أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زيد مظفر الحلي - الصورة الشعرية في الشعر العراقي (نازك الملائكة) إنموذجا















المزيد.....

الصورة الشعرية في الشعر العراقي (نازك الملائكة) إنموذجا


زيد مظفر الحلي

الحوار المتمدن-العدد: 4327 - 2014 / 1 / 6 - 19:19
المحور: الادب والفن
    


إذا نظرنا إلى المعاجم الأدبية في تعريف الصورة , فإنه لا يتجاوز ( التشبيه , والاستعارة والمجاز والكناية , أو لغة التجسيد والتشخيص ) ويربطها بعض النقاد بالبناء الفني للقصيدة . وإذا أردنا أن نبحث في تراثنا العربي لوجدناه متصل بالخيال , والخيال : هو القوة السحرية التي تجعل من الفنان قادراً على أن يصوغ من القديم صورة رائعة ومألوفة فيها معنى الجدة والنظارة , أو القوة الكامنة التي تربط بين الأشياء الغريبة والمختلفة .
أما النقد الحديث فينظر إلى الصورة على أنها مظهر لمركّب عاطفي وعقلي في لحظة من الزمن , هذا ما ذهب إليه أزرا باوند أما إليوت فنظر إليها على أنها معادل موضوعي يلجأ إليه الشاعر لتجسيد عواطفه وأفكاره دون البوح بها على نحو ذاتي موضوعي , أو هي على حدّ تعبيره مجموعة من الأشياء والمواقف أو سلسلة من الأحداث تكون بمثابة صورة للانفصال الخاص بحيث متى ما استوفيت الحقائق الخارجية _ التي يجب أن تنتهي إلى تجربة حسية _ فإن الانفعال يثار أثارة مباشرة , أو هي تجسيد لما يعانيه الإنسان من الألم وخلجات مكبوتة في صور تظهر على شكل لغة _ إيحائية مباشرة أو رمزية _ ولهذا فالصورة لا يمكن أن تنفصل عن اللغة لأنها انبثاق عن اللغة . والصورة الشعرية لها ارتباط مهم بتجربة الشاعر الخاصة , وجمال الصورة يتوقف على عناصر كثيرة منها حرارة العاطفة وقوة الانفعال , وقدر كافي من الخيال الذي يجسد الصورة ويبرزها أبرازاً كافياً وقدرة على توفير الوسائل الفنية كاللون والحركة واللفظة المؤدية الموحية والكلمة الظليلة . وامتلكت نازك الملائكة قوة التصوير التي جعلتها قادرة على أن توصل المعاني بلغة عذبة وشفافة تفيض ألماً وحزناً من ذلك قصيدتها ( الراقصة المذبوحة ) التي جعلت الضحية تتصارع تحت قوتين : هما الجرح , والثورة . تقول :
أَسكتـــــــي الجُــــــــــرْحَ حَـــــــرامٌ أن يئنّــا
وابسمي للقاتـــــل الجــــاني افتتانـــــــــا
إمنحيــــــــه قلبَـــكِ الحــــــــــــرّ المُهانــــــا
ودعيـــــه ينتشــــــــي حَـــــــــــــــــزّاً وَطعْنـــــا
وارقصـــــي مذبوحـــــةَ القلــــب وغنّــــي
واضحكي فالجُرْحُ رقصٌ وابتسامُ
على الرغم من إدراك المذبوحة بهذا التطور الحاصل في نفسها , وإحساسها بالثورة والانتفاض على الجلاد , لكن هذه الانتفاضة هشة لا يمكن أن يكتب لها النجاح ؛ لأنها داخل سجن العادات والتقاليد الصارمة , وإحساسها بثقل قيود المجتمع , لذلك رجعت عن ثورتها , وعادت إلى الواقع الاجتماعي ( فاتركيه واعبدي القيد المهينا ) وهذا جعلها تعود إلى الانكسار وإلى مرجعية من ألفاظ ( منّة منّة / جنون جنون ) وتكرار المقطع الأول دليل على رضوخ المذبوحة إلى حكم الجاني وإلى مدية الجلاد وقيود المجتمع المهينة , وقولها ( اسألي الموتى الضحايا أن يناموا ) شعورها بالانكسار وعدم الانتصار لهذا أخبرت الموتى بخيبة أمل ثورتها في الانتصار ؛ لأن السجن والتقاليد أكبر من أن تخرج عليها وحدها لهذا اعتكفت وآثرت العزلة النفسية .
أما قصيدتها ( يوتوبيا في الجبال ) :
تفجري في الغروب
وشيدي يوتوبيا من قلوب
من كل قلبٍ لم تطأهُ الحقودْ
ولم تدنسهُ أكفُّ الركودْ
من كلِّ قلبٍ شاعريٍّ عميقْ
لم يتمرَّغْ بخطايا الوجودْ
من كلِّ قلبٍ رقيقْ
مستغرقٍ في حُلمه لا يُفِيقْ
نشهد صيغة ملكوت الاتزان النفسي يتدفق ( عينا ) تهدي صاحبتها سواء السبيل فتكتنفها حالة روحانية , لبناتها : القلوب الصافية التي لم تدنسها الأحقاد . وبذلك يغمرها نور الأحلام التي تملأ يوتوبيا الشاعرة زيتا .
واستخدمت مع الصورة الرمز لكن هذا الاستخدام ينحصر في الصورة ولا يمتد على رقعة القصيدة بكاملها مباشرة : تفصح الشاعرة عن موضوع التجسيد والتشخيص ولا تتركه لحدس المتلقي واستعداده النفسي. والتجاء الشاعرة إلى الصورة الرمزية يمثل أحد ملامح الخوف والانعزالية التي تعاني منها الشاعرة وخصوصاً إذا كان الرمز يستخدم في قصائد الحب . ولو اطلعنا إطلاعاً سريعاً على دواوينها لعثرنا على إن مجمل الرمز جاء في قصائدها العاطفية , والسبب وراء التجاء الشاعرة الى الصورة الرمزية لتخلص من قيود المجتمع وسلاسله المجلجلة , وخصوصا إذا كانت الشاعرة تعيش في مجتمع محافظ , ويتضح هذا في قصائدها ( الخيط المشدود إلى شجرة السرو , والأفعوان , ومرّ القطار , وتواريخ قديمة جديدة , ويحكى أن حفارين , وعندما قتلتُ حُبّي , والزائر الذي لم يجيء ) .
فقصيدتها ( الخيط المشدود إلى شجرة السرو ) هي قصة شاب فوجىء بموت حبيبته , وعندها يصاب بشرود ذهني وذهول عميق وتعتريه حالة هذيان ( تيار اللاوعي ) تجعله يردد الكلمة الجوفاء الخالية من كل معنى في الفضاء الواسع . فتصيبه الصدمة ويغدو كالسكران فيتنقل بين الدهاليز ويصرخ ( إنّها ماتتْ ) هذه الكلمة التي يرددها لا إراديا . هي استدعاء من اللاوعي لتذكر الخبر المفاجيء , ثم يعود مرة أخرى إلى العقل المصدوم ليقنع نفسه بأنه لم يسمع من أخت الحبيبة فيقع طرفه على الخيط المشدود ويبدأ يسأل نفسه من شده يا ترى ؟ ولِمَ شده ؟ ويطول به الوقت وهو يحاول إن يعثر على جواب لتساؤلاته , وهو غائب عن الوعي , ويعبث به تارة وتارة يلفه حوله أبهامة . والقصيدة بالأساس ليس موت الحبيب وإنما هي إسقاط فهي حالة موت ذاتي أصاب الشاعرة عندما صُدمت بعدم رجوع حبيبها فأخذت تتذكر الخيط والبيت والشجرة ... تقول :
ويَصِرُّ البابُ في صوتٍ كئيبِ النَبَراتْ
وتَرى في ظُلْمة الدهليزِ وجهاً شاحباً
جامداً يعكِسُ ظلاً غاربا:
"هلْ...؟" ويخبو صوتُكَ المبحوحُ في نَبرٍ حزينْ
لا تقولي إنها ..."
"يا لَلجنونْ!
أيها الحالمُ , عَمّن تسألُ ؟
"إنها ماتتْ"
وتمضي لحظتانْ
أنت ما زلتَ كأنْ لم تسمعِ الصوتَ المُثيرْ
جامداً , تَرْمُقُ أطراف المكانْ
شارداً , طرْفُكَ مشدودٌ إلى خيطٍ صغيرْ
شُدَّ في السروة لا تدري متى ؟
ولماذا ؟ فهو ما كانَ هناكْ
منذُ شهرينِ . وكادتْ شفتاكْ
تسألُ الأختَ عن الخيطِ الصغيرْ
ولماذا علَّقوهُ ؟ ومتى ؟
ويرنُّ الصوتُ في سمعكَ : " ماتتْ..."
"إنها ماتتْ..." وترنو في برودِ
فترَى الخيطَ حِبالاً من جليدِ
عقدتها أذرُعٌ غابت ووارتها المَنُونْ
منذ آلافِ القُرونْ
وتَرى الوجهَ الحزينْ
ضخَّمتْهُ سحُبُ الرُّعب على عينيكَ."ماتتْ..."
بدأت القصيدة بالوصف السردي للمكان والزمان ( سواد الشارع , ولون الدياجي , وشجرة الدفلى , وصوت اضمحل ) والضمير ( هو ) ثم يتحول المقطع الثاني إلى الضمير ( أنا ) هكذا تستمر في نقل الحوار حتى تصل إلى العقدة , ثم الحل . القصيدة ترتكز على شيئين هما : لفظة ماتت , والخيط .
فالأولى تبدو كالافعوان , أو إنها كالمشنقة التي تطوق كل مرة عنق الحبيب بألم وحزن أشد من سابقتها . والثاني يمثل الاستفراغ النفسي , وكأنه يسحب صدمة المحبوب وهذيانه .
وكذلك مجيء المحبوب إلى البيت عندما كان متوهما إنه سيلقاها في بيت العائلة , هذا يعني أنها تعاني من الطوق الاجتماعي . وأظن البيت الذي وصفته هو بيتهم الثاني في ( الكرادة ) الذي تحدثت عنه طويلاً في سيرة حياتها . الشاعرة حللت نفسية المحب من خلال المنلوج الداخلي الذي عكس حالته النفسية ( القلق , الحيرة , التردد , التعب ) والخيط يدل على تعذيب المحب وانسحاقه تحت مظلة الماضي ؛ لأن الخيط يذكره بالماضي الحزين الضائع . وكان له الدور المهم في بناء القصيدة , لذلك كانت الشاعرة موفقة حين جعلت الحبيب يقطعه ويلفه على إبهامه , ويعهد به من وعي منه ؛ لأن قيامه بذلك تلميح إلى تحمّله مسؤولية ما حدث , فكان إن عاد به مقطوعا وهو تلميح آخر إلى الانفصام الذي لم يعد يمتلك غير الذكرى التي يحاول الاحتفاظ بها .
وقصيدتها ( الأفعوان ) عبّرت الشاعرة عن الإحساس الخفي الذي يعتلي النفس الإنسانية أحيانا بإن قوة مجهولة تطاردها مطاردة نفسية ملحّة , حتى لا تجد مهرباً للخلاص منها :
أين أمشي , مللتُ الدروبْ
وسئمتُ المروجْ
والعدوّ الخفيُّ اللجوج
لم يزل يقتفي خطواتي , فأين الهروب ؟
لم تترك طريقا إلا وسبرت أغواره , لكنها سئمت من المشي والعدو اللجوج والمروج لا زالت تلاحقها كالظل , وما تزال تقتفي خطواتها في كل مكان وطريق . أين يمكن لها الهروب من هذا العدو اللجوج ؟
إن هذا الخوف الذي يطارد الذات الإنسانية خوفاً مبالغ فيه ومرضي من نوع من المثيرات والأوضاع وأنواعه كثيرة ويختلف من إنسان لآخر , لذلك عبرت عنه الشاعرة ترميزاً بالأفعوان وحاولت الخلاص منه باللجوء إلى لابرنث سحيق .
وقد ترسم صورة مشهد من مشاهد الطبيعة يمثل حالة إسقاط لنفسيتها . تقول :
كان المـــــغرب لـــــونَ ذبـــــــــــيحِ
والأفْـــق كآبـــــــــــــة مجــــــــــــــــــروحِ
والأشبــــــاح الغامضة اللون تجــــــوسُ الظلمـــةَ في الآفــــاق
والنــــــهر ظنــــــــــونٌ ســــــــــــــــوداءُ
والريــــــــــــحُ مــــــــــــراوحُ نكــــــــــــــــراءُ
والضــــــــــــــــــــفّةُ أرضٌ جــــــــــــرداءُ
تمضغها الظلمة في استغراقْ
كانت خطوات الظلمة ترطم جو الشاطىء في استغراق
والصمت يفكــــر في الأحـــــداق
فالصورة المشخصّة في هذه اللوحة تقوم على عنصر التهيئة النفسية بما تظلل على اللوحة من عناصر الغروب : الألوان , والأشباح , والأحاسيس , والظلال , والحركة , والانفعال , فكلها صور حزينة مكتئبة تقوم على عنصر تجسيم الوهم وتشخيصه , وبث الحركة والحياة فيه لتصبح فيه حياة مستقلة .



#زيد_مظفر_الحلي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصيدة النثر استقراء منشئيه الرفض
- شعرية اليومي والمألوف في الشعر العراقي الحلقة الاولى
- اللغة الشعرية عند الماغوط
- الاغتراب الروحي في شعر نازك الملائكة
- شعرية المكان في شعر باسم فرات
- التناص الديني في شعر محمود درويش


المزيد.....




- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زيد مظفر الحلي - الصورة الشعرية في الشعر العراقي (نازك الملائكة) إنموذجا