجزء الثاني المتعلق بمنازعة التعمير امام القضاء العادي
الجزء الثاني : منازعة التعمير أمام القضاء العادي
قد يبدو لعموم المتقاضين ان المحاكم الإدارية بعد إحداثها أصبحت مختصة في جميع القضايا التي تكون الإدارة طرفا فيها كلما نشا نزاع بين هذه الأخيرة و الغير ، غير أن الحقيقة عكس ذلك فقضايا التعمير عرفت مسالك اخرى قضائية لا يطلع عليها الا المتمرسون الذين لهم دراية بالقضاء الإداري خاصة و الذين لهم دراية بتوجيه الدعوى توجيها سليما حتى لا يكون مال الدعوى الحكم بعدم الاختصاص .
الفقرة الأولى : المنازعة أمام القضاء المدني
يمكن في هذا الصدد، أن نفرق بين حالتين تطرحان على القاضي المدني : الحالة التي لا ينازع فيها الأشخاص في شرعية رخصة البناء، والحالة التي ينازع فيها الأشخاص في شرعية رخصة البناء.
اولا : حالة عدم منازعة الأشخاص في شرعية رخصة البناء
إن منازعات رخصـــة البناء التي يختــص بها القاضــي العادي هي تلك التي ينازع فيها الأشخاص الذين يحكمهم القانون الخاص – أثناء تنفيذ الرخصة – حــول مدى احتـــرام أحكام و بنـــود رخصة البناء عند الإنجاز، كالتعدي على الأملاك المجاورة أو البناء بدون رخصة أصلا بشرط أن تلحق هذه الأشغال ضررا شخصيا ومباشرا للغير طبقا لقواعد القانون المدني، و أن لا ينازع هؤلاء شرعية الرخصة أو في محتواها.
تؤسس الدعوى في هذا الإطار على أساس وجود خرق لقواعد العمران و مخالفة بنود الرخصة من قبل المرخص له بالبناء، تلحق ضررا شخصيا و مباشرا بالغير في مفهوم القانون المدني. و بدون مناقشة مسألة شرعية الرخصة أو محتواها . كإقامة بناية أو طابق يحجب النور أو الهواء عن الجار أو فتح مطل أو نافذة مواجهة لملكية الغير أو عدم التزام المعني بقيود الارتفاع المقرر طبقا لقواعد القانون المدني، و كذلك مخالفة القواعد العامة للتهيئة و التعمير المعمول بها.
إن إقامة البناء على خلاف أحكام و مقتضيات رخصة البناء و عندما يسبب أضرار للغير، فإنه يكون مخالفة لقواعد التهيئة و التعمير من ناحية، و لقواعد القانون المدني في باب المسؤولية المدنية من ناحية ثانية . الأمر الذي يترتب معه قيام المسؤولية المدنية للمرخص له بالبناء،تجاه الغير كعدم مراعاة الارتفاع القانوني المقرر بشكل يتنافى وتوجيهات مخطط شغل الأراضي، أو حالة إقامة البناء على أرض مملوكة للغير.
إن الترخيص بالبناء يمنح تحت طائلة الحفاظ على حقوق الغير و عدم المساس بها. فإذا ثبت مخالفتها فإنه يمكن المطالبة بإصلاح الضرر الناتج عن المساس بالحقوق الخاصة أمام القاضي المدني، ليحكم هذا الأخير بإعادة الحالة إلى ما كانت عليه، تماشيا مع أحكام رخصة البناء، كما يجوز له الحكم بالتعويض المناسب عن الضرر الذي لحق بالغير، إذا ما طلب منه الخصم ذلك.
و في حالة الاستعجال ، يمكن رفع دعوى من قبل المتضرر من تنفيذ رخصة البناء لطلب وقف الأشغال أمام قاضي الاستعجال، الى حين الفصل في الموضوع، طبقا لقواعد القضاء الاستعجالي عندما تتوافر عناصر الاستعجال ، وهي الخطر المحدق و الضرورة الملحة و الأمور التي لا تحتمل مرور الوقت بالنظر لما قد يترتب عنها من أضرار، وهذا ما نص عليه الفصل 149 من قانون المسطرة المدنية بقوله:" يختص رئيس المحكمة الابتدائية وحده بالبث بصفته قاضيا للمستعجلات كلما توفر الاستعجال في الصعوبات المتعلقة بتنفيذ حكم أو سند قابل للتنفيذ أو الأمر بالحراسة القضائية أو أي إجراء آخر تحفظي ،سواء كان النزاع في الجوهر قد أحيل على المحكمة أم لا.."
ثانيا : حالة منازعة الأشخاص في شرعية رخصة البناء
في حالة منازعة الأشخاص في شرعية رخصة البناء، لا يمكن الحكم ضد صاحب بناية إلا إذا تم إلغاء هذه الرخصة مسبقا أمام جهات القضاء الإداري ، و عليه يكون للغير المتضرر منها دعوتين دعوى إلغاء رخصة البناء لتجاوز السلطة أمام القاضي الإداري ثم اللجوء إلى القاضي المدني لإصلاح الضرر الناتج عن المسؤولية المدنية للمرخص له بالبناء من جراء الأشغال التي أنجزت وفقا لهذه الرخصة الملغاة، ذلك أن رخصة البناء هي قرار إداري و القاضي المدني غير مؤهل لإلغائه ، مما يستدعي الأمر التصريح بعدم الاختصاص النوعي لهذا الأخير .
وفي كلتا الحالتين قد يتيه المدعي-الغير- بين أقسام القضاء العادي و الإداري، فقد يكون لديه التباس في أن يرفع دعوى التعويض أمام القضاء العادي أو الإداري وقد يكون لديه شكوك في رفع دعوى الإلغاء أمام المحكمة الإدارية ، ليكتشف في ما بعد أنه كان يجب عليه أن يرفع دعواه أمام المحكمة العاديـــة و انذاك يكون الأجل القانوني قد انتهى .
وهو ما نستخلصه من عدة أحكام في هذا الصدد ،إذ قضت المحكمة الإدارية بوجدة بما يلــــي: " حيث إن المدعي يلتمس إصدار حكم يقضي بإلغاء رخصة البناء عدد 125 و المسلمة للمعني بالأمر بتاريخ21/02/1993 التي سمحت له ببناء عمارة متكونة من أربعة طوابق وحيث أسس المدعي دعواه على كون عملية الحفر التي قام بها المدعى عليه أحدثت تصدعا في جدران منزله المجاور.
لكن حيث إن المحكمة بعد إطلاعها على رخصة البناء موضوع الطعن ، تبين أنها صدرت من جهة مختصة... وحيث أن الطاعن لم يرفق مقاله بأية حجة تفيد أن العمارة المزمع إقامتها توجد في حي مخصص للفيلات ، كما لم يدل بما يفيد أن البناء الذي يعتزم المدعى عليه إقامته مخالف لتصميم التهيئة.
وحيث إن الأضرار التي يدعي الطاعن أنها ألحقت بمنزله لا ترجع لعيب في رخصة البناء، بل هي أضرار،على فرض وجودها، لها علاقة بكيفية إنجاز أشغال البناء.
وحيث إنه بناء على ما ذكر يكون قرار الترخيص الصادر عن السيد رئيس المجلس البلدي قرارا سليما و غير مشوب بأي عيب من العيوب المنصوص عليها في المادة 20 من قانون 90-14 المحدث للمحاكم الإدارية و تبقى دعوى المدعي غير قائمة على أساس و يتعين رفضها" .
وفي نفس الاتجاه ، و بخصوص طلبات إلغاء رخص البناء لأسباب تتصل بالأضرار التي قد تلحق بالغير، قضت المحكمة الإدارية بمراكش في قضية تتعلق بطلب إلغاء رخصة البناء التي سلمتها بلدية لبناء عمارة و ذلك لأسباب متصلة بالأضرار التي لحقت بمنزل الطاعن المجاور للعقار الجارية به أشغال البناء بمقتضى الترخيص المذكور، رفضت المحكمة الطلب "لكون الرخصة صادرة عن جهة مختصة... و لكون الأضرار التي يدعي الطاعن أنها لحقت بمنزله لا ترجع إلى عيب في رخصة البناء بل هي أضرار على فرض وجودها لها علاقة بكيفية إنجاز أشغال البناء التي لم يثبت الطاعن مخالفته لتصميم التهيئة... "
إن هذه الأحكام القضائية توضح جيدا التعقيد الذي يطرحه توزيع منازعات رخصة البناء بين القضاء الإداري و القضاء العادي ، فالغير قد لا يعرف بالضبط المحكمة التي يجب أن يرفع إليها دعواه، و بما أن رخصة البناء قرار إداري صادر عن سلطة إدارية ، فقد يعتقد المعني بالأمر أنه يجب عليه أن يرفع دعواه إلى قاضي الإلغاء، و هنا يصطدم طلبه بعدم قبول الطلب .
الفقرة الثانية: المنازعة أمام القضاء الجنحي
ان قواعد التعمير و البناء المنصوص عليها قانونا تعتبر بمثابة الإطار الذي يجب ان يحترمه كل من يباشر عملية من عمليات البناء ، و تطبيق هذه القواعد و احترام هـــذا الإطار لا يمكن ان يكـــون فعليا الا اذا تمــت حمايته بمجموعة من التدابير الزجرية التي تهــدف اساسا الى الوقاية و تفادي كل مخالفة قبل وقوعها .
مما لا شك فيه ان المشرع عند تشريعه لهذا القانون وضع مجموعة من المبادئ كان هدفها الأساسي تمكين الادارة من وسائل قانونية ناجعة من اجل ضمان مراقبة أفضل لميدان التعمير و البناء و الحيلولة دون قيام بناء عشوائي او غير قانوني، و في عدم احترام هذه الضوابط فانه يتم تحريك المسطرة الادارية في مرحلة اولى تم بعد ذلك يتم تحريك المسطرة القضائية امام القضاء الجنحي و هو ما سوف نتطرق اليه بالنسبة للدعاوى المرفوعة من طرف الإدارة (اولا ) والجزاءات المقررة للمخالفات ( ثانيا )
أولا : الدعاوى المرفوعة من طرف الإدارة
إن انتهاك قواعد التهيئة و التعمير في مجال البناء يولد مسؤولية المخالفين باعتبارها مخالفات يعاقب عليها بنص خاص و انها قواعد قانونية من النظام العام وجوهرية مقترنة بجزاء و لا يجوز الاتفاق على مخالفتها و لأنها تهدف الى تحقيق مصلحة عامة سياسية و اجتماعية و اقتصادية و ثقافية تعلو على المصالح الفردية.
و يلعب القضاء الجنحي دورا مهما و حاسما في ردع المخالفات المرتكبة لرخص التعمير و هذا من أجل احترام أكبر لقواعد و التهيئة و التعمير .
وعليه ، فإنه يثور التساؤل حول مسطرة المتابعات القضائية و الجزاءات المقررة لمخالفات قانون التعمير و المسؤولين عنها ؟
وفق مقتضيات قانون التعمير، فإن جميع الإجراءات المتخذة لزجر المخالفات، لها مساطر واجبة السلوك من طرف الإدارة قبل اللجوء إلى القضاء، وتتمثل في إنجاز محضر لمعاينة و ضبط المخالفة و تبليغ المعني بالأمر أمرا بوقف الأشغال متى كان البناء في طور الإنجاز. و في هذا الصدد تنص المادة 64 من قانون 12 – 90 المتعلق بالتعمير على أنه: " يقوم الموظف الذي عاين مخالفة ضوابط البناء العامة تحرير محضر بذلك ، يوجهه في أقصى أجل إلى رئيس مجلس الجماعة والعامل المعني والمخالف وإذا كانت أشغال البناء في طور الإنجاز يبلغ رئيس المجلس الجماعي فور تسلمه للمحضر أمرا إلى المخالف بوقف الأعمال في الحال" و قد ألغت المحكمة الإدارية بوجدة قرار إيقاف أشغال البناء بعلة:" أن الموقع المزمع إقامة البناء فوقه يقع خارج الأماكن المنصوص عليها في المادة 40 من قانون رقم 90-12 المتعلق بالتعمير و أن الطريق المثار الدفع بشأنها و على فرض و جودها هي طريق جماعية لا تستوجب إلزامية الحصول على رخصة البناء بالنسبة للبناية المزمع إقامتها بجانبه .
و إذا كانت الأفعال أو التجاوزات المعاينة تتمثل في ارتكاب أعمال ممنوعة بمقتضى قانون 12 –90 كما هو الشأن بالنسبة للأفعال المنصوص عليها في الفقرة 2 من المادة 34 أو في القيام ببناء بغير رخصة صريحة أو ضمنية خلافا للمادتين 40 و 42 أو في استعمال المبنى من غير الحصول على رخصة السكن أو شهادة المطابقة خلافا للمادة 55 أو في تحويل الغرض المخصص له المبنى خلافا للمادة 58 أو في خرق ضوابط البناء العامة أو الجماعية المنصوص عليها في المادتين 59 و 61 أو في خرق ضوابط التعمير يقوم رئيس المجلس الجماعي بإيداع شكاية لدى وكيل الملك المختص الذي يتولى متابعة المخالف ويحاط العامل أو الوالي المعني علما بذلك.
وفي حالة ما إذا كانت المخالفة من النوع الذي يمكن تداركه و لا تمثل إخلالا خطيرا لضوابط البناء والتعمير يقوم رئيس المجلس الجماعي بإرسال إنذار إلى المخالف يأمره باتخاذ كافة التدابير اللازمة لإنهاء المخالفة وذلك داخل أجل لا يقل عن 15 يوما ولا يتعدى 30 يوما، فإذا ما استجاب المخالف لطلب التسوية فإنه يقع التخلي عن المتابعة الجاري في شأنها، أما إذا لوحظ استمرار المخالفة عند انتهاء الأجل المحدد ، ولم ينفذ المخالف الأوامر المبلغة إليه يجوز للعامل بطلب من رئيس المجلس الجماعي أو من تلقاء نفسه وبعد إيداع شكاية المشار إليها في المادة 66 أن يأمر بهدم جميع أو بعض البناء المخالف للضوابط المقررة و يبلغ الأمر بالهدم إلى المخالف و يحدد فيه الأجل المضروب له لإنجاز أشغال الهدم، و لا يجوز أن يتعدى هذا الأجل ثلاثين يوما، و إذا لم ينجز الهدم في الأجل المضروب لذلك تولت السلطة المحلية القيام بذلك على نفقة المخالف و لا يحول هدم البناء دون إجراء المتابعة و لا يترتب عليه إيقاف المتابعة إذا كانت جارية. وهنا يمكن أن نتساءل عن جدوى تحريك المتابعة أمام القضاء بعد قيام الإدارة بعملية الهدم البناء المخالف لرخصة البناء ، فسلطة القاضي ستبقى محصورة في الحكم بالغرامة لا غير؟
من خلال استعراض مسطرة اتخاذ قرار الهدم ، يتضح أن صاحب المشروع معرض عند ارتكابه لأية مخالفة لضوابط التعمير أن يصادف نوعين من الأوامر: الإنذار الذي يصدره رئيس المجلس الجماعي و العامل بإيقاف أشغال البناء بعد معاينة و ضبط المخالفة بمقتضى محضر، وقرار العامل بهدم البناء المخالف لضوابط التعمير بناء على طلب رئيس المجلس وهذه القرارات قد لا يلتزم مصدرها بقواعد الشرعية و هو ما يفتح الباب أمام نزاعات بين الأطراف.
فالسلطة الإدارية تملك إذن صلاحية إصدار قرارات إدارية لزجر مخالفي ضوابط البناء و التعمير ، كالأمر بوقف الأشغال إلى حين تسوية الوضعية القانونية للبناء أو الهدم اللاحق في حالة عدم اكتراث المخالف بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه ، بالإضافة إلى الهدم المباشر في حالات المخالفات الخطيرة وهو ما يعني أن المشرع المغربي قد أعطى الإدارة صلاحية التنفيذ المباشر في مجال التعمير الذي يعتبر من أخطر امتيازات السلطة العامة على حقوق الأفراد. وهنا يمكن أن نتساءل عـــن شرعيــة عمليـــة تكــون فيها الإدارة هي الخصم و الحكم في نفس الوقت .
فإذا كان التنفيذ المباشر لا يوجد من حيث المبدأ و لا يمكن للإدارة اللجوء إليه إلا إذا اجتمعت شروط معينة ، كما أنها تقوم بذلك على حسابها و تحت مسؤوليتها. و إذا كان المشرع نظرا لخطورة قرارات الهدم قد ارتآى اسوة ببعض التشريعات المقارنة و حماية مركز الطاعن من تسلط الإدارة، أن يفتح له سبيلا قضائيا لتفادي الأضرار التي قد يحدثها هذا النوع من القرارات، وذلك عن طريق سلوك مسطرة و قف تنفيذ القرارات الإدارية، و مع ذلك ومن أجل حماية فعالة للحق في البناء و تدعيم دولة القانون يجب أن تكون عملية هدم البناء المخالف لقانون التعمير محصورة في يد القاضي و لا أن تنحصر سلطته في الحكم بالغرامات، و يبقى دور رئيس المجلس الجماعي محصورا في إيداع شكاية لدى و كيل الملك فالإدارة لا يمكن أن تكون هي الخصم و الحكم في الوقت نفسه.
لذلك يجب تجريد الإدارة من صلاحية التنفيذ المباشر وإخضاع كل عمليات الهدم و وقف البناء للقضاء عن طريق دعوى استعجالية ترفعها الإدارة شأنها شأن الأفراد.
إلى جانب ذلك، يثور التساؤل حول المسؤول عن مخالفة البناء بدون ترخيص أو المخالف لأحكامها ؟ فهل هو مالك الأرض الذي له الحق في طلب رخصة البناء ؟ أم المهندس المعماري والذي يجب أن توضع و تؤشر مشاريع البناء و تصاميمها من قبله ؟ أم مقاول البناء الذي يعهد إليه عمل التشييد في إطار عقد المقاولة طبقا للقانون المدني ؟
طبقا للنص المادة 76 من قانون90- 12 " يعد شريكا لمرتكب مخالفة لهذا القانون و لضوابط التعمير أو البناء العامة أو الجماعية رب العمل و المقاول الذي نفذ الأشغال و المهندس المعماري و المهندس المختص أو المشرف الذين صدرت منهم أوامر نتجت عنها المخالفة".
وعليه فإن الفاعل الأصلي في هذه الجريمة لا يمكن أن يكون إلا مالك الأرض ما دام أن واجب الحصول على الرخصة يقع على مالك الأرض – صاحب المشروع – أو من في حكمه وليس على المقاول أو المهندس المعماري، فهؤلاء إنما يقومان بدور مادي في عمل البناء و التشييد في إطار عقد معين، وبدونهما قد لا يمكن للمعني القيام بها و لهذا فهم شركاء.
هذا و قد أغفل قانون 90-12 والمراسيم المطبقة له التعرض لمسؤولية الشخص المعنوي و عليه قد يسأل المدير العام أو المشرف على تسير الشخص المعنوي عن جريمة البناء بدون رخصة باعتباره المسؤول عن تنفيذ الأشغال و المستفيد منها بصفته الشخصية .
ثانيا : الجزاءات المقررة للمخالفات
إن أي مخالفة للالتزامات القانونية المفروضة على صاحب البناء تجعله عرضة للجزاءات، وقد أقر المشرع المغربي جملة من الجزاءات تتمثل في الغرامات المالية التي تطبق على كل من قام بانتهاك ومخالفة القواعد القانونية ،أي أنها تفرض على كل من قام بتنفيذ أشغال البناء أو استعمال أرض متجاهلا بذلك الالتزامات التي يفرضها القانون كما هو الحال في حالة عدم الحصول على الرخصة الإدارية المنصوص عليها قانونا لمباشرة أعمال البناء ، إذ جعل قانون 90-12 المتعلق بالتعمير الحصول على رخصة البناء من أجل إنجاز أشغال البناء إلزاميا، يجعل مخالفه عرضة للعقوبات المنصوص عليها في المادة 71 منه و التي جاء فيها:" يعاقب بغرامة من 10.000 إلى 100.000 درهم كل من يباشر بناء من غير الحصول على الإذن الصريح أو الضمني....". و في هذا الصدد ذهبت المحكمة الابتدائية بالناظور إلى اعتبار البناء بدون رخصة جنحة طبقا لظهير 1992، وتتمثل وقائع القضية في أن الضنين ضبط وهو يقوم ببناء طابق أول دون توفره على رخصة قانونية من طرف المصالح المختصة فتم إنذاره من أجل إيقاف البناء فلم يستجب وبعد إحالة الملف على وكيل الملك مرفوقا بشكاية من رئيس المجلس إلا أنه بعد إدراج الملف بالجلسة تخلف عن الحضور وبعد الإستدعاءات المتكررة تابعت المحكمة الدعوى وحكمت عليه بغرامة قدرها ألف درهم مع تحميله الصائر والإجبار في الأدنى .
و في قضية مماثلة قضت المحكمة الابتدائية بوجدة بغرامة نافذة قدرها 6000 درهم وبأداء تعويض لفائدة المجلس البلدي بوجدة قدره 3000 درهم كما أمرت المحكمة المخالف بهدم ما تم بناؤه بدون رخصة وإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه .
و في قضية مماثلة قضت نفس المحكمة بغرامة نافذة قدرها 3000 درهم وتعويض مدني قدره 1000 درهم والأمر بهدم ما تم بناؤه بدون رخصة وإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه كما تطبق نفس الغرامة بحديها الأدنى و الأقصى على " كل من إرتكب مخالفة للقواعد المقررة في ضوابط التعمير و البناء العامة أو الجماعية فيما يتعلق بإستقرار و متانة البناء و بحظر إستخدام بعض المواد و الطرق في البناء و بالتدابير المعدة للوقاية من الحريق" أو استعمال المبنى قبل الحصول على رخصة السكن أو شهادة المطابقة إن الغرامة التي تبناها المشرع المغربي في مجال مخالفة قواعد البناء هي من الغرامات النسبية المحددة بين حدين أقصى و أدنى.
و بذلك لا ينحصــر دور القاضـــي في الحكــم بالغرامات بل يمكــن أن يحكــم أيضــا بالتدابير العينيـــة إذ أنه من السمات المميزة لقانون 90-12 الجمع بين العقوبات والتدابير كجزاء مقرر لمخالفة ضوابط البناء و قواعده.
و إذا كان المشرع المغربي قد نص على الغرامات و اتخاذ التدابير اللازمة لإنهاء المخالفة و الهدم كجزاء لمخافة قواعد التعمير و البناء ، فإن الملاحظ أنه لم ينص على العقوبات الحبسية، رغم أن مشروع تأهيل العمران 04-04 قد نص على إمكانية الحكم على المخالف بالحبس من 15 يوما إلى 3 أشهر في حالة العود إلا أن هذا المشروع لم ير النور و لحد الساعة .



خـــــاتمـــــة:
إذا كــان تطـــور المنازعـــات المتعلقة برخص التعمير و تنوعها يوضح انشغال القضاة سواء الإداريين و العاديين - في إطار بناء دولة الحق و القانون - بتشجيع مراقبة قضائية موسعة و فعالة في مجال التعمير ،فإنه أيضا مصدر تعقيدات لمجرد قراءة بسيطة لهذا القضاء نظرا للاختصاصات القضائية المتعددة ( قاضي الإلغاء ،قاضي القضاء الشامل ، القاضي المدني ، القاضي الجنحي ) وهو ما لا يعتبر في مصلحة المتقاضين الذين عادة ما يبحثون عن الأمن و الوضوح القانونيين .
إن أحد نقاط الضعف الأساسية في النظام القضائي هي تجزيء العمليات القانونية الواحدة، وإحالة المتقاضين من محكمة إلى أخرى للفصل في كل مرة في جزء فقط من دعاويهم ، حيث ذهب أحد الفقهاء إلى القول أن :" … كل معايير توزيع الاختصاص التي تجزئ النشاط الإداري … بين أنواع المحاكم تبدو مدانة، لأنها تؤدي إلى سوء توجيه المدارين الذين قد يتيهون بين التواءات تقاسم القضاء…" .
بالفعل فقد أصبح تقاسم الاختصاص بين أنواع المحاكم في العديد من الحالات يصعب ضبطه، فالطاعن قد لا يعرف الباب الذي يجب أن يطرقه، واذا كان الاجتهاد القضائي الحديث يرفض فكرة تكتـــــل الاختصاص بشكل يتم فيه العودة إلى نظام توزيع الاختصاصات أقل تحكما، ما دام أنه يجب تحديد ما هو القاضي المختص في كل قضية أو في كل حالة ، خاصة و انه بالرجوع إلى قواعد معقدة وأحيانا ممزوجة بالصدفة وبغض النظر عن موقف البعض الذي يرى أن :"… كل أمل في صياغة بسيطة لقواعد الاختصاص يعتبر وهما … فهذه القواعد يجب أن تكون معقدة تماما كالواقع الذي تعكسه".
فإن الإصلاح يبقى ضروريا.
و فــي الواقع فإن كــل ما يخص معايــير الاختصاص يجب أن يكون جامــدا أو صلبا، و واضحا وكل مرونة وكل تنوع هو التعسف بعينه ولكن أليس التعسف هو الوقوف عند هذا الحد، فهو أخطر وأسوأ على مستقبل القضاء ؟



المراجــــع المعتمـــدة
كتب باللغــــة العربيـــة
-;- البقالي الشريف : رقابة القاضي الاداري على مشروعية القرارات الصادرة في مجال التعمير الطبعة الثانية 2012 دار القلم للطباعة و النشر و التوزيع بالرباط .
-;- الشريف حامد " المشكلات العملية في جريمة البناء بدون ترخيص " إدارة المطبوعات الجامعية الطبعة الأولى 1994.
-;- المصطفاوي بناصر " الرقابة الإدارية البعدية للبناء والتجزيء – دراسة قانونية-" مكتبة دار السام للطباعة
والنشر، الطبعة الأولى، يناير 2008.
-;- بوجيدة محمد : الشرطو الادارية الجماعية * رخصة الهدم * البنايات الالية للسقوط سسلسة المرشد الاداري 3
-;- متمير فاطمة المسؤولية المعمارية للمقاول بين ( ازمة النص و متطلبات الاصلاح ) مطبعة الامنية – الرباط 2010 .
-;- محجوبي محمد : قراءة عملية في قوانين التعمير المغربية الطبعة الثانية 2011 دار القلم للطباعة النشر و التوزيع – الرباط .
-;- مقداد الهادي " السياسة العقارية في ميدان التعمير والسكنى" مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الأولى 2000.
-;- محمد قصري " الارتفاقات القانونية في مجال التعمير" المجلة المغربية للمنازعات القانونية عدد مزدوج 5-6 مطبعة النجاح الجديدة – البيضاء 2007
كتب باللغة الفرنسيــــة
-;- A.MKINSI « le droit marocain de l’urbanisme » Presses de l’imprimerie Abtal, Rabat 1989.
-;- Mohamed Naciri « Politique Urbaine et Politiques d’Habitat au Maroc Incertitudes d’une Stratégie in : Politiques Urbaines dans le Mode Arabe » Edition Maison de l’oient , Lyon , France1984
مدونات النصوص القانونية
-;- مدونة العقار و التعمير و فق اخر التعديلات مع النصوص التطبيقية 13 الطبعة الاولى 2006 مطبعة النجاح الجديدة – الدار البيضاء .
-;- مشروع لقانون الجديد 04/04 المتعلق بالسكنى والتعمير، أشغال اليوم الدراسي الذي نظمه مركز الدراسات القانونية المدنية والعقارية بمراكش في 23 يونيو 2004، منشورات مركز الدراسات القانونية



#اشرف_بلحاج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السكن العشوائي والمراقبة الاجتماعية


المزيد.....




- إسرائيل.. الأسرى وفشل القضاء على حماس
- الحكم على مغني إيراني بالإعدام على خلفية احتجاجات مهسا
- -نقاش سري في تل أبيب-.. تخوف إسرائيلي من صدور أوامر اعتقال ب ...
- العفو الدولية: إسرائيل ترتكب جرائم حرب في غزة بذخائر أمريكية ...
- إسرائيل: قرار إلمانيا باستئناف تمويل أونروا مؤسف ومخيب للآما ...
- انتشال 14 جثة لمهاجرين غرقى جنوب تونس
- خفر السواحل التونسي ينتشل 19 جثة تعود لمهاجرين حاولوا العبور ...
- العراق.. إعدام 11 مدانا بالإرهاب في -سجن الحوت-
- السعودية ترحب بالتقرير الأممي حول الاتهامات الإسرائيلية بحق ...
- -العفو الدولية-: إسرائيل ترتكب جرائم حرب في غزة بذخائر أمريك ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - اشرف بلحاج - منازعات التعمير بالمملكة المغربية