أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جواد كاظم الدايني - اسطورة التسامح الديني















المزيد.....

اسطورة التسامح الديني


جواد كاظم الدايني

الحوار المتمدن-العدد: 4369 - 2014 / 2 / 18 - 09:06
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



عندما تسود ثقافة التسامح, يصبح تعدد الثقافات والديانات والاعراق والتنوع الفكري, دليل على الرقي الانساني, وليس من شيئ يهدد روح التسامح تلك غير السلطة والدين, والتاريخ كان شاهدا, فلم يكن اياً منهما عاملا لتوحيد الناس, تحت خيمة الانسانية. البساطة والسذاجة هي الصفة الشائعة لاغلبية المجتمعات البشرية, وعادة ما تكون متطلبات هذه الاغلبية بسيطة من " الناحية النظرية " فهي لا تعدوا سوا تأمين العيش الكريم, والعدالة الاجتماعية, لكن حركة السلطة والدين تعمل في مجال ثاني, تشكله الاسطورة والمعتقدات, التي كثيرا ما كانت اهميتها تتضائل قياسا بالمتطلبات المادية. الجريمة التي ترتكب هي الخلط بين المجالين, بشكل انتهازي من خلال التلاعب بأيمان الناس للتحكم بخبزهم والصعود على جوعهم الى السلطة. تضرب علاقة السلطة والدين بجذورها الى النشأة البشرية الاولى, فأولية الدين كان اجابات وتصورات خرافية لما يحيط بالانسان من الطبيعة, ثم تحولت مع الزمن الى ممارسة روحية ومجموعة طقوس تتعلق بالخوف, كما ان الكثير من الانبياء استخدموه كسلاح في حركاتهم الاحتجاجية ضد ظلم واستبداد الحكام ورجال الكهنوت, ولدتمعهماايضالحظةالتأسيسالاولىللدولة, فكانت السلطة تحكم وتستبد وكان الدين يشرعن لها ذلك بحجة انها ارادة الهية. أول من فرق بينهما كانت الثورة الفرنسية, فغادر الدين مجال السياسة وغادرت السياسة مجال الاساطير, وادركت الشعوب ان الحكومات والحرامية من يتحكمون بالحرية والخبز وليس الله, والنضال في سبيلهما لا يأتي بدعوات دينية بل بالثورات الشعبية. وحيثما ينعدم الوعي وتتحكم الخرافات بثقافة الناس وتتوافر طبقة من الانتهازيين, تستمر خديعة الدين والدولة التي تهزأ من عقلية الناس وهم فرحين ومغبطين لذلك.
وعلى هذا الاساس مرت في الدستور العراقي كما المصري فقرة " الاسلام هو الدين الرسمي للدولة "وهي فقرة لا تليق ببلد متعدد الاديان والافكار, كان الاجدر به اعطاء جدية اكبر في احترام الاقليات الاخرى, وغير ذلك, انها تتناقض بالتمام مع مبدأ المواطنة والدولة المدنية, التي يخادع فيها السياسي الطائفي الجديد.الناس لا يهمهم ان تعلن الدولة عن دينها او لا تعلن ما دامت تؤدي واجبها في ضمان العيش الكريم وضمان حرية الرأي والاختلاف وممارسة العقيدة, الشغوفين بالسلطة فقط من يستغلون فقر وجهل الناس وعفويتهم الدينية لتمرير هكذا مادة تسيئ الى الكثييرين من اخواننا في الوطن من المسيحين والايزيدية والصابئة والنخب الثقافية والليبرالية, ولا اعرف كيف يشعر كل هؤلاء, عندما تعتنق دولتهم دينا غير دينهم, وما قيمة المواطنة اذا اشترطت الدولة, الراعية لها, في نفسها مسبقا دينا او طائفة دون غيرها. لا شك ان المسكوت عنههو انهم مواطنون دون الدرجة الاولى, شاء أم أبى المشرع او الشارح لمعنى وقيمة تلك الفقرة الدستورية " المشبوهة ". اذا كان المشرع يرى ان من واجب الدولة حماية وضمان حقوق الجميع على السواء بضمنها حماية حق ممارسة الشعائر الدينية, فلا يشترط بالدولة ان تعتنق دينا دون اخر لتقوم بواجبها, وبهذا الفهم ايضا, فأن لا مبالاة الدولة لشعائر الاخرين تفسير وارد في هذه الفقرة الدستورية. دولة المواطنة تنظر الى اصل الولادة والنشأة, لضمان الحقوق, فما الذي تضمره هذه الفقرة ولا تريد التصريح به؟ وهي تسلب ضمنا حق رئاسة الدولة لغير المسلم, ولا اعتقد ان احدا يجهل هذا الاستخفاف بمبدأ المواطنة. كان يمكن تلافي هذا الحرج ( اذا وجد المشرع في ذلك حرجا ), بالاحتكام الى الى المبدأ الديمقراطي في الانتخاب. كيف فكر المشرع بالدلالات الفقهية والمعنوية واللغوية لهذا النص, هل نحن الدولة المخففة او (المستحية) من الدولة الدينية في تطبيق الشريعة الاسلامية, ام ان المسألة تسطيحية تعكس التزام مؤسسات ونخب الدولة السياسيةبالصلاة والصيام والحج. وفي المستقبل سوف يتم رفض اي مظهر من مظاهر التطور لا يتوافق مع الرؤية الدينية, ذلك ان التطور يعني التغيير نحو الافضل وبضمنها المحاولات الجارية لاعادة قراءة الدين واصلاحه وتجديد قيمه ومعتقداته وهذا سوف يصطدم بلا ريب مع الجمود الديني المعروف, وبما انه لا توجد محددات قانونية للتغيير, لانه عادة سيكون مرهونا بالظروف الموضوعية والموجبة له , لذا سيبقى الامر مفتوحا لأجتهادات التوافق من عدمه. مجموعة المشرعين نظروا الى ضعف الناس امام عقائدهم, وارادو ان يستغلو ذلك ليجعلو من انفسهم مقبولين مسبقا كسياسين طائفيين في اسوء الحالات, انه نوع من النفاق والخداع فالناس تطلب العدل والمساواة اي كانت جهته, والهياج الديني الذي نعاني منه " منفوخ " فيه لاغراض انتخابية وترويجية, والناس لو كفرت لكفر السياسيين انه قانون الانتهازيين.
تفصح هذه الفقرة عن ضعف الثقة بمفهوم الدولة المدنية وصعوبة تقبل اي شرعية خارج الشرعية المقدسة للدين, لذا تبقى الدولة ضعيفة وناقصة مقابل المؤسسات الدينية, وهذا الاقتران يعوض حاجة الدولة للشرعيةوقوة الوجود, فالمؤسسة الدينية هي الاكثر قدرة على توجيه الناس والتأثير في خياراتهم,في حين تحتاج الدولة الحديثة الى افراد يتمتعون بالاهلية الكاملة في الاختيار, وفي المقابل فأن المؤسسة الدينية لن تسمح للدولة بتجاوز ايً من الثوابت الاسلامية, فكان عليها التملق لتلك المؤسسات, وبالاخص المؤسسة الشيعية صاحبة الثقل الديني الاكبر في العراق والمعروف انها تشكل قوة معنوية ومالية لا يستهان بها, واستقلالها عن الدولة واحد من مصادر قوة تأثيرها. استقلال المرجعية الشيعية عن الدولة لا يعني انها تترفع عن العمل السياسي, بل انها تتدخر ثقلها لنوع معين من السلطة ينحصر في الائمة الاثنا عشر من ولد علي وهذا هو جوهر الفكر السياسي الشيعي. على عكس المؤسسة السنية التي غازلت السلطة عبر تاريخها, ثم فارقتها عندما جيرت الاغلبية السلطة للشيعة . بأي حال فنحن لسنا ضد التسمية الدينية, وربما اكثر الدول مدنية مثل فرنسا لا تجد قيمها العلمانية حرجا تجاه تسميتها بالدولة المسيحية,فالدولة ماضية في مدنيتها وعلمانيتها, والمسيحية مرجعية اسطورية تاريخية وثقافية تغذي الجانب الروحي للمجتمع الفرنسي. عند المقارنة بين الفهم الديني للتسامح والفهم العلماني له, ندرك الهوة السحيقة التي تفصل بينهما, فالجمهورية الايرانية الاسلامية مثلا, تحصر التسامح في الحقوق السياسية ناهيك عن الحقوق المدنية, ضمن الملة التي تبارك ولاية الفقيه. وفي مصر يهين الدستور ويجرح وطنية ملايين الاقباط عندما يصر على اسلامية الدولة, اما العلمانية فهي من سمحت للاخوان المسلمين في تركيا للصعود الى سدة الحكم فيها, كما يمكن ان تسمح لغيرهم, واوباما الاسود ذو الاصول الافريقية الاسلامية الذي يعتنق المذهب البروتستانتي, يحكم الولايات الامريكية المتحدة ذات الاغلبية الاوربية البيضاء التي تعتنق الكاثوليكية. هذا هو مصداق التسامح الحقيقي, وهو ان تنظر بمنظار واحد الى عامة الناس على اختلاف اعراقهم ومعتقداته وطوائفهم .
حتى داخل اعتى الديمقراطيات العلمانية في العالم ما زال الخطر الديني قائم ويهدد التسامح الانساني عند اقرب فرصة تضطر فية البشرية للتلويح بالسلاح الديني, فهو لن يتنازل للعلمانية لتحتكر تاريخه الممتد عبر الاف السنين, في حين ان ارثه الخرافي ما زال قائما داخل الذهنية البشرية, ومازال السياسون يطلبون مباركة المرجعيات والبابويات وهم يرددون القسم يضعون ايديهم على الكتب المقدسة بعد ان يتطهروا. لا يمكن نسيان التصريحات الصليبية التي جرت على لسان بوش في حملته العسكرية على العراق ولا رغبة السيد اردوغان بتربية جيل من المحافظين الشباب الجدد.
ما زلنا بعيدين جدا عن فكرة التسامح, رغم اننا اولى بهذه الفكرة من الاخرين, فنحن من اكبر واكثر التجمعات البشرية غنًى بالديانات والثقافات, كما اننا من اكثرها تطرفا وعنفا. وما من شك ان الثقافة التي تهيمن علينا هي الثقافة الدينية, حيث نفتقر لمثيلاتها في الفلسفة والتاريخ والانثربولوجي, ذلك لان الرؤية الدينية تقدم نفسها على انها, رؤية الهية مقدسة وحقيقة مطلقة, مقارنة بأي انجاز بشري يحدث خارج اطر تلك الرؤية . صحيح اننا نجد في النصوص الدينية الدعوة لبناء الانسان وشيوع روح التعاون والتعايش, لكن يبقى المقصود منه الانسان داخل الطائفة او الدين, اما الاخر او المخالف فكان نصيبه من النصوص التكفير والقتل, ونبذه خارج حدود التعريف الديني او الطائفي الضيق للقيمة الانسانية, التي عادة ما تختزل بالانسان المؤمن بدينه.
‏‏2‏/17‏/2014‏ 08:48:26 م

[email protected]



#جواد_كاظم_الدايني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نبوءة سياسية
- الدولة الموعودة
- الإسلام والسياسة والحمق
- الجزيرة ...... و- جلاب القرية -
- هوية ...... بدل ضائع
- الشيوعية ليست كفراً والحاداً
- ايران داخل سجون القبانجي
- مرسي العراقي ونوري المصري اشكالية الماضي وعبثية الحاضر
- سلطة صماء ومعارضة بكماء
- ربيع آخر


المزيد.....




- السيد الحوثي: عداء اليهود الشديد للمسلمين يأتي للسيطرة على ا ...
- فرنسا: ترحيل إمام جزائري مدان قضائيا بـ-التحريض على الكراهية ...
- الحكومة المصرية تصدر قرارا يتعلق بالكنائس
- فرنسا ترحل إماما جزائريا بحجة -التحريض على كراهية اليهود-
- أحباب الله.. نزل تردد قنةا طيور الجنة الجديد 2024 وفرحي أولا ...
- حدث أقوى أشارة لتردد قناة طيور الجنة بيبي على النايل سات وعر ...
- هذا ما ينتظر المسجد الأقصى خلال عيد الفصح اليهودي الوشيك
- حامل ومعها 3 أطفال.. انقاذ تلميذة اختطفتها جماعة بوكو حرام ق ...
- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهداف موقع اسرائيلي حيوي ...
- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهداف قاعدة -عوفدا- الجو ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جواد كاظم الدايني - اسطورة التسامح الديني