أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - باسم النبريص - وليمة














المزيد.....

وليمة


باسم النبريص

الحوار المتمدن-العدد: 4424 - 2014 / 4 / 14 - 21:38
المحور: الادب والفن
    


ـ لماذا يدفنونه؟
ـ لأنه مات.
ـ هو مات!
ـ بالطبع، وإلا لمَا حفروا قبره.
ـ وهل كل من حُفرَ قبرُهُ سيدفن فيه؟
ـ هكذا جرت العادة.
ـ عادة؟ .. غريب.
ـ إنهم يضعون اللمسات الأخيرة ..
ـ الأخيرة؟
ـ أقصد قبل أن يحضر هو ..
ـ هو من؟
ـ الميت.
ـ الميت! وكيف عرفوا أنه هو؟
ـ هذا ليس صعباً..
ـ ماذا تقصد؟
ـ أقصد ليس صعباً أن يتعرّفوا على ميت.
ـ كيف عرفت؟
ـ بالتجربة، بالعيان ..
ـ أيّ عِيان؟
ـ أنا مات كثرٌ من أقاربي ومعارفي فعرفت.
ـ عرفت فوراً أنهم ماتوا؟
ـ أجل.
ـ كيف؟
ـ سهل جداً. ما إن يموت الواحد حتى يصير جثة.
ـ ماذا تعني بجثة؟
ـ جثة لا حراك فيها.
ـ لا. هذا يحتاج لتقرير طبيب.
ـ طبعاً، لكن حتى أمثالنا غير المختصّين يعرفون.
ـ يعرفون؟ أنا لم أعرف ولا أعرف ..
ـ ألم تمرّ بمواقف حزينة كهذه؟
ـ كلا، لم يسبق أن رأيت الموت إلا في التلفزيون.
ـ سعيد ومحظوظ.
ـ أنا؟
ـ بالطبع، فالموت تجربة قاسية.
ـ قاسية؟
ـ قاسية ..
ـ على الميت؟
ـ لا، على القريبين منه.
ـ وماذا عنه هو؟
ـ لا أحد يعرف.
ـ كيف؟
ـ هو مات. أي لم يعد قادراً على الكلام لنعرف.
ـ وهل الموت هو مفارقة الكلام للأبد؟
ـ لست متأكداً من هذه الجزئية.
ـ لست متأكداً؟
ـ لست خبيراً في الموت.
ـ أظن أنك مخطىء. جميع الموتى لا يتكلمون.
ـ كيف تبيّنت ذلك؟
ـ على التلفزيون. ما من ميت رأيته يتكلم هناك.
ـ أين هناك؟
ـ على الشاشة.
ـ هه ..
ـ أتدري؟ لاحظت دوماً أن المحيطين به يتهامسون، فيما هو صامت.
ـ المسكين ..
ـ ولهذا عرفت أن الموتى بُكم.
ـ ها قد جاء الموكب!
ـ جاء؟
ـ هل ترى التابوت البُنيّ؟
ـ آ .. هناك في المدخل الأيسر..
ـ مدخل؟ اليوم يوم المخارج لا ..
ـ أقصد مدخل المقبرة.
ـ ولمَ يأتون معهم بكل هذه الزهور؟
ـ علامة وفاء للميت.
ـ وهل يَعقِل الميتُ الآن؟
ـ كلا، ولكن العادة الحضارية تحتّم ذلك.
ـ هه ..
ـ إنهم يُنزلون التابوت تحضيراً ..
ـ تحضيراً؟ بل قل تغييباً ..
ـ يا رجل أَنصت!
ـ أُنصت؟
ـ ليس هذا وقته.
ـ ومتى يكون وقته؟
ـ عندما يتم الدفن وتفرغ المقبرة.
ـ هاه .. لقد أنزلوا التابوت!
ـ نعم .. أتوقّع ذلك.
ـ المسكين!
ـ انتهت حياته بلحظة.
ـ كل الأحياء ينتهون بلحظة.. ما الغرابة؟
ـ أسكت أنت يا من تجهل الموت.
ـ بل أعرفه.
ـ نظرياً فحسب. لم تلمسه.
ـ وهل لا مناص من لمسِهِ لنعرفه؟
ـ بالطبع.
ـ حسناً، ربما في المستقبل يُتاح اللمس.
ـ ربما.
ـ والآن، ماذا علينا أن نفعل؟
ـ أنا وأنت؟
ـ وهل ثمة غيرنا وراء هذا الجدار؟
ـ لا أَخال.
ـ تخال؟
ـ لا، لا يوجد غيرنا مجانين في العالم.
ـ مجانين؟
ـ لأننا نتلصّص بمنظار من بُعد مئات الأمتار.
ـ إنها لعبة تروق لنا، أليس كذلك؟
ـ أجل. كأننا نراقب مستحمّة ..
ـ وبعد أن يُدفن هذا المجهول، ماذا سيحدث له؟
ـ سيتحلّل جسده، ثم تنطوي ذكراه.
ـ هل أنت متأكد؟
ـ هكذا يحدث مع جميع الموتى.
ـ جميعهم؟
ـ معظمهم.
ـ والذين لا يُنسون مَن يكونون؟
ـ أولئك أبطال أو أشرار كبار.
ـ وماذا عن الودعاء الطيبين؟
ـ سرعان ما يُنسَون.
ـ لمَ؟
ـ لأنهم تحديداً بهذه النعوت.
ـ هه ..
ـ التاريخ يحفظ أسماء المتطرفين باختلاف ..
ـ فهمت، فهمت لا تشرح.
ـ والآن فرغت المقبرة، هل نذهب للقبر؟
ـ وما الحاجة؟
ـ لنرى القبر.
ـ وما الحاجة؟
ـ لنلمس الموت عن قُرب.
ـ لا، الموت يُلمَس بلمْس الجثة لا القبر.
ـ أنا غُفل في هذه الأمور.
ـ وغيرها.
ـ ماذا قلت؟
ـ يعني ..
ـ لا تُلغز، أَبِنْ.
ـ دعك من هذا، لنذهب للمطعم القريب.
ـ مطعم؟
ـ إني أشعر بالجوع.
ـ هيّا.
ـ وهل نترك الميت لوحده؟
ـ وماذا نفعل له؟
ـ نفعل له؟
ـ كل الموتى يموتون ويُتركون لمصيرهم.
ـ اللعنة على هذا الصباح.
ـ لمَ تلعن؟
ـ لأني نسيت أن أصلّي على روح أمي، قبل المجىء.
ـ تصلي؟ يا لك من ساذج.
ـ أفهم، لكن الصلاة تريحني شخصياً، بغض النظر عن منفعتها لها.
ـ الموتى يتوقفون تماماً عن استقبال النفع.
ـ لنذهب، لا داعي لمزيد من السفسطة ..
ـ إلى أين؟
ـ المطعم.
ـ كلا، سأذهب أنا إلى صديقتي، اشتقت إليها.
ـ غيّرت رأيك؟
ـ أجل.
ـ ألم تبِت عندها الليلة الماضية؟
ـ ولهذا اشتقت إليها.
ـ لا أفهم، المرء عادةً يشتاق للبعيد.
ـ بل للقريب، خاصة إذا رافقَ أحمق مثلك، وراقبَ جنازة.
ـ لا بأس. وماذا ستفعل مع صديقتك؟
ـ كما يفعل الرجال مع النساء.
ـ ماذا قلت؟
ـ سأضاجعها ضجعة الظهيرة.
ـ ضجعة؟
ـ انتقاماً لما رأينا في هذا النهار المنكود.
ـ المنكود؟ ألم نتعلم فيه أشياء ضرورية؟
ـ أنت ربما. أنا لا.
ـ بلى، كلانا تعلّم. أنا و ..
ـ لا، أنا لا.
ـ بل نعم.
ـ كيف؟
ـ ستذهب لتداري خوفك بصلاة أيروتيك للثمينة الحياة.
ـ هه .. صرت شاعراً ..
ـ كلا، ولكنني أرى ما أقول.
ـ تقصد: تقول ما ترى.
ـ هممم ..
ـ إذن وداعاً صديقي.
ـ وداعاً أيها الهارب من قبر إلى وليمة.
ـ هكذا يفعل الأحياء.
ـ ليس كلهم.
ـ صحيح، ويبهجني أن أكون من "ليس كلهم" هذه.
ـ وداعاً.
ـ وداعاً.



#باسم_النبريص (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حكايات من برشلونة (2)
- حكايات من برشلونة (1)
- أيّام في لشبونة
- أيام في كراكوف
- قراءة عبر زنزانة
- حارة ماركس
- زفرات سورية
- إلى نلسون منديلا
- سركون بولص: البوهيمي, الرائي والحقيقي
- إدريس: الصخب نهاراً, والاكتئاب ليلاً
- محفوظ: المجامل على حساب الحقيقة!
- محمد خضيّر .. النبيل في سبعينِه!
- احتفلال الكتلان ب -إستيل-: لستم وحدكم أيها الفلسطينيون
- جبرا إبراهيم جبرا: كتابتي نقش على الهواء!
- نوماً هادئاً يا عزيزي خوان!
- ساعات مع خوسيه ساراماغو
- ست زفرات صغيرة
- لقاء وحيد مع توفيق الحكيم
- احتفالية فلسطين للأدب: أدباء عرب في غزة!
- قصائد جديدة


المزيد.....




- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - باسم النبريص - وليمة