أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إدريس ولد القابلة - تزييف الوعي التاريخي














المزيد.....

تزييف الوعي التاريخي


إدريس ولد القابلة
(Driss Ould El Kabla)


الحوار المتمدن-العدد: 4349 - 2014 / 1 / 29 - 22:40
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لا يستطيع أحد أن ينكر أن ثمة أزمة ثقة تشوب العلاقات بين القائمين على الأمور والكثير من المغاربة بخصوص الوعي بالتاريخ وتزييف هذا الوعي. وهي ذات الإشكالية القائمة بين المسلمين وغير المسلمين، علما أن هذه الأزمة محصلة لتراكمات كثيرة تاريخية ومعاصرة بعضها تم بطريق الصدفة والخطأ والآخر وقع عمدا وبسوء قصد . ولا سبيل إلى تخطي هذه الأزمة إلا بمواجهة أسبابها بأقصى قدر ممكن من الصراحة والشجاعة والحسم. فنحن نواجه موقفا يتهدد المسلمين وغير المسلمين والاستسلام له سيقود الجميع إلى قاع أليم والسكوت عليه اشتراك في الجريمة يقترب من التواطؤ وليس أمامنا إذا أردنا لأنفسنا بقاءً واستمراراً إلا أن نستجمع القوى ونتشبث بما تبقى من خير وعقل لدى هذه الأمة لنثبت ونقاوم ونمسك بالزمام قبل أن يفلت. فعلينا أن نتبيّن بوعي مواضع خطانا ونلملم شتاتنا المبعثرة وطاقاتنا المهدورة انطلاقا نحو مستقبل يسع الجميع ويسعد فيه الجميع.
ولن يتأتى هذا إلا بالتخلص من تزييف الوعي والعقول، ولعل أقصر السبل لبلوغ هذا المرمى الوعي بالتاريخ وهي مهمة عسيرة حقا وليست بالسهلة.
ومن الإشكاليات التي تكشف تزييف الوعي والعقول فضية الدين والسياسة. وفي سورة الزخرف ـ الذهب ـ يتبيّن بجلاء كيف تمكّن فرعون من تزييف وعي أهل مصر ـ ونجح في ذلك ـ خلال اللقاء وجها لوجه مع النبي موسى عليه السلام. فهذه السورة تبيّن بوضوح كبير الوعي الكاذب والزائف ، أي كيف نجح فرعون في تزييف وعي قومه وكيف استخوفهم فأطاعوه؟ لكن كيف تأتى له أن يستخّف قومه؟ وما هي المنهجية التي اصطنعها لتزييف عقولهم؟ إنه ادّعى الألوهية والربوبية وصدّقوه في هذا وكذبوا موسى نبي الله الذي نعتوه بالساحر.
تجيب سورة الزخرف على هذا السؤال الكبير بأتمّ الوضوح والدقة، سؤال: كيف يُزيّف وعي الشعوب والجماهير والأفراد والجماعات؟
إنه الذهب والمال، وقد يُقال السلطة، لكن ليس هناك سلطة بدون مال. فالمال يأتي بالسلطة، والمال يمكّن السلطة، وهذه الأخيرة تستمر وتمتد بالمال، وهي تنهار بدون مال. والمال وإن عاش بدون سلطة، فإنه بحدّ ذاته سلطة وأي سلطة. إنها سلطة المال، وهي سلطة أدهى و أخطر من السلطة المجردة. والمال يمكنه أن يتحالف مع صنوف و أنواع من السلطات.
هناك قاعدة دائمة سرمدية، عبّرت عنها سورة الزخرف على الشكل التالي:
ـ وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها ـ أي الأغنياء أصحاب المال والذهب، فهذه قاعدة دائما تقريب، قالوا ـ إنا وجدنا آباءنا على أمة، وإنّا على آثارهم لمقتدون ـ وهذه طبعا ذريعة، فهم رفضوا الحق لأنه تعارض مع مصالحهم وامتيازاتهم. وقالوا كذلك ـ لولا نُزّل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ـ وليس على رجل يتيم أي النبي محمد صلع ، وما معناه لو نزّل هذا القرآن على رجل من القريتين، قريش أو ثقيف، أي صاحب مال وذهب. فمعيار الحقيقة عند هؤلاء السلطة والمال، أي سلطة الذهب وسلطة السيف.
فكل المدنيات وكل الحضارات التي اعتمدت هذا المعيار مآلها إلى خراب وزوال، وكل المستفيدين من تزييف وعي الشعوب والجماهير يعملون ويحرصون على تثبيت هذا المعيار، أي حجة السلطة مقابل سلطة الحجة. لذا ظلت الأمة الإسلامية وعيا دينيا زائفا منذ الفتنة الأولى التي أقرّت بالملك العاض والاستبداد. فليس شرط أنك أقوى فأنت على حق، وحتى لو أنك على حق فهذا ليس شرط . فمنذ أن أغتيلت الخلافة الإسلامية وحلّ محلها ملك عاض إلى اليوم ووعينا الديني زائف، فكل الفرق تظن أن الدين الإسلامي لا يقوم إلا بالقوّة.
فالسياسة في تاريخ المسلمين، مثل كل السياسة في العالمين، دجل وكذب ونصب واستخفاف بالناس وتزييف لوعيهم وتحريف لدينهم من أجل الكرسي. فمن معاوية إلى اليوم ظل الصراع والتدابح من أجل كرسي السلطة. ليكن ذلك، لكن وجب ترك الدين بعيدا عن هذا الصراع المصلحي و ألا يكون باسم الدين. الجميع فعل هذا، استعمل الدين من أجل السلطة. فأجهل أمة بتاريخها هي الدولة الإسلامية، و أ كبر عامل مساعد على تحريف الدين عدم معرفة هذا التاريخ حق المعرفة. ومازال الدين ضحية للسياسة لأن في نظر الكثيرين القوة معيار والغنى والغلبة معيار للحقيقة. علما أنه لا وجود في القرآن مجال لإعمال القوة إلا مجالا واحدا وهو درّ العدوان وردّ العوادي لا غير. كما أن الدين يريد الهداية والبلاغ، وليس تسليط السيف على الفرد أو الجماعة لإكراهه على الرشاد.
فإذا كان من الممكن اللعب بالسياسة فلا يحق اللعب بالدين، لكن التاريخ يفيد أن الدين ظل أقصر طريق لبلوغ المرمى بعد تزييف وعي الجماهير.
فالتاريخ التي يبنى على النوستالجيا والزيف يتحول مع الزمن إلى عامل تخدير خطير يقتل أي حاضر أو مستقبل بالاتكاء على أساطير الماضي . الأمة التي لا تناقش قواعدها بالمكاشفة والشفافية لن تصل إلى شمس الغد ، ولهذا ظل العرب اليوم على هامش الأمم لأنها رقاب تلتفت إلى أمس مزيف ، وخادع للوعي .
لب إشكال العقل العربي مع حقائق تاريخه أنه يخلط ما بين الديني وما بين المنجز المادي البشري ، ولهذا تصبح مواجهة التاريخ معركة مقدسة ، وتصبح مناقشة فصوله وأحداثه ضربا من الصراع مع البنية الدينية ، ولعله لهذا يتراجع المحقق المنصف عن خوض المعركة خوفا من ردة الفعل .
إن العربي تعامل مع التاريخ من منظور مقدس ولم ينظر إليه كعلم إنساني يقبل المحاكاة والجدل. وتحول علم التاريخ إلى جزء من الخطاب الديني، وبالمباشرة تحولت حصة التاريخ إلى مقرر ديني.
ومهما يكن، إن الأمة التي لا تساءل ماضيها بكل شفافية لن تصل لمستقبل.



#إدريس_ولد_القابلة (هاشتاغ)       Driss_Ould_El_Kabla#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المجلس القطري للدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان الاستبش ...
- في الضبابية نحيا
- كيف تقعّد الريع عندنا؟
- متى سنقطف ثمرة ديمقراطية العيش؟
- مصيبتنا عويصة حقا
- اللاجؤون بالمغرب قضية ظل يحوم حولها الضباب الكثيف
- فاضل بنعيش السفير الملكي بالمملكة الإسبانية
- هل تصبح الجزائر قوة الفضائية في عام 2014؟ هل قمرها الصناعي ا ...
- المغرب و-الناتو- أوّل -شريك- إفريقي ومغاربي
- لا نكذب على أنفسنا الأوضاع الاجتماعية والمعيشية ليست على ما ...
- بنكيران يستعين بأربعة حراس شخصيين هل أضحى الوزير الأول يخشى ...
- نحصد ما زرعناه
- تحريف التاريخ طريق مسدود الشباب الجزائري يتفاءلون بقرب سقوط ...
- معضلة زواج المال والسياسة ومصيبة الجمع بين الحكم والاقتصاد
- اتساع مقلق لمد التشيع لكن وزير الأوقاف اختار الصمت
- -عداء مستدام- استراتيجية الاختراق الجزائرية
- في خضم ماراطون السباق نحو التسلح لحفظ التوازن البحرية الملكي ...
- ميزانية الجيش من التمرير مرّ الكرام إلى المطالبة بضرورة الزي ...
- انتهت جولة -كريستوفر روس- الثالثة في الصحراء و لا مخرج واضح ...
- السفير الأمريكي -دوايت ل. بوش-: -يجب أن نكون خائفين من الشبا ...


المزيد.....




- ثلاثة أيام بلياليها في البندقية.. احتفالات زفاف جيف بيزوس ول ...
- -أداة ابتزاز-.. البيت الأبيض يرد على تصريحات ماكرون بشأن الر ...
- حكم جديد بالسجن عامين بحق المحامية والإعلامية التونسية سنية ...
- الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يستقبل المشير الليبي خليفة ح ...
- -بوابة دمشق-.. سوريا تطلق مشروعها الإعلامي الأكبر بدعم قطري ...
- متمردو الكونغو الديمقراطية يستولون على منجم في إقليم كيفو
- ترامب يوقع أمرا تنفيذيا لإنهاء العقوبات على سوريا
- -ما وراء الخبر- يناقش مستقبل المفاوضات الإيرانية مع الغرب
- أكسيوس: أميركا تجري مباحثات تمهيدية بشأن اتفاق أمني بين سوري ...
- سجل إجرامي للمستوطنين بالضفة ضمن لعبة تبادل الأدوار


المزيد.....

- الوعي والإرادة والثورة الثقافية عند غرامشي وماو / زهير الخويلدي
- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إدريس ولد القابلة - تزييف الوعي التاريخي