أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نورا جبران - خيانة الذاكرة














المزيد.....

خيانة الذاكرة


نورا جبران

الحوار المتمدن-العدد: 4400 - 2014 / 3 / 21 - 23:04
المحور: الادب والفن
    


نظرَت في المرأة.. وكعادتها في التواطؤ مع الذكريات جلبت لها المرآة آلاف الصور.. بدءاً من وجهها الذي أنهكته أعوام الوحدة العشر.. وحتى ذلك اليوم الذي التقته فيه أول مرة ..

ثمانية أعوام ظل يكيل لها الكلمات والوعود.. يرسل لها تفاصيل أخباره.. ويشاركها صور التفاصيل.. ثمانية أعوام ظل يعدها بالعودة.. بعد أن رحل لإتمام دراسته، وبقيت في منفاها أسيرة انتظاره.. كانت تدرك جيدا أن الانتظار شيء من العبودية.. كانت تفكر دائما بأن الحرية هي الانعتاق من قيد انتظار شيء ما.. كانت رغم جنونها بالحرية تحترف عبودية انتظاره..
كان تهمس لنفسها: "مثله جدير بالانتظار..!"
منذ عامين توقف عن إرسال أخباره وصوره.. توقف عن رواية تفاصيل غربته ووعود عودته..
كان قد عاد فعلا!
كانت عيناه لا تزالان تتراءيان لها حين بزغ الفجر وقد باءت محاولات نومها بالفشل.. فقررت مغادرة السرير، لأن محاولات النوم هذه لن تجلب لها سوى المزيد من المشاهد والصور..
جمعت شعرها المتناثر.. ومشت باتجاه الحمام.. غسلت وجهها وبقايا الكلمات المندسّة في سيل الصور الذي بقي يراودها طوال الليل..
وقفت تعدّ قهوة الصباح.. تستحضر أسراب الحكايات التي لم تنم منذ ثلاثين عاماً، تقضيها الآن في هذا الجانب من العمر..
تنفست رائحة القهوة .. تذكرت يوم جاءها في ذلك الصبح متسللا وقد بلّله المطر.. نزع معطفه وتقدم خطوات ليغمر جسدها من الخلف بكامل جسده.. قال: ما أجملك وأنت تعدّين قهوة الصباح!
حنى رأسه على كتفها وسحب نفسا عميقا من رائحة عطرها الشتوي الدافيء التي اختلطت برائحة القهوة .. أخذها إليه، وقال: يا دفء الصباحات الباردة.. حلمت بكِ طوال الليل..
قبّلها..
وتابع: أردت أن أرتشف قهوة الصباح من يديك.. فللقهوة معك طعم مختلف.. طعم سُمرتك الشهيّة!
كانت تتأمله بابتسامة صامتة.. قبّل يديها وحمل فنجان القهوة الذي كانت تعده لنفسها.. وشرعت هي في إعداد آخر..
- ألم تقل إنك لن تتمكن من المجيء قبل نهاية الأسبوع؟ إنه الاثنين بعد..
- لم أستطع! لم أقوَ على الالتزام بما قلت.. طيفك لم يفارق عيني ثانية واحدة.. وحين نمت حلمت بك كثيرا.. بالكاد استطعت انتظار الصباح! أحب رؤية وجهك صباحاً.. أعشق عينيك مثقلتين ببقايا النوم.. أحب روحك صافية إلا من الليل الذي تساهرين..
قبّلت عينيه.. وجلسا يحتسيان القهوة..
- أنتِ مرهقة
- لم أنم.. ظللت أتقلب حتى الفجر، ثم غادرتُ السرير..
- ؟
- لا شيء.. أرق يباغتني بين الفينة والأخرى..
- فيم تفكرين؟
- أفكر فيك.. في العمر الذي قضيناه معا.. في العمر الذي نعيشه اليوم غرباء..
- نحن معا.. وسنعيش معاً..
- لا تحاول تزييف الحقائق.. نحن لسنا معا.. نحن نسرق اللحظات والأماكن.. نحاول أن نكون معا.. أنت هناك .. وأنا هنا يطويني الغياب..
- حبيبتي .. تعلمين أنّي أعيش كل حياتي معك أنت.. أنا هناك غريب.. أنا حين أكون هناك، أكون كُلّي هنا.. وتكونين أنت ملاكي الحارس .. وحلمي الأشهى!
لم تدرك أنها منذ عامين وحدها كانت تحتسي فنجانان من القهوة كل صباح.. تتجاذب مع الفراغ أطراف الحديث والعتاب.. تبحث معه عما يمكن أن يوضح لها ملابسات ما حصل.. وأسباب الغياب.. كانت وحدها حين استحضرته ذاكرتها ذات قهوةٍ وشتاء..
جرس المنبّه الذي يؤذن بانطلاق الحياة في جنبات نهار جديد، هو وحده ما أخذها من جلستها تلك ليجلبها إلى عالم الحقيقة التي تحياها في هذه المدينة المعتمة الباردة!
المدن الباردة تتواطأ مع الصور القديمة والذكريات..
مسحت دموع الصدمة.. جمعت فناجين القهوة.. أخذت حماما سريعا دافئاً.. جففت شعرها بلا تصفيف.. هكذا كان يحبه، متناثرا على سجية الحياة في خصلاته الكستنائية.. تناولت "البلوزة" البنية التي أهداها في عيد ميلادها الثامن والعشرين.. حين عاد وفي يده خاتم زواج أخفاه عنها أعواماً.. كان طيلة السنوات الثمان يرسل لها نصف التفاصيل .. نصف الحكايات.. ونصف الصور!
دافئة جدا هذه الهدية البنيّة.. لماذا أدمنُ ارتداءها رغم اقترانها بعودته التي حملت سوءة الغياب؟!
إنّها دافئة وكفى.. دافئة كذلك الصباح التشريني المشمس بين صباحات تشرين الباردة.. ذلك الصباح الذي التقته فيه .. كان هادئا كأوراق الخريف ..
كانت تعتقد أن خيانة الذاكرة هي النسيان.. نسيان الأسماء والأماكن والتفاصيل.. والآن فقط أدركت أن الذاكرة تخون حقا حين تستعيد كل التفاصيل التي نفني أوقاتنا أحيانا بالهرب منها..
تناولت معطفها الأسود الطويل.. جمعت شعرها إلى منتصف رأسها.. حملت مظلتها والحقيبة.. ومضت إلى العمل..



#نورا_جبران (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أيّار الياسمين


المزيد.....




- تحية لروح الكاتب فؤاد حميرة.. إضاءات عبثية على مفردات الحياة ...
- الكاتب المسرحي الإسرائيلي يهوشع سوبول: التعصب ورم خبيث يهدد ...
- من قال إن الفكر لا يقتل؟ قصة عبد الرحمن الكواكبي صاحب -طبائع ...
- أروى صالح.. صوت انتحر حين صمت الجميع
- السعودية تخطط لشراء 48 فدانا في مصر لإقامة مدينة ترفيهية
- هل يشهد العالم -انحسار القوة الأميركية-؟ تحليل فالرشتاين يكش ...
- التمثيل النقابي والبحث عن دور مفقود
- الفنان التونسي محمد علي بالحارث.. صوت درامي امتد نصف قرن
- تسمية مصارعة جديدة باسم نجمة أفلام إباحية عن طريق الخطأ يثير ...
- سفارة روسيا في باكو تؤكد إجلاء المخرج بوندارتشوك وطاقمه السي ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نورا جبران - خيانة الذاكرة