أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - كريم ثاني - يسوع قراءة و تحليل و نقد ( 1 )















المزيد.....



يسوع قراءة و تحليل و نقد ( 1 )


كريم ثاني

الحوار المتمدن-العدد: 4423 - 2014 / 4 / 13 - 16:38
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


يسوع قراءة و تحليل و نقد ( 1 )


ينقسم الباحثون المختصّون في تاريخ المسيحيّة إلى خمسة نظريّات، و كلّ نظريّة لها ما يدعّمها من الأدلّة:

1-النظرة التقليديّة: يسوع هو المسيح و هو ابن الله، و كتب سيرته أشخاص كانوا شهود عيان بإلهام من الروح القدس.
2-النظرة العلمانيّة: يسوع الموجود في الأناجيل يتشابه مع يسوع الحقيقيّ الذي عاش في بداية القرن الأوّل ميلادي، إلاّ من بعض الإضافات الأسطوريّة التي أدخلتها الأناجيل عليه، كولادته من عذراء و مشيه على الماء إلخ...
3-النظرة التأويليّة: يسوع وُجد فعلا، لكنّه ليس مطلقا الشخص الذي ذكرته لنا الأناجيل، بل كان يهوديّا ثائرا.
4-النظرة المتسامحة: يسوع وُجد فعلا، لكنّنا لا نستطيع أبدا معرفة ماذا فعل، حيث أنّ الأناجيل قدّمت لنا شخصا أسطوريّا.
5-النظرة الماديّة: يسوع لم يوجد، و كلّ الدلائل التاريخيّة التي تشير إلى وجوده ما هي إلاّ تأويلات خارج النصّ تزيد الأمر تعقيدا بدل حلّه.

قراءة و تحليل الشهادات التاريخيّة:

1- يذكر Jules l africain في بدايات القرن الثالث ميلادي أنّ Thalus كتب حوالي 52 ميلادي:[يوليوس الإفريقي يذكر هذه الشهادة اعتمادا على الكتاب الثالث في التاريخ لطاليس الذي لم يصلنا]

طاليس ذكر في كتابه الثالث في التاريخ أنّ الظلمة التي حدثت كانت بسبب كسوف الشمس.

النقد: لا شيء في هذه الشهادة يشير إلى يسوع و لا إلى حياته و لا إلى أيّ شيء، و إنّما هذه الشهادة تشير إلى حدوث ظلمة اعتبرها طاليس كسوفا للشمس، و إذ تذكر الأناجيل حدوث هذه الظلمة إثر صلب يسوع، و بسببه، فهذا ليس دليلا تاريخيّا على وجود يسوع فلا شيء يمنع أن يكون قد حدث كسوف في ذلك الوقت و قام كتبة الإنجيل بتركيبه على حياة يسوع و اعتبروه معجزة تدعّم كلامهم. تماما كأن أقول: لقد كان في أمريكا نبيّ في القرن العشرين و قام البعض بقتله فأرسل الله عليهم إعصار ’’كاترينا’’ ، ثمّ نجد مؤرّخا يحدّثنا أنّه حدث في إمريكا إعصار اسمه كاترينا منذ سنوات، فهل يحقّ لمن يعتقد في وجود هذا النبيّ أن يدعّم رأيه بأن يقول لنا: الدليل على وجوده هو حدوث هذا الإعصار؟
الشهادة هي: لقد حدث إعصار اسمه كاترينا.
و شهادة طاليس: لقد حدث كسوف للشمس. فقط لا غير.

2-Suétone عاش 69-125 ميلادي، كتب في ’’حياة كلود’’ : [ Suetone.Vie de Claude, XXV.11 ]

بما أنّ اليهود لم يتوقّفوا عن إثارة الفوضى بسبب تحريض من يُسمّى Chrestus فقد قام [أي كلود] بطردهم من روما.

النقد: ’’سيوتان’’ يتكلّم عن حادثة وقعت حوالي سنة 49 ميلادي، بينما يسوع مات حوالي سنة 30 ميلادي، لكن الأهمّ هو التالي: هناك فرق بين Chrestos و Christos فالأولى تعني المسيح أو ’’الممسوح’’ بينما الثانية [و التي يذكرها سيوتان هنا] تعني ’’الطيّب’’ بل و هناك من كان اسمه كذلك أيضا مثل نائب المحافظ Ulpien الذي كان اسمه Chrestus و هم اسم مشهور نراه بكثرة في النقوش الإغريقيّة، فلا شيء يمكّننا من استخلاص شيء عن يسوع من هذه الشهادة، و هي قابلة للتأويل.
كما أنّ سيوتان نفسه يذكر في ’’حياة نيرون’’ : [ Suetone. Vie de Néron, XVI.3]

قام [أي نيرون] بتعذيب المسيحيّين christiani و ذلك أنّهم جاؤوا بخرافة جديدة و خطيرة.

انظروا هنا كيف يذكر Christiani و ليس Chrestiani بعكس النصّ السابق و نفهم أنّه يقصد ’’المسيحيّين’’ لكن ما الذي يثبت أنّه يقصد المسيحيّين الذين يؤمنون بأنّ المسيح هو ابن الله و الله، و أنّه صلب على الصليب إلخ..؟ بل يمكننا أيضا أن نقول أنّه يقصد المسيحيّين بمعنى ’’المسيانيّين’’ و هم اليهود [كلّ اليهود] الذين ينتظرون المسيح و انبثقت منهم حركة مسيانيّة تتحدّث عن المسيح المحارب ملك اليهود و الذي سيعيد مجدهم، و هم ينتظرونه منذ فترة، لذلك هذه الحركة هي حركة ’’خطيرة’’ كما وصفها سيوتان.و على كلّ حال [و مهما تعدّد التأويل] فلا شيء نستخلصه عن يسوع المسيح و قصّة حياته و هي التي تهمّنا في هذا البحث، و كان يمكن لسيوتان مثلا أن يذكره لنا إن كان فعلا كما روته الأناجيل.

3- Mara Bar-Serapion مخطوط سرياني 73 ميلادي [ Manuscrit Syriaque n° 14658 du British Muséum ]

مالذي ربحه اليهود من قتل ملكهم الحكيم؟ و مملكتهم دُمّرتْ بعد فترة قليلة...

النقد: لا شيء عن يسوع و لا عن المسيح، و إنّما يتحدّث عن ملك اليهود الحكيم الذي قتلوه، و لا شيء ينفي أنّه يتحدّث عن أحداث وقعت قبل يسوع بعشرات أو مئات السنين، و أوّلها قتل Le maitre de justice الذي ذكرته لنا مخطوطات قمران عن الأسينيّين، كما أنّ المخطوط يشكو من تواريخ عديدة خاطئة، و لا أفهم كيف يستشهد به المسيحيون لإثبات وجود يسوع.

4-Cornélius Tacite كتب حوالي 115 ميلادي : [ Annales, 15.44 ]

لقد تمّ اشتقاق اسم المسيحيّين من المسيح Christos الذي حوكم أثناء حكم تيبريوس قيصر، بأمر من الحامي [النائب] بيلاطس.

النقد: لقد وضّح الباحثون أنّ هذا النصّ تمّ تدليسه و ليس أصليّا، و يرون أنّ كاتبه هو Pogge سنة 1429 ميلادي، و هذا الشخص معروف بأنّه من أكبر المدلّسين في المسيحيّة، كما أنّ النصّ فيه خطأ تاريخيّ و هو ذكره لبيلاطس بأنّه ’’الحامي’’ أو ’’النائب’’ procurateur بينما رتبة بيلاطس الحقيقيّة هي ’’المحافظ’’ كما أثبته النقش الذي نقشه على المعبد الذي بناه لشرف تيبريوس و كان فيه: [praef]ectus Juda[eae] أي محافظ منطقة اليهوديّة.كما أنّ هذا النصّ لم يقع اقتباسه من أيّ شخص من رجال الكنيسة قبل Pogge

5- كتب حوالي 112 ميلادي Pline le Jeune: [ Lettres et Panégyrique de Trajan : X/97 ]

النصّ طويل و يذكر أنّ بلين يطلب النصيحة من الإمبراطور كيفيّة معاملة المسيحيّين، و يذكر أنّهم يتّبعون المسيح و لكن ما نفهمه من هذا النصّ هو وجود أشخاص مسيحيّين يعتقدون في هذا الـ Khristo و لا توجد إشارة لا إلى ألوهيّته و لا حتّى إلى إسم يسوع و لا إلى صلبه و لا إلى أيّ شيء ممّا ترويه الأناجيل، كما أنّ بعض الباحثين شكّكوا في اصالة هذه الرسالة و لكنّنا لا نشكّك فيها، و سنشير فيما بعد لماذا نعتبر هذه الشهادة غير مهمّة إطلاقا في إثبات وجود يسوع من عدمه. و من يريد أن يقرأ النصّ كاملا باللاتينيّة و الفرنسيّة: http://agoraclass.fltr.ucl.ac.be/concor ... ure/10.htm

6- كتب Lucien de Samosate حوالي النصف الثاني من القرن الثاني ميلادي: [ Mort de Pérégrinus, paragraphe 11-13 ]

يذكر المسيحيّين و عبادتهم لشخص تمّ صلبه و أنّهم إخوة و مستعدّون للشهادة و أنّهم يتّبعون تعاليم هذا الحكيم إلخ...

النقد: هذا نصّ واضح و مباشر و يشير إلى المسيحيّة و الصليب لكنّه متأخّر في الزمن [بعد 150 ميلادي] و لا يصحّ الاستشهاد به [مثله مثل Celse الذي ذكره origene ] حيث أنّ المسيحيّة كانت قد تكوّنت كما سنشير فيما بعد.

7- التلمود:

يذكر يسوع و تعليقه ليلة الفصح، كما أنّ قصّة يسوع ابن ’’الزانية’’ اليهوديّة مريم من الجنديّ الرومانيّ Panthera ما هي إلاّ صورة كاريكاتوريّة من اليهود للسخريّة من الإنجيل، و على كلّ حال لا أدري كيف نعتبر كتابا من أواخر القرن الرابع ميلادي دليلا على وجود يسوع التاريخيّ الذي انتشرت قصّته فيما بعد بفضل الأناجيل فأخذها اليهود بطريقة ساخرة؟

8- Flavius Josèphe [تاريخ اليهود / الكتاب 18/ الفقرة 63 و 64 ] نهاية القرن الأوّل ميلادي:

في ذلك الوقت ظهر يسوع، رجل حكيم، إن كان يحقّ لنا أن ندعوه رجلا، لأنه كان يصنع العجائب وكان معلماً لمن كانوا يتقبلون الحق بسعادة. وجذب إليه الكثيرين من اليهود واليونانيّين على حد سواء. وكان هو المسيح.
وعندما أصدر بيلاطس الحكم عليه بالصلب، بإيعاز من رؤسائنا، لم يتركه أتباعه الذين أحبوه من البداية، إذ أنه ظهر لهم حياً مرة أخرى في اليوم الثالث، كما تنبأ أنبياء الله عن هذه الأشياء وعن آلاف الأشياء العجيبة بشأنه. وجماعة المسيحيين، الذين تسمّوا باسمه، مازالوا موجودين حتى هذا اليوم.

هذا النصّ هو الشهادة الحقيقيّة الوحيدة الواضحة ضمن كلّ ما سبق والتي تستحقّ التوقّف عندها.

انقسم الباحثون إلى ثلاثة أقسام:
1-النصّ أصلي و قاله جوزيف.
2-النصّ أصلي لكن فيه مقاطع مزيّفة تمّت إضافتها فيما بعد.
3-النصّ مزيّف كلّه.

أغلب الباحثين اليوم يرجّحون الاحتمال الثاني و هو أنّ النصّ مزيّف في بعض الكلمات فقط، و سأضعها بالأزرق: [هناك بعض الاختلافات حول الكلمات الأخرى أيضا و لكن سنورد المتّفق عليه]

في ذلك الوقت ظهر يسوع، رجل حكيم، إن كان يحقّ لنا أن ندعوه رجلا، لأنه كان يصنع العجائب وكان معلماً لمن كانوا يتقبلون الحق بسعادة. وجذب إليه الكثيرين من اليهود واليونانيّين على حد سواء. وكان هو المسيح.
وعندما أصدر بيلاطس الحكم عليه بالصلب، بإيعاز من رؤسائنا، لم يتركه أتباعه الذين أحبوه من البداية، إذ أنه ظهر لهم حياً مرة أخرى في اليوم الثالث، كما تنبأ أنبياء الله عن هذه الأشياء وعن آلاف الأشياء العجيبة بشأنه. وجماعة المسيحيين، الذين تسمّوا باسمه، مازالوا موجودين حتى هذا اليوم.

الذين يميلون إلى فكرة التزييف الجزئي يعتمدون على مخطوطات جوزيف الأخرى و التي لا توجد فيها هذه الكلمات المُختلف حولها مثل تاريخ Georges Kédrénos [قرن 11 ميلادي] و تاريخ Agapios de Menbidj
حوالي [القرن 10 ميلادي باللغة العربيّة] حيث يقول:

في ذلك الوقت ظهر رجل حكيم اسمه يسوع، و كان صالحا، و عُرف بتقواه ، وجذب إليه الكثير من اليهود والأمم على حد سواء.وأصدر بيلاطس الحكم عليه بالصلب و الموت، لم يتركه أتباعه الذين أحبوه من البداية و قاموا بنشر دعوته، و يقولون أنّه ظهر لهم حيّاً مرة أخرى في اليوم الثالث، و كانوا [الذين اتّبعوه] يعتبرونه المسيح كما تنبأ أنبياء الله عن هذه الأشياء العجيبة بشأنه.

يرى الباحثون أنّ جوزيف يقول في هذه النسخة العربيّة : يقولون أنّه ظهر حيّا، و يعتبرون أتباعه أنّه المسيح، و ليس كما يبدو لنا في النصّ المزيّف حين يقول: إذ أنه ظهر لهم حياً مرة أخرى في اليوم الثالث، وكان هو المسيح، فجوزيف كيهوديّ ينتظر المسيح لا يمكن أن يعتبر يسوع هو المسيح دون أن يتّبعه. و لكن رغم ذلك فإنّ هذا الاختلاف في التعبير بين المخطوطات يؤكّد التزييف، و هذا لا يستثني النسخة العربيّة أيضا التي ذكرناها لأنّ كاتبها مسيحيّ أيضا، و لكن نلاحظ أنّ ما تتّفق فيه كلّ المخطوطات هو: في ذلك الوقت ظهر رجل حكيم اسمه يسوع، و كان صالحا، و عُرف بتقواه.و أنّه صُلب. أمّا البقيّة ففيها نظر.

تجدر الإشارة إلى أنّ أوّل اقتباس لهذا النصّ لجوزيف في كتابات رجال الكنيسة كان من طرف Eusèbe de Césarée في القرن الرابع ميلادي، و تمّ تجاهله تماما من كلّ رجال الكنيسة الأسبقين لمدّة ثلاثة قرون، و هو أمر يؤيّد قصّة التزييف.
و يشير الباحثون إلى أنّ Origène [توفّي في القرن الثالث ميلادي] في Contre Celse الكتاب الرابع، الفصل العاشر يستشهد بجوزيف حين يتحدّث عن يسوع لكنّه لا يستشهد بهذا النصّ بل بنصّ عن موسى، و كذلك و في موضع آخر لا يستشهد بهذا النصّ و كانّه لا يعرفه ممّا يزيد تأييد فكرة التزييف التي وقعت بعده.

و على كلّ حال و مهما كان النصّ أصيلا أم لا فهو مكتوب أواخر القرن الأوّل ميلادي، و لا شيء ينفي أنّ الفكرة المسيحيّة بدأت تتكوّن قبل ذلك الوقت [و هو ما سنطرحه في الفصل القادم]

قد يقول قائل [مسيحيّ] : لماذا لا نأخذ إلاّ الجانب المتشائم من النصوص، أي لماذا نذهب مباشرة إلى النفي و الشكّ و اعتبار النصوص مزوّرة ؟ لماذا لا نأخذ بعض النصوص السابقة التي تحتمل التأويل في صالح يسوع بدل أن نختار الرأي الآخر؟

و هذا سؤال وجيه، و لكن لنا وجاهتنا في الطرح و هي التالية:

لنفرض أنّه كان يوجد في زمن محمّد ثلاثة مؤرّخين معاصرين له، واحد في مكّة و واحد في المدينة و واحد في اليمامة مثلا، و قام هؤلاء المؤرّخون برواية كلّ الأحداث التي وقعت في تلك الفترة بوصفهم شهود عيان، لكن لم يذكر احد منهم اسم محمّد و لا غزواته و لا أيّ شيء عنه، رغم أنّه وصفوا لنا كلّ الذي كان يحدث.
ثمّ و بعدهم بسبعين سنة جاء مؤرّخ آخر و روى لنا أنّه كان يوجد شخص في تلك الفترة اسمه محمّد و أنّه كان نبيّا و قام بغزو القبائل و اتّبعه العديد من الناس.
ألن يصيبنا التعجّب و نتساءل لماذا لم يذكره المؤرّخون المعاصرون الثلاثة رغم اختلاف أماكنهم؟ ألن نذهب مباشرة إلى أنّ هذا المؤرّخ المتأخّر إمّا أنّه يدلّس أو أنّه صدّق قصّة خياليّة رواها له أحدهم أو أنّه ينوي إنشاء ديانة جديدة اعتمادا على تاريخ وهميّ أو أيّ شيء آخر؟ هذا ما سنفعله منطقيّا.

نعود إلى يسوع، كم كان يوجد من مؤرّخ و كاتب في عصره كشاهد عيان أو بعده مباشرة:

1- Perse حوالي 34 ميلادي [صمت مطبق]
2-Martial حوالي 70 ميلادي [صمت مطبق]
3-Sénèque بين 4 قبل الميلاد و 65 بعد الميلاد، أي معاصر تماما [صمت مطبق، هناك رسائل مزوّرة تمّت نسبتها له مع القدّيس بولس]
4-Plutarque حولي 70 ميلادي [صمت مطبق]
5-Juvénal حوالي 90 ميلادي [صمت مطبق]
6-Juste de Tibériade حوالي 60 ميلادي [صمت مطبق]
7-Pline l Ancien حوالي 60 ميلادي [صمت مطبق رغم أنّه زار فلسطين و روى احداثها حتّى أنّه ذكر الأسينيّين]
8-Valerius Maximus معاصر ليسوع [صمت مطبق]
9-Lucain حوالي 60 ميلادي [صمت مطبق]
10-Dion Chrysostone حوالي 70 ميلادي [صمت مطبق]
11-Stace حوالي 70 ميلادي [صمت مطبق]
12-Silius Italicius مولود 25 ميلادي [صمت مطبق]
13-Flaccus حوالي 90 ميلادي [صمت مطبق]
14-Pétrone معاصر ليسوع [صمت مطبق]
15-Quintillien حوالي 80 ميلادي [صمت مطبق]

إلخ .... فالقائمة ما زالت تطول، لكن و ما يعتبره البعض ’’الضربة القاضية’’ أو الدليل القاصم هو عدم ذكر فيلون الإسكندري [13 قبل الميلاد-54 بعد الميلاد] أيّ كلمة عن يسوع رغم معاصرته له، بل أنّه لم يترك شيئا إلاّ و ذكره في فلسطين و كتب ما يزيد عن 50 رسالة منها واحدة تتحدّث عن عهد بيلاطس، حتّى أنّه يُسمّى بأفلوطين اليهوديّة، و رغم ذلك لم يذكر كلمة واحدة عن يسوع، و ما يزيد التعجّب أكثر هو أنّ فلسفته عن اللوجو Logos قريبة فيما بعد من فلسفة المسيحيّين الأوائل.




حسب ما رأينا من الشهادات غير المسيحيّة في القرن الأوّل فإنّنا لا نستطيع أن نستخلص شيئا عن يسوع المسيح أو إشارات عن حياته أو وجوده، بل لو وازنّا كلّ تلك الشهادات المقتضبة العامّة بعدد المؤرّخين الذين كانوا في عصره لراودنا الشكّ في وجود يسوع أصلا، و بالتالي فإنّنا سنعتمد على قراءة النصوص الإنجيليّة و محاولة تفكيكها علّنا ننزع عنها بعض الغبار و لنعرف أسس هذا التأليف.
الأربعة الأناجيل القانونيّة متكوّنة من إنجيل متّى و إنجيل مرقس و إنجيل لوقا و إنجيل يوحنّا.
الثلاثة أناجيل الأولى [أي متّى و لوقا و مرقس] تُسمّى الأناجيل السينوبتيّة synoptiques و هي كلمة مشتقّة من اليونانيّة : syn و تعني ’’المجموع’’ و opsis و تعني ’’نظرة’’، و ذلك لأنّ هذه الثلاثة أناجيل متشابهة و تشترك في كيفيّة و مضمون الرواية، بينما إنجيل يوحنّا مختلف عنها تماما في الشكل و المضمون.
و يرى الباحثون أنّ كتابة إنجيل يوحنّا متأخّرة و بعد الأناجيل الثلاثة، و بالتالي سنتوقّف عند متّى و لوقا و مرقس و نحاول تحليل هذه الأناجيل اعتمادا على نقاط التشابه و نقاط الاختلاف و منها نخلص إلى بعض الحقائق التاريخيّة المختفية هناك.
كانت الفكرة السائدة هي أنّ إنجيل متّى هو الأقدم [تسمّى هذه النظريّة نظريّة القدّيس أوغسطين لأنّه الأوّل الذي طرحها] و قد ظلّت هذه الفكرة سائدة في التعاليم الكنسيّة لكن الباحثون اليوم يرفضونها و يقترحون طرحا أكثر علميّة و منطقيّة.
النظريّة الحديثة تقول: [في الحقيقة هي ليست حديثة حيث طُرحتْ منذ القرن التاسع عشر] أنّ أقدم إنجيل هو إنجيل مرقس، ثمّ جاء بعده إنجيل متّى و لوقا، و وجاهة هذا الطرح هو:
-إنجيل مرقس هو أقصر الأناجيل ممّا يشير إلى أنّ لوقا و متّى اعتمداه أثناء الكتابة و قاما بإضافات و إسهابات في إنجيليهما.
-نكاد نجد كامل إنجيل مرقس مُعادة كتابته عند لوقا و متّى.
و هنا نتساؤل: إن كان لوقا و متّى نقلا عن مرقس فمن أين جاءا بالباقي في إنجيليهما؟
توجد نظريّة اسمها نظريّة المصدر Q و هي التالية:
1-لوقا و متّى نقلا عن مرقس
و أيضا
2-لوقا و متّى نقلا من مصدر آخر مشترك بينهما.[بالإضافة إلى مرقس]

كما أنّه لو كان المصدر المشترك مكتوبا بلغة أخرى [العبريّة مثلا] و قاما بترجمته فمن الصعب جدّا أن يترجما بهذا التطابق التام، ممّا يشير إلى أنّهما ينقلان عن مصدر مشترك باليونانيّة.
طبعا تعدّدت الآراء حول هذا المصدر المشترك المسمّى المصدر Q و حاول البعض إعادة تركيبه حيث أخذوا فقط الآيات المتشابهة من هذين الإنجيلين و أعادوا تنسيقها، و الملفت للإنتباه و العجب في آن هو أنّ ’’هذا الإنجيل الجديد’’ لا يذكر شيئا عن ولادة يسوع من عذراء و لا قصّة صلبه و لا قيامته! أي بمعنى آخر فهذا المصدر المشترك Q يشبه إنجيل توما الذي يوجد فيه كلام يسوع فقط.


تاريخ الميلاد:

إنجيل مرقس لا يذكر التاريخ.

إنجيل متّى 2/ 1 يقول:

1 ولما ولد يسوع في بيت لحم اليهودية في ايام هيرودس الملك اذا مجوس من المشرق قد جاءوا الى اورشليم.

و كذلك نفهم في بداية إنجيل لوقا أيضا الأمر نفسه حيث أنّ مريم حبلت بعيسى ستّة أشهر بعد حبل أليصابات بيوحنّا في عهد هيرودس

إلى هنا الأمور جيّدا و متناسقة، لكن لوقا نفسه [هل هو حقّا لوقا نفسه؟] يذكر في الإصحاح الثاني:

إنجيل لوقا 2/ 1-5:

1 وفي تلك الايام صدر امر من اوغسطس قيصر بان يكتتب كل المسكونة. 2 وهذا الاكتتاب الاول جرى اذ كان كيرينيوس والي سورية. 3 فذهب الجميع ليكتتبوا كل واحد الى مدينته. 4 فصعد يوسف ايضا من الجليل من مدينة الناصرة الى اليهودية الى مدينة داود التي تدعى بيت لحم لكونه من بيت داود وعشيرته 5 ليكتتب مع مريم امرأته المخطوبة وهي حبلى.

متّى يقول أنّ يسوع ولد في عصر هيرودس، أي على أقصى تقدير سنة 4 قبل الميلاد، حيث نعلم تاريخيّا أنّ هيرودس توفّي في ذلك التاريخ.
بينما لوقا يقول أنّ يسوع ولد حين كان كيرينيوس والي سورية، و نحن نعرف -تاريخيّا- أنّ الأمر الأوّل الذي أصدره قيصر لكيرينيوس والي سورية لجمع الضرائب من منطقة اليهوديّة كان سنة 6 ميلادي.

يسوع مولود: 4 قبل الميلاد حسب متّى
يسوع مولود: 6 بعد الميلاد حسب لوقا
الفارق: 10 سنوات.

فمن أين جاء هذا الإختلاف؟ إمّا أنّ أحدهما مخطئ أو أنّهما مخطئان هما الإثنان.
طبعا حاول البعض القيام ببعض العمليّات البهلوانيّة لإيجاد مخرج لهذا التناقض من خلال القيام بحسابات فلكيّة عجيبة، و لكن يوجد تفسير مقنع و رصين قام به عالم الأسطورة Guy Fau و بيّن أسباب هذا الإختلاف في تاريخ الميلاد، و ذلك بالعودة إلى العقليّة في ذلك الزمن: ’’2’’

اليهود لم يكونوا فقط ينتظرون مجيء المسيح و إنّما كانوا يتنبّؤون أيضا بتاريخ ظهوره حسب نبوءات سابقة و يستطيعون تحديد أو فترة خروجه [...] يوسيفيوس فلافيوس أشار بحذر في كتابه حروب اليهود الفصل السادس، الفقرة الخامسة إلى أنّ الثورة التي حدثت سنة 67 ميلادي كانت إثر نبوءة قديمة فيقول: ’’الشيء الذي شجّع اليهود على [هذه] الحرب هو نبوءة موجودة في النصوص المقدّسة [اليهوديّة] تعلن أنّ رجلا سيخرج من هذه البلاد و سيصبح [لو خرج] ملك هذه البلاد’’ و الرومان كانوا يعرفون أيضا هذه النبوءة و يذكر سيوتان Suétone أنّه أراد تحويل تلك النبوءة لصالح الامبراطور فسبازيون Vespasianus و يشير إلى أنّ هذه النبوءة لا تناسب اليهود! و النبوءة هي: ’’ لا يزول صولجان [المُلْك]من يهوذا ولا عصا التشريع من بين رجليه حتى يأتي شيلوه وله يكون خضوع شعوب [سفر التكوين/49-10] ’’ يتّفق الباحثون كافّة أنّ ’’شيلوه’’ تعني المسيح، إذن [و حسب تفكيرهم في تلك الفترة] فوقت خروج المسيح يمكن تحديده بدقّة، فقضيب المُلْك ضاع من يهوذا سنة 40 قبل الميلاد إثر الإعتراف بهيرودس الكبير ملكا بدعم من الرومان مكان الحاكم الشرعيّ، و لكن تحت حكم هيرودس بقيت فلسطين -رغم ذلك- مستقلّة نسبيّا، أي أنّ صولجان المُلْك لم يخرج تماما من أيدي اليهود، و لكنّه ضاع تماما سنة 6 ميلادي حين جاء نائب رومانيّ جديد إلى فلسطين، إذن فالمسيح يجب أن يظهر إمّا سنة 4 قبل الميلاد [بما أنّه لم يحدث شيء في زمن هيرودس] و إمّا سنة 6 بعد الميلاد اثناء الإحصاء، و هذا هو السبب في اختلاف التاريخ، فمتّى يجعله مولودا في آخر حكم هيرودس 4 قبل الميلاد، و لوقا يجعله سنة 6 بعد الميلاد اثناء خروج الملك تماما، حيث أنّه لا يوجد تاريخ آخر تصحّ فيه النبوءة إلاّ هذان التاريخان. فتاريخ ولادة يسوع ليس قائما على حدث تاريخيّ صحيح و إنّما اعتمادا على نبوءة توراتيّة.

و سنلاحظ في مختلف مراحل البحث أنّ الأحداث التي حدثت مع يسوع [الإنجيليّ] مبنيّة على نبوءات توراتيّة و ليس لأنّها أحداث حقيقيّة، و ذلك باعتمادنا دائما على التناقضات و توضيح أسباب هذا التناقض، حيث أنّ النبوءات تحتمل التأويل و من هنا يأتي التناقض، ممّا يجعلنا نستنتج أنّ الذين يكتبون الإنجيل لا يكتبون قصّة بأحداث حقيقيّة حدثت بل يصنعون هذه الأحداث بناء على النبوءات.

قام الباحث الإيطاليّ Luigi Cascioli برفع دعوى قضائيّة ضدّ الكنيسة، و سبب الشكوى هو أنّ كلّ الذي روته الأناجيل عن يسوع غير صحيح، و أنّها قدّمت لنا إلها وثنيّا يأكل المسيحيّون لحمه [رمزيّا] و يشربون دمه [رمزيّا] كلّ يوم أحد، و ذلك وفق الفصل 661 من القانون، حيث يمنع تقديم معلومات خاطئة و خداع العامة بالأكاذيب، و هذا - حسب رأيه- ما تقوم به الكنسية.

The Guardian (Angleterre) 4 janvier 2006
The Times (Angleterre) 3 janvier 2006
BBC (Espagnol) 3 janvier 2006
Hindustan Times (Inde) 3 janvier 2006


مكان الولادة:

مرقس 1-9

وفي تلك الأيام جاء يسوع من ناصرة الجليل واعتمد من يوحنا في الأردن

بينما لوقا و متّى يذكران أنّ يسوع ولد في قرية بيت لحم، و لكن لماذا نتعسّف على النصّ و نعتبر هذا تناقضا؟ فهل قال مرقس أنّ يسوع ولد في ’’الناصرة’’؟ بل قال جاء منها، و كما نعلم -حسب الإنجيل- فيسوع ولد في ’’بيت لحم’’ ثمّ سكن مع أهله في الناصرة بالجليل، إذن فلنعتبر أنّ هذا ليس تناقضا حتّى لا نُتّهم بعدم الحياديّة.

أوّلا قبل أن نذهب إلى بيت لحم، سنتوقّف قليلا مع الناصرة، هذه المدينة غير مذكورة في أيّ مصدر قبل نهاية القرن الثاني ميلادي، لا في العهد القديم و لا عند المؤرّخين القدامى -يهودا و أجانب- و لا في الخرائط الرومانيّة القديمة، فلماذا تمّت نسبة يسوع إلى هذه المدينة [التي من الممكن أن تكون وهميّة]؟
سأدخل في بعض الأمور التقنية التي تصيب بالصداع:

يمكننا أن نفهم هذا ’’اللغز’’ انطلاقا من الأناجيل نفسها، فمرقس يقول في 1-9:

وفي تلك الأيام جاء يسوع من ناصرة الجليل واعتمد من يوحنا في الأردن

ثمّ بعدها و في الآية 24 يقول:

قائلا: آه ما لنا ولك يا يسوع الناصري؟ أتيت لتهلكنا أنا أعرفك من أنت: قدوس الله

طبعا سيذهب في خلدنا مباشرة أنّ يسوع الناصري تعني أنّه من مدينة الناصرة، و هذا غير صحيح.

فالأولى باليونانيّة مكتوبة هكذا: ν-;-α-;-ζ-;-α-;-ρ-;-ε-;-τ-;- و ترجمتها Nazareth
و الثانية: ν-;-α-;-ζ-;-α-;-ρ-;-η-;-ν-;-ε-;- و ترجمتها nazarene

لو أراد أن يقول الناصري نسبة إلى مدينة الناصرة لقال: Nazarethenos أو Nazarethanos أو Nazarethaios أي ν-;-α-;-ζ-;-α-;-ρ-;-ε-;-τ-;-ε-;-ν-;-ο-;-ς-;-

إذا ما الذي يقصده بقوله: ν-;-α-;-ζ-;-α-;-ρ-;-η-;-ν-;-ε-;- أو nazarene ؟

و بما أنّي أرجّح أنّ كتبة الإنجيل كانوا يكتبونه و عينهم على الترجمة السبعينيّة اليونانيّة للعهد القديم فأحسن شيء نفعله لفهمها هو أن نعود إلى هذه الترجمة و نرى أين وردت.

قضاة 13-5:

فها انك تحبلين وتلدين ابنا ولا يعل موسى رأسه لان الصبي يكون نذيرا لله من البطن وهو يبدأ يخلص اسرائيل من يد الفلسطينيين

كلمة نذير المستعملة هنا مكتوبة في الترجمة السبعينيّة: ν-;-α-;-ζ-;-ι-;-ρ-;-α-;-ῖ-;-ο-;-ν-;- أي naziraion و تعني ’’النذير’’ أي الذي ينذر نذرا لله، و لكن هذه الكلمة لم تتوقّف عند هذا المعنى فتعني أيضا ’’القدّيس’’ إذا أخذنا السفر نفسه و تقدّمنا قليلا إلى إصحاح 16-آية 17: فكشف لها كل قلبه وقال لها لم يعل موسى راسي لاني نذير الله من بطن امي.فان حلقت تفارقني قوتي واضعف واصير كاحد الناس. فيمكن ترجمة ’’نذير الله’’ إلى ’’قدّيس الله’’ و لذلك نفهم لماذا كتب مرقس في تلك الآية السابقة:

قائلا: آه ما لنا ولك يا يسوع الناصري؟ أتيت لتهلكنا أنا أعرفك من أنت: قدوس الله

و كأنّه يفسّر -بطريقة غير مباشرة- معنى كلمة ’’الناصري’’ أي ’’قدوس الله’’ أي ’’النذير’’.
فالناصري لا تحيل على ’’الناصرة’’ بل على ’’الذي ينذر نذرا لله’’

و الذي ينذر هذا النذر عليه:

سفر العدد6:

1وكلم الرب موسى قائلا 2 كلم بني اسرائيل وقل لهم.اذا انفرز رجل او امرأة لينذر نذر النذير لينتذر للرب 3 فعن الخمر والمسكر يفترز ولا يشرب خل الخمر ولا خل المسكر ولا يشرب من نقيع العنب ولا ياكل عنبا رطبا ولا يابسا

-----------------------------------------------------------------
أفتح قوسا صغيرا بالمناسبة: الآية تقول:

فعن الخمر والمسكر يفترز ولا يشرب خل الخمر ولا خل المسكر ولا يشرب من نقيع العنب ولا ياكل عنبا رطبا ولا يابسا

هذه هي الآية بالعبريّة:

מ-;-י-;-י-;-ן-;- ו-;-ש-;-כ-;-ר-;- י-;-ז-;-י-;-ר-;- ח-;-מ-;-ץ-;- י-;-י-;-ן-;- ו-;-ח-;-מ-;-ץ-;- ש-;-כ-;-ר-;- ל-;-א-;- י-;-ש-;-ת-;-ה-;- ו-;-כ-;-ל-;- מ-;-ש-;-ר-;-ת-;- ע-;-נ-;-ב-;-י-;-ם-;- ל-;-א-;- י-;-ש-;-ת-;-ה-;- ו-;-ע-;-נ-;-ב-;-י-;-ם-;- ל-;-ח-;-י-;-ם-;- ו-;-י-;-ב-;-ש-;-י-;-ם-;- ל-;-א-;- י-;-א-;-כ-;-ל-;-׃-;-

الكلمة التي بالأحمر تعني نقيع العنب أو بالأحرى’’النبيذ’’
أي بخلاصة: من ينتذر عليه ألاّ يشرب الخمر و لا النبيذ.

فماذا لو عرّبنا تلك الكلمة التي بالأحمر: מ-;-ש-;-ר-;-ת-;- ؟

تكتب هكذا: ميشراه، و ترجمتها إلى العربيّة: ميسراه.
أي أنّ الآية بخلاصة تقول: لا تشرب الخمر و الميسراه

ألا تذكّرنا بقول القرآن: ’’يسالونك عن الخمر والميسر قل فيهما اثم كبير ومنافع للناس’’

فالقرآن هنا عرّب كلمة ’’ميسراه’’ العبريّة، و لاحظوا أنّها جاءت في السياق نفسه و مقرونة بالخمر، في التوراة و في القرآن، لكن و بما أنّ المفسّرين الأجلاّء القدامى لم يفهموا الكلمة فقالوا أنّ الميسر تعني القمار! [رغم أنّ جذر ’’يسر’’ لا علاقة له بالقمار أصلا]و قس على ذلك العديد من ألفاظ القرآن و التي ليس مقامها هنا.

------------------------------------------------------

إذن فإنّ الراجح - و بعد هذه الفذلكات اللغويّة المملّة - فإنّ يسوع الناصري مشتقّة من ’’النذير’’ و ليس من ’’الناصرة’’. و سنعود لاحقا إلى الفرق بين كلمة ’’مسيحيّ’’ و ’’نصرانيّ’’ لأنّ لها علاقة بهذا الجذر.

أمّا عن مولده في بيت لحم، فيجب أن يكون كذلك و إلاّ فماذا نفعل بهذه النبوءة؟:

سفر ميخا 5-2:

اما انت يا بيت لحم افراتة وانت صغيرة ان تكوني بين الوف يهوذا فمنك يخرج لي الذي يكون متسلطا على اسرائيل ومخارجه منذ القديم منذ ايام الازل.

فيجب على يسوع أن يولد في بيت لحم، و إلاّ لن يكون مكان الولادة مدعّما بنبوءة قديمة. و بالتالي إن وضعوا مكان ولادة آخر قد يأتي أحد الماكرين فيما بعد و يقول : لا يا جماعة، فالمسيح سيخرج من بيت لحم، و لذلك ’’فبيت لحم’’ هي المكان المناسب ليسوع المناسب.

هذا عن مكان الولادة ،أمّا عن ولادة يسوع في غار، فلن نبتعد كثيرا عن بيت لحم، فيوجد قربها الإله تمّوز الذي كان يحتفل بولادته الوثنيّون، و يا محاسن الصدف: فالإله تمّوز مولود في غار أو كهف، و كذلك صديقنا يسوع.


الحقيقة هو أنّ كلّ هذه الأحداث المزعومة ليست إلاّ اساطير صنعها معلّموكم و صنعتموها أنتم أيضا، و دون أن تقدروا حتّى أن تجعلوا أكاذيبكم مغلّفة ببعض الحقيقة، و العديد منكم قاموا بتدليس النصوص الإنجيليّة الأولى. على هواهم، ثلاث أو أربع مرّات و أكثر أيضا.
Celse/53-20، القرن الثاني ميلادي


والدا يسوع:

يسوع ولدته مريم العذراء التي كانت مخطوبة ليوسف، فيسوع هو ابن يوسف بالتبنّي.
نلاحظ في هذه النقطة مثلا أنّ الأناجيل تمّ الاشتغال عليها و الزيادة فيها و النقصان على عدّة عقود، بين القرن الأوّل و الثاني ميلادي.
فالمسيح - و حسب النبوءات- سيكون من نسل داود، و يوسف [والد يسوع بالتبنّي] هو من نسل داود -حسب الأناجيل- لكنّه ليس أبا يسوع الفيزيائيّ، فيسوع مولود من عذراء بلا أب، فكيف يكون من نسل داود؟
ربّما هذه الإشكاليّة التي تطعن في أنّ يسوع هو المسيح [لأنّه ليس ابن يوسف الفيزيائيّ الذي هو من نسل داود] دفعت كتبة الإنجيل إلى قصّة ’’اختلاق مريم العذراء’’ و هي قصّة غريبة تماما عن المجتمع اليهوديّ آنذاك بينما تجد صداها و بكلّ أريحيّة عند الحضارات المجاورة الذين يحفل موروثهم الثقّافيّ بمثل هذه الولادات الأسطوريّة، كحورس المولود من عذراء و آتيس و دينوسيوس و ميترا و غيرهم من الآلهة القدامى.
لكنّ اليهود لن يؤمنوا بطبيعة الحال بهذه الولادة الأسطوريّة و سيعتبرون يسوع ’’ابن زنا’’ و هو ما حدث فعلا، لذلك فإنّ متّى مثلا قام -بطريقة غير مباشرة- بتحويل هذه الإشكاليّة إلى صالح يسوع حيث يبدأ إنجيله هكذا:

متّى1:

1 كتاب ميلاد يسوع المسيح ابن داود ابن ابراهيم. 2 ابراهيم ولد اسحق.واسحق ولد يعقوب.ويعقوب ولد يهوذا واخوته. 3 ويهوذا ولد فارص وزارح من ثامار.وفارص ولد حصرون.وحصرون ولد ارام. 4 وارام ولد عميناداب.وعميناداب ولد نحشون.ونحشون ولد سلمون. 5 وسلمون ولد بوعز من راحاب.وبوعز ولد عوبيد من راعوث.وعوبيد ولد يسى. 6 ويسى ولد داود الملك.وداود الملك ولد سليمان من التي لأوريا. 7 وسليمان ولد رحبعام.ورحبعام ولد ابيا.وابيا ولد آسا. 8 وآسا ولد يهوشافاط.ويهوشافاط ولد يورام.ويورام ولد عزيا. 9 وعزيا ولد يوثام.ويوثام ولد آحاز.وآحاز ولد حزقيا. 10 وحزقيا ولد منسّى.ومنسّى ولد آمون.وآمون ولد يوشيا. 11 ويوشيا ولد يكنيا واخوته عند سبي بابل. 12 وبعد سبي بابل يكنيا ولد شألتيئيل.وشألتيئيل ولد زربابل. 13 وزربابل ولد ابيهود.وابيهود ولد الياقيم.والياقيم ولد عازور. 14 وعازور ولد صادوق.وصادوق ولد اخيم.واخيم ولد اليود. 15 واليود ولد أليعازر.وأليعازر ولد متان.ومتان ولد يعقوب. 16 ويعقوب ولد يوسف رجل مريم التي ولد منها يسوع الذي يدعى المسيح.

أقول حوّل هذه الإشكاليّة في صالحه لأنّ من عادة اليهود [و العرب] أيضا عدم ذكر النساء أثناء عرض النسب، لكن نلاحظ أنّ متّى ذكر أربع نساء:
ويهوذا ولد فارص وزارح من ثامار
وسلمون ولد بوعز من راحاب
وبوعز ولد عوبيد من راعوث
وداود الملك ولد سليمان من التي لأوريا

لم يذكر متّى هاته النساء الأربع اعتباطا بل الأسماء مختارة بدقّة.

الأولى: ثامار، و هي التي تنكّرت في شكل امرأة زانية.[تكوين، إصحاح38]
الثانية: راحاب، زانية محترفة: فارسل يشوع بن نون من شطّيم رجلين جاسوسين سرّا قائلا اذهبا انظرا الارض واريحا.فذهبا ودخلا بيت امرأة زانية اسمها راحاب واضطجعا هناك. [يوشع 2-1]
الثالثة: راعوث، التي أرادت إغواء بوعز، فهي الغانية التقيّة [راعوث،3]
الرابعة: التي لأوريا، و اسمها بتشبع، و هي عشيقة النبيّ داود [صامويل2، 12]

و كلّ هاته النساء يشتركن في أنّ لهنّ علاقة بالزنا، - مباشرة أو غير مباشرة- و رغم ذلك فهنّ محترمات في التقليد اليهوديّ، فثامار هي أبرّ من يهوذا [تكوين، 38-26] و راحاب بطلة قوميّة، و راعوث معروفة بوفائها، و بتشبع هي أمّ الملك و النبيّ سليمان، فما بالك لو كانت هذه العلاقة ’’غير العاديّة’’ حدثت بتدخّل مباشر من الله كما حدث مع مريم؟
على هذا الأساس قام متّى ببناء شجرة النسب أعلاه.

سنّ مريم:

لقد أوضحت أعلاه أنّ قصّة مريم ’’العذراء’’ قد تكون متأخّرة، و لكن هذا لا يعني أنّ مريم لم تكن عذراء، و علينا أن نفهم ماذا تعني كلمة عذراء في ذلك الوقت.
جاء في التصوفتا التي تعكس تعاليم ربّي أليعازر في نهاية القرن الأوّل ميلادي: ’’1’’

العذراء هي الفتاة التي لم تر الدم حتّى و لو كانت متزوّجة و عندها أطفال، فهي عذراء حتّى تأتيها العادة الشهريّة الأولى.

فالعذراء حسب التقليد اليهوديّ هي التي لم تصل إلى سنّ البلوغ بعد، -;- و يشير Joachim Jeremias في Jerusalem in the Time of Jesus ’’2’’ إلى أنّ الفتاة في ذلك الوقت يمكن أن تتمّ خطبتها في سنّ الخامسة، و قد تظلّ في بيت أبويها إلى سنّ 12 أو 13 و حينها يكون لأبيها كلّ الحقّ في تزويجها أو بيعها، حيث تكون صالحة للزواج، كما جاء في التلمود: ’’نحصل على المرأة إمّا بالمال أو بعقد أو بعلاقة جنسيّة’’ أمّا [في حالتنا هذه أي مع مريم حيث تمّت خطبتها] فهي تظلّ سنة في بيت أبيها قبل أن تذهب إلى بيت زوجها، و يشير متّى إلى أنّ مريم كانت مخطوبة ليوسف و تعيش معه، فطوال هذه الفترة التحوّليّة أي الخطوبة، يتمّ تحريم كلّ علاقة جنسيّة، لكن مريم وجدتْ نفسها حبلى أثناء هذه الفترة، فهي طفلة صغيرة و لكنّها حبلى [هذا يذكّرنا بزواج محمّد من عائشة الطفلة، لذلك فإنّ نقد هذا العادات خارج سياقها الإجتماعيّ وقتها يُعتبر إسقاطا تاريخيّا غير موضوعيّ]

إذن فإنّ العذراء هي التي لم تأتها العادة الشهريّة، لكنّ قام كتبة الإنجيل بربط ’’عذراويّة مريم’’ بنبوءة من العهد القديم [كالعادة] حيث جاء في سفر إشعياء7:
14 ولكن يعطيكم السيد نفسه آية.ها العذراء تحبل وتلد ابنا وتدعو اسمه عمانوئيل.

و كما قلتُ سابقا فإنّهم يكتبون الإنجيل و عينهم على الترجمة السبعينيّة اليونانيّة للعهد القديم، لكن في هذه الآية بالذات يوجد خطأ في الترجمة فأصل الآية بالعبريّة هو:

ל-;-כ-;-ן-;- י-;-ת-;-ן-;- א-;-ד-;-נ-;-י-;- ה-;-ו-;-א-;- ל-;-כ-;-ם-;- א-;-ו-;-ת-;- ה-;-נ-;-ה-;- ה-;-ע-;-ל-;-מ-;-ה-;- ה-;-ר-;-ה-;- ו-;-י-;-ל-;-ד-;-ת-;- ב-;-ן-;- ו-;-ק-;-ר-;-א-;-ת-;- ש-;-מ-;-ו-;- ע-;-מ-;-נ-;-ו-;- א-;-ל-;-׃-;-

فترجموا ה-;-ע-;-ל-;-מ-;-ה-;- في الترجمة السبعينيّة إلى π-;-α-;-ρ-;-θ-;-έ-;-ν-;-ο-;-ς-;- أي parthenos و تعني عذراء بينما الكلمة الأصليّة أي ה-;-ע-;-ל-;-מ-;-ה-;- تعني الطفلة الصغيرة، و هو ما نراه في أمثال 30-19.
و على كلّ حال، فكلمة عذراء و طفلة صغيرة ليستا بعيدتين، و إنّما ما تجدر الإشارة إليه هو أخذ متّى لتلك الآية [المترجمة خطأً] و حوّلها إلى نبوءة عن يسوع، و غنيّ عن الذكر أنّ اليهود يرفضون تماما هذا التفسير و يرون أنّ لا علاقة لها بالمسيح.

و الإبن الذي يكون مجهول الأب هو محتقر في ذلك المجتمع، و يكون دوره ثانويّا في المجتمع و ليس من حقّه الزواج من يهوديّة حرّة، [لماذا لم يتزوّج يسوع؟] كما أنّ الأناجيل تعطينا بعض الفلاشات التي من الممكن أن تكون كلام يسوع نفسه، فهذه امرأة تقول له: طوبى للبطن الذي حملك والثديين اللذين رضعتهما. فإذا بيسوع يردّ قائلا: بل طوبى للذين يسمعون كلام الله ويحفظونه [لوقا11، 27-28] هل لم تكن مريم تسمع كلام الله و تحفظه؟ بل يكاد يسوع ينكر أهله قائلا: 31 فجاءت حينئذ اخوته وامه ووقفوا خارجا وارسلوا اليه يدعونه. 32 وكان الجمع جالسا حوله فقالوا له هوذا امك واخوتك خارجا يطلبونك. 33 فاجابهم قائلا من امي واخوتي. 34 ثم نظر حوله الى الجالسين وقال ها امي واخوتي. [مرقس 3، 31-34] و هو يتصرّف بطريقة عدائيّة مع أمّه : ولما فرغت الخمر قالت ام يسوع له ليس لهم خمر. 4 قال لها يسوع ما لي ولك يا امرأة.لم تأت ساعتي بعد [يوحنّا 2، 3-4] فمالي و مالك يا امرأة؟!
طبعا يقوم رجال الكنسية بتأويل هذا الكلام، تماما كما يؤوّل المسلمون زواج محمّد من زوجة ابنه بالتبنّي، و يحيطون الأمور بهالة من القدسيّة! و يقول اليهود مباشرة ليسوع أنّه ابن غير شرعيّ: فقالوا له اننا لم نولد من زنا.لنا اب واحد وهو الله. [يوحنّا8، 41]

و هذه القصّة عن يوسف و مريم و أنّها أصبحت حبلى من الله، تذكّرنا بالأسطورة الإغريقيّة عن نزول زيوس و تشبّهه في شكل رجل و دخوله بالمرأة Alcmène و حين يعود زوجها تخبره أنّها اعتقدت أنّه هو الذي دخل بها، و كان النبيّ Tiresias تنبّأ بمجيء هرقل حيث يقول لألسيمان: فقال لها لا تخافي لانك مباركة من زيوس. انت ولدت ابنا عظيما ’’3’’ و هذا يذكّرنا بقول لوقا: فقال لها الملاك لا تخافي يا مريم لانك قد وجدت نعمة عند الله. 31 وها انت ستحبلين وتلدين ابنا (..).32 هذا يكون عظيما و يُدعى ابن العليّ.

و متّى يقول أنّ يوسف هو ابن يعقوب
و لوقا يقول أنّ يوسف هو ابن هالي

و التناقض لا ينحصر على هذا الأمر فشجرة النسب التي يقدّمها لوقا مختلفة تماما عن شجرة النسب التي يقدّمها متّى، و يمكن أن نقول أنّ متّى يقدّم نسب يوسف، و لوقا يقدّم نسب مريم، لكنّ التناقض يكمن في أنّ عدد الأشخاص من يسوع إلى داود -عبر يوسف- هم 26 شخصا، بينما من يسوع إلى داود -عبر مريم- يكون عدد الأشخاص عند لوقا 42 شخصا. حيث يوجد فارق بـ 16 جيلا!

أقدم مخطوطات كاملة للكتاب المقدّس، هي ثلاث:
1- الأولى تعود إلى القرن الرابع ميلادي و هي تحت اسم: Codex vaticanus
2-الثانية تعود أيضا إلى القرن الرابع ميلادي و هي تحت اسم: Codex Sinaiticus
3-الثالثة تعود إلى القرن الخامس ميلادي و هي تحت اسم : Codex Alexandrinus

هذه هي أقدم مخطوطات كاملة وصلتنا و هي مكتوبة باليونانيّة، للعهد القديم و الجديد، و الملاحَظ أنّه توجد عديد الإختلافات بينها و بين الكتاب المقدّس الحاليّ، و ذلك و حسب تقديرات الخبراء يعود إلى أخطاء في النسخ، حيث إن أخطأ الناسخ في كلمة ما، ثمّ يأتي بعده ناسخ آخر و ينقل الكلمة الخاطئة ، ثمّ يخطئ هو أيضا في كلمة أخرى، ثمّ يأتي آخر و ينقل الخطأين و يخطئ في كلمة أخرى، و هكذا دواليك، فإنّه بعد ألف سنة سيصلنا كتاب مليء بالأخطاء.
و بغضّ النظر عن هذه الأخطاء في النسخ التي يمكن رؤيتها بسهولة حيث كان الناسخ يتفطّن أيضا إلى الخطأ، و لكنّه لا يغيّره، بل يكتب في هامش الصفحة الكلمة الصحيحة، فإنّه تمّ اكتشاف بعض التحريفات، مثل الآيات من 9 إلى 20 في الإصحاح 16 من إنجيل مرقس، و هي التالية:
وبعد ما قام باكرا في اول الاسبوع ظهر اولا لمريم المجدلية التي كان قد اخرج منها سبعة شياطين. 10 فذهبت هذه واخبرت الذين كانوا معه وهم ينوحون ويبكون. 11 فلما سمع اولئك انه حيّ وقد نظرته لم يصدقوا 12 وبعد ذلك ظهر بهيئة اخرى لاثنين منهم وهما يمشيان منطلقين الى البرية. 13 وذهب هذان واخبرا الباقين فلم يصدقوا ولا هذين 14 اخيرا ظهر للاحد عشر وهم متكئون ووبخ عدم ايمانهم وقساوة قلوبهم لانهم لم يصدقوا الذين نظروه قد قام. 15 وقال لهم اذهبوا الى العالم اجمع واكرزوا بالانجيل للخليقة كلها. 16 من آمن واعتمد خلص.ومن لم يؤمن يدن. 17 وهذه الآيات تتبع المؤمنين.يخرجون الشياطين باسمي ويتكلمون بألسنة جديدة. 18 يحملون حيّات وان شربوا شيئا مميتا لا يضرهم ويضعون ايديهم على المرضى فيبرأون 19 ثم ان الرب بعدما كلمهم ارتفع الى السماء وجلس عن يمين الله. 20 واما هم فخرجوا وكرزوا في كل مكان والرب يعمل معهم ويثبت الكلام بالآيات التابعة.آمين

هذا المقطع غير موجود في المخطوط السينائي و الفاتيكاني،رغم أنّ الناسخ ترك مكانا أبيض مكان هذه الآيات ممّا جعل الخبراء يرون أنّ الناسخ كان يعرفه لكنّه لم يكن يدري هل يضيفه أم لا، لذلك نجده موجودا بين قوسين في الطبعات الحديثة، وخاصّة الطبعة الإنجليزيّة المنقّحة.


و كذلك هذا المقطع في رسالة يوحنّا الرسول الأولى:[5، 7-8]:
7 فان الذين يشهدون في السماء هم ثلاثة الآب والكلمة والروح القدس وهؤلاء الثلاثة هم واحد. 8 والذين يشهدون في الارض هم ثلاثة الروح والماء والدم والثلاثة هم في الواحد.

هذا المقطع ليس أصليّا و يعتبر الباحثون أنّه تمّت إضافته بعد القرن 13 ميلادي، و هو غير موجود في الـ 250 مخطوطة يونانيّة قبل ذلك التاريخ، ’’1’’ و لم يقع ذكره من أيّ رجل من رجال الكنيسة قبل ذلك الوقت، و ليس موجودا في النقاشات المسيحيّة حول التثليث في روسيا و جورجيا و فارس و أرمينيا و سوريا و العربيّة و الحبشة و مصر.
هذا عن المقطع باليونانيّة، أمّا باللاتينيّة فهو موجود في مخطوط يعود إلى القرن 7 ميلادي، و يوجد أيضا في مخطوطات لاحقة بعد ذلك التاريخ [إلاّ في مخطوطة Alcuin التي تعتبر أصحّ المخطوطات باللاتينيّة، القرن 8 ميلادي، فهو غير موجود]لكنّهم يكتبونه بعد الآية رقم 8 ممّا يشير إلى أنّ التزوير وقع باللاتينيّة أثناء الترجمة و ليس باليونانيّة.
---------------------------------------------------------------------
و أودّ أن أفتح قوسا بالمناسبة عن كلمة ’’الفارقليط’’ التي يرى بعض المسلمين أنّها تبشّر بالنبيّ محمّد و أنّ المسيحيّين غيّروها. و منطقيّا أن يكون التغيير -إن حدث- بعد بعثة النبيّ محمّد و ليس قبله، و بالتالي نعود إلى Codex Sinaiticus في القرن 4 ميلادي لنرى كيف كانت مكتوبة هذه الكلمة، و هذه صورة لها:[جعلتُ دائرة بالأحمر حول الكلمة] : يو14، 26


الكلمة مكتوبة هكذا: π-;-α-;-ρ-;-α-;-κ-;-λ-;-η-;-τ-;-ο-;-ς-;- أي Parakletos و تعني المحامي أو المعزّي.

لكن البعض يقول أنّ اصل الكلمة هو هذا: π-;-ε-;-ρ-;-ι-;-κ-;-λ-;-υ-;-τ-;-ο-;-ς-;-

و تعني حرفيّا: الشخص الذي نثني عليه دائما، أي المحمود أو الأحمد .

لكن و كما رأينا فإنّه في أقدم مخطوط فإنّ الكلمة تعني المعزّي أو المحامي، فمن أين جاءت فكرة التحريف إذن؟

الراجح هو أنّ الفكرة جاءت من كتابة الأحرف بلا حروف مدّ، مثلا في الكتابة العربيّة القديمة لا نكتب بعض حروف المدّ و إنّما فقط الحروف الخام، مثل: كتب، و نعني بها: كتاب إلخ...

لذلك فإنّ الفرق بين الكلمتين Parakletos و Periklutos هو هذه الحروف، فلو كتبناها بالأحرف الخام بلا مدّ لكانت هكذا: Prklts
و أوّل من أوّل هذه الكلمة هو ابن إسحاق في السيرة، حيث ذكر الكلمة بلا حروف مدّ و أوّلها إلى ’’أحمد’’، و لكن هذا صحيح في حالة أنّ الكلمة لم تكن مكتوبة بحروف مدّ، لكنّها في الأصل واضحة و لا يمكن تغيير حروفها.[نلاحظ أنّ ابن إسحاق يجيد اليونانيّة و السريانيّة]
و اعتمد ابن إسحاق على ترجمتها إلى السريانيّة: منحمنا و قال تعني ’’محمّد’’، و هذا غير صحيح، لأنّ جذر ’’منحمنا’’ هو ’’نحم’’ بينما جذر محمّد هو ’’حمد’’
هذا الأمر دفع بعض المستشرقين ’’2’’ إلى اعتبار أنّ الآية في القرآن [و مبشّرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد] هي إضافة لاحقة و ليست أصليّة في القرآن، كما أنّ ’’أحمد’’ اقرب إلى معنى الكلمة باليونانيّة بلا احرف مدّ، من كلمة ’’محمّد’’ لذلك وضعوا ’’أحمد’’ ثمّ لعبوا على الجذر المشترك بينها و بين ’’محمّد’’ و قالوا ’’أحمد’’ تعني محمّد’’.


النبيّ المخلوع:

هناك شخصيّة مرتبطة بشخصيّة يسوع منذ البداية و هي شخصيّة يوحنّا المعمدان، ندّ يسوع و ليس بينهما في العمر سوى بضعة شهور.
يوحنّا المعمدان، شخصيّة تاريخيّة مؤكّدة، ذكرها يوسفيوس فلافيوس في كتابه تاريخ اليهود ’’1’’ و روى لنا قصّة موته التي تختلف عن رواية الأناجيل، و طبعا [عن قصّة وفاته] فنحن نصدّق فلافيوس الذي اختارته روما مؤرّخا رسميّا لها بسبب جديّته ودقّته، و قد اتّبع يوحنّا اليهود و اعتبروه نبيّا و كان يقوم بالتعميد.[كما تذكر الأناجيل أيضا]
و الراجح أنّ يوحنّا المعمدان [اسمه يحي في القرآن] كان من الأسينيّين، حيث نرى بعض الإشارات المتفرّقة عنه في الأناجيل التي تجعلنا نستنتج ’’أسينيّته’’، [لوقا 1، 80:أمّا الصبي فكان ينمو ويتقوى بالروح وكان في الصحراء الى يوم ظهوره لاسرائيل]و قد كانت اليهوديّة في ذلك الوقت منقسمة إلى ثلاثة مذاهب كبرى:
1-الفريسيّون: و تعني ’’المنشقّون’’ [ظهروا تقريبا سنة 150 قبل الميلاد ] و هم يعتقدون بوجوب تطبيق التوراة و تطبيق السنّة الشفويّة أيضا، [يشبهون تقريبا المذهب السنّي في الإسلام] و يؤمنون بالبعث و الحساب و الملائكة، و يسمّيهم يسوع - حسب الإنجيل- ’’المنافقون’’ : هكذا انتم ايضا تَبدون في الظاهر للناس ابرارا ولكنكم في دواخلكم مشحونون رياء واثما. [متّى 23، 28] و قد كانوا يطبّقون التعاليم التوراتيّة و السنّة بحذافيرها، حدّ التطرّف.
2-الصدوقيون: و تعني [على الأرجح]’’أبناء صادق’’ [ظهروا تقريبا بدايات القرن الثاني قبل الميلاد] و هم يعتقدون بوجوب تطبيق التوراة فقط و يرفضون التعاليم الشفويّة، و بالتالي فهم لا يؤمنون بالبعث و الحساب لأنّها غير موجودة في التوراة، و يرون أنّ الله يحاسب الإنسان في حياته و ليس بعد موته، و قد ذكرهم يوسفيوس فلافيوس [تاريخ اليهود، 13، 297 ] و على الراجح أنّ هذا المذهب هو الذي كان موجودا في يثرب، حيث نرى القرآن يدخل في جدال معهم حول البعث، إذ يقولون: وكانوا يقولون ائذا متنا وكنا ترابا وعظاما ائنا لمبعوثون ؟ [الواقعة، 47] و إن ذهب المفسّرون إلى أنّ الآيات التي تتحدّث عن منكري البعث تشير إلى مشركي مكّة، فإنّي استبعد هذا الأمر، حيث لا نملك دليلا على إنكار أهل مكّة للبعث، بينما من الراجح جدّا أن يكون القرآن يناظر هؤلاء الصدوقيّين.
3-الأسينيّون: و يمكن أن نسمّيهم تجاوزا ’’المعتزلة’’ [ظهروا في بدايات القرن 2 قبل الميلاد] حيث اعتزلوا الحياة الإجتماعيّة في فلسطين، و عاشوا في الصحراء عند قمران قرب البحر الميّت، و كانوا يطبّقون تعاليم التوراة بدقّة، و لهم جانب روحيّ متطوّر، و منهم يوحنّا العمدان [يحي] و قد ذكرهم فيلون الإسكندري، و بلين القديم، و يوسفيوس فلافيوس، و على الأغلب أنّهم كانوا يسمّون أيضا في زمن يسوع: ’’النصارى’’ أو ’’النصرانيّين’’ Nazarenes
المسيحيّون هم غير النصارى، رغم أنّ التسمية الإسلاميّة الحاليّة - اعتمادا على القرآن- تسمّي جميع المسيحيّين ’’النصارى’’، و النصارى مذكورون عند بلين القديم [في كتابه الخامس، التاريخ الطبيعي] و يشير إلى وجودهم سنة 50 قبل الميلاد في نواحي سوريا، كما أنّ Epiphane في القرن 4 ميلادي يشير إلى وجود النصارى قبل مجيء المسيحيّة، و يشير أيضا قائلا في كتابه ضدّ الهرطقات: المسيحيّون كانوا معروفين جميعا باسم النصارى، حيث يذكر التلمود المسيحيّين دائما بالنصارى ’’2’’
لكن فيما بعد تمّ فصل التسمية بين ’’المسيحيّين’’ [الذين بدؤوا عهدا جديدا] و بين ’’النصارى’’ [الذين ظلّوا محافظين على التعاليم اليهوديّة] ، و قد صار هذا الفصل واضحا و معروفا، كما نرى في نقش كارتر الفارسي الذي يعود إلى القرن الثالث ميلادي: أنا، كارتر، (...) طردت مذاهب أهرمان و الشياطين من المملكة، و قضيت على اليهود و البوذيّين و البراهمة و النصارى و المسيحيّين والمندائيّين و الزنادقة [الزنادقة=المانويّين] ’’3’’ [أهميّة هذا النقش تكمن في ذكره للديانات أو المذاهب المتواجدة وقتها]
من الواضح أنّ القرآن استعمل التسمية التلموديّة للمسيحيّين: ’’النصارى’’

و يوجد مذهب رابع يسمّى ’’الثائرون’’ و هو حركة سياسيّة أكثر منها دينيّة، و سنتعرّض له لاحقا لأنّ له علاقة وطيدة بيسوع.
إذن فإنّ يوحنّا المعمدان كان من الأسينيّين النصارى [النصارى من الجذر العبريّ: نذر أو حرس أو راقب]و كان يوحنّا يقوم بتعميد كلّ اليهود: حينئذ خرج اليه اورشليم وكل اليهودية وجميع الكورة المحيطة بالاردن. واعتمدوا منه في الاردن معترفين بخطاياهم [متّى3، 5-6] و قد جاء يسوع أيضا إلى يوحنّا ليقوم بتعميده: حينئذ جاء يسوع من الجليل الى الاردن الى يوحنا ليعتمد منه [متّى3، 13] و هذه مشكلة، فكيف ليسوع المسيح ابن الله، المولود من عذراء، الموجود منذ الأزل، أن يذهب ليتعمّد عند يوحنّا و يتخلّص من خطاياه؟ و هل للمسيح خطايا؟
لذلك قام كتبة الإنجيل بتقزيم يوحنّا المعمدان و تقويله كلاما يأنف من قوله، و يصبح يوحنّا ليس أهلا حتّى لحمل حذاء يسوع: انا اعمدكم بماء للتوبة.ولكن الذي يأتي بعدي هو اقوى مني الذي لست اهلا ان احمل حذاءه... [متّى3، 11] و يجعلونه يقول أيضا حين جاء يسوع يطلب التعميد: ولكن يوحنا منعه قائلا انا محتاج ان اعتمد منك وانت تأتي اليّ. [متّى3، 14] أي أنّ يوحنّا طلب من يسوع أن يقوم بتعميده و ليس العكس، و هذا الأمر أسقطهم في التناقض، فمن ناحية يقولون أنّ يوحنّا شهد ليسوع: فجاءوا الى يوحنا وقالوا له يا معلّم هو ذا الذي كان معك في عبر الاردن الذي انت قد شهدت له هو يعمد والجميع يأتون اليه.[يو3، 26] و أنّ يوحنّا لا شيء أمام يسوع، و أنّه اعترف به، و من ناحية أخرى يقولون: أمّا يوحنا فلمّا سمع في السجن باعمال المسيح ارسل اثنين من تلاميذه. وقال له انت هو الآتي أم ننتظر آخر.[متّى11، 2-3] فيوحنّا لم يكن يعرف من هو يسوع حتّى أنّه أرسل إليه بعض تلاميذه، فكيف شهد ليسوع من قبل، بل و أراد أن يعتمد هو نفسه بيد يسوع؟
العكس هو الذي حدث، فيسوع كان من تلاميذ يوحنّا الأسينيّ النصرانيّ، لذلك تمّت تسمية يسوع بالنصرانيّ أيضا من طرف اليهود، لأنّه يتبع مذهب يوحنّا، بل أنّ يسوع يكرّر كلام أستاذه، فيوحنّا يقول: توبوا لانه قد اقترب ملكوت السموات [متّى3، 2] فيقول يسوع أيضا في وقت لاحق: توبوا لانه قد اقترب ملكوت السموات [متّى4، 17] و يوحنّا يقول: فكل شجرة لا تصنع ثمرا جيدا تقطع وتلقى في النار. [متّى3، 10] فيقول يسوع أيضا في وقت لاحق: كل شجرة لا تصنع ثمرا جيدا تقطع وتلقى في النار [متّى7، 19] فيسوع كان من تلاميذ يوحنّا، و الذي لم يعترف به أنّه المسيح، لأنّ المسيح يجب أن يقدّمه النبيّ و يعلن عنه بأمر من الله، كما أعلن النبيّ صامويل عن داود الملك المسيح، و الملك داود المسيح هو: قال لي انت ابني.انا اليوم ولدتك اسألني فاعطيك الامم ميراثا لك واقاصي الارض ملكا لك.[مزمور2، 7] فالمسيح هو الذي سيعيد عرش و ملك داود و إسرائيل، و النبيّ في عصر يسوع هو يوحنّا، لكنّه لم يعلن عن يسوع، بل تساءل فقط، ممّا دفع يسوع إلى أن يشهد بنفسه على نفسه بأنّه المسيح [و هذا خارج التقاليد اليهوديّة] حيث قال: ثم كلمهم يسوع ايضا قائلا انا هو نور العالم.من يتبعني فلا يمشي في الظلمة بل يكون له نور الحياة. [يو8، 12] فأجابه اليهود قائلين: فقال له الفريسيون انت تشهد لنفسك شهادتك ليست حقّا [يو8، 13]
يوحنّا المعمدان تخلّى عن يسوع، لم يشهد له، لم يعلن أنّه المسيح، و من الممكن أنّ آخر كلمات قالها يسوع على الصليب: إيلي، إيلي، لم تركتني؟ يقصد إيليا أي يوحنّا المعمدان حيث أنّ بعض الحاضرين قالوا: ونحو الساعة التاسعة صرخ يسوع بصوت عظيم قائلا ايلي ايلي لما شبقتني اي الهي الهي لماذا تركتني. فقوم من الواقفين هناك لما سمعوا قالوا انه ينادي ايليا [متّى27، 46-47] و قد كتبها متّى هكذا: η-;-λ-;-ι-;- حيث ترجمها حرفيّا من الآراميّة [و هو الأمر الذي فهمه الحاضرون أنّه يتحدّث عن إيليا حين صرخ يسوع] أمّا إيليا النبيّ فهو يكتبه هكذا: η-;-λ-;-ι-;-α-;-ς-;- بصيغته اليونانيّة: إلياس:
متّى 11، 14: κ-;-α-;-ι-;- ε-;-ι-;- θ-;-ε-;-λ-;-ε-;-τ-;-ε-;- δ-;-ε-;-ξ-;-α-;-σ-;-θ-;-α-;-ι-;- α-;-υ-;-τ-;-ο-;-ς-;- ε-;-σ-;-τ-;-ι-;-ν-;- η-;-λ-;-ι-;-α-;-ς-;- ο-;- μ-;-ε-;-λ-;-λ-;-ω-;-ν-;- ε-;-ρ-;-χ-;-ε-;-σ-;-θ-;-α-;-ι-;-
و في هذه الآية فيوحنّا هو نفسه إيليا بشهادة يسوع، حيث أنّ ترجمتها إلى العربيّة : وإن أردتم أن تقبلوا فهذا هو ايليا المزمع أن ياتي.

لقد اعترف يسوع بيوحنّا على أنّه إيليا، و أنّه النبيّ، لكنّ يوحنّا لم يعترف بيسوع على أنّه المسيح و الملك الذي سيعيد عرش إسرائيل، و كأنّي بالحزن بقي في قلبه، فكانت تلك آخر كلمات قالها قبل موته: يوحنّا، لماذا تركتني؟
و عند هذه النقطة، فلكي يقول يسوع هذا الكلام، و يعتبر نفسه المسيح، لا بدّ أن يكون من نسل داود حقيقة و ليس معنويّا كما تشير الأناجيل، و إلاّ ما جرؤ يسوع كيهوديّ على قولها، و هنا سنبحث عن رجل في تلك الفترة من نسل داود كان له 12 صاحبا و طالب بالملك، و تمّ صلبه، و هذا الشخص ذكرتْه المصادر التاريخيّة،
.
كنتُ قد ذكرت هذا النصّ في بداية البحث، و إنّما أعود إليه لأعطي عيّنة عن التدليس الذي قام به رجال الكنيسة لإخفاء الذي حدث فعلا في بداية الألفيّة الأولى، هذا النصّ عن يسوع لم يظهر إلاّ في القرن الرابع ميلادي، و لم يقتبسه، من قبْل، اكليمندس الاسكندري و لا جستينيوس النابلسي الشهيد، رغم أنّهما و في كتبهما و ردودهما على المعارضين و لإثبات يسوع أنّه المسيح، اقتبسا حتّى من بعض الكتابات الأبوكريفيّة، فكيف فاتهما هذا النصّ الذي كان يكفيهما مؤونة الجدال و بشهادة فلافيوس اليهوديّ نفسه؟
بل أنّ أوريجنيوس الذي اقتبس من كتابات فلافيوس أيضا في جدالاته، قال: لكنّه [أي فلافيوس] لم يعترف بأنّ يسوع هو المسيح ’’1’’ لا أدري إن كان يوجد ردّ أكثر وضوحا من هذا؟ بينما النصّ المزيّف، و الذي يستشهد به بعض المسيحيّين إلى اليوم يقول: وكان هو المسيح. ممّا دفع بفولتير أن يسخر ممّن ما زالوا يقتبسون هذا النصّ لإثبات تاريخيّة يسوع، و يتعجّب متهكّما كيف لم يذهب فلافيوس ركضا ليقوم بالتعميد.
طبعا، ليس الغرض من كلامي هو أنّ يسوع أسطورة و لو يوجد، بل أرى أنّه وجد فعلا و لكن كان شخصا آخر غير الذي صنعت صورته الكنيسة فيما بعد، و هو ما سنراه لاحقا، و إنّما الغرض هو للإشارة إلى التدليسات التي حصلتْ في النصوص التاريخيّة.و أوّل أو أكبر هؤلاء المدلّسين هو يوسبيوس القيصري في القرن الرابع ميلادي، الذي يسمّيه البعض: يوسابيوس المدلّس.
وصل به الأمر إلى أن يقتبس نصّا كاملا لفيلون الإسكندري يتحدّث عن الأسينيّين و غيّر في المعنى ليؤكّد أنّه يتحدّث عن المسيح، ’’3’’ هذا دون أن نذكر الاقتباسات الأخرى التي يذكرها عن فلافيوس و التي هي غير موجودة في أيّ مخطوط لفلافيوس موجود حاليّا ممّا يشير إلى أنّ النصّ تمّ الاشتغال عليه أيضا بعده!
و قد يطول الكلام عن باقي التدليسات و التزويرات التي قام بها رجال الكنيسة الأوائل في النصوص التاريخيّة، كي توافق تعاليمهم و رؤيتهم لقصّة يسوع، و إنّما أوردتُ عيّنة لأضع القارئ في الإطار.
بداية من الفصل القادم سأبدأ في رسم ملامح يسوع التاريخيّ المختفية تحت أطنان من الغبار.
---------------------------------------------------------------------------

1- Origene / Commentaire sur matthieu / ص 223/ Ed.Huet/ باريس/ 1963
2-Eusebe de Cesarée/ Histoires ecclésiastique/ 1/XI
3- Daniel Massé/L enigme de Jesus Christ/Tome1/P130/Paris 1926
-----------------------------------------------------------------------------

حين تسأل المسيحيّ عن ولادة دينوسوس أو ميترا أو حورس من عذراء فسيجيبك أنّ هذه أساطير قديمة، لكنّه يؤمن بأنّ يسوع مولود من عذراء!
هناك احتمالان لا ثالث لهما: إمّا أنّ يسوع هو ابن مريم من زوجها يوسف أو هو ابنها من رجل آخر، و كما نعرف يتّفق الجميع [مسيحيّون و يهود و وثنيّون] أنّ يوسف ليس أبا يسوع، و بالتالي فهو ابن رجل آخر، فمن هو هذا الرجل؟
نبدأ من الإشاعة التي تقول أنّ يسوع هو ابن الجنديّ الرومانيّ Panthera:
ذهب بعض الباحثين المسيحيّين إلى أنّ Panthera هي تحريف لـ Parthenos أي العذراء، بمعنى أنّ يسوع هو ابن العذراء لكن العلاقة الإيتمولوجيّة بين الكلمتين غير صحيحة، و ذهب البعض الآخر إلى أنّها تحريف لـ Panthere في إشارة إلى مريم بوصفها لبؤة، و هذا أيضا غير صحيح.
و قد تمّ العثور على شاهد قبر لجنديّ رومانيّ مكتوب عليه: ’’1’’

Tib.Jul.Abdes.Pantera
Sidonia.ann LXII stipen
XXXX.miles.exs
coh I.sagitarrorium
h.s.e

و تعني:

TUBERUS JULIUS ABDES PANTERA
DE SIDON AGE DE 62 ANS
UN SOLDAT AVEC QUARANTE ANS DE SERVICE ACTIF
DE LA 1 ERE COHORTE D ARCHERS
REPOSE ICI

و ترجمتها:
طيبريوس يوليوس عبداس بانتارا
من صيدا، العمر 62 سنة
جنديّ قضّى أربعين سنة في خدمة متواصلة
من الفوج الأوّل للرماة
مدفون هنا

هذا النقش موجود الآن في متحف بألمانيا، و هو لجنديّ رومانيّ عاش في القرن الأوّل ميلادي في فلسطين، و أصله من صيدا و توفّي عن سنّ يناهز 62 سنة.
تحليل النقش:
الاسمان الأوّلان Tiberius Jelius هما cognomina أي لقبان و يشيران إلى أنّ هذا الجنديّ ليس رومانيّا بل هو عبد تمّ عتقه و التحق في خدمة الجيش الرومانيّ، و اسمه ’’عبداس’’ بمعنى ’’عبد الله’’ و لقبه Panthera و هو لقب ساميّ يحمله بعض اليهود في فلسطين حيث تمّ اكتشاف قبرا يهوديّا سنة 1891 في شمال القدس في الطريق إلى نابلس مكتوب عليه:Pantheros باليونانيّة و تحته باليونانيّة Josepos أي يوسف ابن بانتورا ’’2’’
الفوج الأوّل من الرماة الذي ينتمي إليه هذا الجنديّ تمّ إرساله إلى كرواتيا سنة 6 بعد الميلاد، ثمّ انتقل إلى ألمانيا بعد ثلاث سنوات للمشاركة في الحرب بين Rhin و La Nahe و توفّي هذا الجنديّ هناك حيث تمّ دفنه.
هل يكون هذا الجنديّ بانتورا هو أبو يسوع؟
الأركيولوجيّ James Tabor يتبنّى هذا الرأي و يدعّمه بما جاء في الأناجيل [مثلا: مرقس7، 24] حيث خرج يسوع من الجليل و ذهب إلى تخوم صور و صيدا و دخل هناك إلى بيت سرّا، و لم يرد أن يعرف أحد أنّه دخل هذا البيت، فهل ذهب إلى بيت أبيه بانتورا في صيدا؟ و لماذا ترك منطقة اليهوديّة ليذهب إلى منطقة الأمم بل و يدخل بيتا هناك؟ يشير جيمس تابور أنّه لم يستطع أحد تفسير هذه الآيات و كلّها ظنون، بينما حينما نعرف أنّ بانتورا هو من صيدا تتوضّح لنا أسباب زيارة يسوع لذلك المكان.

هذا الربط بين الأركيولوجيا و كلمة بانتورا و ما فعله يسوع هو فعلا ربط جيّد و علميّ، و لكن سيقفز أمامنا سؤال لا ندري كيف نجيب عليه في هذه الحالة، و هو: كيف يدّعي يسوع أنّه المسيح و هو يعلم و الجميع يعلم أنّه ليس من نسل داود فقط، بل من نسل عبد التحق كجنديّ مع الرومان؟
قد يقول قائل: لم يدّع يسوع أنّه المسيح، بل كان قاطع طريق مع عصابة معه و تمّ بناء الأسطورة المسيحيّة على شخصيّته، فصارت عصابته هم الحواريون الذين ينادون بالحبّ و الخير، و صار أبوه المجهول جبريل، و بقيت أمّه عذراء.
و لكن أتساءل: لماذا قام كتبة الإنجيل باختيار هذه الشخصيّة ليبنوا عليها دغمائيّتهم؟ لماذا لم يختاروا مثلا شخصيّة أخرى بلا مشاكل فيها؟ حيث يوجد من ادّعى أنّه المسيح قبله و بعده أيضا؟ و يوجد 3 أشخاص باسم يسوع في ذلك الوقت كانوا كهنة كبارا، فلماذا لم يبنوا على شخصيّاتهم؟
غنيّ عن القول أنّه لو كان الأمر كذلك، فالقصّة واضحة، و كلام سالس واضح حين يقول:لديّ الكثير لأقوله عن الأحداث التي جرت في حياة يسوع، والوقائع الحقيقية التي تختلف عمّا تمت كتابته من قبل أتباعه ، أو كما يقول كايسيليوس: تقدّسون رجلا [أي يسوع] عوقب على الصليب، و تصنعون له معبدا [أي كنيسة] كان يجدر أن تجعلوها لقطّاع الطرق و المجرمين [راجع الفصل السابق]
ربّما علينا أن نحفر أكثر، رغم وجاهة الكلام السابق خاصّة انّه يعتمد على الأركيولوجيا، و لكن لنتعمّق أكثر:
أوّل من ربط يسوع بالجنديّ الرومانيّ بانتورا هو سالس سنة 180 ميلادي تقريبا، حيث قال:
لقد قام النجّار [أي يوسف] بطرد أمّ يسوع التي كانت خطيبته، طردها لأنّها وقعتْ في الزنى و حبلتْ من جنديّ اسمه Panthera
[ C.C. I, 32/ 5 ]

و لننظرْ ماذا يقول التلمود: ’’3’’
سنهدرين 43 أ: و تمّ تعليق يسوع ليلة الفصح.
سنهدرين 67أ: و قاموا بتعليق ابن ستادا [ Ben Stada ة ] ليلة الفصح، ابن ستادا هو ابن بانتورا Panthera ...الزوج كان اسمه بافوس بن يهودا، العشيق اسمه بانتورا، و امّه اسمها ستادا، و هي مريم.
شبّات 104ب: ابن ستادا هو ابن بانتورا
و في تلمود أورشليم نقرأ:
شبات /الفصل 14: قام ثعبان بلدغ ربّي أليعازر بن دماح، فاقترح عليه يوسف من قرية سيماي مداواته باسم يسوع بانتورا.
أبوداه زاراه 40د: قام ابنه بابتلاع شيء [تسبّب في مرضه] فجاء شخص و أخذ يقرأ عليه باسم يسوع بن بانتورا، فشُفي الطفل.
مخطوطة جوسيبون، التي اقتبست تاريخ فلافيوس إلى العبريّة: و في ذلك اليوم كانت هناك معارك عديدة و كبيرة، في اليهوديّة، بين الفريسيّين، و قطّاع الطرق [البلطجيّة] الذين يتّبعون يسوع بن بانتورا النصرانيّ Nazoreen و قام بمعجزات عديدة أمام شعب إسرائيل، حتّى انتصر عليه الفريسيّون و علّقوه في عمود [أي صلبوه] manuscrit Hébr. 1280, fol. 123 v° de la B.N.F
المسيحيّون بدورهم ذكروا اسم بانتورا:
Epiphane سنة 375 ميلادي: يعقوب أبو يوسف و كليوباس كانت كنيته بانتورا Adv. hæ-;-reses 787/P.G. 42, 708 D -;-
و أشار إليه يوحنّا الدمشقيّ ايضا بوصفه كنية و ليس اسما De fide orthodoxa, IV -;- PG 94, 1156 D-1157 A

إذا و للتلخيص فإنّ ’’بانتورا’’ تارة يتسمّى به يسوع و تارة يتسمّى به جدّه، و بالتالي و كما يرى Gys Devic هو أنّ هذه الكنية أو الإسم موجودان و لكن تمّ تحريفها و تحويلهما إلى جنديّ رومانيّ، و يقترح التالي:
Panthera تحرّفت إلى اللاتينيّة و أصلها Panthora و هي كلمة مركّبة من مقطعين يوناني و عبري كما كان يتكلّمها اليهود في عصر يسوع:
Pan و تعني ’’كلّ’’ أو ’’جميع’’ باليونانيّة
Thora و تعني التوراة بالعبريّة، أي الشرع.
أي بانتورا تعني : كلّ الشرع.
يسوع بن بانتورا تعني يسوع بن كلّ الشرع.
و يربط بينها و بين قول يسوع في متّى: لا تظنوا اني جئت لانقض الناموس [الشرع=Thora ] او الانبياء ما جئت لانقض بل لاكمل، فاني الحق اقول لكم الى ان تزول السماء و الارض لا يزول حرف واحد او نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل [ كلّ=Pan ]متّى5، 17-18

هذه التخريجة لها وجاهتها أيضا، و لكن لماذا نعقّد الأمور؟ لماذا لا تكون بكلّ بساطة تحريفا لـ Patera اللاتينيّة أي ’’الأب’’ ؟-
خاصّة إذا عرفنا أنّ Barabbas [قاطع الطريق] الذي بادله بيلاطس بيسوع قبل صلبه، اسمه يسوع باراباس؟ [يتمّ ذكر اسم هذا الشخص في بعض المخطوطات القديمة مثل إنجيل متى بالسريانيّة القرن الرابع ميلادي، أو Codex Koridethi في القرن العاشر ميلادي، يذكرونه باسم يسوع باراباس، و يرى الباحثون أنّ الإسم الكامل الأصليّ هو كذلك، و أنّه تمّ محو اسم يسوع من باراباس في الأناجيل الحاليّة، ’’4’’ ]

و باراباس تعني:
بار=ابن
أبا= الأب
و السين هي الإضافة اليونانيّة لاسم العلم. ’’5’’

و كان لهم حينئذ اسير مشهور يسمى [يسوع] باراباس، ففيما هم مجتمعون قال لهم بيلاطس من تريدون ان اطلق لكم [يسوع] باراباس ام يسوع الذي يدعى المسيح؟ [متّى27، 16-17]
أي بمعنى آخر قال لهم بيلاطس: من أطلق لكم، يسوع بار أبّا، أم يسوع بار أبّا؟ [!] سنتعرّض لهذا الأمر لاحقا لأنّهما شخصيّة واحدة ، و هي شخصيّة يسوع المسيح، قام كتبة الإنجيل بجعليها شخصيّتين.

إذن و للتلخيص: إن كان بانتورا تعني الجنديّ الرومانيّ فالأمر واضح منذ الآن، و إن كانت تعني ابن الشرع فلا مشكلة هنا،[أي أنّ يسوع رجل حكيم و يعرف الشرع كلّه] و ان كانت تعني ابن الأب فهنا يوجد احتمالان: إمّا ابن الأب بمعنى مجهول الأب، و هذه تعيدنا إلى الجنديّ الرومانيّ، و إمّا ابن الأب أي ابن الله، لكن بمعنى القريب من الله الذي يعرف الشرع و هذه تحيلنا على ابن الشرع.
بعد كلّ هذه المتاهات:
في الحالة الأولى نكون قد عرفنا اسم أبي يسوع و هو بانتورا.
لكن في الحالة الثانية، أي أنّ يسوع هو ابن الشرع فمن يكون أبوه؟
هذا ما سنراه بعد الفاصل.

----------------------------------------------------

1-James Tabor/La veritable histoire de jesus/P82/Laffont/Paris/2007
2-المصدر السابق/ص 85
3- http://assoc.pagespro-orange.fr/cercle. ... /Celse.htm
4- Jesus contre Jesus/Gerard Mordillat/Seuil/2008/Paris
5- القرآن يقوم بهذه التخريجة اللغويّة، بين السين اليونانيّة و الإسم العبري، فيقول: وزكريا ويحيى وعيسى والياس كل من الصالحين [الأنعام، 85] فهو هنا يذكر اسم إلياس بصيغته العبريّة اليونانيّة أي : إليا [الإسم العبري]+ س [الإضافة اليونانيّة لاسم العلم] ، و لكنّه في موضع آخر [الصافات، 130] يقول: سلام على ال ياسين ، و هذه تخريجة لغويّة جميلة حيث ذكر الإسم العبري إيليا و أضاف حرف السين اليونانيّ منطوقا، أي إيليا + سين [أي حرف السين] فضرب عصفورين بحجر واحد: نطق الإسم بإضافة الحرف الأخير اليونانيّ منطوقا و حافظ على القافية.

Re: خلف خطى يسوع
فمن المستبعد أن يكون يسوع هو ابن بانتورا الجنديّ الرومانيّ، و ذلك بسبب تحليلي هذا:
أنّ اليهود -في التلمود- اتّهموا معجزاته بالسحر و أنّه ابن زنا، و لكن نحن نعرف علميّا أنّه لا توجد معجزات [كالمشي على الماء أو احياء الموتى إلخ...] و أنّه لا يوجد سحر أيضا، فالراجح أنّ اليهود قاموا بالردّ على المسيحيّين الذين يجعلون لله إبنا، و كأنّهم يقولون:
تزعمون أنّ يسوع قام بمعجزات؟ لا، هي ليست معجزات، بل سحر.[حيث أنّ القدامى يؤمنون بوجود السحر]
تزعمون أنّ يسوع ولد من عذراء؟ لا، بل أمّه زنتْ من شخص آخر.
و إذ بقيتْ في الذاكرة و التراث الشفوي كلمة ’’بانتورا’’ Panthora أو Patera فصارتا Panthera ،
فمن هو بانتارا هذا؟ هو جنديّ رومانيّ.
هكذا أرى كيفيّة بناء هذه التهمة،[أي أنّها تدخل في باب الحوارات المسيحيّة-اليهوديّة، و كلّ يتّهم الآخر] خاصّة أنّ الأحداث اللاحقة في الأناجيل إذا قارناها بالأوضاع السائدة وقتها ترجّح أنّ نانتورا تعني فعلا ’’ابن الشرع’’ أي و بكلّ بساطة و بلا تطويل: المسيح. [فالمسيح هو الذي سيكمل التوراة [أي يحقّقها]و يفعل كذا و كذا و يحارب الأعداء و يعيد الأمور إلى نصابها و يبني الهيكل إلخ...]
لا يختلف اثنان على أنّ مدينة الناصرة غير مذكورة في أيّ مصدر قبل الأناجيل، و يعطينا لوقا إشارة طوبوغرافيّة لها أهميّة قصوى:

وجاء [أي يسوع] الى الناصرة حيث كان قد تربى.ودخل المجمع حسب عادته يوم السبت وقام ليقرأ. (...) فامتلأ غضبا جميع الذين في المجمع حين سمعوا هذا. فقاموا واخرجوه خارج المدينة وجاءوا به الى حافة الجبل الذي كانت مدينتهم مبنية عليه حتى يطرحوه الى اسفل. اما هو فجاز في وسطهم ومضى [لوقا5، 16-30]

الناصرة مبنيّة فوق جبل، و قد غضب الذين في المجمع و أخرجوه و كادوا يلقونه من أعلى الجبل.
غنيّ عن الإشارة أنّ مدينة الناصرة الحاليّة غير موجدودة فوق جبل، و كنتُ أشرت إلى أنّ سبب تسمية مدينة يسوع بالناصرة عند كتبة الأناجيل هو أنّهم اشتقّوها من كنيته، فكنيته: Nazorene أي نصراني، فاشتقّوا منها: الناصرة، و اعتبروها مدينته.
لكن و كما رأينا فالناصرة لم تكن موجودة [على الأقلّ بهذا الإسم] و أيضا غير موجودة فوق جبل، أي أنّهم يتحدّثون عن مدينة في مكان ما و لكن باسم الناصرة، و علينا أن نعرف الإسم الحقيقيّ لهذا المدينة.
نذهب إلى يوسفيوس فلافيوس: جمالا (...) هي مدينة مبنيّة فوق جبل عال، و منها جاء اسمها الذي يعني ’’الجمل’’ [أو حدبة الجمل] ، واجهتها و أطرافها محاطة بوديان وعرة، و الممرّ إليها موجود فيه منازل كثيرة، و حينما ننظر من وسط البلاد إلى هذه المدينة تبدو لنا و كأنّها جاهزة للسقوط حيث هي مبنيّة في مكان مرتفع جدّا. [حروب اليهود4، 11، 286 ]

أعتقد أنّ الأمر واضح، فها هي مدينة فوق جبل تتّفق مع رواية لوقا أعلاه حينما أراد من في المجمع إلقاءه منها.
و كما قال يسوع نفسه:
لا يمكن ان تخفى مدينة موضوعة على جبل. [متى5، 14]
فعلا، لا يمكن أن تخفى!
و هذه خريطة المكان في ذلك الوقت، و جمالا موجودة في شرق بحيرة طبريّة أي في منطقة الجولان حاليّا:
و لكن لماذا نختار هذه المدينة، فتوجد مدائن أخرى أيضا موجودة فوق جبال؟
نختار هذه المدينة لأنّها تتّفق مع بقيّة الأحداث.
هي مدينة يهوذا الجليليّ، البطل الثائر الذي حارب ضدّ الرومان و ضدّ الضرائب، و طالب بعدم إعطاء أموال اليهود [خبز البنين] إلى الرومان [الكلاب و الخنازير]، و تسمّى هذه المدينة: عشّ النسر، و تكوّنت فيها حركة مسلّحة، و هي حركة يهوديّة قوميّة ضدّ الإحتلال الرومانيّ، و انضمّ إليها العديد من اليهود و قاموا بعمليّات ضدّ النظام [أي بتعبيرنا الحاليّ: قاموا بعمليّات إرهابيّة]، و قد تمّ القبض على يهوذا الجماليّ سنة 6 ميلادي و قتله، و هو مؤسّس حركة ’’الثائرين’’ Zelotes و يسمّيهم الموالون لروما: ’’البلطجيّة’’ و ’’قطّاع الطرق’’ و ’’المجرمين’’ و من هنا نفهم لماذا يستعمل سالس و غيره هذه التسمية حين يتحدّثون عن يسوع.
تماما كالمصطلحات في عصرنا الحديث: فاليهود يسمّون الفلسطينيّن الذين يقومون بعمليّات فدائيّة: الإرهابيّين و المجرمين، بينما الفلسطينيّون يسمّونهم: الفدائيّين و المحرّرين، فالتسمية تختلف من الواجهة أو الموقع الذي ننظر منه.
و لنستمع لفلافيوس: يهوذا الذي تحدّثنا عنه آنفا كان هو مؤسّس هذا المذهب الرابع [يوسفيوس يقصد مذهب المتعصّبين أو الثوّار Zelotes ] و متّبعو هذا المذهب يتّفقون في الغالب مع مذهب الفريسيّين و لكن بهم حبّ عارم للحرّيّة، لأنّهم يعتقدون أنّ الله وحده هو السيّد و الربّ، [أي هم ضدّ الرومان] و لا يخافون من الموت مهما كانت طريقته، و لا بموت أهاليهم و لا أصدقائهم، و لا ينادون أحدا بلفظ السيّد.
كان هناك أناس كثيرون شاهدين على قدرة هؤلاء [أتباع يهوذا الجليليّ] على تحمّل المصاعب.لن أضيف شيئا آخر، لأنّي أخاف إن أضفت، ليس من أن تشكّوا فيما أقول، و لكن أخاف ألاّ أعطي فعلا الصورة الحقيقيّة عنهم و عن نظرتهم غير المبالية بالأوجاع و قدرتهم غير العاديّة على تحمّل الأوجاع. [ تاريخ اليهود/الكتاب18/الفصل1، 6 ]

من تعاليم يهوذا الجليليّ هو ألاّ ينادوا أحدا بلفظ السيّد، فالسيّد الوحيد هو الله، و هو يشير بالخصوص إلى الفريسيّين الذين ينادون الرومان بلفظ ’’السادة’’، فيهوذا الجليليّ هو يهوديّ قوميّ و يرفض رفضا قاطعا الوصاية الرومانيّة، أي هناك حركة مسيانيّة قويّة [و الجميع ينتظرون المسيح الذي سيحرّرهم]

و لنستمع ليسوع:واما انتم فلا تدعوا أحدا [بلفظ] سيّدي، لان معلّمكم واحد وانتم جميعا اخوة. ولا تدعوا لكم ابا على الارض لان اباكم واحد، الذي في السموات. ولا تدعوا [الناس بلفظ] قادة [لكم]، لانّ قائدكم واحد [و هو] المسيح. [متّى23، 8-10]

هناك من يترجم و يضيف كلمة ’’المسيح’’ حين يقول: لأنّ معلّمكم واحد المسيح، [في الآية الثامنة]و هذا تحريف، فالمخطوط السينائي جاء فيه، في الآية الثامنة حرفيّا:
But be you not called Rabbi-;- for one is your teacher, and you all are, brethren And call no one on earth your father-;- for one is your Father, the heavenly.
Neither be called leaders-;- for one is your leader, the Christ

http://www.codexsinaiticus.org/en/manus ... omSlider=0

يسوع هنا يردّد كلام يهوذا الجليليّ، و هذا أمر منطقيّ جدّا، فيسوع يهوديّ في إطار يهوديّ، في حركة يهوديّة، و ليس كما حدث فيما بعد و تمّ قلعه من جذوره و بناء ديانة مسيحيّة غريبة عنه، إنّه ضمن هذه الحركة المسيانيّة التي ستحرّر اليهود من الرومان ’’الكلاب’’ و ’’الخنازير’’، فيقول:
لا تعطوا القدس للكلاب.ولا تطرحوا درركم قدام الخنازير.لئلا تدوسها بارجلها وتلتفت فتمزقكم [متى7، 7]

و يهوذا الجليليّ هو من مدينة ’’جمالا’’، عشّ النسر، و تمّ القبض عليه و قتله سنة 6 ميلادي، و ترك سبعة أولاد واصلوا مسيرة التحرير بعده:
يوحنّا و سمعان و يعقوب الكبير و يهوذا و يعقوب الصغير و مناحيم [تعني الفارقليط، سنعود إليها] و أليعازر.
و كلّهم طالبوا بعرش أورشليم و دخلوا في حروب متتالية، و لنستمع ليوسفيوس فلافيوس:

سمعان و يعقوب الكبير:
و في ذلك الوقت أيضا تمّ القبض على سمعان و يعقوب، و أمر الإسكندر [طبريوس] بصلبهما.[حوالي 46 ميلادي] وهما ابنا يهوذا الجليليّ الذي أثار الإضطرابات و حرّض الشعب على الثورة في وقت كيرنيوس [6ميلادي] كما أشرنا من قبل [تاريخ اليهود20، 102]

يهوذا: حوالي 45 ميلادي
حينما كان فادو والي اليهوديّة، خرج كذّاب يدعى تدّاوس، و استطاع إقناع أناس كثيرين بأنّه نبيّ، فاتّبعه العديد إلى نهر الأردن حيث أعلمهم أنّ معجزته هي أن يشقّ النهر إلى نصفين ليعبروا بسهولة، لكنّ الوالي فادو لم يقبل بهذا الجنون و أرسل كتيبة من الفرسان قبضوا عليهم، حيث قتلوا بعضهم و حملوا بعضهم إلى السجن، أمّا يهوذا-تداوس فقد تمّ قطع رأسه و حملها إلى أورشليم [تاريخ اليهود20، 97-99]

مناحيم: حوالي 67 ميلادي
و في الأثناء كان شخص اسمه مناحيم- ابن يهوذا الجليليّ الرجل المخيف الذي اعتبر اليهود مجرمين في عهد كيرنيوس، لأنّهم اعتبروا الرومان سادة لهم بينما ليس لهم إلاّ سيّد واحد إلا الله- ذهب مع متّبعيه إلى قلعة مصعدة و كسر الأقفال و حصل على الأسلحة و تسلّحوا جميعا، ثمّ استطاعوا الدخول إلى أورشليم كملك، و جلس على العرش.[حروب اليهود2، 8] لا داعي لأن أترجم كلّ نصّ فلافيوس، فالمهمّ أنّ مناحيم اعتبر نفسه المسيح أيضا و لكن تمّ القبض عليه أيضا و تعذيبه و قتله مع جماعته حوالي سنة 66 ميلادي.و تمّ محاصرة مدينة جمالا من طرف الرومان و قضوا عليها تماما، و تولّى بعده أليعازر قيادة الحركة. و تواصلت الحروب و كلّ مرّة يظهر مسيح جديد.

لنترك أبناء يهوذا الجليليّ الجماليّ جانبا الآن و لنعد إلى يسوع:
حينما رأوا الذين في المجمع يسوع قالوا:
أليس هذا ابن النجار.أليست امه تدعى مريم واخوته يعقوب ويوسي وسمعان ويهوذا.[متى13، 55]

هاهنا تشير الأناجيل إلى أنّ يسوع له إخوة، و لكن تفسّر الكنيسة هذا الأمر [وذلك كي تحافظ على أسطورة عذروايّة مريم] أنّهم إخوته من يوسف، أي أنّ يوسف كان متزوّجا من امرأة أخرى [اسمها مريم أيضا و هي أخت مريم أمّ يسوع!] و أنجب هؤلاء، ثمّ خطب مريم العذراء، و بالتالي فهم إخوته بهذه الطريقة أي بالتحديد أبناء خالته، و تؤكّد الكنيسة على أنّ الأخ في اللغة الساميّة لا يشير بالضرورة إلى الأخ الفيزيائيّ، فيقال لابن العمّ أو الخال أخ أيضا.
و هذا التفسير وجيه، و قد يصدّقه الذين يريدون التصديق، و لكن للأسف فالأناجيل مكتوبة باليونانيّة و ليس بالعبريّة، و اليونانيّة تفرّق بين الأخ و بين ابن العمّ أو الخالة و هي تسمّيهم حرفيّا: adelfos أي إخوة.
و يرى James Tabor أنّ يوسي أخا يسوع هو نفسه متّى، و اسمه يوسي و يوسف و متّى. ’’1’’

و الآن لنذهب لنرى تلاميذ يسوع:[هناك اختلاف بين الأسماء في الأناجيل و لكن لا بأس فسنربط بينها]

وجعل لسمعان اسم بطرس. ويعقوب بن زبدي ويوحنا اخو يعقوب وجعل لهما اسم بوانرجس اي ابني الرعد. واندراوس وفيلبس وبرثولماوس ومتى وتوما ويعقوب بن حلفى وتداوس وسمعان القانوي. ويهوذا الاسخريوطي.[مرقس3، 16-19]

سمعان الذي سماه ايضا بطرس و اندراوس اخوه يعقوب و يوحنا و فيلبس و برثولماوس و متى و توما و يعقوب بن حلفى و سمعان الذي يدعى الغيور و يهوذا اخو يعقوب و يهوذا الاسخريوطي لوقا [6، 14-16]

سمعان الذي يقال له بطرس و اندراوس اخوه يعقوب بن زبدي و يوحنا اخوه، فيلبس و برثولماوس و توما و متى العشار و يعقوب بن حلفى و لباوس الملقب تداوس، سمعان القانوي و يهوذا الاسخريوطي [متى10، 2-4]

يسوع يسمّي الأخوين يعقوب و يوحنّا: ابني الرعد. [كيف يسمّي يسوع هذين الشخصين بابني الرعد فهي تسمية تقال للمحاربين و الثوّار و ليس لحواريّين يدعون إلى الحبّ و السلام؟ و هما فعلا ابنا الرعد، و غضبهما شديد، حيث أرادا أن تنزلا النار و تبيد السامريين [لوقا9، 54 ]بالمناسبة هناك من رجال الكنيسة من يفسّر هذه التسمية بأنّها تعني أنّ أصواتهم عالية كالرعد و ذلك ليسمعهما الناس حين يكرزان بالإنجيل:]

سمعان بطرس هو ابن يونا، و يُذكر في الأناجيل: بار يونا: Β-;-α-;-ρ-;- ι-;-ω-;-ν-;-ᾶ-;- لكن الأناجيل لا تذكر ’’بار’’ الأرامية بمعنى ’’الإبن’’ بل تقول دائما: υ-;-ι-;-ο-;-ς-;- أي مثلا: كتاب ميلاد يسوع المسيح بن داود بن ابراهيم:[متى1،1]
β-;-ι-;-β-;-λ-;-ο-;-ς-;- γ-;-ε-;-ν-;-ε-;-σ-;-ε-;-ω-;-ς-;- ι-;-η-;-σ-;-ο-;-υ-;- χ-;-ρ-;-ι-;-σ-;-τ-;-ο-;-υ-;- υ-;-ι-;-ο-;-υ-;- δ-;-α-;-υ-;-ι-;-δ-;- υ-;-ι-;-ο-;-υ-;- α-;-β-;-ρ-;-α-;-α-;-μ-;-

أو يوسف بن داود [متى1، 20]: ι-;-ω-;-σ-;-η-;-φ-;- υ-;-ι-;-ο-;-ς-;- δ-;-α-;-υ-;-ι-;-δ-;-
فإنّ سمعان بطرس ليس هو ابن يونا، بل هي كنية له أي يدعى سمعان باريونا، و بعض النسخ اليونانيّة تكتبها صحيحة أي : Β-;-α-;-ρ-;-ι-;-ω-;-ν-;-ᾶ-;- بلا فصل بين ’’بار’’ و ’’يونا’’
و باريونا تعني: البلطجي بالأرامية! و قد أشار إلى ذلك Eisler و أكّدها غير باحث آخر ’’2’’
و الجمع هو: باريونيم ב-;-ר-;-י-;-ו-;-נ-;-י-;-ם-;- ، و المفرد: ב-;-ר-;-י-;-ו-;-ן-;-=باريون، و بالأرامية :باريونا، و أشار Dalman إلى أنّ الكلمة مشتقّة من الأكادية القديمة، و تعني الإرهابي ’’3’’

و الترجمة اللاتينيّة هي التي تخفي أصل الكلمة، و يرى Cascioli أنّها متعمّدة لإخفاء المعنى الحقيقيّ لكلمة باريونا، فجعلوها تعني ابن يونا، حيث تمّت الترجمة هكذا: Barjona ثمّ Bar jona ثمّ Bar Jonna ثمّ filius Jonae و هكذا ضاع المعنى الأصلي، و صار سمعان له أب اسمه يونا!
و لقب ’’الصخرة’’ الذي أعطاه إيّاه يسوع، قد يعني أنّ قلبه كالصخرة بما أنّه ’’بلطجي’’!،و لا ننسى أنّه قتل شخصين [أعمال الرسل5] و قطع أذن الجنديّ و تخاصم مع تقريبا كلّ رجال الكنيسة، هذا دون أن ندخل في تفاصيل [و على هذه الصخرة أبني كنيستي] وإن كانت الجملة محرّفة أم لا كما يرى البعض، و لكن لا تهمّنا هنا.

سمعان القانوني أو الذي يدعى الغيور: و في هذه يتّفق أغلبيّة الباحثين أنّها لا تعني أنّ سمعان من مدينة قانا، بل هي ترجمة لتسمية بالعبرية: ה-;-ק-;-נ-;-א-;-י-;-ם-;- و تعني المتعصّبين أو الثائرين :[لو6، 15]:
κ-;-α-;-ι-;- μ-;-α-;-θ-;-θ-;-α-;-ι-;-ο-;-ν-;- κ-;-α-;-ι-;- θ-;-ω-;-μ-;-α-;-ν-;- [κ-;-α-;-ι-;-] ι-;-α-;-κ-;-ω-;-β-;-ο-;-ν-;- α-;-λ-;-φ-;-α-;-ι-;-ο-;-υ-;- κ-;-α-;-ι-;- σ-;-ι-;-μ-;-ω-;-ν-;-α-;- τ-;-ο-;-ν-;- κ-;-α-;-λ-;-ο-;-υ-;-μ-;-ε-;-ν-;-ο-;-ν-;- ζ-;-η-;-λ-;-ω-;-τ-;-η-;-ν-;-

Matthew and Thomas, James the son of Alpheus, and Simon called Zelotes

يهوذا الإسخريوطي:Iskariote لا تعني أنّه من مدينة ’’قريوت’’ [ أي إش-قريوت] بل هي تحريف من Sikariote و تعني أيضا الإرهابي. [بالمناسبة، كتبة الإنجيل كلّما صادفتهم كنية لشخص جعلوها اسم بلدته أو أبيه، يسوع النذير/النصراني جعلوها تعني الناصرة ’’غير الموجودة وقتها’’ و باريونا جعلوها ’’ابن يونا’’ و سيكاريوت جعلوها ’’رجل من قريوت’’ إلخ...]

يهوذا أخو يعقوب، و توما و تداوس: هم شخص واحد! و صاروا ثلاثة بنقل أسمائهم من العبرية إلى اليونانية ثمّ إلى اللاتينيّة، و الإسم الأصلي هو يهوذا فقط و كنيته توما أي التوأم [توأم أخيه يعقوب] و تداوس و تعني أيضا التوأم.
و نرى في بعض مخطوطات Vetus Latina أنّهم يستعملون اسم يهوذا المتعصّب مكان تداوس، أي أنّهما شخص واحد ’’4’’ و لاحظوا في أسماء التلاميذ أعلاه أنّ لوقا يضع اسم يهوذا أخي يعقوب مكان تداوس عند متى و مرقس.
و يفسّر Cascioli الخلط الذي وقع:
أصل الكلمة هو: يهوذا التوأم، فتمّت ترجمتها إلى اليونانيّة إلى: Θ-;-ω-;-μ-;-α-;-ς-;- ο-;- λ-;-ε-;-γ-;-ο-;-μ-;-ε-;-ν-;-ο-;-ς-;- Δ-;-ι-;-δ-;-ι-;-μ-;-ο-;-ς-;-
أي توماس الذي يدعى ديديموس، ثمّ إلى اللاتينيّة: Thomasus dictus didimus فنقرأ في يوحنّا حين نعود إلى العربيّة: فقال توما الذي يقال له التوأم للتلاميذ رفقائه لنذهب نحن ايضا لكي نموت معه [يو11، 16]
أي بمعنى آخر: قال التوأم الذي يقال له التوأم للتلاميذ رفاقه...إلخ [!]

إذن بعض تلاميذ يسوع هم من الثوّار، و خمسة من أسمائهم هي نفس أسماء أبناء يهوذا الجليليّ، و هي نفس اسماء إخوته الأربعة. أعتقد أنّنا عرفنا من هو أبو يسوع!إنّه يهوذا الجليليّ الجماليّ [بالمناسبة و هذه فذلكة لغويّة خارج البحث: يهوذا الجليليّ هو بطل الله أو قوّة الله في عيون معاصريه حين ثار ضدّ الرومان و أسّس هذه الحركة التي دامت مائة سنة من الحروب، و قوّة الله بالعبريّة تعني: جبرائيل!، و فعلا مريم حبلت من جبرائيل:) ]

و يهوذا الجليليّ هو من نسل داود، و يستحقّ أن يكون المسيح، و واصل ابناؤه المسيرة بعده و منهم يسوع ابنه الذي بالطبع هو من نسل داود مباشرة،و ليس معنويّا كما تشير الأناجيل و إلاّ ما جرؤ إطلاقا على اعتبار نفسه الملك-المسيح ودعا الجمع من تلاميذه وقال لهم من اراد ان يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني [مرقس8، 34] نعم، فالرومان لا يتسامحون في هذا الأمر و يعرفون أنّ اليهود يترقّبون من سيخرج و يقودهم، لذلك من سيجازف و يدّعي القيادة و أنّه هو المسيح-الملك فسيقومون بصلبه و يمثّلون بجثّته كعبرة لغيره.
و ليس بالضرورة أنّ تلاميذ المسيح كانوا 12 شخصا، فهو رقم رمزيّ:[أسباط إسرائيل 12 شخصا و عليهم تمّ بناء هذه القصّة]:
-يسوع حين قام بمعجزة الأرغفة الكثيرة، تمّ حفظ ما تبقّى في 12 سلّة
-قام بشفاء امرأة مريضة منذ 12 سنة
-قام بشفاء طفلة صغيرة عمرها 12 سنة
-ذهب إلى أورشليم و عمره 12 سنة
هذا دون أن نذكر عدد الأبراج الإثني عشر، و بعض الحسابات التي قامتْ عليها في الأسماء مثل يعقوب بن زبدي:
Zebedée و هي متكوّنة من كلمتين Zeb و تعني برج الحوت عند الكلدانيّين، و Deos و تعني صاحب، أي زبدي تعني صاحب السمك، و مهنته في الإنجيل- و يا محاسن الصدف- صيّاد سمك.

و العلاقات بين المذاهب، كالأسينيّين و الثوّار المتعصّبين كانت معقّدة و متقاطعة، فهؤلاء المتعصّبين يمكننا اعتبارهم الجناح الحربيّ للأسينيّين:هيبوليت، 220 ميلادي:
[و الأسينيون] انقسموا مع الوقت –حيث لا يمارسون الزهد بالطريقة نفسها- إلى أربع فئات : بعضهم ، على سبيل المثال ، يمارس الزهد بلا ضرورة، فلا يلمسون أبدا المال ، قائلين أنّه لا ينبغي ارتداء أو رؤية أو حمل الصور [التي في العملة] و آخرون منهم ، وعندما يسمعون أحدا يتحدث عن الله وشرعه –و كان هذا الشخص غير مختون- فإنّهم يحاصرونه في مكان معيّن ، ويهدّدونه بالقتل اذا لم يقم بالختان .و اذا رفض الانصياع لهم، لا يرحمونه و يقومون بذبحه. فبسبب مثل هذه الحوادث التي حصلت تمّت تسميتهم من طرف البعض بالمتعصّبين.و الفئة الثالثة منهم لا ينادون أحدا باسم الرب [أو السيّد] إلا الله ، حتى لو تعرّضوا للتعذيب و القتل... []


يهوذا الجمالي كان متزوّجا من امرأة و أنجب منها سبعة أو ستّة أبناء.
ثمّ تزوّج كذلك من مريم و أنجب منها يسوع، ثمّ توفّي يهوذا فتزوّجت مريم رجلا آخر أنجبت منه أولادا آخرين.
فيسوع له إخوة من أبيه، و له إخوة من أمّه، و واصل مع إخوته مسيرة أبيه.
أمّا يوسف فهو للديكور، و هو ابن يعقوب كما ذكر متّى، فلا عجب هنا، فيوسف بن يعقوب الحقيقيّ ابن إسحاق كان معروفا بعفّته، حيث امتنع عن المرأة التي راودته، فهو الرجل المناسب في المكان المناسب ليكون زوجا لعذراء.
و لا ننسى أنّ مرقس [الإنجيل الأقدم] لا يذكر ولادة يسوع من عذراء، و لو كان يعرفها لذكرها بوصفها تدخل في صلب العقيدة، كما أنّ بولس نفسه يشير إلى أنّ المسيح ولد من امرأة و لم يقل من عذراء،فهو أيضا لا يعرف هذه القصّة، ممّا يجعلنا نستنتج أنّ قصّة العذراء متأخّرة حين احتكّوا بالحضارات اليونانيّة-الرومانيّة أثناء كتابة حسب لوقا و حسب متّى و المنتشرة فيها هذه الأمور عن الآلهة المولودة من عذراوات.


ترجمة كلمة Jerusalem هو أورشليم و ليس القدس!

jeru = يَرو، فحرف الياء السامي يترجم إلى -j -اللاتينيّة.
كقولنا يوحنّا = johana
يعقوب= jacob

يَرو= jeru
salem= شلام

إذن فكلمة jerusalem هي ترجمة لكلمة يروشلام و هي نفسها الكلمة العبريّة و اسم عاصمة إسرائيل=י-;-ְ-;-ר-;-ו-;-ּ-;-ש-;-ָ-;-ׁ-;-ל-;-ַ-;-י-;-ִ-;-ם-;-=يروشليم [بغضّ النظر عن الحقوق هنا]

و رغم ذلك فلم أترجمها بهذه الطريقة، و إنّما أرجعتُها إلى أصلها الكلدانيّ: أور = مدينة، شليم=سلام
أورشليم= مدينة السلام

أي أنّني تصرّفتُ في الترجمة لأخرجها من كلّ سياق سياسيّ، فإذا بك تعترض على هذه الترجمة و تريدني أن أترجم jerusalem كما هي، و إذا ترجمتها كما هي فستكون بطبيعة الحال يروشليم، وهي تسمية عاصمة إسرائيل!

كلمة ’’القدس’’ هي أيضا تسمية عبريّة يهوديّة للمكان المسمّى بقدس الأقداس في الهيكل، بينما المدينة كما أسلفت تعدّدت تسمياتها حسب الحضارات وصولا إلى إيليا في العهد البيزنطي، و استورد المسلمون هذا الإسم، و سمّي المكان الذي صلّى فيه محمّد بالأنبياء [بيت المقدس] ثمّ تعمّمت التسمية على كامل المدينة، و من التسميات أيضا، القدس، و تقرّرتْ في العهد العثمانيّ باسم ’’القدس الشريف’’
أي لو أردنا أن نترجم ’’القدس,, فسنترجمها إمّا كاسم علم أو بالمعنى:

اسم علم: Al-Qods
بالمعنى: saint
إنّما بيّنت فقط الفرق بين كلمة القدس و كلمة أورشليم و كلمة يروشليم و كلمة jerusalem

غنيّ عن الذكر أنّ قصّة أمر هيرودس بقتل الأطفال الرضّع لا تحتوي على أيّ دعم تاريخيّ خارج الأناجيل، و يبدو أنّها كانت موضة العصر القديم، فكما حدث مع موسى و أمر فرعون بقتل المواليد الجدد، كذلك أمر هيرودس بقتلهم، بل انتقلت القصّة إلى الإسلام أيضا و إن كانت بطريقة مشذّبة قليلا حيث كاد عبد المطّلب أن يقتل عبد الله أبا محمّد بعد النذر الذي نذره.
ربّما هو عنصر التشويق [على الطريقة القديمة] لنلاحظ كيف استطاع البطل النجاة رغم كيد الكائدين و أنّ الله متمّ رسالته [حسب التعبير الإسلامي]

و لا داعي لأن نذكر قصّة المجوس الذين جاؤوا ليبشّروا بمولد يسوع و معرفتهم وقت و مكان ولادته، فهي تدخل بطبيعة الحال في الخيال الدينيّ المحيط بشخصيّة المؤسّس.
و الغريب في الأمر أنّ أشهر شخص في العالم -ربّما-هو ’’يسوع’’ و رغم ذلك فهو أكثر شخص لا نعرف عنه شيئا تقريبا!
لا يوجد أيّ شيء عن طفولته سوى مشهد يتيم و هو في سنّ 12 عشرة في أورشليم، ثمّ لا نعرف أيّ شيء فيما بعد إلاّ حين يبلغ الثلاثين و ليموت بعدها بثلاث سنوات تقريبا.
فكاميرا تصوير كتبة الإناجيل مركّزة فقط على أربعة محاور:
1-الولادة من عذراء
2-تبشيره بالملكوت
3-الصلب و الفداء
4-قيامته من بين الأموات

لكن هذا هو يسوع المسيحيّ، أو يسوع الذي ينبغي أن يكون وفق العقيدة المسيحيّة، و هو مختلف عن يسوع التاريخيّ، الرجل الذي عاش في زمن ما، و أحبّ و كره و حلم و قاوم و تكلّم، الرجل الإنسان ابن الإنسان.
ربّما نستطيع معرفة مهنته على الأقلّ، حيث تشير الأناجيل إلى أنّه كان يعمل نجّارا.
يقول حسب مرقس: أليس هذا هو النجار ابن مريم؟ [6، 3]
لكن حسب متّى، يرى أنّ هذه المهنة ربّما لا تناسب يسوع فيغيّر قليلا في المعنى الذي ينقله عن مرقس، و يجعل يوسف هو النجّار فيقول:أليس هذا ابن النجار؟ [13، 55]
أمّا لوقا فيزيد هو أيضا في تغيير المعنى و يمحو كلمة ’’النجار’’ و يذكر فقط الإسم:أليس هذا ابن يوسف؟ [4، 22]
فهل كان يسوع يعمل نجّارا؟
عادة ما يكون المعجم اللغوي للمتكلّم يحيل إلى توجّهه الفكري أو الإجتماعي، فحين يقول لك أحدهم مثلا: ’’أهلا يا رفيق’’ فأنت تستطيع تقريبا معرفة الخلفيّة الفكريّة للمتكلّم باستعماله لكلمة ’’رفيق’’، و نحن نعرف أنّ محمّدا كان تاجرا، و بغضّ النظر أنّ هذه الشهادة ليست فقط عربيّة بل ذكرها كتّاب أجنيّون معاصرون فإنّ القرآن أيضا يشير إلى مهنة المتكلّم، فنجد مثلا آيات: اولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى/بئسما اشتروا به انفسهم /ان الذين اشتروا الكفر بالايمان /ان الله اشترى من المؤمنين انفسهم /من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا /واقرضتم الله قرضا حسنا /من قبل ان ياتي يوم لا بيع فيه ولا خلة / إلخ.... فنجد الشراء و البيع و القرض و هو ضمن المعجم اللغويّ لمحمّد بوصفه تاجر.
لكن حين نقرأ كلام يسوع فإنّنا لا نجد أيّ إشارة إلى مهنته و لا يستعمله في رموزه، بل كلّ كلامه ملتصق بالأرض و الأشجار و النبات، ممّا يجعلنا نرجّح أنّه كان يعمل فلاّحا أو زارعا في منطقة الجليل، و ربّما كان يعمل في أرض أحد النبلاء و لا يملك أرضه الخاصّة حيث أنّ أمّه كانت فقيرة و هو ما نستنتجه حين نرى ذهابها إلى المعبد لتضحّي عن يسوع ابنها البكر كما جاء في التوراة: لأنّ لي كلّ بكر في بني اسرائيل [العدد8، 17] و بالطبع لا يقوم الوالدان بالتضحية بابنهم البكر بل يقدّمان 5 شيقل إلى كاهن المعبد كسعر رمزيّ بعد ثلاثين يوما من الولادة. ثمّ بعد عشرة أيّام فإنّه يجب على الأمّ أن تحمل إلى المعبد خروفا لا يتجاوز عمره سنة و يمامة أو فرخ حمام للتضحية بهم.
و في حالة أن يكون الأبوان فقيرين و ليس باستطاعتهما شراء خروف فإنّ التوراة تخفّف الأضحية إلى حمامتين: وان لم تنل يدها كفاية لشاة تاخذ يمامتين او فرخي حمام الواحد محرقة والآخر ذبيحة خطية فيكفّر عنها الكاهن فتطهر[لاويين12، 8]
و لوقا يشير إلى الأضحية التي قدّمتها مريم: ولما تمّت ايام تطهيرها حسب شريعة موسى صعدوا به الى اورشليم ليقدموه للرب.(...) ولكي يقدموا ذبيحة كما قيل في ناموس الرب زوج يمام او فرخي حمام [لو2، 22-24]

فمريم هنا لم يكن باستطاعتها شراء خروف و اقتصرت على التخفيف الذي هو فرخا حمام، و نفهم أنّ أمورها الماديّة كانت ضيّقة، لذلك أشرتُ إلى أنّ يسوع لم يكن يعمل في أرض يملكها بل عند أرض أحد المالكين.
لكن حسب متّى يسقط في تناقض حين يشير إلى هرب مريم و يوسف إلى مصر و كأنّهما يملكان المال اللازم للإقامة فترة طويلة هناك، و هذا الأمر لا يقدر عليه الفقراء، و كما أشرنا إلى أنّ قصّة قتل الأطفال هي قصّة مختلقة لغرض دينيّ، فكذلك قصّة الهرب من هذا القتل إلى مصر هو مختلق و الدافع هو لتوافق الأحداث النبوءة، فحسب متّى يأخذ جملة من العهد القديم [كنبوءة] و يبني عليها قصّة، بل يشير إلى ذلك دون أن يشعر، فيقول:
فقام واخذ الصبي وامه ليلا وانصرف الى مصر. وكان هناك الى وفاة هيرودس.لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل من مصر دعوت ابني. [متى2، 14-16]

نعم لكي يتمّ ما قال النبيّ!
و بناء القصص على ’’الكلام المقدّس’’ هو أمر شائع و نجده قد انتقل بكثرة إلى الإسلام أيضا، فنجد في القرآن آية تقول:
حتى اذا اتوا على وادي النمل قالت نملة يا ايها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون [27، 18] فنقرأ في تفسير القرطبي: فَأَتَى عَلَى وَادِي النَّمْل , فَقَامَتْ نَمْلَة تَمْشِي وَهِيَ عَرْجَاء تَتَكَاوَس مِثْل الذِّئْب فِي الْعِظَم -;- فَنَادَتْ : " يَا أَيّهَا النَّمْل " الْآيَة . الزَّمَخْشَرِيّ : سَمِعَ سُلَيْمَان كَلَامهَا مِنْ ثَلَاثَة أَمْيَال , وَكَانَتْ تَمْشِي وَهِيَ عَرْجَاء تَتَكَاوَس -;- وَقِيلَ : كَانَ اِسْمهَا طَاخِية.[تفسير القرطبي]
و أشار ابن كثير إلى أنّها من قبيلة بني شيصان ![تفسير ابن كثير]
و هكذا فقد عرفوا اسمها و اسم قبيلتها، و الأسطورة تولّد الأسطورة، فبما أنّ النمل يتكلّم فلا ضير أيضا أن يكون له اسم و قبيلة.

و ’’حسب متّى’’ فعل الشيء نفسه ببناء قصص على كلام سابق ليوافق رؤيته الدينيّة.

و هنا نتساءل:
إن كان يسوع يعمل في الأرض فمن أين جاءت تسمية النجّار إذن؟
هذا السؤال أجاب عنه Gerard Mordillat قائلا:
كلمة النجّار في التراث التلموديّ نجدها تعني أيضا ’’الحكيم’’ [أي ابن الشرع العارف بالناموس] حيث نجد في تلمود أورشليم: [حين يأتي الحديث عن قضيّة توراتيّة عويصة] ’’هذه أمر لا يستطيع تفسيره لا نجّار و لا ابن نجاّر’’ و نقرأ في التلمود البابلي: ’’لا يوجد نجّار و لا ابن نجّار يستطيع تفسير هذه القضيّة’’ في إشارة إلى أنّ معنى كلمة نجّار هو الرجل الحكيم. ’’1’’

و نرى هذا المعنى في إنجيل مرقس حين يقول:
ولما كان السبت ابتدأ يعلم في المجمع.وكثيرون اذ سمعوا بهتوا قائلين من اين لهذا هذه.وما هذه الحكمة التي أعطيت له حتى تجري على يديه قوات مثل هذه. أليس هذا هو النجار؟ أي : أليس هذا هو الحكيم؟

و لا شيء آخر يمكننا استخلاصه عن طفولة يسوع أو شبابه من الأناجيل القانونيّة، إلاّ قصّة ذهابه إلى أورشليم في سنّ 12 سنة و جداله مع الكهنة [و هذه القصّة تبدو أيضا مختلقة و دوافعها الدينيّة واضحة]
أمّا الأناجيل الأبوكريفيّة فقد أسهبت في الحديث عن طفولة يسوع، كصنعه طيورا من الطين ثمّ ينفخ فيها الروح.. إلى غير ذلك من هذه القصص التي ساهمت في بناء عيسى الإسلاميّ و التي سنتعرّض لها.
بيد أنّه توجد ثلاث فرضيّات عن طفولته، أو بالأحرى ’’أسطورتان’’ و فرضيّة منطقيّة و هم كالتالي:

1-يسوع ذهب إلى الهند [مع القوافل التجاريّة المتّجهة إليها] و هناك تعلّم البوذيّة ثمّ عاد ليلقّنها لليهود، و تضيف رواية أخرى أنّهم أرادوا صلبه لكنّه نجا و عاد إلى الهند و توفّي عن سنّ 120 سنة.
2-الأسطورة الثانية: يسوع ذهب إلى أنجلترا حين كان طفلا مع عمّه يوسف الرامي التاجر، ثمّ حين صلب احتفظ يوسف بالكأس الذي شرب فيه يسوع آخر ليلة قبل صلبه و حمله إلى أنجلترا، و تضيف رواية أخرى أنّ الكأس حملته مريم المجدليّة إلى فرنسا و هي القصّة التي بُنيتْ عليها رواية ’’ دافنشي كود’’
هذه كلّها روايات شفويّة أسطوريّة ليس لها أيّ سند تاريخيّ، رغم أنّ الأسطورة الأولى [أي ذهاب يسوع إلى الهند] كان ذكرها أوّل مرّة الصحفي و المغامر Nicolas Notovitch في آخر القرن التاسع عشر حيث أشار إلى أنّه قرأ هذه القصّة في مخطوطات هنديّة قديمة معاصرة ليسوع كتبها بوذيون و براهمانيّون و استطاع ترجمتها بمعونة أحد الرهبان. و الجدير بالذكر أنّ اسم يسوع في هذه المخطوطات هو ’’عيسى’’
لكن استطاع Max Müller أن يثبت أنّ هذه القصّة غير صحيحة، حيث أنّه لا وجود لهذه المخطوطات أوّلا، و ثانيا لم يلتق هؤلاء الرهبان المترجمين بنيكولا نوتوفيتش و ثالثا أنّ البوذيّة لم تدخل إلى منطقة التبت إلاّ في القرن السابع ميلادي و رابعا أنّ المعبد الذي عاش فيه يسوع و اسمه Jagannath لم يحدث بناؤه إلاّ في القرن العاشر ميلادي، إلخ...’’2’’ لكن الأهمّ في كلّ هذا هو عدم وجود هذه المخطوطات لدراستها علميّا.

أمّا الفرضيّة المنطقيّة، فهي أنّ يسوع كان قضّى طفولته [يعمل في الزراعة ربّما] ويتعلّم عند الأسينيّين مع يوحنّا المعمدان الذي صار أستاذه فيما بعد [أي يوحنّا صار أستاذ يسوع] و هو الأمر الذي نستشفّه من كلامه -إن صحّ - في الأناجيل، بل ذهب James Tabor إلى أنّ كلام يسوع في المصدر Q يكاد يكون كلّه كلام يوحنّا،’’3’’ لولا بعض الإضافات اللاحقة من طرف كتبة الأناجيل التي توافق عقيدتهم ممّا أدّى إلى خلق التناقض في النصّ، حيث نجد يسوع يقول مرّة أنّه لا و لم و لن يغيّر شيئا في التوراة و من ناحية أخرى يقوم ببعض الأفعال المضادّة، و على كلّ حال فإنْ تعلّم يسوع على يد يوحنّا الأسينيّ [و هو الراجح بالنسبة لي]فمن المستحيل أن يخرج قيد أنملة عن تعاليم التوراة حيث كانوا يطبّقونها بدقّة شديدة.
و نستطيع أن نفهم كلام يسوع و يوحنّا و فق هذا المذهب الأسينيّ، فحين كان يوحنّا في السجن و أرسل إلى يسوع قائلا:
فدعا يوحنا اثنين من تلاميذه وارسل الى يسوع قائلا انت هو الآتي ام ننتظر آخر [لوقا7، 19] لكن المدهش هنا هو أنّ يسوع لم يجبه حسب اشعياء فيقول مثلا: روح السيد الرب عليّ لان الرب مسحني لابشر المساكين ارسلني لاعصب منكسري القلب لانادي للمسبيين بالعتق وللماسورين بالاطلاق [اشعياء61، 1 إلخ ]

بل كانت إجابته: فاجاب يسوع وقال لهما اذهبا واخبرا يوحنا بما رأيتما وسمعتما.ان العمي يبصرون والعرج يمشون والبرص يطهرون والصم يسمعون والموتى يقومون والمساكين يبشرون [لو7، 22]

و أقول أنّ جواب يسوع مدهش لأنّه نقله تقريبا حرفيّا من مخطوطة قمران 4Q521 و هي من مخطوطات الأسينيّين ’’4’’ أي أنّ يسوع و يوحنّا يتحدّثان بلغة يفهمانها هما الإثنان بوصفها موجودة في كتبهما التي يحفظانها. [ربّما هذا الأمر يزيد أيضا في تدعيم عدم وجود يسوع، حيث و كأنّ كاتب الإنجيل كان أمامه هذه النصوص و يبني عليها الحكاية، لكنّنا اخترنا منذ البداية منهج وجوده التاريخيّ]

1-Gerard Mordillat/Jesus contre Jesus/ص29-30/ سبق ذكره
2- http://www.final-age.net/La-vie-inconnu ... artsuite=2
3-سبق ذكره/ص 183 و ما بعدها
4- مخطوطات البحر الميّت/سبق ذكره/ص 545

انضمّ يسوع إلى حركة ’’المقاومة’’ اليهوديّة، المتناثرة في منطقة الجليل و خاصّة في قرية جمالا، و كلّ جليليّ في ذلك الوقت تنظر إليه روما بعين الريبة و الشكّ لكثرة الإضطرابات التي كانوا يُحدثونها، و إذ كان يسوع مقاوما و يحرّض على الثورة فهو أيضا رجل دين حكيم ’’نجار’’ و يعرف الناموس معرفة تامّة لذلك فهو يريد تطبيقه، و هو في ذلك يعادي اليهود الموالين لروما أيضا من ناحية و الذين لا يطبّقون التوراة كما ينبغي من ناحية أخرى، فيشتم كهنة المعبد:
أيّها الجهال والعميان ما الذي أعظم، الذهب أم الهيكل الذي يقدس الذهب؟
أيّها الجهال والعميان ما الذي أعظم، القربان أم المذبح الذي يقدس القربان؟
أيّها الحيّات أولاد الافاعي، كيف تهربون من دينونة جهنم؟ [متى23]

و يسوع يعتبرهم أعداءه أيضا، و ليس فقط يشتمهم بل يطالب بقتلهم:

أعدائي اولئك الذين لا يريدون أن أملك عليهم، فأتوا بهم الى هنا واذبحوهم أمامي [لو19، 27]

و كما يقول برتراند رسّل Bertrand Russell [المشكلة الأخلاقيّة، الفصل13، ص39-42 ] : نكتشف و لعدّة مرّات في الأناجيل أنّ يسوع يحمل حقدا و رغبة في الإنتقام ممّن لا يقبلون بتعاليمه.

و إذ حاولت الأناجيل تغطية أو محو هذا المحور الثاني العنيف من شخصيّة يسوع فقد أوقعت نفسها في العديد من التناقضات، فمرّة يقول: من ليس له [مال] فليبع ثوبه ويشتر سيفا [لو22، 36] و مرّة أخرى يقول العكس:كل الذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون.[متى26، 52] و لم يقتصر التناقض على محاولة إخفاء شخصيّة يسوع الثائرة بل امتدّ إلى كلّ الأناجيل في أحداث عديدة، بسبب كثرة الإشتغال على هذه الأناجيل و التنقيحات المتتالية التي أحدثوها فيها، و قد أحصى بعضهم 250 تناقضا في العهد الجديد، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
يقول يسوع:
ان كنت اشهد لنفسي فشهادتي ليست حقا.[يو5، 31] = شهادته ليست حقّا
و يقول أيضا يسوع:
ان كنت اشهد لنفسي فشهادتي حق [يو8، 14]= شهادته حقّ

تشير الأناجيل إلى أنّ يسوع أحيا الموتى، لكن بولس له رأي آخر:
أعني، أن يتألّم المسيح و يكون هو أوّل من يقوم من بين الاموات لينادي بالنور للشعب وللامم[أعمال26، 23]
ولكن ان كان المسيح يكرز به انه قام من الاموات فكيف يقول قوم بينكم ان ليس قيامة اموات.(...) ولكن الآن قد قام المسيح من الاموات وصار باكورة الراقدين. [كو1، 15]

فيسوع هو أوّل من يقوم من بين الأموات حسب بولس الذي لا يعرف القصص الأخرى الخياليّة ، لكنّه استطاع إحياء ثلاثة موتى حسب الأناجيل الأخرى.
و حين تمّ صلب يسوع فقد كان بين لصّين مصلوبين معه و قد أخذا يعيّرانه و يستهزئان منه: واللذان صلبا معه كانا يعيّرانه [مر15، 32] بينما يبدو أنّ حسب لوقا لم يعجبه الأمر كثيرا فأعاد الصياغة و ذكر أنّ واحدا فقط يعيّره بينما الآخر آمن به.
و يسوع يقول:
فقال له لماذا تدعوني صالحا.ليس احد صالحا الا واحد وهو الله.[متى19، 17]=يسوع ليس صالحا
انا هو الراعي الصالح [يو10، 11]=يسوع صالح

و هو لا يمانع أن تسكب امرأة قارورة عطر باهض الثمن عليه حتّى أنّ تلاميذه اغتاظوا من هذا التبذير و تعجّبوا كيف لا تعطى أموال هذا العطر إلى الفقراء بدل سكبها على رأسه [أو قدميه] بلا معنى، و الحديث يطول عن التناقضات و ليس مكانه هنا و إنّما ما يلفت الإنتباه فعلا [بغضّ النظر عن التناقض في تاريخ ميلاده بين متّى و لوقا] هو الجهد الذي بذله متّى و لوقا لإعطاء أسماء أجداد يوسف زوج مريم، و حاولا أن يجعلاه من نسل داود، و أقول أنّه ملفت للإنتباه لأنّ يوسف لا علاقة له بيسوع إطلاقا فلا يهمّنا إن كان من البيت الداوديّ أم لا، بل الذي يهمّ هو أن يكون يسوع نفسه من ذلك البيت و رغم ذلك لم يكلّفا نفسيهما [أي متى و لوقا] اختلاق شجرة عائليّة لمريم يربطانها بالبيت الداوديّ!
و النقطة الثانية التي تلفت الإنتباه هي التالية:
واذا واحد تقدم وقال له ايها المعلم الصالح اي صلاح اعمل لتكون لي الحياة الابدية [ها هنا رجل يأتي إلى يسوع و يطلب منه أن يوصيه ماذا يعمل لينال الحياة الأبديّة، فماذا كان ردّ يسوع ’’ابن الله’’ ؟، لنستمع:] ان اردت ان تدخل الحياة فاحفظ الوصايا [فيسأله الرجل:] قال له ايّة وصايا؟ [فيجيب يسوع:] فقال يسوع لا تقتل.لا تزن.لا تسرق.لا تشهد بالزور. اكرم اباك وامك واحب قريبك كنفسك. [ما هذا؟ ما الجديد الذي جاء به؟ إنّها وصايا موسى و الجميع يعرفونها، بل لم يقدّم الوصايا العشر كاملة بل فقط نصفها، هل جاء يسوع ليعيد تكرار الوصايا العشر؟!، فيجيبه الرجل:]قال له الشاب هذه كلها حفظتها منذ حداثتي.فماذا يعوزني بعد [كأنّ الرجل يقول له: يا أخي هذه نعرفها، فهل من جديد؟، فيجيب يسوع:]قال له يسوع ان اردت ان تكون كاملا فاذهب وبع املاكك واعط الفقراء فيكون لك كنز في السماء وتعال اتبعني [لكنّه لا يمانع أن تبذّر امرأة قارورة عطر باهض الثمن على قدميه و لا تعطيها للفقراء]

و يمرّ يسوع إلى التطبيق و الفعل فيذهب إلى معبد أورشليم و يستولي عليه، و كما أشرنا سابقا أنّه كان معه كتيبة من الثوّار حتّى يستطيع مقاومة حرس الهيكل، و أحدث فوضى عارمة حتّى أنّه منع كلّ شخص يخرج من هناك بمتاع:
وجاءوا الى اورشليم.ولما دخل يسوع الهيكل ابتدأ يخرج الذين كانوا يبيعون ويشترون في الهيكل وقلب موائد الصيارفة وكراسي باعة الحمام. ولم يدع احد يجتاز الهيكل بمتاع [مر11، 15-16]
لا بدّ أنّه كان في موقع قوّة ليمنع الناس من المرور رغم الحراسة المشدّدة، فأين الرومان، ألم يتدخّلوا؟
بلى لقد تدخّلوا و سنورد تحليلنا لهذه الحادثة:

كما أشرنا سابقا فإنّ معبد أورشليم كان كبيرا و واسعا، و يشير فلافيوس إلى أنّه كان مكتوبا على المدخل: كانت توجد أعمدة، بمسافات متساوية، مكتوب عليها باليونانيّة و اللاتينيّة، قانون الطهارة، و تمنع كلّ شخص أجنبيّ من الدخول إلى المعبد [حروب اليهود5، 5، 2] فاليهود فقط لهم الحقّ في الدخول إلى المعبد [و ذلك حتّى لا يدنّسه الوثنيّون] ، و قد جاءت الأبحاث الأركيولوجيّة لتؤكّد كلام فلافيوس، حيث اكتشف Clermont-Ganneau سنة 1871 حجرا كبيرا ينتمي إلى حجارة المعبد مكتوب عليه باليونانيّة: لا يحقّ لأيّ أمميّ [وثنيّ] الدخول إلى المعبد، و كلّ شخص [غير يهوديّ] يدخل، فإنّه سيتعرّض للموت. ’’1’’

و يقدّم لنا حسب لوقا رواية غريبة:
1 وكان حاضرا في ذلك الوقت قوم يخبرونه عن الجليليين الذين خلط بيلاطس دمهم بذبائحهم. 2 فاجاب يسوع وقال لهم أتظنون ان هؤلاء الجليليين كانوا خطاة اكثر من كل الجليليين لانهم كابدوا مثل هذا. 3 كلا اقول لكم.بل ان لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون. 4 او اولئك الثمانية عشر الذين سقط عليهم البرج في سلوام وقتلهم أتظنون ان هؤلاء كانوا مذنبين اكثر من جميع الناس الساكنين في اورشليم.[لو13]

هاهنا يذكر برجا اسمه سلوام سقط و قتل بعض الأشخاص، و لا تذكر المصادر التاريخيّة أيّ شيء عن سقوط هذا البرج، و لا يمكن أن يكون قد سقط بفعل زلزال و إلاّ لما تردّدت المصادر في ذكره باعتباره عقابا إلهيّا، و قد اكتشفت الأبحاث الأركيولوجيّة ’’2’’هذا البرج سنة 1913 بقيادة الأركيولوجيّ Raymond Weill و هو برج يتبع معبد أورشليم يقع في جنوب المعبد و هو مبنيّ لحراسة الجانب الجنوبيّ و يتناوب عليه الجنود الرومان.
يقول Carmichael: يبدو أنّه من المستبعد أنّ هذا البناء [أي المعبد] الذي تمّ بناؤه حديثا من طرف هيرودس الكبير [مع العلم أنّ هناك صخورا فيه تزن 10 أطنان] أن يسقط منه برج هكذا بلا سبب، و ربّما سقوط هذا البرج الذي أشار إليه لوقا حدث حين استولى يسوع على المعبد، و تدخّل الرومان لإعادة حفظ النظام، و ربّما وقعت محاصرة المعبد من طرفهم، [حيث أنّ بعض أفراد كتيبة يسوع استولوا على البرج كمكان استراتيجيّ] و ضربهم الرومان بالمنجنيق، و إلاّ فمالذي يدعو الرومان إلى إسقاط برج حراسة لهم إذا لم يكن قد تمّ الإستيلاء عليه؟ ’’3’’

لكنّ يسوع استطاع الهروب و مات بعض من كان معه في هذا التصادم [18 شخصا] ، لكنّ الجنود الرومان لن يبقوا مكتوفي الأيدي بطبيعة الحال، يقول حسب يوحنّا: [18، 3] فأخذ يهوذا الجند وخداما من عند رؤساء الكهنة والفريسيين وجاء الى هناك بمشاعل ومصابيح وسلاح.
الترجمة هنا غير دقيقة، فالكلمة التي بالأحمر كما جاءت في النصّ اليونانيّ تعني ’’الكتيبة’’:
ο-;- ο-;-υ-;-ν-;- ι-;-ο-;-υ-;-δ-;-α-;-ς-;- λ-;-α-;-β-;-ω-;-ν-;- τ-;-η-;-ν-;- σ-;-π-;-ε-;-ι-;-ρ-;-α-;-ν-;-

و ترجمة الجملة إلى الإنجليزيّة:
Judas then, having received the Roman cohort

و الكتيبة الرومانيّة لا تقلّ عن 600 شخص، و لكنّها في حالة يسوع كانت متكوّنة من ألف شخص، حيث يقول يوحنّا:
ثم ان الجند والقائد وخدام اليهود قبضوا على يسوع واوثقوه [يو18، 12]
كلمة ’’القائد’’ في الأصل اليونانيّ مكتوبة هكذا: χ-;-ι-;-λ-;-ι-;-α-;-ρ-;-χ-;-ο-;-ς-;- و بالأحرف اللاتينيّة تنطق: chiliarchos
و تعني حرفيّا: قائد كتيبة الألف جنديّ.

و هذه الكتيبة لا تخرج إلاّ بأمر مباشر من بيلاطس، حيث يقول James Tabor :هذه عمليّة عسكريّة منظّمة، و تحدث بموافقة بيلاطس. ’’4’’

ما الذي يدعو الرومان إلى إرسال ألف جنديّ للقبض على رجل يدعو إلى الحبّ و السلام و ليس معه إلاّ 11 تلميذا؟
لهذا فإنّ إرسال مثل هذا العدد يدعّم رأينا بأحداث الشغب التي اثارها يسوع في الهيكل، ثمّ هربه مع كتيبته [ربّما يكون عددهم 900 رجل كما ذكر قاضي بتينيا في القرن الرابع ميلادي، ’’راجع البحث’’ ] و لا ينفي حدوث قتال بين أتباعه و بين الجنود، بل نرجّحه بشدّة و إن كان اقتصر كتبة الأناجيل على ذكر قطع سمعان لأذن الجنديّ، بل و زادونا من الشعر بيتا بأن جعلوا يسوع يقول: أغمد سيفك! و هو كلام متناقض مع الكلام الآخر ليسوع كما أوضحت أعلاه.

إذن فالقبض على يسوع كان بتهمة التحريض على الثورة و قتل بعض الناس، و هي تهمة ’’باراباس’’ نفسها، حيث لننظر كيف يقع التحريف:
تهمة باراباس:
وكان المسمى باراباس موثقا مع رفقائه في الفتنة الذين في الفتنة فعلوا قتلا[مر15، 7]
كلمة: ’’قتلا’’ تعني بطبيعة الحال إثارة الفوضى و قتل ناس أبرياء، و انظروا كيف يذكرها النصّ اليونانيّ:
η-;-ν-;- δ-;-ε-;- ο-;- λ-;-ε-;-γ-;-ο-;-μ-;-ε-;-ν-;-ο-;-ς-;- β-;-α-;-ρ-;-α-;-β-;-β-;-α-;-ς-;- μ-;-ε-;-τ-;-α-;- τ-;-ω-;-ν-;- σ-;-τ-;-α-;-σ-;-ι-;-α-;-σ-;-τ-;-ω-;-ν-;- δ-;-ε-;-δ-;-ε-;-μ-;-ε-;-ν-;-ο-;-ς-;- ο-;-ι-;-τ-;-ι-;-ν-;-ε-;-ς-;- ε-;-ν-;- τ-;-η-;- σ-;-τ-;-α-;-σ-;-ε-;-ι-;- φ-;-ο-;-ν-;-ο-;-ν-;- π-;-ε-;-π-;-ο-;-ι-;-η-;-κ-;-ε-;-ι-;-σ-;-α-;-ν-;-

بينما لننظر تهمة يسوع:
لانه علم انهم اسلموه بسبب الحسد [متى27، 18] أيّ أنّ بيلاطس علم أنّ تهمة يسوع من طرف اليهود كانت بسبب الحسد.
و انظروا النصّ اليونانيّ، حين يذكر الحسد:
ε-;-γ-;-ι-;-ν-;-ω-;-σ-;-κ-;-ε-;-ν-;- γ-;-α-;-ρ-;- ο-;-τ-;-ι-;- δ-;-ι-;-α-;- φ-;-θ-;-ο-;-ν-;-ο-;-ν-;- π-;-α-;-ρ-;-α-;-δ-;-ε-;-δ-;-ω-;-κ-;-ε-;-ι-;-σ-;-α-;-ν-;- α-;-υ-;-τ-;-ο-;-ν-;- ο-;-ι-;- α-;-ρ-;-χ-;-ι-;-ε-;-ρ-;-ε-;-ι-;-ς-;-

تهمة باراباس:φ-;-ο-;-ν-;-ο-;-ν-;-
تهمة يسوع:φ-;-θ-;-ο-;-ν-;-ο-;-ν-;-

ماذا فعل كتبة الأناجيل؟
قاموا بإضافة حرف واحد و هو حرف التاتا θ-;- فكانت الكلمة: phonon فصارت phtonon فتغيّر المعنى تماما، و لكن و رغم ذلك فإنّهم قدّموا لنا صورة طفوليّة لا ترقى لشخصيّة بيلاطس! فهو يعرف أنّهم أسلموه بسبب الحسد و رغم ذلك يصلبه، هل يوجد استهزاء أكثر من هذا؟
الرومان الذين يطبّقون القانون بدقّة و ساهموا في الحضارة الإنسانيّة بالعلوم القانونيّة و الإداريّة، و المحافظ بيلاطس الذي يطبّق القانون في أورشليم، لا يجد أيّ تهمة على يسوع، بل يقول أنّه بريء من دمه، و رغم ذلك يصلبه نزولا عند رغبة اليهود، هؤلاء اليهود الذين قتل منهم أعدادا بالجملة في مواطن أخرى و لا يقيم لهم وزنا، نراه الآن يبدو مضطرّا و ضعيفا و نازلا عند رغبتهم!
بل صار بيلاطس هنا يهوديّا أكثر من اليهود!
و صار اليهود هنا رومانيّين أكثر من الرومان! [حيث يطالبون بصلب من تحدّى روما]

كلّ هذه الرواية تشير إلى أنّ بيلاطس هو الذي قبض على يسوع و هو الذي صلبه، و باراباس و يسوع هما شخص واحد قسمهما كتبة الإنجيل إلى شخصيّتين، و بيلاطس لا يتسامح مع من يتحدّى و يثور ضدّ روما خاصّة أنّ الإشاعات متواترة بين اليهود عن المخلّص الذي سيظهر و يحرّرهم، لذلك كلّما رفع أحد رأسه ليدّعي الملوكيّة انقضّ عليه الرومان مباشرة، و يسوع قد تمّ صلبه مع قاتلين آخرين حيث لهما تهمة يسوع نفسها لذلك صلبوا جميعهم مع بعض.
ربّما لو لم يوجد يسوع ’’المسيحيّ’’ أي كما تقدّمه المسيحيّة لنا، كرجل يكره العنف و يحرّض على الخير و المحبّة، قلت لو لم يوجد لأوجده بيلاطس أصلا! ففي مصلحته أن يأتي رجل و يقول أنّه المسيح لكن بطريقة ’’معنويّة’’ و يأمر بإعطاء لقيصر ما لقيصر [كما تزعم الأناجيل] و يمنع حمل السيف، فهذا الرجل سيكون في مصلحة روما و ليس ضدّها و لو وجد لسانده بيلاطس بل و قام بحمايته و وفّر له كلّ ما يلزم.
لكن يسوع لم يكن كذلك.

المشهد هو ذهابه إلى الهيكل و مخاطبته للكهنة -على حدّ زعمهم- و عمره 12 سنة:

ولما كانت له اثنتا عشرة سنة صعدوا الى اورشليم كعادة العيد. 43 وبعدما اكملوا الايام بقي عند رجوعهما الصبي يسوع في اورشليم ويوسف وامه لم يعلما. 44 واذ ظناه بين الرفقة ذهبا مسيرة يوم وكانا يطلبانه بين الاقرباء والمعارف. 45 ولما لم يجداه رجعا الى اورشليم يطلبانه. 46 وبعد ثلاثة ايام وجداه في الهيكل جالسا في وسط المعلمين يسمعهم ويسألهم. 47 وكل الذين سمعوه بهتوا من فهمه واجوبته. 48 فلما ابصراه اندهشا.وقالت له امه يا بنيّ لماذا فعلت بنا هكذا.هوذا ابوك وانا كنا نطلبك معذبين. 49 فقال لهما لماذا كنتما تطلبانني ألم تعلما انه ينبغي ان اكون فيما لأبي. 50 فلم يفهما الكلام الذي قاله لهما. 51 ثم نزل معهما وجاء الى الناصرة وكان خاضعا لهما.وكانت امه تحفظ جميع هذه الأمور في قلبها. 52 واما يسوع فكان يتقدم في الحكمة والقامة والنعمة عند الله والناس [لوقا2]

Mors turpissima crucis:الصلب، العقوبة الكبرى

عقوبة الصلب هي عقوبة ذات أصول شرقيّة استوردها الإغريق من الفرس و ربّما من الفينيقيّين و انتقلت إلى القرطاجنيّين و منهم استوردها الرومان، و يصفها فلافيوس فيقول: هي أقسى أنواع الموت [حروب اليهود2، 6، 203]
و قد تمّ اكتشاف سنة 1968 في القدس بقايا عظام شخص مصلوب ’’1’’ يعود إلى الفترة الرومانيّة ممّا ساعد العلماء على فهم كيفيّة الصلب التي كان يقوم بها الرومان.
كان الرومان يدقّون المسامير في أسفل ذراع الضحيّة [و ليس كالصور التي نراها في الكنائس الآن التي تصوّر المسامير في بطن كفّ يسوع] و الغرض من ذلك هو أن تظلّ الضحيّة معلّقة أقصى قدر ممكن من الوقت، أمّا لو كانت المسامير مدقوقة في كفّها فلن تستطيع حمل الجسد و تتمزّق يده و تسقط الضحيّة من على الصليب.
إذن فإنّ المسمار يتمّ إدخاله أسفل الذراع و فوق الكفّ [في المفصل] لكن في مكان محدّد و دقيق، حتّى لا يقطع المسمار الأوردة الدمويّة فيحدث نزيف تموت على إثره الضحيّة بسرعة، و هو عكس هدف الصلب الذي يجعل الضحيّة تتألّم أكبر وقت ممكن دون أن تموت، قد تصل إلى يومين، لذلك فهم يدقّون المسمار في مكان محدّد، يمنع أن يحدث للضحيّة نزيف كبير يؤدّي إلى إغمائه ثمّ موته بسرعة، و يمنع كذلك سقوط جسده و تمزّق كفّه.
و المسمار في الساق يتمّ دقّه في الخلف أي في عقب الساق، و هو أيضا مكان مختار بدقّة يحافظ على توازن الجسد و لكن ليس لحمله و يمنع النزيف الكثير.
يتمّ تعرية الضحيّة تماما من ملابسها و جلدها ثمّ صلبها، و الوفاة تكون إثر عوامل الكسور و التعب و الإنقباضات العضليّة و فراغ الجسد من الماء تحت أشعّة الشمس و النزيف البطيء، و في الأخير الإختناق الذي تسبّبه وضعيّة الذراعين المفتوحتين التين تحملان الجسد، و تجعل التنفّس صعبا مع مرور الوقت، فتعتمد الضحيّة على قدميها لتقف قليلا و تحمل العبء عن اليدين فتزداد تألّما بسبب المسامير في القدمين، و هذه العوامل يمكن الإسراع فيها أو جعلها بطيئة جدّا حسب الحالات، حيث في حالة الإسراع يقوم الجنود بكسر ركبتي الضحيّة ممّا يؤدّي إلى خلق ضغط كبير على القفص الصدري يعجّل في الوفاة.
و الرومان لا تهتمّ بمصير المصلوب بعد وفاته بل تتركه على الصليب، تنهشه الكلاب الضالّة و العقبان، لكن الشريعة اليهوديّة تشير إلى ضرورة إنزاله و دفنه: واذا كان على انسان خطية حقها الموت فقتل وعلقته على خشبة، فلا تبت جثته على الخشبة بل تدفنه في ذلك اليوم.لان المعلّق ملعون من الله [التثنية21، 22-23] رغم أنّ الآية تشير هنا إلى قتل الخاطئ ثمّ صلب جثّته، و ليس كما تفعل الرومان فإنّه في كلّ الحالات تطبّق عليه الشريعة اليهوديّة و يتمّ إنزاله و دفنه كما حدث مع يسوع.
و القانون الرومانيّ يمنع تطبيق عقوبة الصلب على المواطنين الرومان و إنّما فقط على غيرهم و خاصّة الثوّار الأجانب الذين يهدّدون الدولة.
و أمر الصلب يأتي مباشرة من الحاكم الرومانيّ، كما حدث مع يسوع، فيتمّ نزع ملابسه و القيام بجلده، و الجلد هنا لا يقلّ وحشيّة عن الصلب حيث يروي أحد الكتّاب المجهولين من القرن الثاني ميلادي تحت اسم Martyre de Polycarpe حادثة عن جلد الرومان لبعض المسيحيّين فيقول: تمّ تمزيق جسدهم بالسوط حتّى أنّنا نستطيع -عبر الجروح- رؤية الأوردة و العروق ’’2’’
إذن فبعد أن يقوم الجنود بجلد يسوع، و لا بدّ أنّه كان معه شخصان اثنان أيضا و هما الذان صلبا معه، فإنّه عليه أن يحمل الصليب و يذهب به إلى المكان المعدّ له، فيمشي عاريا تماما بجسده الممزّق من أثر السوط و يقوم الجنود بدفعه ليسرع و البصاق عليه و ضربه أمام أعين الجماهير،و التنكيل به، و هذا هو الغرض من التشهير به، فهو إنذار لكلّ من تسوّل له نفسه الثورة أو التفكير في الثورة ضدّ روما، و من يفعل ذلك فهو يعرف ماذا ينتظره.
الرؤية المسيحيّة تتّفق على مشي يسوع حاملا صليبه، لكن لو دقّقنا جيّدا في إنجيل مرقس الأصلي باليونانيّة، نراه يشير إلى عدم قدرة يسوع على المشي أصلا من أثر التعذيب: فسخّروا رجلا مجتازا كان آتيا من الحقل وهو سمعان القيرواني ابو ألكسندرس وروفس ليحمل صليبه [مر15، 21] فهذا الرجل هو الذي يحمل الصليب و ليس يسوع، لكن حسب لوقا أراد تصحيح الأمر قليلا ليوافق المشهد رؤيته قال أنّ يسوع هو الذي يحمل الصليب بمساعدة سمعان القيرواني، لكن الإنجيل حسب يوحنّا ربّما لم تعجبه هذه الفكرة التي قام بها حسب لوقا و ربّما رأى أنّها قد تتناقض مع رؤيته، فقال أنّ يسوع حمل صليبه وحده.
لكن لنعد إلى إنجيل مرقس و تحديدا إلى الآية 20 من الإصحاح 15، حيث يقول:
20 وبعدما استهزؤوا به نزعوا عنه الارجوان والبسوه ثيابه ثم خرجوا به ليصلبوه. 21 فسخّروا رجلا مجتازا كان آتيا من الحقل وهو سمعان القيرواني ابو ألكسندرس وروفس ليحمل صليبه.22 وجاءوا به الى موضع جلجثة الذي تفسيره موضع جمجمة.

أغلب الترجمات تستعمل كلمة : ’’جاءوا به’’ لكن لو عدنا إلى النصّ الأصلي باليونانيّة لوجدناه يقول:
κ-;-α-;-ι-;- φ-;-ε-;-ρ-;-ο-;-υ-;-σ-;-ι-;-ν-;- α-;-υ-;-τ-;-ο-;-ν-;- ε-;-π-;-ι-;- τ-;-ο-;-ν-;- γ-;-ο-;-λ-;-γ-;-ο-;-θ-;-α-;-ν-;- τ-;-ο-;-π-;-ο-;-ν-;- ο-;- ε-;-σ-;-τ-;-ι-;-ν-;- μ-;-ε-;-θ-;-ε-;-ρ-;-μ-;-η-;-ν-;-ε-;-υ-;-ο-;-μ-;-ε-;-ν-;-ο-;-ν-;- κ-;-ρ-;-α-;-ν-;-ι-;-ο-;-υ-;- τ-;-ο-;-π-;-ο-;-ς-;-

و الترجمة الحرفيّة للكلمة هي: احتملوه. ’’3’’و تعني بطبيعة الحال أيضا: قادوه، جاءوا به إلخ... لكن معناها الحرفيّ في طبقته اللغويّة الأولى يعني: حمل الشيء، أي أنّ الجنود الرومان حملوا يسوع حملا فلم يعد يستطيع الوقوف على قدميه أصلا من شدّة التعذيب، لكن لا ينفي أنّهم يلقونه على الأرض بين الفينة و الأخرى ليمشي وحده، بينما على الأغلب ليس هو من حمل الصليب.[و هذا الأمر ضدّ المعتقد المسيحيّ]
و الطريق التي مشى فيها يسوع و تسمّى طريق الجمجمة، و تسمّى كذلك طريق الآلام، يزورها السيّاح إلى اليوم و يقرؤون فيها الكتاب المقدّس و يترنّمون، لكن هذا المكان ليس تاريخيّا!
في الحقيقة فإنّ هذا المكان تمّ تحديده في القرن الرابع ميلادي حين اعتنق قنسطنطين المسيحيّة فأمر بالبحث عن طريق الآلام و عن قبر يسوع و تكفّل بهذا الأمر الأسقف ’’ماسير’’ Saint Macaire و لكنّه لم يجد شيئا في الأرشيف الرسمي لروما يشير إلى هذا المكان، فأخذ يصلّي طول الوقت و يدعو الله أن يكشف الله له هذه الأمكنة، و فعلا رأى في الحلم [!]المكان الذي عبر منه يسوع و كذلك قبره، فأخبر الأمبراطور و صار ذلك المكان رسميّا، اعتمادا على حلم و ليس على حقيقة أركيولوجيّة أو تاريخيّة! هذا إن صحّ أنّه قد رأى فعلا شيئا في الحلم و لم يقم باختلاق هذه الأمكنة لتمتين عقيدة الشعب، بل و وجد أيضا هذا الأسقف الصليب الذي صلب عليه يسوع! و هذا جهل كبير بالتاريخ في تلك الفترة أو أنّه يعلم و لكنّه أخذ الناس على قدر عقولها، كما يقول المثل.
و قد حاول الأركيولوجيّون البحث عن المكان الصحيح، لكن لم يكن عندهم إلاّ نصّ يوحنّا حيث يعطي إشارة طوبوغرافيّة عن المكان فيقول: المكان الذي صلب فيه يسوع كان قريبا من المدينة [يو19، 20] و في موضع آخر يضيف: وكان يوجد بستان في الموضع الذي صلب فيه [يو19، 41] لكن بعض الباحثين لم يأخذوا كلامه مأخذ الجدّ، و لم يعتبروه إشارة إلى مكان حقيقيّ و إنّما هو كلام يدخل في رؤية حسب يوحنّا الدينيّة التي ترى أنّ الصليب هو شجرة الحياة المغروسة في وسط الجنّة، و الجنّة هي البستان، لذلك ذكره حسب يوحنّا و ليس اعتمادا على مكان حقيقيّ.
تجدر الإشارة إلى أنّه لا يوجد رجل مسيحيّ واحد كان شاهد عيان على الطريق التي مشى فيها يسوع، فتقدّمه لنا الأناجيل يمشي إلى الصليب في وحدة كاملة بين اليهود و الرومان، و يبدو أنّ المصحّحين فيما بعد لاحظوا هذا الأمر فأدخلوا العنصر النسائيّ كشهود عيان بقين يراقبن من بعيد، و أسماء هاته النساء تختلف عند مرقس و لوقا و متّى، لكن الذي يلفت الإنتباه بشدّة هو أنّه لا أحد يذكر فيهم حضور مريم أمّه و لا أيّ شخص من الحواريّين،[و هذا الأمر يدعّم رأينا عن حركة المقاومة التي يرأسها يسوع، و بالتالي فأتباعه قد فرّوا بوصفهم مطلوبين عند روما] و يبدو أنّ يوحنّا لاحظ هذا الأمر فأدخل مريم في الصورة و جعلها تحت الصليب تراقب مع أحد تلاميذ يسوع [حتّى تكون الرواية فيما بعد قائمة على شهود عيان مسيحيّين].
تجدر الإشارة إلى أنّ أغلب المشاهد الموجودة في حكاية صلب يسوع مأخوذة من العهد القديم، و يضيق المقام عن ذكرها كلّها هنا، و كأنّ كتبة الأناجيل يقرؤون و يقرؤون العهد القديم اليونانيّ [و خاصّة سفر اشعياء]و يروون الحكاية عن يسوع،[ممّا دفع البعض أن يقول: لولا سفر إشعياء لما وُجدتْ المسيحيّة] و بما أنّهم لا يعتمدون على أحداث تاريخيّة بل على نبوءات فهم يختلفون حتّى في آخر كلمات قالها يسوع، فلوقا يقول: ونادى يسوع بصوت عظيم وقال يا ابتاه في يديك استودع روحي.ولما قال هذا اسلم الروح [لو26، 46]
بينما يوحنّا يقول: قال [يسوع] أنا عطشان ، و بعد أن سقاه الجنديّ بعض الخلّ يقول يوحنّا: فلما اخذ يسوع الخل قال قد اكمل.ونكس راسه واسلم الروح [يو19، 28-30]
بينما مرقس [و اتّبعه متّى] له رأي آخر حيث يذكران أنّ يسوع قال: الهي الهي لماذا تركتني [مرقس15، 34]ثمّ بعد أن سقوه خلاّ صرخ يسوع و مات.
هذه الإختلافات و غيرها في كامل الأناجيل دفعت الفيلسوف Porphyre في القرن الثالث ميلادي أن يقول: إنّه من الواضح أنّ هذه القصّة غير صحيحة [أي مشاهد صلب يسوع] أو أنّها تجميع لقصص متعدّدة عن مصلوبين آخرين، أو عن شخص يموت و لا يهتمّ به أحد من الشهود، و لكن لو كان هؤلاء الشهود غير قادرين على رواية كيفيّة موت [يسوع] ، و أنّهم لم يقدّموا لنا سوى رواية أدبيّة [و ليس حقائق تاريخيّة]، فإنّه حتّى الروايات الأخرى في الأناجيل لا تستحقّ أن نثق فيها. ’’4’’ مع العلم أنّ هذا الفيلسوف [و هو ملحد نسبيّا] يعتبر إله المسيحيّة سخيفا و غير عقليّ من وجهة نظر دينيّة بحتة، و من وجهة نظر فلسفيّة متسامية.

كنت قد ذكرت في بداية البحث أنّ يسوع حين قال: إلهي، إلهي، لم تركتني، فلأنّه ربّما كان يقصد يوحنّا المعمدان - إن صحّت هذه الرواية بالطبع- و هناك أيضا احتمال آخر و هو إمّا أنّه بدأ يقرأ المزمور رقم 22 قبل موته أو أنّ مرقس و متّى قوّلاه ذلك اعتمادا على هذا المزمور الذي يقول على لسان داود:
الهي الهي لماذا تركتني
بعيدا عن خلاصي عن كلام زفيري
الهي في النهار ادعو فلا تستجيب
في الليل ادعو فلا هدوء لي
وانت القدوس الجالس بين تسبيحات اسرائيل

و يقول هذا المزمور فيما بعد و الذي يبدو أنّهما بنيا عليه حكاية صلب يسوع:

16لانه قد احاطت بي كلاب.جماعة من الاشرار اكتنفتني.ثقبوا يديّ ورجليّ. 17 احصي كل عظامي.وهم ينظرون ويتفرسون فيّ. 18 يقسمون ثيابي بينهم وعلى لباسي يقترعون 19 اما انت يا رب فلا تبعد.يا قوتي اسرع الى نصرتي.

و ربّما أراد يسوع قراءته كدعاء أخير إلى الله [و هذا بالطبع غير ما تقوله المسيحيّة عن أنّ الأمر كان مخطّطا من قبل لتخليص العالم، فالرجل [أي يسوع]في سكرات الموت يدعو الله ليخلّصه،و ليسرع إلى نصرته، فجعلوه ابن الله الذي جاء لتخليص العالم]

لن نتعرّض إلى دفن يسوع و قيامته فهي أسطورة و لا تستحقّ التوقّف عندها، و سنقدّم عرضا سريعا للأحداث لنرى كيف انبثقتْ المسيحيّة منها و خاصّة مع بولس الذي سنفرد له الفصل القادم.
شهدت السنوات 40 و 50 و 60 بعد الميلاد اضطرابات عنيفة، و الإنتظارات المسيانيّة [أي مجيء المسيح مخلّص إسرائيل] كانت في ذروتها، و تكاثر الذين يعلنون عن نهاية العالم و قرب مجيء الملكوت، حتّى قام كلود بطرد اليهود من روما [بسبب تطلّعاتهم المسيانيّة] ، ثمّ انفجرتْ سنة 66 ميلادي الثورة اليهوديّة الكبرى في فلسطين، و من ضمن الثائرين يوسفيوس فلافيوس نفسه الذي روى لنا ذلك فيما بعد، و أحد قادة الثورة هو مناحيم بن يهوذا الجليليّ،[افترضنا في بداية البحث أنّه أخو يسوع] و مناحيم تعني الفارقليط، و استطاع [بين 66-67] الإستيلاء على قلعة مصعدة و قتل كلّ الجنود الرومان و كذلك قلعة أنطونيا، ثمّ دخل أورشليم على أنّه المسيح و استقبله الشعب بسعف النخيل [هذا المشهد تذكره الأناجيل عن يسوع] لكنّه كان جائرا جدّا -كما يصف فلافيوس- و تمّ قتله بيد الشعب نفسه، و تمّت محاصرة أورشليم بأربعة جحافل، الجحفل رقم 15 جاء من مصر، و الجحافل رقم 5 و 10 و 12 جاءوا من سوريا، و قطعوا فلسطين تماما عن العالم الخارجيّ، حتّى انتشرت المجاعة في الداخل بسبب الحصار و يشير فلافيوس [الذي كان يتابع الحصار بعد أن انضمّ إلى الجانب الروماني و صار مقرّبا من الحاكم] إلى حالات ’’كانيباليّة’’ لأناس أكلوا لحوما بشريّة، أمّا من يحاول الفرار إلى الخارج فإنّه يقع في قبضة الجنود الرومان، و يشير فلافيوس إلى أنّ العدد كان تقريبا 500 شخص كلّ يوم يفرّ، و لكن يتمّ القبض عليهم و صلبهم على عين المكان حتّى أنّه لم تظلّ شجرة واحدة موجودة فكلّها تمّ قطعها و صنع صلبان بها.
في الداخل كان ’’الثائرون أو المتعصّبون’’ [الذين كان ينتمي إليهم يسوع كما أشرنا] يقودون هذه الحركة الشعبيّة و يرفضون كلّ مفاوضات مع الرومان، و يشير فلافيوس إلى أنّهم قبلوا في الأخير إحدى المفاوضات و حين وضع أحد الفيالق الرومانيّة اسلحته كما هو مكتوب في المعاهدة، غدر بهم الثوّار و ذبحوهم، فازدادت الأوضاع تعقيدا، و في قيصريّة قام المواطنون بالقبض على كلّ شخص يهوديّ و ذبحه [يشير فلافيوس إلى 20 ألف شخص قُتلوا، و أظنّه مبالغا فيه قليلا] و في صيف سنة 70 ميلادي استطاع الرومان إحداث فجوات في الحصون و من ثمّة دخلوا إلى المدينة و حطّموها عن بكرة ابيها و سوّوا بمعبد أورشليم الأرض و لم يبقوا إلاّ ثلاثة أبراج لا تزال قاعدتها مرئيّة إلى اليوم، لكن الحروب لم تنته و صارت حروبا أهليّة، اليهود ضدّ اليهود و اليهود ضدّ الرومان.
في خضمّ هذه الإضطرابات و الدماء و الحروب، انبثقت رؤية و نظرة جديدة-قديمة، و هي أنّ الملكوت القادم هو ملكوت روحيّ و ليس أرضيّا، و الخلاص ليس ماديّا بل معنويّ، و الشخص الذي تبنّاها و شكّلها و صارت بعده دينا رسميّا، اسمه بولس،
لا يختلف باحثان اثنان محايدان على أنّ بولس هو مؤسّس الديانة المسيحيّة و ليس يسوع، و قد ذهب
Oxford Dictionary of the Chrisyian Church إلى القول: [بولس] مؤسّس كلّ المنظومة العقائديّة و الدينيّة الموجودة في رسائله ’’1’’ و هذا كلام خطير بطبيعة الحال خاصّة إذا صدر من مثل هذه المؤسّسة، و لكن قبل ذلك علينا أن نعرف من هو بولس و ماذا كتب و على ماذا اعتمد في تأسيسه للمسيحيّة.
نحن لا نعرف شيئا عنه خارج الكتابات المسيحيّة و لكن لا يشكّ المختصّون في تاريخيّة هذه الشخصيّة و وجودها، و تدخل كتابات بولس ضمن المؤلّفات القانونيّة التي تعترف بها الكنيسة، بل هي من إحدى دعائم و لبنات المسيحيّة، و كتابات بولس هي التالية:

1- الرساله إلى افسس
2- الرسالة إلى فيلبي
3- الرسالة إلى كولوسي
4-الرسالة الأولى إلى أهل تسالونيكي
5-الرسالة الثانية إلى اهل تسالونيكى
6-الرسالة إلى رومية
7-الرساله الاولى إلى تيموثاوس
8-الرساله الاولى إلى اهل كورنثوس
9-مالرسالة الثانية إلى تيموثاوس
10-الرساله الثانيه إلى أهل كورنثوس
11-الرسالة إلى تيطس
12-الرسالة إلى أهل غلاطيه
13-الرسالة إلى فيلمون
14-رسالة بولس الرسول إلى العبرانيين

و هي 14 رسالة، لكن و حسب المختصّين، مثل Geza Vermes الاختصاصيّ العالميّ في مخطوطات قمران و الذي سنعتمد كثيرا على بحثه القيّم في هذا الفصل يقول: رسالة بولس إلى العبرانيّين متّفق عليها بالإجماع في النقد الأكاديمي أنّها ليست لبولس (...) أمّا رسائله إلى ثيموثاوس الأولى و الثانية تُعتبران مكتوبتين بعده و لكن مؤسّتان على أفكاره، أمّا الرسالة إلى أفسس و الرسالة إلى كولوسي فهما على ما يبدو من الكتابات الأبوكريفيّة المتأخّرة قام شخص مجهول بتقليده و نسبة الرسالتين إليه، و عليه فإنّ الرسائل التي يرى المختصّون أنّها من كتابة بولس: الرسالة إلى روميّة، الأولى و الثانية إلى كورنثوس، إلى أهل غلاطية، إلى فيلبي، إلى فيلمون، الرسالة الأولى لتسالونيكي و ربّما الثانية كاحتمال ممكن ’’2’’

إذن يتبقّى لنا تسع رسائل يمكن أن نعتبر بولس كاتبها، بين 50 و 60 ميلادي، أمّا الرسائل الأخرى فهي منسوبة إليه، و غنيّ عن الذكر أنّ بولس لا يعرف شيئا عن يسوع التاريخيّ الذي تقدّمه لنا الأناجيل و لا عن عذروايّة مريم [فتدوين هذه الأحداث يبدأ بعده مع حسب مرقس حوالي 75 ميلادي] و إنّما بولس يتحدّث عن يسوع من وجهة نظر أخرى سنراها في هذا الفصل بعد أن استثنينا الرسائل المنحولة عليه، و حسب أعمال الرسل فبولس مولود في طرسوس بجنوب تركيا و هو مواطن رومانيّ بالولادة لكنّه يهوديّ من سبط بنيامين يتبع مذهب الفريسيّين و يفخر بأنّه كذلك، و هو متمكّن من العهد القديم، و يعتمد على تأويله الخاصّ، فهو قادر مثلا على أن يقوم بتأويل النصّ التوراتي ليوافق رؤيته فيجعل اليهود من أبناء هاجر و المسيحيّن من أبناء سارة الحرّة [غلا4، 21-31] و يشكو بولس من مرض يسمّيه ’’ملاك الشيطان’’ [2كو12، 7] و قد اعتبر بعض الباحثين أنّ بولس يشكو من مرض الصرع، أمّا عالم النفس Jung و هو مؤسّس علم النفس التحليلي و صاغ بعض المصطلحات مثل ’’الوعي الجماعيّ’’ ، و في تحليل شخصيّة بولس فقد ذهب إلى الأصول ’’النفسيّة-الجينيّة’’ Origine psychogénétique إلخ..’’3’’ و نحن لا نستبعد إصابة بولس بمرض الصرع الذي يعتبره شوكة في جسده [يذهب بعض المسيحيّين إلى التأويل المجازيّ لنفي هذا المرض] حيث تنتابه بعض الرؤى و التهيّؤات كرؤيته ليسوع أوّل مرّة و اعتقاده بأنّه أرسله و يتكلّم أحيانا بلسان يسوع نفسه رغم أنّه لم يره و لم يلتق به أبدا، أي أنّه في حالة توحّد أو ’’صوفيّة’’ مع فكرة المسيح المخلّص التي استولتْ على تفكيره، و أحيانا يذهب به الجنون أو التصوّف إلى التكلّم بلغة غير مفهومة، يعتبرها لغة الملائكة [1كو13، 1] و هي تسمّى Glossolalia حيث يتكلّم الشخص الذي بصدد الصلاة لغة غير معروفة إطلاقا يعتقد أنّها تترجم تماما الحالة النفسيّة للمصلّي، [و من الممكن أنّ الشخص نفسه لا يفهم ماذا يقول] و هو يعتقد تماما في هذه الطريقة ’’الغيبيّة’’ في التواصل و يعلم أنّها قد تكون مصدر سخريّة لمن يستمع لهذه الكلمات العجيبة: فان اجتمعت الكنيسة كلها في مكان واحد وكان الجميع يتكلمون بألسنة [غريبة] فدخل عاميون او غير مؤمنين أفلا يقولون انكم تهذون. [1كو14، 23]
فشخصيّة بولس هي شخصيّة صوفيّة بامتياز، و تطلق النفس في آفاق ’’التجلّيات’’ بلا حجب أو حدود، و لكن كيف لرجل يهوديّ يعرف العهد القديم معرفة تامّة بل يضيف عليه و يتصرّف فيه، أن يؤمن بإمكانيّة أن يكون لله إبنا و هو أمر غير مطروح إطلاقا في الشريعة اليهوديّة؟
بعد استثنائنا للرسائل التي لم يكتبها بولس -كما أشرنا أعلاه- نلاحظ أنّ مفهوم بولس للمسيح يختلف عن الفكرة السائدة عنه حاليّا و عن الفكرة التي قدّمتها الكنيسة، فهو يعتبر أنّ المسيح فوق مستوى البشر لكنّه بالمقابل يعتبره أقلّ مستوى من الله، فطرحه يختلف تماما عن طرح يوحنّا: في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله. [يو1، 1] فإن كان الطرحان يتشابهان في المصطلحات فإنّ جوهر الفكرة مختلف.

المسيح في تصوّر بولس:

المسيح عند بولس هو آدم الثاني، فكما بدأ البشر بآدم الأوّل، فقد بدؤوا عهدا جديدا بآدم الثاني الذي هو المسيح، لكن علينا أن نفهم جيّدا قصد بولس، فهو يبدأ الرسالة إلى أهل روميّة هكذا: بولس عبد ليسوع المسيح المدعو رسولا الذي يبشّر بإنجيل الله ، و لكن لنستمع ماذا يقول بعدها مباشرة: 2 الذي سبق فوعد به بانبيائه في الكتب المقدسة 3 عن ابنه.الذي صار من نسل داود من جهة الجسد 4 وتعيّن ابن الله بقوة من جهة روح القداسة بالقيامة من الاموات.يسوع المسيح ربنا.

في الحقيقة فإنّ فهمنا لهذه الجملة سيوضّح الكثير من الأمور:
وتعيّن ابن الله بقوة من جهة روح القداسة بالقيامة من الاموات.يسوع المسيح ربنا.
who was declared the Son of God with power by the resurrection from the dead, according to the Spirit of holiness, Jesus Christ our Lord,
τ-;-ο-;-ῦ-;- ὁ-;-ρ-;-ι-;-σ-;-θ-;-έ-;-ν-;-τ-;-ο-;-ς-;- υ-;-ἱ-;-ο-;-ῦ-;- Θ-;-ε-;-ο-;-ῦ-;- ἐ-;-ν-;- δ-;-υ-;-ν-;-ά-;-μ-;-ε-;-ι-;- κ-;-α-;-τ-;-ὰ-;- π-;-ν-;-ε-;-ῦ-;-μ-;-α-;- ἁ-;-γ-;-ι-;-ω-;-σ-;-ύ-;-ν-;-η-;-ς-;- ἐ-;-ξ-;- ἀ-;-ν-;-α-;-σ-;-τ-;-ά-;-σ-;-ε-;-ω-;-ς-;- ν-;-ε-;-κ-;-ρ-;-ῶ-;-ν-;-, Ἰ-;-η-;-σ-;-ο-;-ῦ-;- Χ-;-ρ-;-ι-;-σ-;-τ-;-ο-;-ῦ-;- τ-;-ο-;-ῦ-;- Κ-;-υ-;-ρ-;-ί-;-ο-;-υ-;- ἡ-;-μ-;-ῶ-;-ν-;-

لقد وردتْ هذه الكلمة مرّة واحدة في كامل العهد الجديد، و ترجمتها:’’4’’
ὁ-;-ρ-;-ι-;-σ-;-θ-;-έ-;-ν-;-τ-;-ο-;-ς-;-: determined, declared, not “predestinated,” which is a mistake of the Latin version used by Augustin

فمعنى الكلمة هو الإعلان أو التقرير أو ’’جَعَلَ’’ أي أنّ يسوع صار ابن الله حين قام من الأموات، و ابن الله تعني الاصطفاء و القربى و سنراها لاحقا و لكن لنظلّ مع كلمة ὁ-;-ρ-;-ι-;-σ-;-θ-;-έ-;-ν-;-τ-;-ο-;-ς-;- : منذ القرون الأولى تساءل رجال الكنيسة الأوائل عن معنى هذه الآية دون أن يصلوا إلى إجماع (...) Calvin قال أنّ الفعل يعني ’’أعلن’’ أو إن أردنا أن نصبح دقيقين أكثر فهو يعني ’’قرّر’’ و كأنّه يقصد أنّ سبب تسمية يسوع ابن الله هو قيامته من بين الأموات [و هو فعلا ما يقصده بولس و ما سنراه فيما بعد] أمّا لوثر فقد قال أنّها تعني predestinated و لكنّه يضيف أنّ هذه الكلمة غير جيّدة في هذا الإستعمال (...) و حسب Fitzmyer فإنّ الكلمة تعني ’’جعل’’ و ’’قرّر’’ و لا علاقة لها بـ predestinated إلخ.. ’’5’’
كما نلاحظ فإنّ المؤمنين يؤوّلون الكلمة حسب عقيدتهم، لكنّها تعني أنّ يسوع لم يكن ابن الله و صار ابنه بعد قيامته.
و نحن لن نعتمد فقط على كلمة واحدة خاضعة للتأويل لنبيّن أنّ نظرة بولس إلى المسيح تختلف عن النظرة الحاليّة و إنّما سنقدّم أيضا رؤيته كاملة.
حين يقوم بولس بالصلاة فإنّه دائما يتوجّه إلى الله مباشرة، فحدسه اليهوديّ الموحّد يجعله يفرّق بين يسوع و الله:
يا لعمق غنى الله وحكمته وعلمه.ما ابعد احكامه عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء.(...) لأنّ منه وبه وله كل الاشياء.له المجد الى الابد.آمين [رو11، 33-36]
وللّه أبينا المجد الى دهر الداهرين.آمين [فيليبي4، 20]
فاطلب اليكم ايها الاخوة بربنا يسوع المسيح وبمحبة الروح ان تجاهدوا معي في الصلوات من اجلي الى الله [رو15، 30]
اشكر الهي في كل حين من جهتكم على نعمة الله المعطاة لكم في يسوع المسيح [1كو1، 4]
اشكر الهي اني اتكلم بألسنة اكثر من جميعكم. [1كو14، 18]
وهكذا تصير خفايا قلبه ظاهرة وهكذا يخرّ على وجهه ويسجد للّه مناديا ان الله بالحقيقة فيكم [1كو14، 25]

إلخ... فالشواهد كثيرة، إذن فحين يتقدّم بولس بالصلاة أو حين يتعرّض إلى صفة جوهريّة من صفات الله فإنّه يخصّص الخطاب مباشرة إلى الله أو عن طريق المسيح لكن يبدو لنا واضحا جدّا كيفيّة تفريق بولس بين المسيح و الله.
فالمسيح في تصوّر بولس هو الجسر المؤدّي إلى الله، أو هو الطريق الصحيح أو هو الإبن المثال الذي يجب اتّباعه، و رغم أنّه يرفعه عن مستوى البشر فإنّه يجعله أقلّ من مستوى الله: ولكن اريد ان تعلموا ان راس كل رجل هو المسيح.واما راس المرأة فهو الرجل.وراس المسيح هو الله.[1كو11، 3]
و بولس يبني رؤيته على المسيح كمثل الرؤية الصوفيّة، أي توحّد الإنسان مع الله، و عند بولس فالإنسان أو بالأحرى الفكرة المثال التي هي المسيح، فالمسيح متوحّد مع الله، بوصفه الطريق التي تؤدّي إليه، أو بوصفه النور أو الكلمة الحقيقيّة لله، لكن يظلّ هناك فرق بين الكلمة و النور و بين مصدرهما، حيث إن طهّر الإنسان نفسه و تتبّع تعاليم المسيح يصبح هو أيضا ابن الله و جزءا من الله، لكن دائما هناك فرق ففي الأخير لا يظلّ إلاّ الله، و لنستمع لهذا الطرح الصوفيّ بامتياز:
لانه كما في آدم يموت الجميع [الجسد الخاطئ]هكذا في المسيح سيحيا الجميع.[المسيح هو الطريق إلى الحياة و هو النور] ولكن كل واحد في رتبته.المسيح باكورة ثم الذين للمسيح في مجيئه. وبعد ذلك النهاية متى سلم الملك للّه الآب متى ابطل كل رياسة وكل سلطان وكل قوة. لانه يجب ان يملك حتى يضع جميع الاعداء تحت قدميه. آخر عدو يبطل هو الموت. لانه اخضع كل شيء تحت قدميه.ولكن حينما يقول ان كل شيء قد أخضع فواضح انه غير الذي اخضع له الكل. ومتى اخضع له الكل فحينئذ الابن نفسه ايضا سيخضع للذي اخضع له الكل كي يكون الله الكل في الكل [1كو15، 22-28]
-------------------------------------------

أمّا عن كلمة ابن الله فكلّ شخص يمكن أن يكون ابن الله و ليس فقط يسوع، أي أنّ التسمية رمزيّة: لانكم جميعا ابناء الله بالايمان بالمسيح يسوع [غلا3، 26] فالمسيح هو ابن الله الأوّل الذي عرفه ومن ثمّة نصير كلّنا ابناء الله حين نعرفه بفضل المسيح، هذه هي فكرة بولس الجوهريّة التي نجدها في كتاباته الأصليّة وليس التي أضافها تلاميذه أو رجال الكنيسة فيما بعد.
وهذه الفكرة الجوهريّة التي تعتمد على الخلاص في شخص المسيح يمكننا اعتبارها ثورة معرفيّة على التقاليد اليهوديّة السائدة منذ موسى، فأجرة الخطيئة هي الموت [رو6، 23] والجسد دائما خاطئ، لذلك فالموت مكتوب عليه دائما، لكن مع قيامة المسيح اختلفت الأمور، لأنّه قام من بين الأموات وبالتالي هزم الخطيئة واستطاع أن ينال الحياة الأبديّة، فالمسيح هو آدم الثاني، فآدم الأوّل قبل الخطيئة كان لا يموت وما أن أخطأ حتّى صار معرّضا إلى الموت، وامتدّت هذه الخطيئة أجيالا وأجيالا حتّى استطاع المسيح قهرها وقام من الموت لذلك فهو آدم الثاني والذي سيدخل كلّ من يتّبعه في الحياة الأبديّة، ويكون ذلك في البداية بالتعميد، وغنيّ عن القول أنّ التعميد بسكب الماء على الشخص قد أسقط كلّ رؤية بولس، لأنّ التعميد الحقيقيّ هو أن يغطس الشخص بكامله ثمّ ينبثق من الماء وكأنّه انبثق أو تخلّص من الموت وقام من جديد ليدخل في الحياة الأبديّة، فالتعميد الحقيقيّ هو الولادة الكاملة من رحم الماء.
لكن الخطيئة الأولى غير موجودة في التصوّر اليهوديّ، فهذه صناعة بولسية بحتة، فالموت هو من طبيعة الإنسان حسب التصوّر اليهوديّ [بل والتصوّر العلميّ أيضا] وكلّ نفس تحمل الفجور والتقوى [كما نجد في مخطوطة قمران 1QS 3, 18-19 ] ولكن الخطيئة ليست متوارثة جيلا عن جيل بل هذا الفجور والتقوى الموجود في النفس قد خلقه الله أيضا.
فرؤية بولس للخطيئة هي رؤية جديدة لا نجد لها رؤية موازية في التراث اليهوديّ، فمن أين جاء بولس بهذه الرؤية؟
جاءت هذه الرؤية من فهمه للناموس: من اجل ذلك كأنما بانسان واحد دخلت الخطية الى العالم وبالخطية الموت وهكذا اجتاز الموت الى جميع الناس اذ اخطأ الجميع. 13 فانه حتى الناموس كانت الخطية في العالم.على ان الخطية لا تحسب ان لم يكن ناموس. 14 لكن قد ملك الموت من آدم الى موسى وذلك على الذين لم يخطئوا على شبه تعدي آدم الذي هو مثال الآتي [رو5، 12-14] فلولا الناموس لم تكن هناك خطيئة، لولا الشرائع لما كان هناك عقاب، إذن يلزم شيء أكبر وأشمل من الناموس والتشريع، حتّى وإن كان هذا الناموس منزّلا من الله على موسى، لأنّ هذا الناموس يخبرك بأنّ هذا الشيء خير وهذا الشيء شرّ ولكنّه لا يمنعك من فعله، إذن يلزم تطبيق روح الناموس قبل الناموس، يلزم الاعتقاد قبل التطبيق: نعلم ان الانسان لا يتبرر باعمال الناموس بل بايمان يسوع المسيح آمنّا نحن ايضا بيسوع المسيح لنتبرر بايمان يسوع لا باعمال الناموس.لانه باعمال الناموس لا يتبرر جسد ما. 17 فان كنا ونحن طالبون ان نتبرر في المسيح نوجد نحن انفسنا ايضا خطاة أفالمسيح خادم للخطية.حاشا. 18 فاني ان كنت ابني ايضا هذا الذي قد هدمته فاني اظهر نفسي متعديا. 19 لاني مت بالناموس للناموس لاحيا للّه. 20 مع المسيح صلبت فاحيا لا انا بل المسيح يحيا فيّ.فما احياه الآن في الجسد فانما احياه في الايمان ايمان ابن الله الذي احبني واسلم نفسه لاجلي 21 لست ابطل نعمة الله.لانه ان كان بالناموس بر فالمسيح اذا مات بلا سبب [غلا2، 16-21]
غنيّ عن القول أنّ رؤية بولس المتطوّرة هذه والتي تتّجه نحو جوهر الناموس وليس فقط شكله، وهي ممّا يُحسب له، تتعارض مع رؤية يسوع نفسها في الأناجيل حيث يرفض أن تتغيّر كلمة واحدة من الناموس، ولكنّنا نستطيع دائما إيجاد حلول وتبريرات نغطّي بها هذا التناقض، كما هو موجود في كلّ دين.



#كريم_ثاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل هناك كائنات خارج الارض
- الاسرائليات روايات
- هل المسيح يهودي الاصل
- منبع الكتب المقدّسة الأساطير


المزيد.....




- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- صالة رياضية -وفق الشريعة- في بريطانيا.. القصة الحقيقية
- تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم.. خطة إسرائيلية لتغيير الواقع با ...
- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس
- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - كريم ثاني - يسوع قراءة و تحليل و نقد ( 1 )