أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - سلام ابراهيم عطوف كبة - الديمقراطية واعادة انتاج الطائفية في العراق















المزيد.....



الديمقراطية واعادة انتاج الطائفية في العراق


سلام ابراهيم عطوف كبة

الحوار المتمدن-العدد: 1265 - 2005 / 7 / 24 - 02:26
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


يتدهور الوضع الامني وتتصاعد النبرة الطائفية في تصريحات واحاديث بعض الشخصيات في العراق الامر الذي هدد ويهدد العملية السياسية ويسهم في تأجيج الفتنة الطائفية في البلاد ، وتتصاعد العمليات الارهابية والتخريبية التي ترافقها حملة دعائية واعلامية ذات نبرة طائفية خطيرة على وحدة المجتمع ومستقبل الديمقراطية في العراق. وخلال شهرين شهدت البلاد تصعيدا في العزل الطائفي اتسم بالعنف الذي ليس له مثيل من قبل، جعل الجميع يتداولون الشعارات والمطالب الطائفية وكأن الثقافة الطائفية اصبحت لسان حال العراقيين وامرا قسريا مفروضا على المواطنين.
كان تكريس نهج المحاصصات الطائفية كشفا للمستور ووباءا خطيرا سمم الحياة السياسية، وتناقض مع الديمقراطية، وقزم معنى الانتخابات ومدلولاتها، وحجم مبدأ المواطنة والمساواة بين المواطنين، واضر ببناء الوحدة الوطنية. إن الطائفية التي يتم تمريرها اليوم هي من أخطر المشاكل التي يغذيها الأحتلال ، و التي تهدد وطننا ومجتمعنا ، أضافة الى مشاكل الأرهاب الجماعي الشامل ، والإنفلات الأمني التام ، والفساد والأزمات الأقتصادية والخدماتية والمعيشية الطاحنة ، وضياع الأفق في وطن يتعرض للأحتلال والنهب والتصفية المتسارعة .
ان مستقبل المشروع الديمقراطي في الثقافة العربية الإسلامية رهن بقدرته على تقديم حلول تحافظ على جوهر القيم الديمقراطية، لكن في إطار مؤسسات تتعلّم وتتجاوز الأخطاء التي كانت دوما إحدى ذرائع الفاشية للعودة إلى ممارسات كلفت وستكلّف الأشخاص والشعوب والإنسانية الثمن الباهظ. ومعروف انه ليس للديمقراطية نصوص مقدسة تكبلها وتمنع تجديدها، بوصفها عمل يعترف بإنسانيته،وبالتالي بنواقصه، مما يجعل الإصلاح والمراجعة والترميم ممكناً. لكن مراجعة المؤسسات دون إعادة تأسيس الدعامات الثقافية التي تنتصب فوقها وتستمدّ منها متانتها بمثابة ترميم قصر أثري عائم فوق الماء والطين. ويؤكد المنصف المرزوقي، في كتابه «عن أية ديمقراطية يتحدثون» أنّ السبب الأخطر - حتى وإن لم يكن الأوحد - في المأزق الذي تتخبّط فيه هذه الأمّة هو الاستبداد. والنظام الاستبدادي، الذي وضعنا على وجهه البشع كلّ أنواع المساحيق الإيديولوجية، هو نفس النظام الذي قادنا إلى ما نحن عليه من أوضاع مزرية، بظلمه وقبحه وفساده وعجزه عن إدارة شؤوننا، سواء أسميناه وطنيا أو قوميا أو اشتراكيا أو إسلاميا. إنه مرض الأمّة العضال. ثمة قاسم مشترك بين الديمقراطيين على تباين مرجعياتهم هو إيمانهم أن على الديمقراطية أن تكون أداة تحرّرنا من الاستبداد الداخلي والتبعية للخارج، انطلاقا من قناعة راسخة بأن الاستبداد استعمار داخلي والاستعمار استبداد خارجي.
• الحقوق السياسية للطائفة هو امر في غاية الخطورة
كل مؤسسة طائفية تعلن تمايز الجماعة الاعتقادية عن غيرها في الإيديولوجية والشعائر والسلوكيات وعلاقات إنتاج الإنسان بعضها أو كلها، مع إعلان تحريم اختراق منظومة قيمها والتشريع لإجراءات رادعة للخارجين عن هذه الركائز: تكفير، نبذ، طرد.. أما السلطة الطائفية، أو المتواطئة مع المؤسسات الطائفية، فهي التي تمنح الإعلان الطائفي فرصة التحقق المادي: تمييز السلطة الطائفية ، القانوني أو الفعلي، بين أبناء الطوائف، في تعصب لها أو عليها.... أو منح السلطة السياسية للمؤسسة الطائفية سلطات تفرض بها مجبراتها(من الأحوال الشخصية إلى المنهاج التعليمي وتنظيم الحياة اليومية، وليس فقط السياسية للناس) على الجماعة، بما يكرس الجماعة الاعتقادية كطائفة.
العصبية الطائفية، كالعصبية القرابية ، تقوم على منطق ذوبان الفرد في الجماعة التسلطية عبر تقوية المفهوم البعلي للأسرة، دعم الروابط والقيم الابوية ، العائلية والعشائرية، وربط السلطة الداخلية أيضا بوسائل إنتاج الحياة وليس فقط القرابة والمصاهرة والتحالفات. وتعتمد الإيديولوجيات الطائفية باستمرار على ترسيمات وأحكام مسبقة متبادلة المواقع، كل واحد منها يعلن تفوقه الذاتي ودونية الآخر. المنطق الطائفي منطق مغلق منتج لإيديولوجية مغلقة وصانع لسقف محدود ، إلا أنه يعطي طمأنينة خاصة لأصحابه تذكرنا بمواصفات الجماعة التسلطية التي يتحدث عنها طبيب الأمراض النفسية لوسيان إسرائيل بالقول: " في الداخل، يشعر المرء بأنه في بيته، وهذا ما يطمئن في هوية الطباع هذه. إخوة فيما بينهم، يتفهمون بعضهم، يفهمون على بعضهم بالإشارة. يفهمون على بعضهم لدرجة أنهم لم يعودوا بحاجة إلى الكلام ".
إن الطائفية السياسية نظام سياسي مقيت لايؤدي الى بناء مجتمعي حديث ، وهو يعرقل التطور الطبيعي ، وقبل كل شيء فالنظام الطائفي ، نظام غير مواطني ( من المواطنة ) ، وهو ليس للجميع ، لأنه لا يعتمد الأسس الحديثة لبناء الدولة والمجتمع ، على أساس المواطنة والعلاقة السليمة بين الدولة والمواطنين وحقوقهم الطبيعية العامة والخاصة ، التي ينص عليها ويتبناها دستور دائم يصوغه و يقرره الناس . والدولة الطائفية ، هي دولة غير حديثة بالضرورة ، لإنها تعتمد الشروط والمكونات القديمة ، وتقدمها على شرط المواطنة الحديثة التي لا تسن الحقوق والواجبات على أساس الدين أو الطائفة أو العرق أو الجنس . والطائفية تبدو غربية ومتعارضة مع النسق والعقل البشريين الحديثيين ، وهي تتعارض منذ البداية مع طبيعة الأنسان ، ووجوده وحاجاته .وتتصاعد النزعات الطائفية كلما أختلت الوظائف الطبيعية للدولة ، وفشلت في إنجاز مهامها الديمقراطية والوطنية ، وتهددت أو ضعفت الوحدة الوطنية ، وظهرت تشققات في النسيج الإجتماعي الواحد ، الذي تجمع وترابط عبر تراكمات تاريخية طويلة ، ومصالح مشتركة ، وتداخل في التكوين الإجتماعي والآمال والتطلعات الوطنية الواحدة.
فرخت وتفرخ القوى السياسية العراقية التقليدية قياداتها الطائفية وتعيد إنتاج ديمقراطياتها ذات الأبعاد الطائفية والمناطقية وتتحالف مع بعضها البعض، وتخلط أوراقها مع أوراق بعضها، لتتسيّد الشارع السياسي والقرار السياسي العراقي فيما المواطن العراقي يتفرج بعد أن تم سحب البساط من تحت أقدامه بمهارة عالية. وتساهم في الديمقراطية التحالفات والتكتيكات، الشعارات والقيادات أو من يرث هذه القيادات من أبناء عائلاتها والاعمام والأقارب... لا يوجد - مثلا - أي إختلاف في الذي جرى بعد وفاة الخميني في إيران و بعد وفاة حافظ الاسد في دمشق من حيث تنصيب الخليفة ، أي إختلاف يذکر من حيث المضمون، إذ کليهما يمهدان لإستمرار الاستبداد و الإمعان في رفض کل الخيارات و الافکار الاخرى المتواجدة على الساحة.
ترى أيّ ديمقراطية يمكن أن تنتجها أحزاب عائلية أو طائفية تورث قياداتها وتعيد إنتاج أفكارها القديمة، ولا تمارس هي نفسها الديمقراطية الحقيقية في داخلها ؟ قوى سياسية تفتقر اصلا الى الآليات الديمقراطية والفكر الديمقراطي في داخلها. الأحزاب التقدمية وشبه التقدمية، الديمقراطية إلى حد ما وشبه الديمقراطية، يجري عزلها سياسياً ،عزلاً منظماً ، وليقضي المال السياسي من كل حدب وصوب على ما تبقى منها ، وهي عمليا اليوم خارج اللعبة والمشهد السياسي العراقي ، ذلك لأن الاستقواء والاتكاء على الطائفة في العراق أقوى وأهم من الاستقواء بالديمقراطية و بالمواطن الديمقراطي ... لتنزوي القوى الشعبية غير الطائفية .
تلف الحيرة الملايين من أبناء الشعب العراقي عن مدى قدرة التيار الديني الإسلامي الذي أرسى وباصرار المحاصصة الطائفية على مجابهة الوضع الحالي ومستجداته وعدم زج الشعب في اتون حرب اهلية ليس لها أول ولا آخر . لا بد للجميع ان يعي مخاطرَ كان بامكاننا تجنبها ولازال هناك متسع من الوقت وذلك بعدم زج الدين ( والطائفية تحديدا ) في مفاهيم حداثية في وسط ملايين تنقصها المعرفة بالقانون الديمقراطي وتطبيقاته . وعلى الحكومة العراقية الحالية الضغط على الجماعات المندفعة والمبهورة بنتائج الإنتخابات والتي سيطرت على الشارع العراقي بقوة فصائل أساسها و أساليبها عسكرية و كان منشئها وراعيها الى وقت قريب الجمهورية الأسلامية الإيرانية التي تأخذ من الديمقراطية جزءا و حيزا واحدا فقط ويشكل واجهة واضحة لثيوقراطية واكليروسية ، وهي ما تتعارض مع العصر الحالي حيث الديمقراطية كُلا لا يتجزء .
ذهب المواطن العراقي الى صندوق الاقتراع وخاطر بحياته للادلاء بصوته، املا ، بين دوافع عديدة، في ايجاد آلية سليمة لتداول السلطة سلميا وتكريس روح المواطنة العراقية، بعيدا عن تقاسم المناصب بما يكرس الطائفة كأمر واقع، وبالتالي الخلط المتعمد بين التوافق السياسي والمحاصصة على اسس طائفية واثنية، والمتقاطعة مع جوهر الانتخابات والديمقراطية وبناء مجتمع عصري حديث ومتطور.يقول لسان حال شعبنا : ليس من اجل هذا قدمنا التضحيات الجسام، وصبرنا على جور وظلم الدكتاتور المقبور ،وليس من اجل هذا نتحدى اليوم الارهاب والارهابيين والظلاميين، ونتحمل صعوبات الحياة وقلة الخدمات او انعدامها. شعبنا محق في كل هذا، ومحق ايضاً، في التمييز بين ظلم واضطهاد وتمييز طائفي وقومي حصل في العهد المقبور، وطموح مشروع لرفع الحيف الذي وقع، وبين تكريس الطائفية منهجاً سياسياً. هل يراد لنا ان نجرب هذا الخيار لنعرف مضاره إن ساد وتكرس؟ فلنكرس روح المواطنة والديمقراطية ونسعى لتحقيق العدالة الاجتماعية، ففي ذلك العلاج والمستقبل الواعد لعراق ديمقراطي موحد... ولنواجه الدكتاتورية الطائفية لأن نتائجها حربية شئنا ام ابينا .
إن تبديل المكونات الطائفية القديمة بأخرى جديدة ، سوف ينطوي على نفس الخطأ الكامن في أسس وجوهر بناء الدولة والمجتمع أيضا ، وهو مايريده ويقصده المشروع الراهن تحديدا ، لتخريب وتدمير البلد ، وعدم السماح له بالبناء الصحيح والنهوض الطبيعي ، وهذا واحد من أبرز أشكال الصراع الدائر بين أطراف متعددة الآن لتقرير مصير الوطن ، وتحديد شكل دولته ومستقبله ، وخاصة بين الإتجاه الوطني والأحتلال .
ان الخلط بين الحقوق الدينية والطقوسية للطوائف والمجموعات الدينية والمذهبية وبين ما يسمى بالحقوق السياسية للطائفة هو امر في غاية الخطورة . ولا ضير في ممارسة الشعائر الدينية ، في أماكنها وأوقاتها المحددة ، من دون تجاوز أو مبالغة مقصودة على حساب حقوق الناس الآخرين ، لكن الرفض والممانعة هو للفكر السياسي الطائفي وتفصيلاته ومخاطره الماثلة اليوم في بلادنا .لقد أنصاعت أطراف طائفية وسياسية وشخصيات كثيرة لهذه اللعبة القذرة ، وهي تلهث وراء المحاصصة وتقسيم الأدوار، ولم تبد أي ممانعة أو أعتراض على هذه السياسة المقيتة التي تهدد النسيج الوطني الإجتماعي ، وتهدد الوحدة الوطنية ، وتنشر بذور الفرقة والإنقسام ، والتهميش المقصود لبعض المكونات ، وصولا الى التصادم والحرب الداخلية الأهلية التي تطل بوجهها القبيح . اليوم يجري طرح الثقافة والمفاهيم والمفردات الطائفية بشكل علني ، وتسريبها عبر الصحف والمجتمع والحياة العامة والنشاط السياسي العام ، وبعض المؤسسات الحكومية والتعليمية والدينية ، كما يجري تطبيقها عبر التسابق في نهب المناصب والمكاسب الكبيرة والصغيرة والصفقات والسرقات بصورة محمومة ومكشوفة ، لتتوزع حسب اللون الطائفي ، ويتم الفرز في المدن والقرى على هذا الأساس ، وهي بدايات فرز وتقسيم طائفي ، لفرض هذه الحالة وتثبيتها والتعاطي ( الطبيعي ) معها ، وصولاً الى شرعنتها قانونياً تحت تسميات مباشرة وفجة ، أو مفاهيم طائفية مغلفة . وتدور صراعات وتصفيات خفية ، لكنها تتسع بسرعة منظورة وظاهرة ، ويمكن لها أن تتوسع أو تنفلت في أية لحظة أو في أية مرحلة من مراحل هذا الصراع والتكالب الأعمى ، في التوسع والإقصاء ، وكل ما تعنيه وتريده العقلية الطائفية وسياساتها ومقاصدها ، وهي تلجأ الى أقذر الأساليب لتحقيق أهدافها . وهي تتسابق لخطف وتحقيق المصالح الضيقة ، تحت تسميات وشعارات ملفقة ، لتقود الناس والوطن الى أخطر ما يمكن أن يواجهما من مصير رهيب ، لايبقي ولا يذر ، ولتسهيل مهمة الإحتلال في إعادة تشكيل خارطة العراق ، وربما الشرق الأوسط ، في سايكس بيكو طائفي متشرذم جديد .
إن الطائفية والقومية هي نتاج حكم دكتاتوري ومن قبله استعمار رأسمالي على يد بريطانيا وقبله تركي متستر بالغطاء الديني ... لكن المثير للغرابة أن الفئات المتضررة من هذه السياسة أصبحت اليوم تصعد من (الطائفية والقومية) من اجل الحصول على مكاسب سياسية لفرض إيديولوجيات دينية وقومية.هذه السياسة مستقبلها واضح ولا يخفي على كل عاقل ... فهي تصعد من التعصب والكره وتزيد من المتضررين وتعيد دورة الحياة إلى الوراء يوم كان صدام يقتل ويذبح تحت مسميات شتى فمرة باسم الدين وأخرى باسم القومية وأخرى باسم الوطنية ، فهل نحن قادمون على عهد دموي جديد ؟ ترى القوى الطائفية إن الفرصة مواتية للحصول على مكاسب قد يصعب الحصول عليها غدا ، لذلك هي تضغط من اجل تثبيت أقدامها في المجتمع متناسية المصلحة العامة للشعب العراقي ... والشكل الذي تشكلت عليه الحكومة العراقية هو دليل على مساعي هذه القوى وهو ينذر بالخطر من استمرار العنف وزيادة نفوذ القوى الإرهابية داخل المجتمع العراقي ... أما الاستمرار على هذا النهج فهو لا يختلف في نتائجه عن نتائج الحرب الأمريكية ـ البريطانية . والسؤال هل ستستمر القوائم الفائزة في تقديم الفرصة تلو الأخرى لقوى الإرهاب عندما تصر على طائفيتها ؟ إن العراق لا يتحمل المزيد من التدهور والانتظار فرفقا به ورحمةً بشعبه.
العراق قادر كما يبدو على إنتاج المواطن الطائفي أكثر من قدرته على إنتاج المواطن الديمقراطي ، ذلك لأن الذي قاد ويقود الحياة السياسية أمس واليوم، هو الأحزاب الطوائفية ، وهي التي تدفع إلى البرلمان بنواب الطوائف، فتعيد دورة الإنتاج الطائفي ، قانوناً وتشريعاً ونظام حياة . وبعبارة أخرى فإن العراق الجريح يستخدم الديمقراطية لإعادة إنتاج الطائفية، لا لمحوها وإزالتها . لقد تحول العراق إلى جعجعة يومية على شاشات التلفزة وفي الصحف، وفي المجالس واللقاءات ، حتى ظننا أن العراقيين لا يشتغلون ولا يعملون لكسب قوت يومهم وابناءهم ، وإنما يكتفون بالمرابطة أمام الشاشات لرؤية الاشيقر العائد من طهران أو صولاغ من انقرة أو الصدر الصغير المرابط في قفصه الحديدي، إلى آخر الممثلين من الوجوه القديمة الجديدة، أو الجديدة القديمة، ولمعاينة سفك الدماء اليومي الذي تتفنن به قوى الارهاب ، حتى تحول العراق الى كباريه سياسي وساحة مواجهة فعلية للارهاب الدولي والاصولية الاسلامية والبعث الفاشي .ولم يعد الديمقراطيون في البلاد العربية يتحدثون عن الانتخابات العراقية التي جرت في كانون الثاني الماضي والتي شهدت مشاركة واسعة نسبيا من أفراد الشعب العراقي ، وهم يعربون عن تخوفهم من أن يؤدي تدهور الأوضاع السياسية والأمنية في العراق الى حدوث جو من الفوضى في منطقة الشرق الأوسط بأكملها ، ويحذرون من أن التحولات السياسية السريعة قد تمكن الاسلاميين من السيطرة على السلطات بالاشارة الى فوز الأحزاب الشيعية الدينية في الانتخابات العراقية. هكذا يتحول العراق الى النموذج والبعبع في آن. ما يجري في العراق هو استيلاد طائفي وغوغائي في ثياب ديمقراطية، والضحية طبعا باستمرار هو المواطن العراقي الديمقراطي الحقيقي أي اللاطائفي . الضمانة إلى الديمقراطية، ليست انهاء الاحتلال والنفوذ الأجنبي في العراق فحسب، سواء كان هذا النفوذ عربيا أو فارسيا او أجنبيا، بل بتجريد الأحزاب الطائفية من أسلحة الخداع والكذب الشامل، والخروج من صفوفها وعدم التصويت لها، وبناء مؤسسات وقوى وأحزاب ديمقراطية صحيحة، فلا ديمقراطية دون أحزاب ديمقراطية، لأن فاقد الشيء لا يعطيه.
• الدستور الدائم والتجربة الايرانية
تحاول الطائفية السياسية والدينية في العراق تفصيل الدستور الدائم بما يتناسب مع مقاسها ومسألة بقائها الابدي في هذه السلطة الفانية دون السماح بتداول السلطة وممارسة الديمقراطية على غرار ما يعمل به عباد الله في الدول المتقدمة ، وارغام الشعب العراقي التصويت على هذا الدستور ليجري ارتكاب الغلطة التاريخية وليتكرر نفس الخطأ الذي ارتكبه الشعب بإنتخابه صدام حسين كطاغية اوحد للعراق في الربع الاخير من القرن العشرين والعقد الاول من القرن الواحد والعشرين وليجري فرض اعتى الانظمة الديكتاتورية في العالم.... وليدفع الشعب العراقي الثمار المرة لهذا الخطأ الجسيم بالتراجع الحاد في الوضع الاقتصادي وكبت الحريات العامة والفتك بالمعارضين وبالهدر للمال العام والهروب للعقول والخبراء العراقيين خارج الحدود وبالتوتر الاجتماعي والزيادة في تناول المخدرات وبالفساد الاداري المستشري في ادارات الدولة ومفاصل المجتمع وبشلل المحاكم وعزل جميع القضاة وبالعزلة الدولية والبطالة والغلاء الفاحش.... ولتشغل مخلوقات التشدد الديني وآيات الله الصغرى والعظمى مناصب الاجهزة القمعية والبوليسية وادارة المال العام والشركات.... اي نقل المجتمع العراقي الى ما هو اسوء من الحقبة الصدامية وليضحي الوضع اكثر سوءا من الوضع الذي ساد في عهد البعث البائد .
طالب آية الله حسن علي منتظري الذي كان وريثاً لآية الله روح الله الموسوي الخميني وجرى ابعاده لاحقاً ووضع تحت الاقامة الجبرية وهو الذي كان رئيس المجلس التأسيسي ورئيس لجنة اعداد الدستور الايراني عام 1979 ... طالب رجال الدين العراقيين قبيل الانتخابات العراقية الاخيرة بالاتعاض من التجربة الايرانية والابتعاد عن الخوض المباشر لرجال الدين في اللعبة السياسية ودروبها المعقدة والتحذير من عواقب تسييس الدين. هل استمع رجال الدين في بلادنا لهذا التحذير واتعضوا من التجربة المرة للسيد حسن علي منتظري؟ ما يجري هو العكس ، ليتبارى هؤلاء لخوض معمعان السياسة مبتعدين عن مهمتهم الوجدانية لجلب الامان للقلوب والاتعاض من تاريخنا الحافل بالعبر حلوها ومرها ، وليحولوا الدين الى عنصر اثارة وتفرقة وتنابذ يصب الزيت في حريق للاخضر واليابس وزرع الفتنة بين ابناء الوطن الواحد وفي بلد مشحون وحافل بالتوتر.
قبل منتظري كان آية الله الخميني الذي ردد مراراً حتى بعد الثورة الايرانية على ان دور رجال الدين يتحدد في الارشاد الديني في الجوامع والمساجد ومراقبة شؤون الدولة وسياستها شأنهم شأن سائر المواطنين، وان لا يتحولوا الى اقطاب في السلطات القضائية والتنفيذية والتشريعية. وذهب الخميني الى ابعد من ذلك فقد طلب على الدوام من رجال الدين، من انصاره من الذين بدأوا يتنافسون على مناصب السلطة ونشر المحاكم العشوائية، العودة الى المساجد والكف عن التدخل في شؤون الدولة. الا ان كل هذه المناشدات ذهبت ادراج الريح ولم تصمد امام موجة التنافس العارمة على االجاه والسلطة والمناصب للفئة المتشددة من رجال الدين ليسيطروا على المجلس التأسيسي الذي شكل وانتخب على عجل وكان مهمته الرئيسية تتحدد في تدوين دستور جديد للبلاد.... كما جرى اغتيال اية الله مطهري اول رئيس لمجلس قيادة الثورة بعيد الثورة بسبب اعتداله. وتم تدوين دستور للبلاد لكي يتناسب ومقاس الدولة الدينية المتعصبة ورجال الدين المتشددين. وجرت تصفية كل الحركات السياسية العلمانية والدينية على حد سواء وبدأت ماكنة الاعدام تدور لتزهق ارواح الالاف من المواطنين الايرانين، وشنت حروباً على جميع المناطق القومية التي يسكنها الكرد والعرب والتركمان والبلوج وغيرهم. واصبح من غير الممكن ضمن هذا الدستور"الذي وافق عليه الشعب الايراني" ان يقوم اي مسؤول منتخب من قبل الشعب بتطبيق برنامجه الانتخابي الا اذا كان متطابقاً مع رأي النخبة الدينية غير المنتخبة اي المرشد ولجنة حماية الدستور، هذان المركزان اللذان يتمتعان بصلاحيات واسعة ومن ضمنها اقصاء من انتخب من قبل المواطنين الايرانيين. لقد التقى الجعفري في مدينة مشهد شمال شرق ايران مرشد الجمهورية الاسلامية آية الله علي خامنئي الذي اوضح " العراق الجديد صار لديه انصار عديدون في العالم الاسلامي ، والشعوب المسلمة والعديد من الدول الاسلامية مستاءة من التصرفات الامريكية في العراق" . صدقت يا خامنئي لو اضفت الى التصرفات الامريكية ، عصابات الارهاب الاسود الاصولي ونباح مخابراتكم التي تتدخل يوميا في الشأن العراقي . جرذان بعث الحكومة العراقية الانتقالية وعصابات الاجرام المنظم لهم اليد الطولى في اعمال التخريب داخل العراق ، وتأخذ ايران قسطها من الارهاب عبر تمويل هذه العمليات وتوفير الاجواء الجيوسياسية والبيئات الاجتماعية لها ... كل ذلك يجري تحت اشراف وعلم الاستخبارات الاميركية ! فوق ذلك يأتي السيد خامنئي ليوصى رئيس الحكومة العراقية بوجوب أن يكون الدستور العراقي إسلاميا، بدلا أن يقدم له وللشعب العراقي هدية إلغاء التعويضات التي تقدرها إيران بمائة مليار دولا فقط !! وفوق هذا وذاك، أتت الأنباء بأن المناهج الدراسية العراقية راحت تدرّس بأن العراق وحده مسؤول عن حرب الثماني سنوات. وهنا، إذا كان نظام الطاغية صدام مسؤولا بحق عن إشعال الحرب، فإن إيران تتحمل المسؤولية الرئيسية عن مواصلتها سنوات أطول بعد أن حررت أراضيها من قوات الغزو، وإذ رفضت كل القرارات الدولية والمناشدات لوقف الحرب والعودة لمائدة المفاوضات، على الأقل لإحراج صدام وكشف كل أوراقه؛ بل إن إيران راحت تتعاون مع صدام بعد قتل الانتفاضة، خصوصا في مجال تهريب النفط. وكانت إيران في مقدمة الدول الرافضة والمعارضة لحرب تحرير الشعب العراقي من الجلاد الذي سبق أن اعتدى على الشعب الإيراني والشعب الكويتي.
التدخل الإيراني تفاقم أكثر فأكثر في مناطق الجنوب، ويقال إن إيران تصرف أكثر من 20 مليون دولار أسبوعيا على بعض التنظيمات والميليشيات الشيعية وبعض رجال الدين، إضافة لدورها السافر في ظاهرة مقتدى الصدر، الذي يطالب اليوم برحيل القوات متعددة الجنسيات . يقول الكسندر أدِلر "والحق ان ايران رغبت، الى اليوم، في نجاح السلطة الشيعية في العراق مقدار رغبة الأميركيين. وعلى قدر سرعة انجاز العمل توقعت سرعة رحيل القوات الأميركية، وانتصار مذهب جغرافي سياسي يرسي، بين بيروت غرباً وبيشاور شرقاً، امبراطورية اشمينية جديدة يسيطر عليها الايرانيون. ويتآلف الانتصار الجغرافي السياسي هذا مع الانحلال الايديولوجي الزاحف الذي يدب في أوصال النظام الثيوقراطي الاكليروسي الذي ينوء تحت ثقل شرعية ثورية أثمرت ربع قرن غير مجيد في حساب التاريخ الفارسي المديد".
هل تركت الولايات المتحدة سيناريو تحول إيران الى عراق جديد، وأفسحت المجال لبريطانيا وفرنسا وألمانيا لتولي قيادة مفاوضات ديبلوماسية ؟ هل تعتزم أميركا اللجوء الى مجلس الامن عند فشل المفاوضات ، وهل تحسنت السياسة الأميركية وأصبحت أكثر واقعية ووضوحا بعد سوء الأمور في العراق ؟ . يقول جواد واعيدي ، محرر صحيفة "الهمشري الدبلوماسي" المحافظة ، انه لدى الزعماء الحاليين في ايران والولايات المتحدة "مجموعة افكار مشتركة. فهم ينظرون الى العالم بمقياس الابيض والاسود، ويعتقدون بأن الله اولاهم واجباً ، وانهم يؤدون رسالة. كما انهم يرون في انفسهم امبراطوراً على العالم". ويقول المحلل السياسي سعيد ليلاز " هناك ثلاث عواصم ايديولوجية في طهران وتل ابيب و واشنطن. ومن الواضح ان الواحدة منها ضد الاخرى ، ولكنها جميعاً تحب بعضها بعضا ، والواحدة منها بحاجة للاخرى. وهي بحاجة الى وجود عدو اجنبي كي تقوم بحكم بلدانها ". ويضيف جواد واعيدي " اذا كان للامريكيين حق ان يصبحوا امبراطور العالم ، فإن الايرانيين يعتقدون بأن لهم الحق في ان يصبحوا امبراطور المنطقة على الاقل . وان تمكنا من ايجاد الطريقة الافضل للتوفيق بين هذين الاتجاهين للهيمنة ، فذلك هو الصحيح ".ويمضي واعيدي ويقول " لقد اوكلت امريكا هذا الدور لشاه ايران ، لكن كان ذلك دور العميل للولايات المتحدة ، وليس دور الحليف . فإن استطاعت امريكا اعتبار ايران حليفا ، وليس كعميل ، فقد تنجح. اما الرسالة الى الحكومة الامريكية فهي: عليكم ان تقبلوا وجودنا ". اما احمدي نجاد فلا يزال يسعى الى ترويض سمعته حين يقول " ستنهج الحكومة سياسة الاعتدال. وعلى اولئك الامريكيين الذين يرغبون في اقامة علاقات مع ايران ان يفصحوا عن سياساتهم بشفافية ووضوح كي نستطيع دراسة الاحتمالات".
تقول محامية حقوق الانسان والحائزة على جائزة نوبل للسلام ، شيرين عبادي " لم يتغير شيء في ايران. فالذين كانوا في السلطة ما يزالون في السلطة. فلماذا ستتحسن الامور؟ فإن لم يكن الوضع سيئاً حتى الان ، فإنه سيكون سيئاً من الان فصاعدا ". يذكر ان شيرين العبادي قد حُظر نشر صورتها وسماع صوتها على شاشات التلفزيون لمدة عقدين.ولما حصلت على جائزة نوبل ، تجاهلها التلفزيون الحكومي الى ان تصاعدت الاحتجاجات ، وادت الى ذكر ذلك الخبر بعد 24 ساعة ، في نشرة اخبار الساعة الحادية عشرة ليلاً. وكان المتشددون قد انتقدوها على مصافحتها للشخص الذي سلمها جائزة نوبل.
ان کون "الولي الفقيه" بموجب نظرية ولاية الفقيه، مسؤولا عن المسلمين في أرجاء العالم، فأن له الحق کاملا في أن أن يتصرف في أمورهم وفق مايراه مناسبا لهم. ولا مناص من الحذر من القوى و المنظمات السياسية التي ترعرعت أو نشأت برعاية أو في کنف هذا النظام السياسي من حيث ولاءها(المفروض شرعا بموجب هذه النظرية) للولي الفقيه وکون هذا الولاء فوق کل ولاء و إعتبار آخر مهما کان لونه و حجمه. ولا غرو من أن نظام ولاية الفقيه يعيش أسوأ أيامه و يمر بظروف صعبة جدا قد تجعل من حرکة أذرعته الممتدة شمالا و يمينا محددة و محدودة بعض الشئ، سيما وأن الامريکان الذين باتوا جيرانا لبلاد ولاية الفقيه من أکثر من جانب، يأخذون الطموحات و الاهداف السياسية ـ الفکرية البعيدة المدى لهذا النظام بمنتهى الجدية و يتعاملون معها بحذر شديد قد لايشارکهم فيه حلفائهم الاوربيين فقط وإنما حتى أغلبية دول المنطقة.
• طائفية شيعية وقحة
تسفر الطائفية الشيعية عن وجهها القبيح عندما تفرض نفسها وآيديولوجيتها في المناطق التي يشكل الشيعة فيها الاغلبية دون خوف من اي جهة كون الاحزاب السياسية النشطة هنا لها نفوذ لا يستهان به على الحكومة المركزية في بغداد ، اضافة الى انها تحظى بدعم كبار رجال الدين. وتسارعت هذه العملية منذ انتخابات كانون الثاني التي مكنت الاحزاب الدينية من وضع الكثير من السياسيين الراديكاليين في مناصب رفيعة . وظهرت الاحزاب الصغيرة مثل : الانتقام الالهي وسيد الشهداء وحزب الفضيلة . وهذه الاحزاب تعمل تحت مظلة الجماعات الشيعية المؤسسة جيدا ، ويعتقد الكثير من العراقيين انهم عملاء للحكومة الايرانية . فرض السطوة الايرانية واضح للغاية ، فصور روح الله آية الله الخميني قائد الثورة الايرانية الاسلامية في 1979 ملصقة في جميع الشوارع وحتى في المراكز الحكومية بالمحافظات العراقية ... الحكومة الايرانية افتتحت مركز اقتراع لها في قلب البصرة خلال الانتخابات الرئاسية التي تمت في ايران في حزيران الماضي من اجل تمكين المغتربين الايرانيين المقيمين في المدينة من التصويت... يقول عميد كلية الهندسة في جامعة البصرة "ان الوضع السياسي مشوش للغاية وان معظم الاحزاب الراديكالية الاسلامية الشيعية تتركز في البصرة الآن ، ان الناس يشعرون بانزعاج شديد ان هذه الاحزاب تهدر وقتنا". و في البصرة ايضا تم تحديد يومي الخميس والجمعة كعطلة اسبوعية رسمية بدل الجمعة والسبت المعمول بها رسميا في بغداد، وترفض الاحزاب الدينية في المدينة قبول يوم السبت كونه يوم الراحة لدى اليهود .
فرسان الطائفية الشيعية لا يدعون علنا الناس للتقيد بأحكام الشريعة ، ولكن اجبار الناس على الالتزام يتم بصورة هادئة في الشوارع وفي الظل ايضا أي في الشوارع الخلفية وفي الأزقة بالقوة والتهديد والابتزاز والترغيب. وتنتشر اليافطات المعلقة البادية للجميع بوضوح والتي تستنكر اماكن محددة بعينها وتطلق على مالكيها اسم «جند الشيطان» .وهذا يشمل محال بيع الادوات الموسيقية والاشرطة والـ «دي.في.دي» وصالونات الحلاقة ودور السينما ومعارض الرسم والفنون التشكيلية .. وحتى دور المواطنين السكنية الآمنة !
أحد الملصقات الباهتة لآية الله يعقوبي ،رجل الدين الراديكالي القريب من حركة الصدر ،ذات اللحية البيضاء الموجودة على بوابة احد مكاتبه المحصنة في البصرة يأمر العراقيين بعدم شراء السجائر الاميركية والبريطانية والفرنسية . الى جانب ذلك الملصق يوجد ملصق آخر تظهر عليه صورة آية الله الخميني كتبت عليه عبارة "ان كل مشاكل الاسلام نابعة من الاستعمار والقوى الكبرى"... الجنون فنون ! يجبر الناس العمل لصالح الاحزاب الطائفية ، والسياسيون فيها يعملون فقط من أجل مصالحهم وليس من اجل مصالح الناس. وتحاول الجماعات الطائفية أن تلغي جميعها فكرة الصراع الطبقي التي تشكلُ لها هاجساً كبيراً لا تستطيع ان تتحمل تداعياته الحضارية والأخلاقية !
مجموعة الجعفري الشيعية المسماة "التحالف العراقي الموحد" تسيطر على وزارة الداخلية المسؤولة عن قوات الأمن الداخلي ، وتقول ان هذه القوات مليئة بالبعثيين المخلصين لعقيدتهم وبالجواسيس العاملين مع المتمردين الذين يقدمون بطاقات الهوية الشخصية العسكرية والأمنية للمتمردين لاستخدامها في تنقلاتهم ويقدمون لهم في نفس الوقت المعلومات عن كبار الضباط العاملين في الداخلية بما يسهل عملية اصطيادهم وقتلهم أو تخويفهم. آمنا بالله ! هل علاج الامر يتم باستبدالهم بالارقام الطائفية وتسليم ملفات الامن أو صور منها للايرانيين الذين يدعمون شيعة العراق وبالتالي تزويدهم عما يعرفه الاميركيون عن العمليات الاستخبارية الايرانية داخل العراق وهي عمليات واسعة النطاق بكافة المقاييس؟.محطة الـ "سي.آي.إيه" في بغداد تعتبر اكبر محطة تديرها الوكالة منذ التورط الاميركي في فيتنام . ومع تصاعد الارهاب بدأت هذه الوكالة في الاعتماد المتزايد على العملاء العراقيين في عمليات جمع المعلومات الاستخبارية . هكذا نفهم معادلة الطائفية – الادارة الاميركية !. ان تسليم وزارة الداخلية الى ممثل المجلس الاعلى ومنظمة بدر، ورغم نزاهة الاشخاص ووطنيتهم الذين تسلموا هذه الوزارة، فإن خصوصية انتماءاتهم الطائفية والسياسية وعلاقاتهم الاقليمية ولدت رد فعل طائفي لدى اوساط السنة ولدى القوى السياسية الاخرى، ومما زاد من رد الفعل الطائفي عمليات التطهير في اجهزة الامن والشرطة في بغداد والمحافظات التي طالت الاف المنتسبين الذين تم تعيينهم في عهد حكومة علاوي السابقة وبروز اتجاه انتقامي لتلك الحكومة رغم وجود قضايا فساد كان يمكن معالجتها دون تشهير سياسي . لا نريد وضع اللوم على وزارة الداخلية، ولايمكن نكران انجازاتها، الا ان عمليات الفصل دفعت الاف من منتسبي الشرطة والامن المفصولين الى التظاهر واصبحوا جاهزين لكي تتلقفهم الجهات الضالعة بالارهاب والحرب الاهلية. فقطع الارزاق يؤدي الى قطع الاعناق في العراق.
لم يؤد تشكيل قائمة الائتلاف على اساس طائفي شيعي ومباركة آية الله السيد علي السيستاني لهذه القائمة دون القوائم الاخرى الى زعزعة الفكر التكفيري الارهابي لشرذمة الزرقاوي وفلوله من العراقيين بل العكس فقد جاء استجابة عفوية غير مدروسة للرسائل الطائفية الشريرة المتكررة للزرقاوي وزمرته واعطاهم زخماً فكرياً تبريرياً لمخططاتهم السوداء ضد العراق وشعبه. وكان تأسيس ما سمي بالبيت الشيعي بادرة طائفية خطيرة، وهو نفس البيت الذي عمل على إنقاذ جيش المهدي في النجف بعد فتنته الدموية التي راح أبناء الشيعة هم ضحايا، والتي جاءت بعد فتنتهم في كربلاء، وحيث ضربوا حتى منائر المراقد الشيعية المقدسة. بل وقد أدخلوه في قائمة السيد السيستاني الانتخابية ليحظى بالعديد من النواب وبمراكز وزارية. واكبر خطأ ارتكبته الاطراف المكونة لقائمة الائتلاف هو التقوقع الطائفي وزج المرجعية الدينية بمهمة تكريس هذا التقوقع الطائفي الخطير في بلادنا بشكل يذكرنا بالاخطاء التاريخية المدمرة التي ارتكبتها الحكومات السابقة وممارساتها الطائفية المشينة. ان ازالة الحيف عن الطائفة الشيعية، وهو حق ومن حق كل من تعرض للحيف ان يطالب بزواله، لا تعني بأي حال من الاحوال اعتماد سياسة التجمعات الطائفية المقابلة. كان مطلوبا من الأحزاب الشيعية الحاكمة أن تضرب المثل على التسامح واحترام ما سبق أن اتفق عليه في عهد المعارضة مع بقية القوى الوطنية. غير أن ما تم هو التراجع المراوغ أو المكشوف، كما في القرار 137 ضد المرأة، والتشكيك في دستور مؤقت ( قانون ادارة الدولة المؤقت ) وقعوا عليه، ومحاولة مسخ مبدا الفيدرالية. وفي الشهور الأخيرة اتسعت هذه الممارسات بالمطالبة بدستور إسلامي وجمهورية إسلامية خلافا لجميع ما كانوا يعلنونه سابقا.
تضمن البند رقم 7 من الوثيقة الصادرة عن المؤتمر النسوي الموسع " نساء منظمة المحراب التابع للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية " في مدينة النجف" أن اغلبية ابناء الشعب العراقي ومن كافة القوميات عربا وكردا وتركمانا وشبكا ينتمون إلى جماعة أهل البيت وقد ذاقت هذه الغالبية الساحقة انواع الظلم والإمتهان والتمييز الطائفي والإقصاء والقتل على الهوية لذا فإن من الضروري التأكيد والنص على الأكثرية الشيعية ضمن الدستور " هذا ماقالته الفقرة السابعة بالتمام والكمال دون زيادة أو نقصان ! اما الفقرة رقم 8 من هذه التوصيات فنصت :" نطالب بأن يكون الفرات الوسط والجنوب إقليما واحدا في النظام الفيدرالي المرتقب وذلك لطبيعة الظروف التاريخية والجغرافية والخصوصيات والهموم المشتركة والتطلعات فلا يمكن تفتيته وتمزيقه ". ويتجلى المنظور الطائفي في أن الطائفة وليست المواطنة هي التي تربط بين العراقيين ، وهذا منتهى التضليل والتزييف ، وبالتنسيق مع هذا الطرح يجري العمل على تهيئة أجواء إنفصالية مستقبلا ، من خلال إثارة المشاعر العاطفية وتوظيفها على أساس أنها هي طريق الخلاص من القهر والظلم ، متجنبين تبيان الأسباب الحقيقة للظلم والقهر الذي تعرض له الشعب العراقي على مر العهود.
ان العراق يحتاج الى تعزيز الهوية الوطنية للامة العراقية وروح المواطنة لها والتي بدونها لا يمكننا الحديث عن الاستقرار والمساواة في الفرص وتعزيز رابطة الاخوة بين العراقيين وحماية وحدة العراق بغض النظر عن كل الهويات الدينية والطائفية والعرقية فالعراق ينبغي ان يكون وطن الجميع والدين لله.
الممارسات الطائفية الشيعية وغيرها أعطت الإرهابيين الصداميين والزرقاويين حججا جديدة رغم أن حججهم لا تنتهي، ليمارسوا ويصعدوا عملياتهم الإرهابية الوحشية التي لم يسلم منها الأطفال ولا المساجد الشيعية. وهذا هو مقتدى الصدر نفسه المحتمي ب"البيت الشيعي" يسمي هذا الإرهاب بالمقاومة ضد الاحتلال، مثلما هب مرارا لمساعدة الفتنة الصدامية ـ الزرقاوية في الفلوجة. لقد اغتيل في العراق منذ تنصيب الجعفري رئيساً للوزراء في 28/4/2005 أكثر من 1000 مواطن كما وتم تفجير أكثر من 100 سيارة مفخخة وتبادلت تنظيمات سنية وشيعية متطرفة الأتهامات في المسؤولية عن عمليات الأغتيال التي طالت أئمة المساجد من كلا الطرفين. المقاومة الوطنية لا تفجر أماكن العبادة أو أنابيب مياه الشرب ولا تلحق الأضرار بالمؤسسات الاقتصادية للبلاد ولا تقتل المدنيين الأبرياء في أماكن الزحام في الأسواق بشكل عشوائي.
ان شلالات الدم التي نزفها العراقيون من اجل ان يستلموا زمام امورهم بعيداً عن وصاية احد سواء اكان الاب القائد او القائد الفلتة او فارس العرب ، وتعرضهم جراء هذا الحق الطبيعي الى رميهم في القبور الجماعية التي ضمت جميع الاديان والطوائف والافكار ... تدعو الجميع الحفاظ على مكسب الديمقراطية وتجنب الوقوع في سلسلة جديدة من المحن والدمار والهجرة الى اصقاع العالم والغربة والتمييز على اسس لا انسانية... اي رفض ما يخطط له من نموذج لدولة ولاية فقيه قادمة ! "لا" لكل مسعى هدفه الهيمنة او الاستئثار ،وكل محاولة لمصادرة الاخر ورأيه ودوره تحت أي مسمى، و"نعم" لاحترام التعددية الفكرية والسياسية، والحق في الاختلاف والتنافس النزيه على اساس البرامج السياسية، خدمة للشعب ولتطلعه الى حياة آمنة كريمة مستقرة، في عراق ديمقراطي فيدرالي موحد....ولنساند ما ينفع الناس ونعارض ما يضر بهم .
ان شعار مظلومية الشيعة يحقق الف غرض وغرض ، الا الحفاظ على حقوق الطائفة الشيعية ، اللذين لايعنون لاصحاب مشروع مظلومية الشيعة أكثر من أدوات أو حطب لتحقيق أغراض شعوبية قديمة . وستُختزل مظلومية الشيعة بمراسيم العزاء والاحتفالات الدينية التي تمثل في الحقيقة احد المصادر المالية لبناء امبراطوريات راسمالية على حساب دماء الامام الحسين . وقد تحولت الاحزاب المتاسلمة أو الدينية الى مجرد جماعات تستخدم الدين والطائفة لاغراض دعائية خاصة بالقادة دون أن يكون لها برنامج ديني – أسلامي ... أي تجمعات دينية بلا منهج أو برنامج ديني . ينطبق هذا على الاحزاب الشيعية كما ينطبق على الحزب الاسلامي .ويعتبر اشتراك بعض الوجوه من هذه التجمعات في السلطة وتحقيق طموحاتها ، وكأنه نصراً لهذه الطائفة أو تلك ، حتى على حساب دماء أبناء الطائفة ، كما حصل لابناء الطائفة الشيعية في النجف والمدن الجنوبية الاخرى ، اللذين تعرضوا لابشع جريمة ، أبان ما عرف بالانتفاضة الصدرية والتي قتل فيها الشيعة بمباركة من الاحزاب المتشيعة ... وكما حصل في الفلوجة بمباركة الحزب الاسلامي ، الذي يطرح نفسه كممثل سياسي للسنة العرب في العراق .و مهما طال الزمن بنجاح هذه التجمعات في استثمار الشعارات الطائفية ، الا انها بسقوطها هذا في حدود المصالح الضيقة لبعض رموزها ، فانها تؤسس اللبنة الاولى لانتصار العلمانية ، بمعنى فصل الدين عن السياسة . وسينفض عنها مؤيديها ، اللذين بدأت تتكشف للكثير منهم حقيقة ما يجري من الان .
• الجمهورية الاسلامية والفيدراليات الطائفية
إيمان الإنسان الفرد بالدين الإسلامي ، قضية تخص الإنسان ذاته ، كما هو الحال مع بقية الأديان والمذاهب في العراق والعالم. لكن سعي العمل السياسي للأحزاب الإسلامية إلى إقامة الدولة الإسلامية والحكم الإسلامي في العراق وتطبيق الشريعة الإسلامية ذات المذاهب المختلفة على الدولة والمجتمع وفق المذهب الذي تأخذ به وتسير عليه، كما هو حاصل في إيران هو الطامة الكبرى... ان احترام الهوية الاسلامية لغالبية الشعب العراقي لا يبرر المحاولة العقيمة لتثبيت الجمهورية العراقية الاسلامية في الدستور الدائم فذلك امر يتعارض تمام التعارض مع العصر الذي نعيش فيه والحضارة التي وصل إليها المجتمع البشري والحقوق التي كرسها في مجال الإنسان الفرد أو الجماعات أو القوميات والشعوب ..
إن هذه التسمية، بالرغم من احترامنا الكبير للدين الاسلامي والمسلمين جميعاً ليس في العراق فحسب بل في كل العالم وبالرغم من احترامنا الكبير لكل المؤمنين من المسلمين ومن الأديان الأخرى في العراق وكل العالم، نجدها تسمية تتجاوز على حقوق الفرد والجماعات المختلفة في الحياة الحرة الكريمة، وتغتال الديمقراطية لتعوضها باسم الاسلام بدكتاتورية من نوع جديد يضطهد من خلالها المسلم وغير المسلم .. وهي في مجال آخر توحي بعلاقة مروجيها بالانتماء الى مرجعية غير عراقية ألا وهي المرجعية الايرانية، لتجير كل ما انجزه الشعب العراقي بكل فصائله الى تبعية لايران حيث تستنبط منها شكل الحكم وتسوقه الى الشعب العراقي ( انظر : تصريح عمار الحكيم نجل رئيس المجلس الأعلى للثورة الاسلامية في العراق عبد العزيز الحكيم يوم 14 تموز الجاري في مؤتمر "دائرة شؤون المرأة" التابعة "لمؤسسة شهيد المحراب" التي يرأسها ). لقد استعمل الطاغية صدام حسين الدين كوسيلة لتسويق حكمه ودكتاتوريته .. وباسم الدين قمع الشعب العراقي وبكافة الاساليب .. والآن جاء دور بعض القوى الدينية شيعية منها أو سنية لاستعمال الدين مرة أخرى لقمع تطلعات الشعب العراقي من خلال اعطاء صبغة معينة للدستور تصادر حريات الآخرين باسم الدين الاسلامي والدين الاسلامي براء من هذه الذهنية .. الدين يوصي بالعدل .. فلماذا اذن نقف ضد بناء دولة عصرية تطبق العدل ؟.. ولماذا نقف ضد تكاتف العراقيون من اجل بناء دولتهم العصرية التي سنفتخر بها كدولة عصرية تحترم حقوق الانسان والمواثيق الدولية وتنشد التطور؟.
وببساطة فالشعب العراقي المسلم وغير المسلم يحلم بمجتمع يسود فيه العدل، مجتمع ليس فيه مجال للاكراه، مجتمع ديمقراطي ، للجميع الحق في العيش .. للجميع حقوقاً متساوية .. وللجميع واجباتاً متساوية .. هناك في العراق اليوم اضافة الى التنوع السكاني الديني والاثني قوى سياسية فاعلة ، قوى غير اسلامية، قوى علمانية هي ايضاً ناضلت وتناضل من اجل حرية العراق ارضاً وشعباً فاين يضعها الداعون الى جمهورية اسلامية في العراق .. يبدوا ان هناك من هو مهيأ ليضعها في سجن مؤبد، او يصهرها بالتيزاب، كما اراد لها صدام حسين.
واذا أصرت المجموعات الشيعية على المضي في طريق «الجمهورية الاسلامية» وفرض هذا الأسلوب، فستكون كارثة، حيث تستبدل ايدولوجية البعث القومجية، بأيدولوجية شمولية اخرى هي الاسلاموية السلفية المتشددة . والتاريخ مليء بأمثلة لا تنتهي من جر الأيدولوجيات الشمولية الأمم الى حروب، سواء بجيوش نظامية او عن طريق عصابات ارهابية تتجاوز الحدود الجغرافية الاقليمية ( أعلنت مجموعة شخصيات شيعية في النجف وكربلاء ومناطق اخرى تبنيها لمشروع تشكيل ما يسمى بالجمهورية الإسلامية الشيعية في اقليم الوسط والجنوب العراقي، واستندت دعوة هذه الشخصيات على حسبة مفادها انهم يملكون رصيدا شيعيا يصل الى 14 مليون انسان في هذه المناطق، مفترضين ان هؤلاء جميعهم اعضاء في الجماعات الشيعية الحزبية التي يمثلونها. في حين ان اكثر اهل الوسط والجنوب غير متدينين بالطريقة التي يدعو اليها هؤلاء ولم يخطر على أذهانهم يوما ما ان يفكروا بهذا التفكير الذي يتسم بالخصوصية المذهبية الى حد الانعزال، او يستخدموا الدين هذا الاستخدام ). والأخطر هو ما ينجم عن الايدولوجيات الشمولية من التطهير العرقي وفرض الهوية بالإكراه على الطوائف الاثنية او الدينية الأخرى، مما يهدد بحرب اهلية طائفية في العراق الذي لم يشهد ابدا صراعا مباشرا بين طوائفه واعراقه. هكذا دفعة واحدة انقلب الامر من جمهورية العراق الديمقراطي التعددي الفيدرالي الى جمهورية تتقاسم مع الجمهورية الايرانية الاسلامية المسميات الثلاث ، وقد حددت حدودها الجغرافية اقليم شيعي صرف ولكن وبزيادة لقبية الاتحادية لذر الرماد في العيون ( انظر : قرارات " مؤسسة شهيد المحراب للتبليغ الاسلامي " وكذلك المؤتمر الدستوري الذي عقد باشراف المرجعية الشيعية ).ان هذه المشاريع الطائفية ساعدت وأججت النظرة الطائفية الضيقة ودفعتها الى امام بدلا من تثبيت وحدة العراق على اساس التآخي بين جميع فئات الشعب العراقي وهو بالتالي يدفع الآخرين للمطالبة بمحافظات على اساس سني مما يسهل الطريق امام اعداء العملية السياسية والارهاب بشقيه السلفي الاصولي والبعث الفاشي العراقي لزيادة التطرف والعنف المسلح على اساس وحدة العراق ولو كذبا. الفيدرالية الطائفية تفريغ لمطلب الفيدرالية بالنسبة لكردستان العراق ، وتعكس الجهل والشعوذة والتخلف ، وهي الانصياع الاعمى للسنهدرين الاصغر في طهران.
فيدرالية شيعية في محافظات شيعية وجمهورية عراقية اسلامية اتحادية ودستور مفصل على القياسات التي يريدونها وكأن الملايين من العراقيين وأحزابهم وكتلهم وشخصياتهم وحتى المستقلين منهم ليس لهم الحق في ابداء الرأي واتخاذ الموقف أو في نقض القرارات التي هي بالضد من مصالحهم. وكيف يفكر البعض وهو يرى ونحن ما زلنا في بداية السلم ان بعض المدن والمحافظات انقلبت الى جمهوريات منفصلة عن المركز يعيث بها البعض وبالقوة تجاوزاً على حقوق الآخرين الذين يختلفون معه . ومن ثم كيف يكون الامر عندما نرى المليشيات المسلحة بالملابس الخاصة او المدنية وهم يتابعون ويعاقبون الناس لمجرد الاختلاف في طريقة التفكير والرؤيا، فيمنعون السينما وكاسيتات الاغاني والسفور ومحلات بيع المشروبات الروحية وغيرها ، لا غناء لا موسيقى . فقط اللطم على الصدور وشق الرؤوس بالقامات الحادة التي تثير استغراب العالم المتمدن وكأننا نعيش زمن العصور القديمة وبذات الرؤيا بدلاً من رؤيا جديدة مملوءة بالامل والتفاؤل والبناء والوقوف امام تيارات الارهاب الدموية التي لا تعرف الا القتل والدمار كلغة واضحة للجميع وبخاصة اولئك الذين يرون في العهد القديم مسلخ بشري وخراب كخراب سدوم وعمورة وقد انتهى ويجب ان يعاد بناء العراق على اساس المفهوم الحضري والتقدم الذي سيكفل بنقله ونقل شعبه الى درجات اعلى من الرقي لكي يتخلص من آفات الماضي المزمنة . كتم الانفس والغاء الآخر وخرق حقوق الانسان ، التفرقة والشوفينية والعنصرية والظلم والتسلط والفقر والعوز والفاقة والجوع والامراض والبطالة والحياة المعيشية المزرية. وفي تصريحات قبل اغتياله،اعرب الشيخ مجبل عيسى الذي كان عضو لجنة الحوار الوطني المنبثقة من لجنة صياغة الدستور عن اسفه لما طالبت به بعض الكتل بتقسيم العراق الى إقاليم لها خصوصيات سياسية وصلاحيات كاملة وليس مناطق إدارية وقال ان الاقاليم حسب الصلاحيات المطروحة الآن تعني حق الانفصال فى اى وقت كونها تملك مقومات دولة .. وهو يشير بالفعل الى الفيدراليات الشيعية الطائفية .
يقول ألكسندر ذير مدير مشروع الدول الفاشلة في جامعة ستانفورد الأميركية " يخطو العراق بسرعة نحو اللحظة الحاسمة، لحظة كشف النقاب عن الدستور الجديد. وقد يمر وقت ينظر فيه المحللون والمراقبون في المستقبل إلى تلك اللحظة على أنها كانت إما فرصة للقادة العراقيين لتقوية بلد مضطرب يطمح للخروج من دوامة العنف وبناء كيان قوي يعيش في كنفه كافة أبناء العراق دون اعتبار لطائفتهم أو لعرقهم، أو سينظر إليه كبداية للانزلاق نحو جحيم الحرب الأهلية ".
تقدم قوى الإسلام السياسي الشيعية والسنية كل ما هو ضروري لفقدان الأساس الذي تستند إليه في علاقتها مع الواقع ومع الناس ومع مصالح المجتمع العراقي ، إذ أن الركض وراء المذهبية والطائفية الضيقة والمصالح الخاصة يفقأ العين. والوزارات العراقية منذ ما يقرب من سنتين في أساليب عملها وأسس التعيين فيها يدلل على ذلك دون أدنى ريب ... كما أن التعامل اليومي مع الأحداث والموقف من المرأة العراقية ومن التراث الديمقراطي الشعبي مثل: الاحتفالات والأفراح والغناء والموسيقى والرقص والمسرح والسينما والحرية الفردية ... كلها تدلل على أن هذه القوى الدينية تريد قطع جذور هذه الثقافة العراقية الأصيلة ، وبالتالي ستضعف مواقعها في صفوف المجتمع تدريجا ... ولكن لن يتم مع إدراك وعمل القوى الديمقراطية العلمانية ووحدتها في خوض الانتخابات القادمة بصورة مشتركة وقائمة موحدة.... إلا أن تراجع هذه القوى الإسلامية السياسية سيأخذ وقتا أطول نسبياً من الانتخابات القادمة بسبب الأوضاع الإقليمية والدولية التي لن تتغير بالسرعة الضرورية، خاصة وأن الدولة الأعظم في العالم تمارس سياسات لا تقود إلى نتائج إيجابية لصالح الديمقراطية وحقوق الإنسان في هذه الدول وفي العالم ، رغم تحريكها المياه الآسنة السائدة في النظم العربية والروائح العفنة التي بدأت تتصاعد منها خلال السنتين الأخيرتين بشكل خاص.
• العلمانية ، العقلانية ، الليبرالية ... مفاهيم متقدمة حضاريا
" أن فصل الدين عن السياسة هو الأداء العلماني الذي يؤكد تكريم الدين وتكريس عقائديته لدى مختلف طوائف المجتمع الدينية والمذهبية، والارتفاع به عن الميكافيلية السياسية والانتهازية والنفعية، والنأي بقدسيته عن القاذروات الدنيوية والسياسية، ولكي يبقى الدين مصونا مكرما عباديا وروحيا في نفوس المواطنين بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية والفكرية والعقائدية" – إسحق الشيخ يعقوب. العلمانية ليست كما تحاول أن تصورها الآلة الاعلامية الاسلامية الاصولية ، فالعلماني ليس بالضرورة أن يكون ملحد وكافر (وان كان فهذا قراره واختياره والرب من يحاسبه وليس البشر والمؤسسات الدينية)، والعلمانية ليست مذهب ديني ولا دين جديد، وليست منافس ديني لما هو موجود من الأديان.
ان العلمانية لا يربطها رابط بمعاداة الدين، كما يروج البعض الى ذلك، بل من شأنها أن تحول دون توظيف الدين في حقول غريبة عنه. وبهذا المعنى يمكن الاتفاق مع ما طرحه المفكر المصري الكبير فؤاد زكريا بتأكيده على ان كل ما ترمي اليه العلمانية، بهذا المعنى، هو ابعاد الدين عن ميدان التنظيم السياسي للمجتمع، والابقاء على هذا الميدان بشريا بحتا، تتصارع فيه برامج البشر ومصالحهم الاجتماعية والاقتصادية، دون ان يكون لفئة منهم الحق في الزعم بأنها تمثل " وجهة نظر السماء ".
العلمانية ، العقلانية ، الليبرالية ... مفاهيم متقدمة حضاريا وحركات سياسية فكرية قائمة على عدة أيدويولجيات تاريخية وحاضرة، وتدور حول محور الفرد الحر والدفاع عنه دون أي تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين، والأفراد جميعهم أحرار متساوين في الكرامة والحقوق الانسانية. وتكفل هذه المفاهيم للفرد حرية التفكير والتعبير وابداء الرأي، وتؤيد حق الفرد في الاختلاف مع الفكر المقابل له أو السلطات في المواضيع التي ترسم حياته الخاصة عن أن لا تتعدى حرية الآخرين. ولتحقيقها أتت ضرورة فصل الدين عن السياسة والدولة، احتراما لحرية الفرد الشخصية، واحتراما لسائر الأديان والعقائد، وللتخلص من سلطة رجال الدين على المجتمع لبناء المجتمع المدني الحر، ولاعادة توزيع المهام والأعمال، فرجل السياسة يتجه نحو العمل السياسي، ورجل الدين يتجه نحو العمل الدعائي الديني، والفرد يمارس حريته الشخصية باختيار المنهج الديني الذي يناسبه والفكر السياسي الذي يقنعه. ويؤمن فصل الدين عن الدولة والسياسة بناء مجتمع عصري قائم على احترام حقوق الانسان والمساواة والتسامح بين البشر مهما اختلفت أجناسهم، فلا رجال دين يفرضون آرائهم مستغلين سلطاتهم السياسية ولا دولة تضطهد الأقليات الدينية فيها لأنها لا تتبع دين الدولة، فالدين لله والوطن للجميع.
إن قوى الإسلام السياسي المتطرفة والمتشددة المعتدلة لا مستقبل لها في الهيمنة الكاملة على الحكم في العراق وغير قادرة على فرض الحكم الديني أيضا ، وان الموجة الراهنة ستنحسر فور المواجهة الحازمة للارهاب وتحسن عمل القوى الديمقراطية والعلمانية العراقية ، ومنها قوى اليسار الديمقراطي العراقي ! إن تراجع المد الإسلامي السياسي المذهبي الراهن ، التي أطلق السيد عبد العزيز الحكيم على قواها بأنها فازت فوزاً ساحقاً ، أي فوز قوى الإسلام السياسي اليمينية المتشددة مذهبياً في الانتخابات الأخيرة ، سيتحقق لأن سياسات ومواقف هذه لا تعود إلى هذا العصر ولا إلى حضارة القرن الحادي والعشرين ولا تنسجم مع تراث وتقاليد وحضارة العراق ولا مع بنيته القومية والدينية والمذهبية والفكرية والسياسية.... ودون تبجح يتطلب ذلك العمل الدؤوب من جانب جميع قوى المجتمع المدني الديمقراطي العلماني ، والقوى السياسية غير الطائفية التي تسعى إلى إقامة عراق ديمقراطي فيدرالي تعددي وحضاري قادر على الاستفادة مما توصل إليه العالم من تقدم في جميع المجالات لتحقيق التقدم الاجتمااقتصادي المنشود للعراق والتحسن في مستوى حياة وظروف عمل ونشاط جميع فئات المجتمع. ولا يمكن أن تتم هذه العملية دون إشراك واسع للمثقفين العراقيين في العملية الجارية حاليا ودون مساهمة واسعة من جانب الأوساط الشعبية العراقية التي هي أداة وهدف التغيير في المجتمع. لقد ضجر الشعب العراقي من الدكتاتورية والاستبداد ويتوق شوقا للحرية والديمقراطية، وهو قادر على رسم معالم وملامح طريقه بالصبر والعمل، وسيتجاوز حتما الثغرات وسينتصر لا محالة .ان العراق مقبل ،ولو بعد حين ،على مستقبل سياسي راقٍ ينسجم وارادة الشعب في اقامة عراق ديمقراطي فيدرالي موحد.


ملاحظة :
اعتمد الكاتب في دراسته على العشرات من مقالات الانترنيت التي كتبها كبار المختصين بالشأن العراقي .
راجع للكاتب :
عصابات السياسة القذرة في طهران
النفط والكهرباء والمرجعيات الدينية في العراق
الكهرباء والاتصالات والسياسة – الترهات في العراق
ما يكتبه قلم المثقف الديمقراطي لا تكسره هراوة الشرطة الطائفية
امكانيات التيار الديمقراطي في العراق مشتتة
حكم الجهالة المخيف خلا الأمل تخاريف
الدستور الجديد والمعركة في سبيل العقلانية
البطالة في العراق
الدكتاتورية الشيعية – الوليد المسخ لثقافة اليانكي
تجاوز المسخ الشيعي اساس اي عمل مشترك لقوى اليسار والديمقراطية في العراق
التشيع الشعبوي ضحية أزمات وعهر النخب الشيعية والماسونية
عشائرية ، طائفية ، فساد ، ارهاب في حقبة العولمة!
http://www.rezgar.com/m.asp?i=570



#سلام_ابراهيم_عطوف_كبة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لكل داء دواء يستطب به الا الحماقة اعيت من يداويها
- الدستور العراقي واعادة اعمار ثقافة وديمقراطية الطفل
- عصابات السياسة القذرة في طهران
- هذا هو طريق 14 تموز
- النفط والكهرباء والمرجعيات الدينية في العراق
- الكهرباء والاتصالات والسياسة – الترهات في العراق
- ما يكتبه قلم المثقف الديمقراطي لا تكسره هراوة الشرطة الطائفي ...
- امكانيات التيار الديمقراطي في العراق مشتتة
- الفساد جريمة ضمير قد لا تمس القانون ولا تتجاوزه
- شهداء مهندسون ابطال
- حكم الجهالة المخيف خلا الأمل تخاريف
- دكاكين الفساد ، وفساد الدكاكين
- المعلوماتية المعاصرة والحرب
- الكمبيوتر والترجمة
- ازمة الطاقة الكهربائية بين الشعب العراقي والوعود الحكومية
- نقابة المهندسين و المجتمع المدني والحركات الاجتماعية في العر ...
- مواثيق الحركة الهندسية الديمقراطية النقابية في العراق
- الدجيلي - شوكة في اعين مختطفيه
- نقابة المهندسين العراقية...الى اين ؟
- الغاء التعاون الزراعي في كردستان


المزيد.....




- غيتار بطول 8 أقدام في موقف للمركبات الآلية يلاقي شهرة.. لماذ ...
- ساعة ذهبية ارتداها أغنى راكب على متن -تيتانيك-.. تُباع في مز ...
- اغتيال -بلوغر- عراقية وسط بغداد.. ووزارة الداخلية تفتح تحقيق ...
- ثوران بركان إيبيكو في جزر الكوريل
- -إل نينو- و-لا نينا- تغيران الطقس في أنحاء العالم
- مكسيكي يقول إنه فاز بشراء أقراط بـ28 دولارا بدل 28 ألف دولار ...
- سيناتور روسي يقيم جدوى نشر أسلحة نووية أمريكية في بولندا
- هذا هو رد بوتين على المساعدات لأوكرانيا من وجهة نظر غربية (ص ...
- الولايات المتحدة تطور طائرة -يوم القيامة- الجديدة
- الجيش الروسي يستعرض غنائمه من المعدات العسكرية الغربية


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - سلام ابراهيم عطوف كبة - الديمقراطية واعادة انتاج الطائفية في العراق