أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد الكريم جندي - من العصبية القبلية إلى العصبية الفكرية















المزيد.....

من العصبية القبلية إلى العصبية الفكرية


عبد الكريم جندي

الحوار المتمدن-العدد: 4453 - 2014 / 5 / 14 - 18:53
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    



بالرغم من القرون التي مرت على بروز فكر أبو علم العمران البشري، إلا أن نظريات الرجل لا زالت متماسكة تأبى الأفول من قارة المعرفة الإنسانية، فالرصانة العلمية والتجارب المختلفة التي مر منها، والملاحظات الدقيقة والحيادية التي سجلها، أعطت لفكره صبغة الاستمرار بشكل مدهش، وهذا ما يترجم عمليا في لجوء واستناد مختلف الدراسات التي أقيمت حول مجتمعاتنا من قريب أو من بعيد، وبشكل صريح معلن، أو خفي مضمر، لما خلفه ابن خلدون من أعمال تتسم بالدقة وصفا وبالعمق تحليلا وبالاتزان منهجا.
لكل لهذه الاعتبارات وأكثر، ونحن نعيش في الألفية الثالثة، نلاحظ أن أهم الظواهر التي عالجها بن خلدون في عصره، ونقصد بالذات "العصبية القبلية"، قد أعيد نسخها وترسيخها ولكن هذه المرة -وللأسف- داخل أوساط من يدعون امتلاك سلطة المعرفة من المثقفين وعلماء الدين وكذلك طلبة العلم في الجامعات؛ عصبية لها من الخصوصية والغموض ما يجعنا نتوقف عند وقعها وتأثيرها في الأوضاع التي تمر منها أمتنا خاصة عندما يرتبط الأمر بالتدبير الديني السياسي والفكري.
إن قراءة مبسطة لعمق المنظور الخلدوني للعصبية التي تقف كمحرك وآلية لحالة الدوران التي تعرفها المجتمعات في تداول السلطة؛ تمكننا من تحديد هذا المفهوم - إجمالا- كحالة سيكولوجية تدفع الإنسان لينحاز لجهة معينة ينتمي إليها، إما إنتماءا (عرقيا أو سياسيا أو لغويا أومجاليا...)، وفي المقابل تدفعه لإقصاء باقي الجهات الأخرى وفق تبريرات ذاتية، تصاغ بمقياس مدى اختلافها مع "النحن" (كجماعة أو حزب أو تيار فكري أو ديني أوسياسي معين). وبالرغم من كون "العصبية" تعد من الرواسب الثقافية التي خلفتها المجتمعات التقليدية، قد تراجعت قوة حضورها في العلاقات الاجتماعية القبلية؛ إلا أننا نلمس في عصرنا ممارسات على شاكلتها؛ حيث تحضر العصبية كموقف سيكولوجي وكسلوك اجتماعي متجذر في العقليات المتقوقعة؛ لنكتشف نوعا من استنساخ الأدوار؛ ليكون (الحزب أو الجماعة أو التنظيم...) كصورة (للقبيلة أو العشيرة أو العائلة). في حين يحضر (الخطاب المكتوب منه والشفهي، بالإضافة إلى وسائل الإعلام في أحسن الحالات...) كصورة لأدوات الحرب المستخدمة في الحفاظ على النسب القبلي ضد الأنساب والانتماءات القبلية الأخرى- سواء كان ظالما أو مظلوما-، بينما تتحدد بعض التنظيمات (الحزبية والدينية والفكرية...) التي تكون قريبة من آراء وأهداف "النحن" كصورة للأنساب والقبائل التابعة بمعيار القرابة الدموية للأجداد، أو تلك التي تم ضمها وفق ما تقتضيه المصالح القبلية. وبالتالي فنحن أمام إعادة إنتاج لحالة ثقافية لطالما حوربت بسلاح الدين والعلم، لكن لتنتقل على شاكلة الفيروسات فتصيب الأوساط الدينية والمتعلمة كذلك، ولو بشكل مضمر قد لا تكون له أضرار مادية مباشرة، لكن له وقع كبير في مسار التقدم والتنمية الفكرية والسياسية والاجتماعية التي تنشدها مجتمعاتنا المحسوبة ضمن خط الدول المتخلفة والنامية.
" أنت مختلف مع (جماعتي/حزبي/تنظيمي...) في تصورنا للقضايا المشتركة، إذن أنت (زنديق/جاهل/متخلف/إرهابي... !)"؛ تلك هي القاعدة التي رفعت كشعار لمنهج العديد من الجهات اليوم في التعامل مع غيرهم، بحيث يتم اللجوء لإقرارها سواء بوعي واستهداف متعجرف، أو بأسلوب عاطفي بليد نرجيسي. ووفق هذا التصور الدغمائي المتصلب فأنت تملك اختياران لا ثالث لهما :"إما أن تكون معنا في تصورنا ومنهجيتنا، أو تكون مخالفا لهما وبالتالي فأنت تقف ضدنا ! وهذا مبرر كاف لننتهج ضدك مختلف أشكالا الإقصاء والنبذ ".
إن هذا الأسلوب يذكرنا بالمنطق ذاته الذي أعلنه " بوش" صراحة عندما أعطى الانطلاقة لمشروع "الإرهاب" كاستراتيجية جديدة في التحكم والسيطرة؛ وكأن لسان سياسته المتعجرفة تقول: " إما أن تكون في الخط الذي رسمناه نحن( الولايات المتحدة وأتباعها)، وبالتالي تكون ضد الإرهاب، أو تكون مختلفا معنا وبالتالي فأنت مع أعدائنا، إذن أنت مع الإرهاب ! لهذا لنا الحق في (قمعك/إقصاك/احتلال بلدك/سفك دمك...)". ولهذا لا غرابة إن لاحظنا اليوم في الغرب وفي قطيع الولايات المتحدة الأمريكية من دولنا، أن وصم شخص ما "بالإرهابي" هي خطوة كافية لممارسة كل أشكال الإقصاء والتهميش ضده وفي أبشع الحالات السجن والقتل، وإن لم يقترف أي جرم يستلزم كل ذلك ! والواقع المرير يؤكد أن الدكتاتوريين والمتغطرسين والظلمة وذئابهم من المرتزقة، هم من يجيدون وصم خصومهم ومن يخالفونهم من الشرفاء بالإرهابيين، في حين أن فعلهم هذا هو الإرهاب نفسه !
"مسار التحرر الفكري يبدأ بعد تيقننا أن الاختلاف ليس جريمة، ويتوقف ريثما نغلق باب الحوار البناء"، فمتى نستوعب درس الاختلاف - كسلوك-، وننبذ الاقصاء والاتهامات الفارغة والمتحيزة،ونمحي من أذهاننا أن من يخالفنا الرأي هو مخطئ بالضرورة؟ فالتاريخ يقر دوما أنه بالإمكان وجود جهتين أو أكثر في حالة من صحة المواقف رغم اختلاف المرتكزات والتصور والمنهج، وبالأخص في القضايا المرتبطة بالظواهر الإنسانية؛ وسبب ذلك هو أن المجتمع الإنساني متعدد الأبعاد وتفسير سلوك أفراده والظواهر المرتبطة به تحتمل أكثر من مدخل ومنهج ووجهة نظر، وأعتقد أننا لن نكون مجازفين في قول "أن كل تفسير لظاهرة إنسانية - كيفما كان نوعها - ينبني على بعد أو عامل وحيد، وينفي الأبعاد الأخرى، فهو تفسير يتسم بالقصور والاختزالية المغرضة "؛ لأن الظواهر الإنسانية عموما محكومة بعدة متغيرات ومتأثرة بعدة عوامل (اجتماعية، تاريخية، سياسية، نفسية، دينية، إقتصادية، ثقافية، جغرافية...) لهذا يكون من المفروض استحضار مختلف تلك العوامل التي تتحكم - من قريب أو من بعيد- بالظاهرة الإنسانية، ودراسة مدى حدة تأثير كل عامل مقارنة بالعوامل الأخرى؛ ولنا أن نستدل على هذا الرأي دون أن نبتعد كثيرا، لنعطي مثال بالظاهرة ذاتها التي نسلط عليها الضوء، ظاهرة العصبية التعصب، فمنبعها محدد في تداخل مجموعة من العوامل تتدخل لصنع الظاهرة (عوامل ثقافية، سياسية، اقتصادية، دينية/ عقدية...)، وقياس حدة كل عامل رهين بطبيعة الوسط المدروس وخصائصه، والسياق الذي يؤطره. ومن يتمسك في تفسيره بالارتكاز على عامل وحيد، وجعله قانونا يسري على الظاهرة متى وأينما وجدت وفي أي سياق سوسيوثقافي انتشرت، فلا مناص من سقوطه في النزعة الاختزالية والانسداد الفكري والتشيع المنهجي...
علينا أن نعي دائما أن القضايا التي نكافح من أجلها وإن كانت عادلة ومشروعة، فإنها تفقد محتواها ونبلها وأهدافها المثلى إذا لم نحسن اختيار الطريق الأنسب لمعالجتها، والأسلوب الأنجع لإقناع المعنيين بها؛ بل إن فقدان مثل هذه المعايير قد يعكس المعادلة؛ فتصبح القضية جحيما يحرق المدافعيين عنها والمجتمع ككل، بعدما كانت فردوسا موعودا في الوجدان الداخلي و الخطاب الحماسي. والسبب مرده في أحايين كثيرة لانعدام الوازع الأخلاقي الذي يجعل الطريق واضحة المعالم، وبمقياسه يتأقلم هدف القضية مع مصالح الإنسان النبيلة بغض النظر عن انتمائه العرقي أو لونه الإيديولوجي أو موطنه المجالي أو معتقده، أو ثقافته عموما. أما عندما نتنكر للأخلاق لصالح الوصول للهدف الذي رسمناه وإن تطلب الأمر منا أحقر الوسائل والطرق، فنحن نتحول لمجرد كائنات فاسدة ومفسدة. فبدون الأخلاق والقيم التي تنير لنا الطريق السليم لبلوغ الهدف دون إضرار بالناس الآخرين، معناه أننا نكافح من أجل تحويل عالمنا الإنساني إلى أدغال تعج بالوحوش التي لا تعترف إلا بدوستور يخول لها كافة أشكال العنف والوحشية !



#عبد_الكريم_جندي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإنسانية في تقدم حقا أم أن التدهور هو العنوان ؟
- من رواسب -الزاوية- : بإسم -البركة- خدع الأجداد، ومن أراضي ال ...
- قول في - اليوم العالمي للمرأة -
- الفساد الإداري والتنمية في المغرب


المزيد.....




- مصدر يوضح لـCNN موقف إسرائيل بشأن الرد الإيراني المحتمل
- من 7 دولارات إلى قبعة موقّعة.. حرب الرسائل النصية تستعر بين ...
- بلينكن يتحدث عن تقدم في كيفية تنفيذ القرار 1701
- بيان مصري ثالث للرد على مزاعم التعاون مع الجيش الإسرائيلي.. ...
- داعية مصري يتحدث حول فريضة يعتقد أنها غائبة عن معظم المسلمين ...
- الهجوم السابع.. -المقاومة في العراق- تعلن ضرب هدف حيوي جنوب ...
- استنفار واسع بعد حريق هائل في كسب السورية (فيديو)
- لامي: ما يحدث في غزة ليس إبادة جماعية
- روسيا تطور طائرة مسيّرة حاملة للدرونات
- -حزب الله- يكشف خسائر الجيش الإسرائيلي منذ بداية -المناورة ا ...


المزيد.....

- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج
- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد الكريم جندي - من العصبية القبلية إلى العصبية الفكرية