محمود عبد الرحمن حسونة
الحوار المتمدن-العدد: 4379 - 2014 / 2 / 28 - 14:28
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الطبع البشري
المكان سريبرينيتسا ، الزمان تموز 1995م ، الواقعة مذبحة ، التهمة الانتماء الديني !!
يتم فرز السكان الضعفاء ، الرجال والصبيان للإعدام ، والتهم جاهزة الانتماء الديني لا حاجة للمحاكم ولضجرها !! الأيدي مقيدة إلى الخلف ، الضحية تجثو على ركبتيها ، ولتوفير الذخيرة يتم الإعدام برصاصة واحدة لكل ضحية ، رصاصة واحدة من الخلف تكفي ، تخترق قفا الرأس لتخرج من جبهة الضحية ، موت هادئ رحيم ومنظم ومتدرج و رتيب بلا ضجيج أو صخب ، تشهق الضحية و تنهار بلا حراك ، لا تسمع سوى صوت الطلق الناري لا صراخ لا عويل ، فقط صوت الموت يزدحم ويكتظ لكن بانتظام دون فوضى أو تزاحم !!! حضارة القتل فأنت في أوروبا منارة الحرية و التقدم والمدنية وحقوق الإنسان !! وتماسيح الأمم يعدّون الضحايا ويصنفونهم ، و كفى !!! ويتناسون أن للضحايا أسماء بشرية كأسماء كل البشر ، و ليس أسماء لصيد حيواني رخيص و دموي ، وأنّ للضحايا أحلام وقلوب و أرزاق و أماني و أحبة .
كانت صافيتا محييتش في الرابعة عشرة من عمرها ، عندما شاهدت شقيقها صفوت للمرة الأخيرة ، كان عمره سبعة عشر عاما ، ما زالت تذكر ملابسه بألوانها بعد عشرين عاما من المذبحة تقول : ( كان يلبس قميصا أزرق ، عندما حاول الهرب من سربرينيتسا عبر الغابة مع رجال آخرين ، ما كان يجب أن يفعل ذلك ).
تنهمر الدموع من عينيها ، ( لقد حطمني ذلك ، صفوت كان شقيقي الوحيد )
الأحجية واللغز الذي يتكرر كيف يتحول الإنسان لوحش ليفتك و ينكل بأخيه الأنسان ؟؟؟!!!
والظلم من شيم النفوس فأنّ تجد ذا عفة فلعلة لا يظلم . (المتنبي )
أما الأطفال والرضّع فيقتلعون من أحضان أمهاتهم ، أتدري ماذا تفعل بأم تنتزع رضيعها منها ، وهي تعرف ماذا سيكون مصيره ؟؟!!
أنت تغرس كفا فولاذية في صدرها ، تعصر بها فؤادها بقسوة ، وتنزعه من بين ضلوعها وتقذفه وتدوس عليه بلا شفقة !! أنت تقتلع مقلتيها وتسلخ جلدها ، وتتركها هائمة مجنونة ، لو استنطقتها لقالت اقتلني ألف مرة و لا تفعل ذلك بولدي !!
صدق نزار قباني حين قال : الشعر لا يُترجم ، فهو إحساس ، مشاعر تلك الأم لا تترجم إلى كلمات بأيّ لغة من لغات البشر مهما كانت ، لا يمكن أن تترجم مشاعر الأم لحظة انتزاع طفلها لا باللغة المنطوقة ولا بالإيماءات ولا بالرسم أو النحت ستفشل فشلا ذريعا ، لا تقل لي يمكن ذلك بشعر منظوم أو بكلام منثور وإلا فأنت واهم ، عند تلك اللحظة المجنونة تخرس الألسن وتحتار وترتبك ، لكن المجرم لا يفهم و لا يعي هول جريمته !!
ثم تبدأ حفلة الموت والقمار والجنون ، المجرمون ثملون القتل بنكهة الفودكا بقطع الثلج !! الوقت صيف و الصيف فصل الفوران والجنون ، يلقون الأطفال من فوق جسر نهر درينا إلى النهر ، والقناصة الثملون يتراهنون على صيدهم لحظة الهبوط ، من ينجو من القنص ، لا ينجو من الغرق في النهر ، و تماسيح الأمم المتبلدة يشاهدون (الأكشن ) والإثارة في لعبة الموت مع أطفال بأرواح بشرية ، هؤلاء الأطفال ليسوا دمىً ، ليسوا بطًا بريًا ، إنهم أرواح بشرية لهم أمهات وآباء وأخوة ( الكلمات الطيبة لا تعيد لي أطفالي ، لقد تعبت من الكلام الذي هو لا شيء )
الأحجية واللغز دائما في الطبع البشري !!! أنت في أوروبا الحضارة والمدنية أنت في أوروبا منارة الحرية والديمقراطية !!! حضارة زيف وزيف !!! الغلاف الخارجي لامع يبهرك ، تحضّر ومدنية وحرية وحقوق إنسان ، ومن الداخل خراب فكري فراغ وخواء ، توحش و جنون قميء.
الشرائع السماوية هبطت علينا للرحمة وللعدالة و الهداية لا يمكن - مهما كانت - أن تبيح زهق الأرواح بتهمة الانتماء الديني لا أصدق ، ما أصدق أنّ هناك خلل في فهم النصوص .
أما النساء والصبايا و العجائز فإلى وليمة الاغتصاب المروع !! لا مجير ولا رفيق !!! الهواء صخر واللحظات لزجة ، مراً يمر الوقت ، بعض النساء كانت ترفع أذرعها في الفراغ لفوق ، ثم تزمها تقبضها وكأنها تقبض على شيء ، أتدري لماذا ؟؟!! كانت السيدة منهنّ تبحث في الفراغ عن شيء ينقذها من هذا الوحل من الروث والعفن والدنس تقبض عليه ليسعفها لينجيها ، وهي للأسف تقبض على لا شيء ، تقبض على فراغ وخواء ، والعجيب أنّ كل مجرى كان بوجود الفرقة الهولندية التابعة للأمم المتحدة التي كلفت بحماية الضعفاء !!!!!!!!!!!
خراب روحي لا مثيل له ، واللغز والأحجية دائما الطبع البشري الذي يمكن أن يتحول لجنون ووحش أشد افتراسا من كل من في الغابة أنت في أوروبا المدنية والحضارة غلاف لامع مزيّن لجنون وانحطاط !!!
التاريخ يتكرر ، في مشاهد البشاعة الإنسانية ، يوم من الماضي يتكرر في يوم من الحاضر!!! اليوم في أفريقيا الوسطى شركات لتوزيع الموت !! ركام من الجثث ، الثابت هو القتل ، وما ليس ثابتا هو نوع القتل ،هل ذبحا بالسكاكين ، أم ركلا ورفسا ككلاب ، أم جوعا وعطشا ،أم سحلا في الشوارع ؟؟!! في أفريقيا الوسطى القتل صارخ وفوضوي غير منظم ليس بهدوء أوروبا ، فهم أقل مدنية وحضارة من أوروبا ، ليس على طول القامة أو لون البشرة أو لون العينين أو نوع العرق أو شكل الأنف والشعر !!! فكلهم بنفس الصفات ، القتل يتم بتهمة الانتماء الديني !!! وتماسيح الأمم البليدة تتفرج ، تحصي وتستنكر بشدة فقط !!! والمفارقة المرّة صمت حضارة القيم والحرية والعدالة !!!
لا يمكن أن تحرّض الشرائع السماوية على قتل الإنسان ، مستحيل !! هناك تحريف وتلفيق ، لا يمكن استباحة الإنسان بالشرور والظلم باسم دين سماوي .
إن ما يجري في أفريقيا الوسطى وقبله في مينا مار يتساوى شكلا وقلبا مع ما حث في مدينة بني غازي الليبية ، مع عمال مصريين يقال أنهم أقباط ، الجريمة هي الجريمة القتل في أفريقيا الوسطى وفي بني غازي متساوٍ في الشكل والجوهر فكلتاهما على تهمة الانتماء الديني ، التصحيح والنقض يجب أن يكون في فهم الشرائع السماوية وفي الخلل في منظومة القيم ، لا تبحث عن مبرر في أيّ نص سماوي يمكن أن يبرر القتل لإنسان بتهمة الانتماء الديني.
الإساءة هي الإساءة لا يمكن تبريرها أو ترقيعها لتأخذ شكلا مقبولا آخر كما يظنون !! حيث يتساوى مفهوم العداء في غياب القانون ومفاهيم العدالة .
(علينا أن نتعلم العيش معاً كإخوة ، أو الفناء معاً كأغبياء )
بقلم : محمود حسونة ( أبو فيصل )
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟