أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعادة عودة أبو عراق - وادي عزيزة















المزيد.....

وادي عزيزة


سعادة عودة أبو عراق

الحوار المتمدن-العدد: 4454 - 2014 / 5 / 15 - 12:58
المحور: الادب والفن
    



في إحدى أزقة مخيم الوحدات، يَجتَمعونَ في رابِطةِ أهالي( وادي عَزيزَة) عَلى هذا النَحوِ المُنتظَمِ في مَقرِّ الرابِطةِ مُنذ أشهُرٍ عِدَةٍ ، لا لِلتَعارُفِ وقَضاءِ الوَقتِ بالمُجامَلاتِطين ،واحتِساءِ القَهوَةِ ، بَل لِرَسمِ مُخَططٍ طُبُغرافيّ لِقريَتِهم (وادي عَزيزَة ) اعتِماداً عَلى ما وَعَتهُ الذاكِرةُ لِشيوخٍ تَجاوَزوا الثَمانينَ مِمّن كانوا قَدْ بَلَغوا في عام النَكبَةِ عَتَبَةَ الوَعيِ، وما زالوا يَحفَظونَ في أذهانِهِم خَارِطَةَ القَريَةِ، وجَغرافِيَتِها، ويَعرِفُونَ بِما مَلَكوا مِن ذاكِرَةٍ هَرِمَةٍ، أسمَاءَ الأماكِنِ وقِطَعَ الأراضِيَ، وأسماءَ أصحابِها و حدودَها أيضاً.
الحُضورُ كَثيفٌ على غَيرِ ما هُو مَألوفٌ في الروابِطِ والجَمعياتِ والدَواوينِ ، ذلكَ أنّهم يُديرونَ نِقاشَاً مُحتَدِماً داخِلَ الصَالونَ الذي ضاقَ بِهم ، وَضَاقتْ أيضاً الردهاتُ وَحَوْشُ المَبنَى، فقد تنبهت عائلة ( النوادرة) لأرضهم التي سلبت منهم ذات يوم، فقد اعتبروا أن مشروعَ هذه الخارطةِ تعد ترسيماً للحدود وترسيخا لملكيتها في المستقبل، لهذا كانت هَذه الجَلسَةُ مُقَررَةٌ لِبحثِ الخِلافِ الناشِبِ بَينَهم وبين عَائلة أبي عَقل، على مُلكيّةِ قِطعَةٍ مِنَ الأرضِ ، هَذا الخِلافُ الذي ابتَدَأ مُنذُ قَرنٍ أو أكثرَ ،وما كانَ بَينَ الحاضِرينَ مَن هُو مُتأكّدٌ مِن أنّ القِطعَةَ كانَت لِعائِلَةِ النَوادرَةِ ، لكنّهم تَوارَثوا مِن زَمَنٍ بَعيدٍ أخبَاراً عَن (التَحصِيلْ دارْ) الذي أوكَلَتْ إليهِ الدولةُ العَلِيّةِ العُثمانِيةِ بِجَمعِ الضَرائِبِ ، حَيثُ صَادَرَها تَعويضاً عَنْ المَبالِغِ المُتراكِمَةُ ، وَقالَ أنّها لِحِسابِ خَزينَةِ الدَولَةِ ، وَلَمْ يَكُنْ لِلنَوادرةِ ما يُمَكنَهُم الدِفاع عَن أملاكِهِم أوْ يَتَصَرفُونَ بِغَيرِ ما أُجبِروا عَليهِ ، وحينَما جَاءَ الانجليزُ مستعمرين كانَتْ مِنَ الأراضِي (الميري ) واستَطاعَتْ عائِلةُ أبو عَقلِ شِراءَها خَوفاً مِن أن تَشتَريها مُنَظمَةُ (كيرن كايمت )اليَهودِيّةِ ، فَعائِلة النوادرة لم يكونوا بالقدرةِ التي تُؤهِلهُم استِردَادَها, فلَمْ يَرَ أحدٌ في ذلكَ عَملاً استِغلالِياً بَلْ عَملاً وَطَنياً صِرفاً .
وَعلى قَدرِ هذِهِ الجِدّيةِ البادِيَةِ عَلى الوُجوهِ وفي لُغةِ النِقاشِ ،كانِ هُناكَ واقِعيّونَ يَسخَرون مِمّا يَجرِي ، وَيَقولونَ بِوُضوح : مَا هَذا البَحثُ في قَضيةٍ مَضَى عَليْها ستونَ عَاماً ؟ لَقدْ اندَثَرَتْ مِن ذلكَ الوَقتِ قَريَةٌ اسمُها (وادي عزيزة) ، وسُوّيَتْ بالجرّافاتِ الإسرائِيليّةٍ، وأزيلتْ السَناسِلُ والعَلامَاتُ التي تُوَضِّحُ الحُدودَ ، وَفََوقَ ذَلكَ أقيمَتْ على الأرضِ مُستَوطَنَةُ (كفار عزرا) ، فأيّ أرضٍ يمُكِنُ تَخَيُلِها بَعدَ هَذا التَحَوّلِ الكَبيرِ؟
هذه الفِئَةِ اعتَمَدَتْ عَلى ما يُشاهِدونَهُ مَعروضاً عَلى الحائِطِ مِن بروجِكتَرْ، لِصورَةٍ مَنقولَةٍ عَنْ (غُوغِلْ إرث)، تُظهِرُ فيها مَدينةُ صَغيرٌ هِي مُستَوطَنَةُ (كفارعزرا) ، يُوَقعونَ عَليها جُزءً مُكبّراً مِن خارِطَةٍ قَديمَةٍ لِفِلسطين ، تَظهَرُ فيها قَريَةُ وادي عَزيزة في مُنتَصَفِ المَسافَةِ بينَ بَلدَتَيّ (سُويسَةِ) و(إكِمْ) ،هاتان البَلدَتانِ اللتان أصبَحَتا مُستَوطَنَتَيّ(شوشيم) و(بيت إخم )، لَذلكَ تكونُ وادي عَزيزَة هِي مُستوطنَةُ (كفار عزرا).
النَوادِرَةُ يَقولونَ وهُم يُشيرونَ إلى الصُورةِ المَعروضَةِ عَلى الحائِطِ:
- هذهِ هِي قِطعَةُ الأرضِ ، إنّها تَقعُ فَوقَ مَغارَة المَعْصَرةِ وتَمتَدُ إلى الأعلى نَحوَ رَأسِ الجَبَلِ حَتى تَصِل حِرشَ البَلوطِ .
أما دارُ أبي عقلْ فَيقولونَ :
- نَحنُ لم نَختلِف على الحُدودِ ، فَنحنُ نَعرفُ حُدودَها لأنّها أرضُنا.
فَيَهبُّ النَوادِرَةُ قائِلينَ :
- مَتى كانَتْ أرضَكُم ، هذه أرضُنا التي تَوارَثناها عَن أجْدادِنا .
فَيَقولُ دارُ أبي عقل:
- نَحنُ اشتريْناها بمائةِ عُسمَلّيةِ ذَهَباً ،
فَيَردُ النَوادِرَةُ
- ومَن أينَ اشترَيتُموها ؟ مَن كانَ صاحِبُها ؟
فَيقولُ النَوادِرَةُ
- اشترَيْناها مِن الحُكومةِ فَهيَ أرضٌ ميري
- أيّةُ حُكومَةٍ ؟ حُكومَةُ الأتْراكِ أمْ حُكومَةُ الانجِليزِ
- مِنْ حُكومَةِ الإنجلِيزِ
فقالَ النَوادِرَةُ
- وَهلْ أحضَرَها الإنجلِيزُ مَعَهمْ مِن مانشِستَر ؟
- لكنّ المَشايخَ والمَخاتيرِ آنذاكَ شَهِدوا عَلى هذا البَيعِ وحَكموا لَنا بِها.
- لا...!! نعرِفُ إنّهمْ حَكَموا لَكُم بنِصفِها،على أن تبيعونا النصفَ الآخرَ ولكنّنا لمْ نَرضَ بِذلك.
قامِ أحدُ العُقلاءِ الذينَ أعجَزَتهُمْ هذِهِ القَضيّة، التي فيها مِن العاطِفَةِ المُشتَبِكةِ مَع حُقوقٍ تَقادَمَ زَمنُها ، مَع مُستجدّاتٍ أخفَتْ كُلَّ مَعلَمٍ يُمكِنُ الاتّكاءَ عَليهِ.
رَفَع شيخٌ عاقلٌ يَدَهُ إشارةً للكًلامِ وإبداءِ الرَأيِ وقال : .
- بِما أنّ آباءَنا قَدْ اقترَحوا التنازَلَ عَن نِِصفِ الأرضِ للنَوادِرَةِ أرى أن يَبيعَ دارُ أبي عقلٍ هذا النِصفَ بالثَمَنِ الذي يَطلُبُونَهُ .
لمْ يَكنْ الاقتراحُ سَهلَ القبُولِ مِن الطَرَفينِ ، فدارُ أبي عقلٍ يُصرّونَ عَلى أنّها أرضُهُمْ التي دَفعوا ثمَنَها، بَينَما النَوادِرَةِ الذينِ خَسِروها تَحتَ وَطأةِ الظُلم ِالتُركِيّ يَجبْ أنْ لا يَخسَروها مَرّة أخرَى تَحتَ ظِلِ فَقرِهِمْ وقِلّةِ حيلَتِهِم.
قالَ هذا الشَيخُ الوَقورُ للنوادرَةِ:
- وَهَلْ انتمْ عَلى استِعدادٍ لشِراءِ نِصفها ؟
أجابوا عِلى الفَورِ:
- نَعَمْ وفِي الحالِ وبالمَبلَغِ المَطلوبِ .
بقي َعَلى دارِ أبي عقلِ أنْ يُوافِقوا ، تَعنَتوا في مَواقِفِهمْ، لكنّ القُوى التي وقَفَتْ مَعْ النَوادِرَةِ ، في مَطلَبِهِم ، كانتْ كَبيرةً.
قال الشيخ لِيُعمّقَ قناعَاتَهُم التي بَدَأتْ تتبَلوَرُ في أذهَانِهِم.
- أنا أدْرِي إنّكم تُعبّرُونَ بِهذا الرَفضِ ، عَنْ انتِمائِكُم العَميقِ لِوادِي عَزيزَة ، فَهلْ لَكُم أنْ تُوسِعُوا في وطِنِيّتِكم لِتُفسِحوا لِغيرِكُم أنْ يُعبِروا عَن انتِمَائِهِم القويّ لوادي عزيزة أيضاً ؟
- ولكنّها أرضَنا التي اشترَاها آباؤنا وأجدَادُنا بمَالِهِمْ .
- والنَوادِرَةُ يُريدونَ أنْ يَشتروا بمَالهِمِ، وهذا يُؤكِدُ وطَنِيّتَهُم وانتِمائهِم لوادي عزيزة أيضاً.
- فَليَِشتَروا في أماكنَ أخرى .
- إنّهُم يا أبنائِي لا يِشترونَ أرضاً فَقَطْ ، إنّهم يَشتَرونَ مَعَها أحلاماً افتَقَدُوها، وحَقاً سُلبَ مِنهُم ، وشُعوراً بِعَدلٍ لمْ يِلمَسُوهُ في حياتِهِم .
بَدَا عَلى دارِ أبي عقلٍ القُبولُ ، فَما عَادَتْ لَهجَتَُهُم مُتوَتِرةً ولا لُغتُهُم مُتَشنّجةً، أصبَحوا أكثرَ استِماعاً وإنْصاتاً، وَجَعَلَ مِن ذاكِ الوَِقعيُّ يَقولُ:
- أي قِطعَةُ تقتسمون شراءها؟ قطعة مَبنِيٌ عَليْها بيوتُ سَكنِيةِ لمُستوطَنَةِ كفار عزرا، فأيُّ خَبَلٍ هذا الذي تُمَارِسونَهُ ؟
لم يَستَمعْ لِكَلِماتِهِ أحَدٌ ،ذلكَ أنّهمْ كانوا أكثَرَ اهتمَامَاً بالمُخَطَطِ الذي انتَزَعوهُ مِن عَلى (الغُوغَل) ، ويَعَرِضونَهُ على الحائِطِ الأبيَضِ ، وما يَفعَلُهُ هذا المُختصُّ الحاذِقُ بالفُوتوشُبْ ، بِقطعَةِ الأرض المُتنازَعِ عَليها ، إذْ يُزيلُ كالسَاحِرِ عَنها البُيوتَ والشَوارِعَ والأشجارَ المُتطفِلةِ ،ويَقسمُها إلى نِصفَينٍ ، بَلْ امتَدَتْ يَدُهُ إلى المَصنَعِ الكَبيرِ ومَواقفِ السيّاراتِ والطُرقاتِ الواسِعةِ ، يُزيلُها ويُرجِعُها كَما يَتذكّرُها الشيُوخُ، تَحَمّسَ آخرَونَ لكيْ يُعيدَ لَهمْ وضعُ بيوتهم الصغيرة وحظائر الأغنام والطوابين والحواكير ، كان كل منهم حريصاً على أن يضيف ما لديه بحماس شديد ، إلا ذاك الواقعي الذي قال:
- هل إزالتكم للمستوطنة بالفوتوشوب كفيل بإزالتها عن الواقع ؟
أشار إليه الشيح الحكيم وقال:
- انظر كم موقع للآثار ما زال ماثلا، غادره ساكنوه فأضحى طللا ، فكيف سنهتدي يوما على أطلال (كفارعوزي) ونعيد بناء (وادي عزيزة ) إن لم يكن معنا هذا المخطط ؟



#سعادة_عودة_أبو_عراق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ضرورة المنطق
- واقع العلمانية في الوطن العربي
- واقع العلمانية في العالم العربي
- العرب والعلمانية - 2
- العلمانية ونشأتها
- العار
- لماذا لا يحتفل المسلمون بميلاد السيد المسيح
- غيفارا-بن لادن-بلاك ووتر
- قليل من الشك يوقف التهور
- هل لدينا وقت للأحلام ?
- الحركات المستهدفة من الحركات الإسلامية والماركسية
- الخمار
- المرأة ومشكلة الإبداع الشعري
- الاقتصاد الإسلامي واقتصادد الإخوان المسلمين
- هل ورثنا علما في السياسة


المزيد.....




- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعادة عودة أبو عراق - وادي عزيزة