أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فراس جركس - سوريا على مذبح النبوءات















المزيد.....

سوريا على مذبح النبوءات


فراس جركس

الحوار المتمدن-العدد: 4504 - 2014 / 7 / 6 - 21:09
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


سوريا على مذبح النبوءات
كثيرة هي الفرق والملل المنبثقة عن الديانات، وأكثر منها ينابيعها وسواقيها التي يغرفون منها الماء والكدر، خصوصاً حين يغوصون في الحديث عن آخر الزمان، مصوّرين ما سيجري بتفاصيل أكثر دقّة من أحداث عشناها، مؤوّلين ما ورد في نصوص فضفاضة بما يتوافق مع الحاجات السياسية التي يخفيها رجال الدّين المدجّنين في قصور الحكّام والباحثين عن النفوذ، تحت لحاهم. فعبر التاريخ لم تنشأ حضارة إلا والمعابد أهمّ أركانها والنبوءات أكثر أدبياتها؛ إنها فكرة عدم الاعتراف بالهزيمة، وابقاء الباب مفتوحاً على نصر موعود وثأر منشود، وخلاص منتظر يعيد جنّة ضائعة. هذا الفكر الذي استوحته وطورته أسفار العهد القديم من أدبيات حضارات الهلال الخصيب، ثم تسرّب وتجدّد في العهد الجديد وصولاً إلى الثقافات الإسلامية .
فما أثر النبوءات على ما يجري في سوريا ؟

للعقيدة؛ أيّة عقيدة، أثر بالغ في نفوس المؤمنين بها، بصرف النظر عن مصداقيتها، لأن أهميتها لا تنبع من صوابها أو خطئها، إنما تكمن في التسليم والإذعان لها والإيمان المطلق بها، فمن يؤمن بعقيدة إيماناً يقينياً وبشكل جازم، فهو حامل لعقيدة حتى وإن كانت خاطئة، وسيدافع عن ما يحمل بطرق مختلفة. والعقيدة تشكل أهم مكونات الثقة بالنفس وبالوسط الذي يتبناها. كما تتضاعف أهميتها خلال فترات الحروب، لذلك اعتبر نابليون أن قيمة المعنويات (العقيدة) بالنسبة للقوى المادية تساوي ثلاثة إلى واحد. ورغم التطور التكنولوجي اعتبر الجنرال البريطاني فولر أن قيمة المعنويات تعادل 50% بالنسبة للماديات. ولا شك أن قيمة العقيدة تكون ذات تأثير أكبر وتلقى استجابة أوسع حين تكون محاطة بهالة مقدّسة.
وعندما تكون النبوءة جزءاً من العقيدة فيكون لها الأثر ذاته، بل أكثر، لأن النبوءة تساهم بترسيخ العقيدة حين يرى المؤمنون أنها تحققت أو تسير نحو التحقق. ولكي تلقى تلك الاستجابة يعمل القابعون في الغرف المظلمة على الإيحاء للعامة وايهامهم أن النبوءات تتحقق فعلاً، وبالتالي لا يبقى مجال للشك على أنها قدر إلهي محتوم.
بعد أن سقطت القدس بيد إسرائيل سنة 1967، ازداد عدد المنتسبين للكنائس في الولايات المتحدة الأمريكية بشكل ملحوظ إثر صدور كتاب للمؤلّف هال ليندسي، متحدثاً من خلاله عن صحة ودقة نبوءات بني إسرائيل، مدلّلاً على ذلك بالتزام إله العبرانيين بوعده بعد أكثر من ألفي سنة، ليخلص في الكتاب إلى التبشير باقتراب موعد النبوءة الأخيرة التي تمهد للاستنالوجية (الألفية السعيدة) بعد حرب دامية يتخللها ظهور المسيح. وحقق الكتاب أكثر نسبة مبيعات حينها في الشارع الأمريكي. كما تم التروج في النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي للقاعدة وطالبان عبر حديث مفاده: "يأتي النصر من الشرق، من أناس يأكلون كما آكل، ويلبسون كما ألبس، فإن سقطت بيدهم طالوقان (مدينة أفغانية ) لا خوف عليهم" . تزامن الترويج لذلك مع سقوط طالوقان بالفعل، وذلك ساهم بازدياد شعبية القاعدة وطالبان في الأوساط السنيّة حينها، لكن سرعان ما خبى نجم طالبان، وخبى معه ذلك الحديث إثر الغزو الأمريكي ، لنشهد موجة نبوءاتية ترويجية جديدة بالتزامن مع احتلال العراق، لكنها لم تكن بالمستوى الذي وصلت إليه في سوريا، نظراً للخصوصية التي تميز أرض الشام بالكتب المقدسة التي أفردت لها مساحة واسعة عند الحديث عن ويلات آخر الزمان، جاعلةً منها أشبه بلوحة سوريالية صاخبة مرسومة بالدمار، وربطها مباشرة بظهور المنقذ. وكأن المنقذ لا يطيب له الخروج إلا على أشلاء الشام.

رغم التباين الشديد في مضمون ونتائج نبوءات المذاهب الإسلامية المختلفة، إلا أنها تتفق من حيث المبدأ بحتمية الحروب وسفك الدماء وانتشار الجوع وتفشّي الرعب والخوف وملاحم يشيب من هولها الرضّع، تكون الساحة السورية مسرحها؛ ومع ما تشهده تلك الساحة، كثرت الخطب وأشباه المقالات التي تنبش من التراث وتحوّر وتطوّر وتسقط استنتاجاتها على النصوص، محاوِلةً أن تفرض على الأرض ما يتوافق مع الاستنتاج لإقناع المؤمنين أن ما يجري هو بفعل الإرادة الإلهية المبشّر بها، لأن ذلك سيساهم باستقطاب وحشد المزيد من الأنصار والمتطوعين. وقد حققوا نجاحاً ملحوظاً بهذا الخصوص، وإلا كيف نفسّر توافد المقاتلين الأجانب إلى الساحة السورية بهذا العدد، فبينما لم يتجاوز عدد الذين اتجهوا إلى أفغانستان أثناء الغزو السوفيتيي أكثر من خمسة آلاف مقاتل خلال فترة زمنية تفوق العقد من الزمن، رغم كل الدعم الذي توفر لهم من الخليج والغرب؛ ولم يتخطَّ أربعة آلاف مقاتل منذ بدء احتلال العراق، فإن الأعداد الموثقة ممن قصدوا سوريا بهدف الجهاد تفوق 12000 مقاتل بفترة زمنية وجيزة إذا ما قورنت بأفغانستان أو العراق، قدموا من مشارق الأرض ومغاربها.
لم يكن من قبيل الصدفة أن تطلق جبهة النصرة على مركزها الإعلامي اسم المنارة البيضاء، إنه المكان المذكور في الأحاديث المتواترة الذي سيهبط المسيح إليه، والواقع شرقي دمشق. ففي التسمية إشارة للفت الانتباه لما جاء في الحديث: "فينزل عيسى بن مريم عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين". ومجرّد عودة الاسم للواجهة يؤدي لاستذكار الحديث والتهيئة النفسية والروحية للحرب القدَرية وللوعد الإلهي. أما الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) فكانت أكثر وضوحاً حين أعلنت مؤخراً عن قيام الخلافة ومبايعة البغدادي، لتقدّم بذلك ترجمة لـ : " ... ثم تكون خلافة على نهج النبوّة ". ففي بيانهم الذي حمل اسم "هذا وعد الله" والمُستهلّ بالحديث عن الخلافة: "لقد أعلنا الخلافة امتثالاً لأمر الله"، يؤكدون في جزئيات البيان على استنهاض ذلك النهج، حيث استنهضوا مصطلح الجزية وأهل الذمّة وأهل الحلّ والعقد، وعدم الاعتراف بمن يعارضهم واعتباره خارجاً عن ارادة الأمة: "من أراد شق الصف أفلقوا رأسه بالرصاص". كما استرسلوا في نسب البغدادي إلى أن وصلوا به للحسين بن فاطمة، وكأنهم يقولونها صراحة ولكن بشكل غير مباشر، إن البغدادي هو المهدي المُبشّر به، حيث حرّضوا على القتال بقوة حماية للراية التي يحملون إلى أن يستلمها عيسى بن مريم كما ورد في البيان دون أي ذكر للمهدي.
.
أما على صعيد العقيدة المضادة، فبالإضافة لما تواتر من أحاديث في الأدبيات الشيعية التي ربطت خروج المهدي بخراب الشام: "إذا اختلف الرمحان بالشام، لم تنجل إلا عن أية من آيات الله. قيل وما هي يا أمير المؤمنين؟ قال: رجفة تكون بالشام يهلك فيها أكثر من ماءة ألف ... وذلك عند الجزع الأكبر والموت الأحمر... فإذا كان ذلك فانتظروا خروج المهدي"؛ لم تقتصر نبوءات الشيعة على تلك الأحاديث الواضحة، إنما بالغوا في تحليقاتهم على هذا الصعيد بالاستناد إلى كتاب الجفر الذي يشمل خطبة لعلي بن أبي طالب، ونصوصاً صغيرة وشعراً صوفياً غامضاً، فبالإضافة لإمكانية حمل الغامض لأوجه كثيرة في التفسير والشرح، يستنبطون النبوءة استناداً إلى ما يسمى التجفير و إلى علاقة بين الحروف والأعداد، حيث تصنّف قيم الحروف وفق ثلاث طرق: الحرفية والعددية والرقمية، وعمليات حسابية متداخلة للأصناف الثلاث تبدأ من بسيطة وتنتهي بمعقّدة، وليس هناك قواعد أو معادلات رياضية ثابتة بهذا الخصوص، لذلك يحصل الشخص على النتيجة التي يرغب بها، و غالباً ما يكون التجفيريون رجال دين أو ممن يمتهنون العمل الروحاني، فحين يطلقون العنان لنبوءاتهم تلقى استجابات وأصداء واسعة. ويمكن ملاحظة أثر تحليقاتهم التجفيريّة على العامة من خلال المندفعين للقتال في سوريا، إذ يقرّون أنهم لا يقاتلون من أجل الأسد إنما يقاتلون من أجل ظهور المهدي، فقد أصبح قاب قوسين أو أدنى من باب السرداب الذي غاب فيه الغيبة الكبرى. وإنهم جاؤوا من كافة الدول المتواجدين فيها كالعراق ولبنان وايران وأفغانستان وأذربيجان والبحرين واليمن، لإيمانهم أنهم إذا قُتلوا في هذه الحرب فسوف يبعثون من جديد عند ظهوره. وهذا الاعتقاد لم يقل به أحد من قبل ولو بأقل الأحاديث ضعفاً واسناداً. لكن البعث من جديد وفي المكان ذاته فكرة مغرية للاندفاع نحو الموت، و أكثر إغراءً حتى من المكوث بين أفخاذ الحور والجنس الأبدي في مكان وزمان مختلفين. وما يؤكد التأثير الكبير لهذا الاعتقاد، أن أعداد المقاتلين الشيعة وصلت إلى 40000 مقاتل منذ مطلع العام الحالي وفقاً لما تم توثيقه، أي أكثر من ثلاثة أضعاف المقاتلين السنّة.

ما بين ثقافتين متناقضتين تتسارعان لتهيئة الأجواء لاستقبال المخلّص، الذي تعتقد كل فئة أنه سيكون منها وسيقودها بحرب لفناء الفئة الأخرى، أصبحت سوريا ساحة معولمة للفكر الجهادي، لذلك سنشهد قدوم المزيد من المتهافتين لتلبية النداء.

حتى القرون الأولى للميلاد، كانت النساء الكنعانيات تبكين تمّوز وتنتظرن عودته. لم يعد تمّوز واختفى من الذاكرة، ولم يتبق منه إلا اسم لأحد أشهر السنة، لكنه تقمّص بما يتوافق مع الثقافات المجتمعية الجديدة. ومنذ فتن الخلافة الإسلامية الأولى علا الحديث عن آخر الزمان، ليندثر في غياهب النسيان خلال فترات الاستقرار، ثم يطفو على السطح مع كل أزمة أو حرب.



#فراس_جركس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قطعان الأسد لا تمنح شرعية
- من ثورة الكرامة إلى حروب خط الصدع


المزيد.....




- إيهود باراك: وزراء يدفعون نتنياهو لتصعيد الصراع بغية تعجيل ظ ...
- الشرطة الأسترالية: هجوم الكنيسة في سيدني إرهابي
- مصر.. عالم أزهري يعلق على حديث أمين الفتوى عن -وزن الروح-
- شاهد: هكذا بدت كاتدرائية نوتردام في باريس بعد خمس سنوات على ...
- موندويس: الجالية اليهودية الليبرالية بأميركا بدأت في التشقق ...
- إيهود أولمرت: إيران -هُزمت- ولا حاجة للرد عليها
- يهود أفريقيا وإعادة تشكيل المواقف نحو إسرائيل
- إيهود باراك يعلق على الهجوم الإيراني على إسرائيل وتوقيت الرد ...
- الراهب المسيحي كعدي يكشف عن سر محبة المسيحيين لآل البيت(ع) ...
- فرنسا.. 5 سنوات على حريق كاتدرائية نوتردام


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فراس جركس - سوريا على مذبح النبوءات