البعثة الاقتصادية المصرية إلى السودان 1935

أشرف صالح محمد

الحوار المتمدن-العدد: 4372 - 2014 / 2 / 21 - 16:47
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    

قام فؤاد أباظة مدير عام الجمعية الزراعية الملكية المصرية في مستهل سنة 1934 برحلة جوية لجمع معلومات عن زراعة القطن في وادي النيل، حيث شاهد منابع النيل وتجول في مناطق زراعته، وفي ختام هذه الزيارة قدم مذكرة عن زراعة القطن في السودان وهو الهدف الأساسي الذي جاء من أجله، حيث أشار بقوله إلى أن الأحوال في السودان في الوقت الحاضر ليست على ما يرام، وخاصةً من الوجهة الاقتصادية والتجارية البحتة، وأنه لابد من زيادة التعاون الزراعي والتجاري بين البلدين.

ولقد عرض فؤاد أباظة على الأمير عمر طوسون، رئيس الجمعية الزراعية الملكية فكرة تكوين بعثة مصرية لزيارة السودان، لتنمية العلاقات الاقتصادية بين البلدين، فأبدى الأمير عطفه وتشجيعه، فكان مشهورًا باهتمامه بكل ما يتعلق بأمور السودان. وشكلت لجنة بالجمعية الزراعية لدراسة الفكرة، وكذلك قابل فؤاد أباظة، رئيس الغرفة التجارية السودانية وكان موجودًا في مصر وبحث معه تفاصيل المشروع، فتلاقت الأفكار حول هذا الموضوع، إذ كان رئيس الغرفة يعمل من جانبه لتحقيق مثل هذه الأغراض.

أهداف البعثة
هدف زراعي يتعلق بالتعرف على نوعية التربة الزراعية السودانية، وأنواع المزروعات التي يمكن زراعتها، ورغبة الجمعية الزراعية المصرية في إنشاء عزب على نفقتها تقوم فيها بأعمالها التجريبية، بالإضافة إلى تكوين شركة زراعية. هدف يتعلق بالجانب التجاري، وهو يحتاج إلى مزيد من النشاط والتوسع والتنظيم.

وكان قيام البعثة من مصر في 25 يناير 1935 عن طريق السويس، لتصل إلى ميناء بور سودان في 28 يناير 1935. وقبل مغادرة مصر أرسل فؤاد أباظة تلغراف إلى الأمير عمر طوسون يشكر سموه على الرعاية التي أولاها للبعثة وتشجيعه. وقد تكونت البعثة من (32) عضوًا يمثلون الجمعية الزراعية، وجمعية خريجي مدارس الزراعة، والنقابة الزراعية العامة، والغرفتين التجاريتين بالقاهرة والإسكندرية، وكبار الزراع والتجار والأعيان. وكان يرأس البعثة رشوان محفوظ باشا، ومقررها فؤاد أباظة.

جولات ودراسات البعثة في السودان
إن الشعب السوداني وعلى رأسه المسئولين قد أظهروا كل مشاعر الود لأعضاء البعثة، ففي كل مكان من أرض السودان حلوا به وجدوا ترحيبًا حارًا، الأمر الذي يعكس النوايا الطيبة لدى الطرفين في إعادة الصلات الاقتصادية إلى درجة عالية من القوة. ولقد تألفت لجنة لاستقبال البعثة في بورسودان ومرافقاتها حتى نهاية الرحلة، كان على رأسها مسيو كونتو ميخالوس (M. Contamichalos) رئيس الغرفة التجارية بالسودن سابقًا.
ويبدو أن حسن الاستقبال قد بدأ قبل وصول البعثة إلى أرض السودان، فقبل أن تقلع الباخرة من السويس، تلقى أعضاء البعثة دعوات كثيرة من السودان؛ من ذلك حفلة شاي يقيمها الحاكم العام للسودان، ودعوة من السيد الميرغني زعيم الطريقة الختمية الذي يتمتع بمكانة روحية في السودان.
ويمكن تقسيم برنامج البعثة إلى مجالين: زراعي، وصناعي تجاري. وبالنسبة للمجال الزراعي، فقد كان اهتمام رجال البعثة بالأمور الزراعية قد أخذ منهم وقتًا كبيرًا، فلم يجلسوا مع المسئولين لسماع أحاديث نظرية، ولكنهم قاموا بزيارات ميدانية ليتعرفوا عن كثب على كافة المشاكل التي تواجه الزراعة والسبل الموصلة إلى استفادة مصر والسودان في هذا المجال.
ولقد كان من الطبيعي أن تزور البعثة الأراضي التي تزرعها أسرة المهدي، والتي كان على رأسها آنذاك السيد عبد الرحمن المهدي، وبلغت المساحة التي يزرعها المهدي ثلاثين ألف فدان، منها ثلاثة آلاف فدان منزرعة قطن. وقد بلغ عدد مَنْ يعملون لحساب السيد المهدي (750) زارعًا بالإضافة إلى أسرهم، وقد أعد لهم منازل، ومستشفى، ومدرسة. ومن الأمور اللافتة للأنظار أن السيد عبد الرحمن المهدي كان يقدم الرعاية اللازمة لمزارعي أراضيه، فقد أعد لهم السكن وقام بالإنفاق على زواجهم، والاهتمام بشئونهم الصحية.
وقد زارت البعثة مزارع القطن في أرض الجزيرة التي تتمتع بخصوبتها وإمكان ريها عن طريق الطلمبات. وكانت الحكومة السودانية عازمة على إنشاء خزان على النيل الأبيض، فوضعت مشروع خزان سنار، إلا أن العمل توقف فيه بسبب الحرب، واستمرت الحكومة في انشاء الطلمبات، وفي أعقاب الحرب عادت الحكومة لمشروع خزان سنار، وتم إنشائه في 1925 – 1926.
أما المجال الصناعي التجاري، فلا يمكن القول أن البعثة قد زارت أو شاهدت مصانع ذات إنتاج كبير، بل كان أكثرها أو كلها بسيط جدًا، وقام على ما تنتجه البلاد في المجال الزراعي. ويذكر أنه كان للبعثة نشاط تجاري هام تمثل في الزيارات التي تمت للأسواق والتعرف على أسعارها وقيمتها الاقتصادية، ومدى ما يمكن أن تحتاجه السوق المصرية منها والدعاية لها، والتعرف على مدى النقص السلعي في السوق السودانية، وعقد الصفقات، بالإضافة إلى دراسة هذه الأمور دراسة اقتصادية. ويبدو أن هذه الأمور قد بدأ تنفيذها منذ أن وطئت أقدام رجال البعثة المصرية المركب التي أقلتهم للسوادن، حيث قدم كل من عبد المجيد الرمالي، ومحمد حسين الرشيدي هديتين للركاب من إنتاج مصنعيهما، فقدم الأول الشكولاتة والملبس، وقد الآخر الحلاوة الطحينية، فكانت دعاية ظريفة وذكية.

نتائج البعثة
المجال الزراعي: في بيان البعثة الذي صدر قبل مغادرتها السودان، أبدت حكومة السودان استعدادها لقبول مبدأ شراء أراضي زراعية في السودان، كما طُرحت أفكار بإنشاء شركة زراعية برؤوس أموال مصرية سودانية. وقد جرى مناقشة موضوع شراء الأراضي وتكوين شركة زراعية على صفحات الجرائد، وأشارت صحيفة "حضارة السودان" بأن هذا المشروع يرمي إلى تقوية الروابط الاقتصادية بين البلدين (مصر والسودان)، كما اتفق الطرفان على أن يُطلب من الحكومة المصرية حماية حاصلات السودان ضد حاصلات الدول الأخرى، وتخصيص مكان للسودان في المعرض الزراعي الصناعي الذي تقيمه الجمعية الزراعية المصرية بالجزيرة في أوائل سنة 1936 لعرض حاصلات السودان ومنتجاته للتعرف عليها والإقبال على شرائها.
المجال التجاري: من أهم النتائج التجارية، تأليف لجنة دائمة في القاهرة انضمت إلى وزارة التجارة والصناعة، وأخرى في الخرطوم من هيئة الغرفة التجارية السودانية لتبادل الآراء وبحث المسائل التجارية، وإنشاء مكتب دائم في الخرطوم لتصريف المنتجات المصرية وعرضها والدعاية لها.
مجال الصادرات والواردات: تم الاتفاق على أن تتصل البعثة المصرية بالحكومة المصرية لإلغاء ضريبة الإنتاج على الإسمنت والكبريت المصدر إلى السودان. وإذا كانت التجارة لا تنتعش دون الاهتمام بالمواصلات، فقد اقترح تحسين طرق المواصلات بين مصر والسودان، وتخفيض الأجور العالية للتلغرافات، وإيجاد مخابرات تليفونية بين البلدين.
كذلك فقد كانت للبعثة الاقتصادية المصرية نتائج مرجوة فيما يتعلق بالمفاوضات المصرية البريطانية، فمن المعروف أن السودان كانت حجرة عثرة في طريق هذه المفاوضات، والآن قد تأكد لأعضاء البعثة أن الحالة في السودان تخالف ما كان يعتقده البعض في مصر، الأمر الذي سوف يؤدي إلى إزالة العقوبات والوصول إلى تفاهم شريف بين مصر وبريطانيا.

المراجع:
- حمدنا الله مصطفى حسن، "البعثة المصرية الإقتصادية للسودان عام 1935".- مجلة مصر الحديثة (تصدر عن دار الكتب والوثائق المصرية) ع2؛ القاهرة 2003.
- عبد الله حسين، السودان: من التاريخ القديم إلى رحلة البعثة المصرية.- القاهرة: كلمات عربية للترجمة والنشر، 2013.

#أشرف_صالح_محمد (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات