أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعدي عباس العبد - نهارات سود














المزيد.....

نهارات سود


سعدي عباس العبد

الحوار المتمدن-العدد: 4369 - 2014 / 2 / 18 - 18:40
المحور: الادب والفن
    




• أنا أسود .. وأمّي سوداء , .. امّي تزداد سوادا باسمالها السود , الرثة الملّتفة على بدنها الضامر .... وأبي والأيام وانفاسي وصوتي ورموشي وذكرياتي , كلّها سوداء , انا غيمة سوداء تتبدّد حالما افرش ضحكة سريعة على شفّتي , ضحك يكشف عن وهج حليبي يشّع من اسناني البيض , اسناني البياض الوحيد الملّتمع في وجهي الاسود .. اما البياض الاشد بريقا . فلا احد يراه .. يلتمع هناك في اعماقي البيض مثل الشمس ..
• تنزلق قدمي في مياه الجرف وتغوص غاطسة في الطين , فيغيّب سواد عورتي وسرّتي ..ويبتلع الماء سوادي الاسفل تماما , .. ومن بعيد المح الرهط الابيض قادما لنهر . الرهط الذين هم اترابي ولكن ما كان يفصل بيننا غالبا هو السواد الذي يطبع بشرتي القاتمة ..نزلوا إلى النهر وثبا .. فرأيت جلودهم البيض تلتمع في نور النهار .. وحالما لمحوني رشقوني بكتل الطين ..فاطلق صياحا ممدودا يتصاعد في الهواء وابادلهم التراشق بالطين وانا اطفو مثل لوح اسود فوق الماء ... وعندما خرجت من النهر لم ارَ ثيابي ..فيصيبني الاضطراب وسرعان ما اجهش بالبكاء وقبل انّ اسألهم عنها يرشقونني باكوام من الطين وهم يردّدون : اسود .. اسود مثل القير ...يقفز قفزات الخنزير ... , فيخفق قلبي الابيض , يثب خارج سوادي .... فاعود إلى البيت عاريا ..اضع يدي على عورتي وامشي ..في الطريق لمحت بنت الطبيب البيطري , كانت ترى اليّ دهشة ,وانا ابكي بصوت عال .. وعلى مقربة من البنت صديقتي بنت الطبيب لمحت امّي السوداء , فجرت ناحيتي وقادتني إلى المزرعة التي يرعى فيها أبي قطيعا من ابقار الطبيب.. كنا نقطن كوخا قائما جوار بيت الطبيب .. تتوغل امّي بكامل سوادها ناحية المساحات الخضر في المزرعة , وانا اقتفي أثرها , واحدّق في البنت البيضاء صديقتي التي ما زالت ترقبني على مقربة وهي تفرش ابتسامة لامعة على شفتيّها فيزداد وجهها بيضا واشراقا .. فامد يدي الراعشة إلى ما بين فخّذي واجري مرتبكا ..وعندما استدير برأسي للوراء ناحية البنت ,المح بياضا يلتمع جوار البنت , كان يشع من وجه ولد يقاربني في السن كان واقفا جنب البنت صديقتي ,.. كان احد اقربائها التحق الى بيت الطبيب قبل اسبوع ..ومنذ اسبوع لم اعد ارها او منذ هبوب العاصفة البيضاء او الولد الابيض , فاستحالت نهاراتي الى اشد سواد من وجهي , سواد مطبق ..فتلاشى ذلك الجزء الابيض الذي كان يصلني بالمساحات لبيض ..كانت هي النقطة البيضاء التي كانت تغمر سوادي بشعاع من المودّة ..كانت تجلس جنبي تحت الشجرة , يدها على ذراعي ينسفح بياضها غزيرا فيبدّد جزءا من مساحة السواد ,.. كانت يدي كمظلة سوداء تمتد الى رقبتها البيضاء العارية فيندلق لون اسود يغمر البياض ........ اتسلق الشجرة وهي تضحك فيشع في داخلي فرح ابيض . فاخرج من فمي صفيرا كألغناء , فاسمع امّها تهتف من بعيد . فتختفي رائحة البنت في الريح ..ولما لم اعد اراها , اهبط من على الشجرة مثل قط اسود . واستلق على العشب .. فتقع عيناي على قامتها الراكضة ناحيتي , فامتلاء بالغبطة وانا اراها تقف فوق رأسي , يتدلى من بين اصابع يدها عنقود عنب اسود ..[ اعطِ عنقودا للعبد الاسود صديقكِ ] تقول البنت هكذا قالت ليّ امّي .. فيتلاشى الفرح وتنطفأ جذوة الغبطة في داخلي ..فاشعر بهوة عميقة راحت تفصلني عن البنت . فتتملكني رغبة حارة في البكاء ..ولما رأيتها مسمّرة في موضعها تنتظر ان امد يدي لتناول العنقود من يدها ,..ازددت حزنا وسكوتا فبقيت جامدا لا ابدي حراكا .. لكني لمحتها تمضغ حبات العنقود وجعلت تجري متوغلة في المدّيات الخضر .. تلك المدّيات التي انغمرت بسواد حالك منذ حلول البياض العالق في وجه الولد الوافد من المدينة والذي اشاع الخوف والعزلة وضاعف من امتدادات مساحات السواد في روحي . فبدت البنت غريبة عن عالمي المتخم بالسواد ..وكم بكيت لفراقها . ولم ينجدني من توقي اليها سوى النهر .. فشرعت اتوغل كل نهار في الامتدادات الترابية الموصلة الى حافات النهر ........ ولما دخلت الكوخ بسوادي العاري راحت امّي تؤنبني وهي تبحث عن اسمالي وتطلب اليّ عدم العودة الى النهر ولكن اين سامضي نهاراتي السود ......................... / انتهت /



#سعدي_عباس_العبد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شرخ في جدار الذاكرة
- تحت سماء محايدة
- الطفولة ليست بريئة دائما
- كلهم سيهربون
- نزوح صوب مرافىء الجوع والتيه


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعدي عباس العبد - نهارات سود