أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - عبدان عبدالفتاح - الثقافة الشعبية ومدى حضورها في المقررات المدرسية المغربية















المزيد.....

الثقافة الشعبية ومدى حضورها في المقررات المدرسية المغربية


عبدان عبدالفتاح

الحوار المتمدن-العدد: 4336 - 2014 / 1 / 16 - 08:12
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


لا مشاحة أن الثقافة الشعبية المغربية عموما زاخرة بالتنوع والغنى، وذلك راجع لتعدد الطوائف والقبائل المستوطنة لهذا البلد منذ قرون عديدة من عرب وأمازيغ وحسّانيين ويهود...فامتزجت العادات والتقاليد والطقوس بفعل امتزاج هذه الجماعات الإنسانية لتشكيل ذاكرة ثقافية مغربية شبه موحدة على المستوى الرسمي،محافظة على خصوصياتها على المستوى الواقعي والقبلي. وظل انعكاسها الكبير على عقلية وطريقة تفكير المواطن المغربي جليّا وظاهرا من خلال سلوكاته اليومية وتقاليده الاحتفالية وأقواله المناسباتية. ولا يمكن اكتشاف بواطن شخصية هذا الفرد وتطلعاته وتفسير سلوكاته إلا من خلال دراسة ثقافته الشعبية والتقرب من حياته اليومية وتحديد خصائص حياته البيئية. من هنا تكتسي دراسة الثقافة الشعبية أهمّية بالغة وأولوية أساسية لفهم الإنسان المغربي وتحسين أوضاعه المعيشية والعلمية من جهة أولى، والحفاظ على ذلك الموروث الثقافي والعاداتي الغني في عصر تحكمت في مجرياته العولمة التي تسعى إلى اضمحلال التعدد الثقافي والفكري من جهة ثانية .
لا شك أن دراسة الثقافة العالمة لوحدها لا تعطينا الصورة النهائية والدقيقة للمجتمعات على مستوى الواقع، لأن الأنظمة المعرفية التي تنتجها النخب العالمة لا تمثل الذهنيات الاجتماعية التي تعد هي الأساس لاكتساب القناعات ومجال تسود فيه حالة الإيمان والاعتقاد الشعبي, إن الاهتمام بالثقافة الشعبية المغربية اهتمام بجزء مهم من الهوية الحضارية للمغرب، « وإذا كانت الإثنوغرافية الاستعمارية قد جمعت كثيرا من الوثائق، ودرست العديد من الظواهر الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، فإن جزءا كبيرا من الوجوه الحضارية للمغرب تحتاج إلى سبر أعمق وتحليل أدق، بعيد عن إسقاطات النظرة الاستعمارية المغرضة وتناولاته المغلفة بشتى الألوان الإديولوجية والسياسية»(1 )، والتي كانت تسعى فقط لتيسير الاحتلال وبسط النفوذ. وقد حان الوقت لتدوين موروثنا الثقافي وعاداتنا التقليدية الموروثة عن الأجداد حتى نمنّعها من الزوال، ونمررها للأجيال اللاحقة على الدوام، مع تصحيح هفواتها المجانبة للصواب، وتصويب عقائدها المغلوطة، وتشذيب فروعها وزوائدها، لتكون للأجيال القادمة تراثا غنيا، وزادا ثقافيا يغترفون من ينابيعه لإشباع أفكارهم وازدهار حضاراتهم، لأن الشعب الذي لا يملك زادا وتراثا ثقافيا عريقا موروثا عن الأسلاف يتأصل منه وتتجذر حضارته فيه، فهو شعب لقيت لا قيمة له بين الأمم.
بيد أن تعريف الثقافة الشعبية يستعصي على الدارس، لكونها ذات سيول متشعبة وحقول متعددة، فهي "منظومة متكاملة من المعارف والقيم والرموز والمعايير والمعتقدات والأعراف والتقاليد والعادات والقوانين والقواعد ونماذج التفكير والفعل التي يقوم عليها نمط عيش، ورؤية للعالم لدى جماعة أو مجتمع معين محدد في الزمان والفضاء"( 2)، لذلك فاليومي المعيش هو الذي يؤطر حركة الحياة في المجتمع ويسيرها، وهو أيضا المتحكم في توجيه الوعي الجماعي لدى الشعوب المختلفة، وفي ذلك الوعي الجمعي تنصهر التجارب الإنسانية الموروثة والمكتسبة من خلال التعايش مع البيئة والمحيط عامة. "فالثقافة ليست هي التعليم وإن كان أحد الأسس الضرورية لتكوينها، وليست هي التربية وإن كانت من قنوات انتقالها، ولا العلم ولا الأديان ولا المعتقدات والمذاهب، وإنما هي مجموعة مكتسبة من الخصائص والصفات تحدد للإنسان نوعا متميزا من السلوك، يقوم على مجموعة من القيم والمثل والمفهومات، يرثها الفرد ويتمسك بها ويحرص عليها"( 3)، فتصبح هذه الصفات سمة مميزة لعقليته ونفسيته وأيضا لشخصيته الاجتماعية. ولا يمكن فهم هذا الإنسان إلا من خلال إدراك الحياة الاجتماعية التي يعيشها الأفراد وإيجاد تفسير لكل سلوكاتهم من خلال معايشة حياتهم والتقرب منها ودراستها. ومن بين أبرز التعاريف التي قدمت للثقافة الشعبية تعريف الأنثروبولوجي E .B.TYLOR الذي اعتبرها "ذلك الكل المعقد الهائل الذي يتضمن المعرفة والعقيدة والفن والأخلاق والقانون والعادة وكل القدرات التي يكتسبها الإنسان باعتباره عضوا في المجتمع"( 4). ونستشف من كل هذه التعاريف أن الثقافة الشعبية تتبوأ مكانة هامة في الدرس العلمي الحديث، لكونها بوتقة تتقاطع فيها ثقافة الأفراد المنتمين لمجتمع معين، وتنصهر فيها تجاربهم
ورغم الجهود المبذولة من طرف الكثير من الباحثين في إعادة الاعتبار للثقافة الشعبية العربية وإحلالها المكانة التي تستحق، فإن الواقع يؤكد أنها ثقافة هامشية غير معترف بها رسميا، ولا تنال إلا النظرة الدونية من طرف المسؤولين على وضع البرامج التعليمية بالبلدان العربية، ويكفي في ذلك أن نشير إلى غيابها الشبه التام في المؤسسات الرسمية الساهرة على التعليم في مستواياته جميعها بالمغرب على سبيل المثال.
فالأدب الشعبي بمختلف أشكاله التعبيرية، يظل غائبا عن المقررات المدرسية بالمرحلة الثانوية الإعدادية، باستثناء بعض النصوص القليلة التي تم إدرجها في مقرر اللغة العربية، إذ نجد في المفيد في اللغة العربية للسنة الأولى إعدادي نصا وظيفيا مدرجا في المجال الفني والثقافي يحمل عنوان " رقصة أحواش" لأندري باريس وترجمة حسن جلاب، ويُعرف النص بفن أحواش والطقوس والعادات التي يتبعها الأمازيغ في تنظيم الاحتفالات الدينية والليالي الموسيقية، مع إبراز المظاهر الخارجية للمحتفلين من جهة اللباس والملامح والحركات التي يقومون بها في انسجام وتناغم مع النغمات الموسيقية للبنادير والطبول... وفي نفس المجال من المقرر نفسه نلفي نصا تطبيقيا معنونا ب"الأمثال" مقتبس من مجمع الأمثال للميداني(5) ، يحكي عن قصة لضبّة بن أدٍّ الذي كان له ولدان أحدهما سَعْد والآخر سُعَيْدُ، فضاعت إحدى إبله وأرسل وَلديه في طلبهما، فسار كل منهما في اتجاه، فوجدها سعْد وردّها، ومضى سُعيْد في طلبها، فلقيه الحارث بن كعب وقتله وأخذ بُرْديه. ومرت سنين بعد ذلك وحج ضبة ابن أدّ وقصد عكاظا، فوجد بها الحارث ورأى عليه بردي ابنه فعرفهما، فبادره بالسؤال عن مصدرهما، فأخبره بأنه وجدهما عند غلام، ثم قتله واستولى عليهما. فطلب ضبة سيف الحارث ليتأكد من صرامته، ثم قتله بغتة انتقاما لولده.
أما في مقرر السنة الثانية من الثانوي الإعدادي ( في رحاب اللغة العربية) فنعثر على نصوص على قِلتها تؤرخ للتراث الشعبي المغربي وتنكب على دراسته، كالنص التطبيقي الوارد في الصفحة 207، والذي يحمل عنوان "الحلقة" (6)، إذ يعرف هذا النص الناشئة بفن الحلقة باعتبارها فرع من المسرح الشعبي، يعتمد على الحكاية والإيماءات والألعاب البهلوانية... ويُقدم بشكل مباشر للجمهور في الأسواق وساحات المدن وغيرها. وإلى جانب هذا النص يوجد في الصفحة 215 نصا آخر يعرف بطرب الآلة أو ما يسمى في الأدب الشعبي بفن الموشح الذي ابتدعه الأندلسيون في أوج ازدهار حضارتهم، ثم انتقل إلى المغرب مع ركاب الوافدين من الأندلس، وخاصة في العصر المريني في أوائل القرن السابع الهجري، مما يؤكد – حسب ما جاء في النص – مغربية هذه الموسيقى وأصالتها، وانتماءها إلى التراث العربي المتشكل في المغرب والأندلس معا.
بينما في مقرر السنة الثالثة إعدادي ( المختار في اللغة العربية)، فنلاحظ غياب تام لمكون الثقافة الشعبية في هذا المستوى الدراسي، الذي يعد مرحلة انتقالية هامة في التوجه إلى أحد المسالك التعليمية بالمرحلة التأهيلية. ويحتوي هذا المقرر على نصين حكائيين فقط مقتبس من ألف ليلة وليلة ومدرجين في مكون التعبير والإنشاء قصد تدريب التلاميذ على تخيّل حكايات عجيبة.
ومن خلال دراستي أيضا لمقررات اللغة العربية المبرمجة في مختلف شعب التعليم الثانوي التأهيلي، سواء منها الشعب العلمية أو الأدبية، وجدتها لا تتضمن البتة أي نص أو محور أو مجزوءة خاصة بالآداب الشعبية في مضامينها، إذ تبقى الأجناس الأدبية الرسمية بمختلف أشكالها أكثر هيمنة على مقررات شعبة الآداب والعلوم الإنسانية، و قضايا العولمة والتواصل والحداثة أكثر تداولا في مقررات الشعب العلمية.
إن الإغفال المقصود أو العفوي لدراسة الثقافة الشعبية بمختلف المستويات التعليمية له بالغ الأثر السلبي في تشكيل عقلية المتعلمين وتحديد هُوياتهم المستقبلية. فإذا كانت غاية التربية الاجتماعية عموما تتغيى نقل المعارف والتجارب والعادات والسلوكات الإيجابية التي راكمها مجتمع الراشدين إلى الأطفال بهدف إدماجهم في المجتمع والحفاظ على قيمه وضمان استمرار هويته الثقافية والدينية، فإن المدرسة المغربية، من خلال مقرراتها وبرامجها، غير قادرة على تكوين مواطن مغربي صالح، يتسم بفرادة هويته الثقافية والاجتماعية، ومتشبع بعادات وتقاليد مجتمعه، وواع بخصوصيته الثقافية ومتشبث بها؛ ومرد ذلك إلى تغييب مكون الثقافة الشعبية المغربية والعربية من المقررات المدرسية، في حين يتم التركيز على الثقافة الرسمية وآدابها، والتي صارت تغرف من الأنموذج الثقافي الغربي في الكثير من علومها ومناهجها، وتتخذ منه مثالا يحتدى به سواء في الشكل أو المضمون، مما جعل الطفل المغربي يعيش خواء اجتماعيا، وينظر نظرة ناقصة إلى الثقافة الشعبية لمجتمعه، باعتبارها مظهرا من مظاهر التخلف والانحطاط، وفي المقابل يُجلّ ويقدس الثقافة الغربية.
وفي خضم هذا الاكتساح الهائل الذي تحدثه العولمة في المأكل والمشرب والملبس والأسواق والمدن والبلدان لتجعل من كل شيء طرازا واحدا، ومن الحياة أينما كانت على نمط واحد، وبأسلوب متشابه، في هذا الخضم الذي يكرس أنموذج القرية الكونية ستضمحل شيئا فشيئا خصوصية كل أمة، وعلى المدى البعيد ستمحى هُوية كل شعب من شعوب العالم لعدم قدرة المكونات الأساس لهذه الهوية – مهما كان تجذرها – على مقاومة هذا التيار أو حتى مجرد الصمود في وجهه محققة ثباتا ورسوخا، في ظل الغفلة عن ترسيخ الوعي بالذات وتأكيد الانتماء إلى الوطن والأمة(7) . إن الحفاظ على الهوية الثقافية لأي شعب من الشعوب في عصر العولمة، التي أزالت الحدود وكسرت القيود بين البلدان، ينطلق من إدماج مكون الثقافة الشعبية في البرامج التعليمية، وذلك بهدف إبراز التراث الشعبي الخاص بكل أمة من الأمم، وتعرف أجيالها الصاعدة على ما راكمه أجدادهم من معارف وعادات وتجارب للوعي بها والاستفادة منها وتطويرها لبناء مجتمع حضاري متماسك ومحافظ على خصوصيته الثقافية والاجتماعية، وبذلك سنمنع تراثنا الشعبي الزاخر من الزوال ونضمن تعددا ثقافيا وفكريا غنيا ومتنوعا.


1- الثقافة الشعبية المغربية (الذاكرة والجمال والمجتمع): محمد أديوان، مطبعة سلمى، الرباط،2002م، ص:146.
2-مصطفى محسن في تقديمه لكتاب : موسيقى آسفي : نماذج وتجليات:علال ركوك ، ط1، ربانيت،الرباط،2005، ص:5.
3- الأدب الشعبي المغربي :إدريس كرم، ط1، منشورات إتحاد كتاب المغرب، الرباط،2004، ص:10.
4- الاجتماع الثقافي : مدبولي جمال ، ط1، 1979،ص:17.
5-مجمع الأمثال : الميداني، الجزء الأول، ص 197.
6- نص الحلقة مقتبس من كتاب أبحاث في المسرح المغربي للدكتور حسن المنيعي.
7-علي عبد الله خليفة : الثقافة الشعبية : مجلة علمية متخصصة، العدد الثالث، أكتوبر 2008، ص 3.








#عبدان_عبدالفتاح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- صديق المهدي في بلا قيود: لا توجد حكومة ذات مرجعية في السودان ...
- ما هي تكاليف أول حج من سوريا منذ 12 عاما؟
- مسؤول أوروبي يحذر من موجة هجرة جديدة نحو أوروبا ويصف لبنان - ...
- روسيا تعتقل صحفيًا يعمل في مجلة فوربس بتهمة نشر معلومات كاذب ...
- في عين العاصفة ـ فضيحة تجسس تزرع الشك بين الحلفاء الأوروبيين ...
- عملية طرد منسقة لعشرات الدبلوماسيين الروس من دول أوروبية بشب ...
- هل اخترق -بيغاسوس- هواتف مسؤولين بالمفوضية الأوروبية؟
- بعد سلسلة فضائح .. الاتحاد الأوروبي أمام مهمة محاربة التجسس ...
- نقل الوزير الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير للمستشفى بعد تع ...
- لابيد مطالبا نتنياهو بالاستقالة: الجيش الإسرائيلي لم يعد لدي ...


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - عبدان عبدالفتاح - الثقافة الشعبية ومدى حضورها في المقررات المدرسية المغربية